احمد هاشم الحبوبي |
إنّ تخبط واضطراب
الموقف العراقي أمر اعتدنا عليه، ولكن هذه المرّة له اسباب اضافية؛ فما جرى في مصر
أرعب كل قوى «الإسلام السياسي» في الشرق الاوسط، وليس «الإخوان» فحسب، فالمصريون
وضعوا بداية نهايته وأوقفوا مـَدّهُ الذي يعصف بالمنطقة منذ سنة 1979 (الثورة
الايرانية والاحتلال السوفييتي لأفغانستان). لذا فإنّ مَصاب الإسلام السياسي
العراقي، بشقـّيْهِ الشيعي والسُنّي، بسقوط دولة «إخوان» مصر واحِدٌ وجَلـَل. فالإسلام السياسي العراقي كله ليس بخير، فكل عيوب «الإخوان» تكاد تكون
مكررة بحذافيرها فيه، فمراجعة موضوعية لأداء الإسلام السياسي (الشيعي
والسُنّي) في العراق منذ عشر سنوات تؤكد لنا أنهم ما كانوا افضل اداء من «إخوان» مصر. ويعود الفضل في بقائهم في سدة الحكم الى
الاشتباك المذهبي والثروة البترولية التي تغطي بعض فشل السلطة الحاكمة.
إن النزاع الدائر في العراق ما هو إلاّ نزاع بين جناحين إخوانيين أحدهما شيعي
والآخر سُنّي، فستراتيجية الإسلام السياسي قائمة على إلغاء الآخر، سواء كان من
المذهب المخالف أو نفس المذهب. وهذا ما يجري فعلا في العراق، فالصراع محتدم بين
حزب الدعوة الإسلامية و«إخوان» العراق منذ
2003 الى اليوم. كما ان الخلاف كبير وشبه دائمي بين كل من حزب الدعوة والتيار
الصدري والفضيلة والمجلس الإسلامي، ولا تلتقي هذه الاطراف (كلها او بعضها) إلاّ
بضغوط ووساطات اقليمية او لمصلحة آنية يقصد من ورائها جني مكاسب لصالح هذا الطرف
او ذاك على حساب الطرف المغيب. وحصل هذا في مفاوضات تشكيل حكومة الرئيس نوري
المالكي وعند تشكيل الحكومات المحلية في المحافظات. لهذا فمن غير الممكن «ألا تحاصر
(الحكومة = حزب الدعوة الاسلامية = الجناح الشيعي للإخوان المسلمين) «إخوان»
العراق من كل الجهات، فتجبرهم على خيار الذوبان في مشروع التنظيم الدولي كلياً،
وهو خيار لم يكن مفضلا لديهم، لاختبارهم ممكنات ومستحيلات الساحة السياسية في
العراق منذ عشر سنوات» كما يتمنى الصميدعي.
الموقف الوحيد
الواضح والمباشر من احداث مصر جاء من الحكومة السورية التي تخوض حرب بقاء مع «إخوان»
سوريا الذين يتزعمون المعارضة الإسلامية المسلحة، لذا كانت اول المرحبين بسقوط
دولة «الإخوان المسلمين الأولى» في القرن الواحد والعشرين. وكذلك فعلت الماكنة
الاعلامية (اليسارية والشيعية) اللبنانية التي هللت لسقوط حكم المرشد، ولكننا لم
نسمع تعليقا رسميا لحزب الله او حركة أمل مما جرى. اما ايران فقد اعتبرت ما جرى في
مصر انقلابا ودعت المصريين لمناصرة الشرعية المتمثلة بمحمد مرسي. وأسباب التباين في
الموقفين السوري والإيراني واضحة.
لا اتفق مع السيد
الصميدعي في تصنيف السعودية والإمارات بانها قوى اعتدال، فالدعم المالي والعسكري
اللذان تقدماهما هاتان الدولتان لإسلاميي سوريا يكاد يشكل العمود الفقري الذي يمنح
المعارضة السورية المسلحة اسباب الاستمرار والبقاء رغم ان من يتحكم بها هم «إخوان»
سوريا بلا منازع. اما الكويت فهي الدولة
العربية الوحيدة التي تتفق اعمالها مع افكارها واقوالها، وهي الوحيدة التي تستحق
ان توصف بالاعتدال والنضج. ولكنني اتفق مع الصميدعي على ضرورة ان تكون لنا افضل
العلاقات مع السعودية والامارات. أما الاردن التي يقيم دوما في غرفة العناية
الفائقة، فمليار دولار يذهب بها يمينا، ومليار آخر ي يسارا، وليس لها سوى ثابتين؛
رضا أميركا وإسرائيل.
اطمئن الاستاذ
الصميدعي بأن كل الاحزاب الاسلامية (وليس الإخوان المسلمين وحدهم) الحاكمة في
الشرق الاوسط والعالم الاسلامي تحتفظ بأفضل العلاقات مع أميركا، وتبذل قصارى جهدها
لادامة هذه العلاقة. أما السيناريو الذي قدمه الصميدعي على انه «آليات الأخوان في تحقيق مشروع خلافتهم«،
فلم يخلو من بعض المبالغة واللاواقعية.
لم يقدّم الإسلام
السياسي حلاً مفيدا لأيٍ من مشاكلنا الكبرى. وكل ما سنجنيه منهم هو تقسيم المقسم إلى دويلات مذهبية وعرقية
تنازع بعضها البعض الى أجلٍ غيرِ معلوم. إن الاحزاب (والشخصيات) الإسلامية الحاكمة
في العراق مشمولة بارتدادات زلزال مصر، فنحن، شئنا ام أبيْنا، أمة عربية مترابطة.