السبت، 5 أبريل 2014

اغتيال الشيخ محمد سعيد البوطي..استنساخ التجربة العراقية


احمد هاشم الحبوبي
فيما يبدو انه استنساخ لكل مرارات «الحالة العراقية»؛ اضاف تكفيريو سوريا، في الحادي والعشرين من آذار عام 2013، المساجد إلى قائمة اهدافه في سوريا. حيث اقتحم انتحاريٌ يرتدي حزاماً ناسفا مسجدَ الإيمان في منطقة المزرعة وسط دمشق، وفجّر نفسه بداخله، ما ادى إلى مقتل رئيس «اتحاد علماء بلاد الشام» الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي و(50) شخصا اخرين، بينهم حفيده، كانوا يستمعون إلى درس ديني.

وُلد البوطي عام (1929) على ضفاف نهر دجلة في تركيا، عند نقطة التلاقي بين حدود سوريا والعراق وتركيا، في مدينة «جيلكا» التابعة لجزيرة ابن عمر المعروفة بجزيرة «بوطان». ونال شهادة الدكتوراه في اصول الشريعة الاسلامية من جامعة الازهر في العام (1965). ويتحدث البوطي اللغات العربية والكردية والتركية بطلاقة، إضافة إلى الانكليزية. وهو «علاّمة الشام»، و«رأس شيوخ الدين فيها، فالرجل بتاريخه المديد، وتنوع أدواته العلمية، جلس فوق قمة الهرم الديني والعلمي في سوريا».

كما خاض البوطي معارك شهيرة مع الداعية السلفي السوري محمد ناصر الدين الألباني. وكتب البوطي في هذا المجال كتاب «اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية»، وكتاب «السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي».  ودخل، في عقود سابقة، في سجالات فقهية مع الجماعات الدينية المسلحة، تحت عنوان «الجهاد»، وكان ذلك على خلفية مواجهات «الإخوان» مع نظام الأسد الأب، وألـّفَ في هذا الشأن كتابه الشهير «الجهاد في الإسلام» سنة 1993. وبذلك فإن خصومة البوطي مع السلفيين قديمة وأصيلة.

وحين اندلعت الأزمة في سوريا، رفض البوطي اعتبار ما يجري في سوريا ثورة. وناصَرَ الدولة «في حربها على الإرهاب والجهل». وقبل خمسة ايام من اغتياله، وصف الثورة السورية بـ«الحرب العالمية التي يستخدم لها إخوة، بل تستخدم لها أقاليم من شتى الأطراف، ويستخدم لها جيوش من الأخلاط والأمشاج المرتزقة الذين صنعتهم أميركا والذين يُسَمّون «القاعدة» وذيولها، ويستقدم لها أطنان الأسلحة وتقذف من شتى الأنحاء إلى سوريا التي وصفها رسول الله بأنها قلب في داخل الشام».

لم يكن للبوطي أي حراس شخصيين. وكان بإمكان القاتل ان يغتاله وهو في طريقه إلى المسجد ببضعة اطلاقات أو بنفس الحزام الناسف، مما كان سيقلل عدد الضحايا من القتلى والجرحى. إلا ان قاتليه ارادوا له موتا مدويا يشفي غِلـّهم ويملأ وقعه الافاق ويدمي قلوب محبيه ومريديه، وهم كثر. وقد نجحوا في ذلك أيما نجاح.

ان منفذي اغتيال البوطي استحضروا كل خبراتهم التي اكتسبوها من حرب العراق، وطبقوها في سوريا؛ فقد  زرعوا  عبوة ناسفة في حوض زراعي عند باب جامع الإيمان معدّة للتفجير أيضاً، وسط استنتاجات عن استهدافها للشيخ البوطي، فيما لو فشلت عملية الاغتيال بواسطة الانتحاري. وهذا تكنيك روتيني نفذه تنظيم القاعدة في العراق وأفغانستان أيضا.

أدان رئيس الائتلاف السوري المعارض [انذاك] احمد معاذ الخطيب اغتيال البوطي، واصفاً الاعتداء بأنه «جريمة بكل المقاييس». وقال «نحن ندين بشكل كامل قتل العلامة (محمد) سعيد رمضان البوطي ونقول ان ديننا وأخلاقنا لا تسمح أبداً أن نتعامل مع الاختلاف الفكري بطريقة القتل»، مؤكداً أن «هذه جريمة بكل المقاييس وهي مرفوضة تماماً».

كما ادان مفتي سوريا «أحمد بدر الدين حسون» عملية الاغتيال ووجّه رسالة إلى قتلة البوطي قائلاً: «إني بانتظاركم»، لافتاً إلى أن البوطي هو شهيد الوطن والمسجد والمحراب. ولفت إلى أن كل من يسكت من العلماء المسلمين في العالم بدءاً من الأزهر وصولاً إلى اتحاد علماء المسلمين وغيرهم على جريمة اغتيال الشيخ البوطي، إنما يشارك في اغتيال كل شهداء سوريا. كما أصرّ حسون على موقفه قائلاً: «إننا لا نقف مع نظام إنما مع وطن فتحت عليه حروب العالم».

وأبى تكفيريو السعودية ان يفوتوا مقتل خصم قديم وقدير كالبوطي دون ان اظهار التشفّي والحبور، حيث بارك رجل دين يدعى عبد الرحمن السديس، [وهو ليس خطيب المسجد الحرام في مكة]، اغتيال البوطي واصفاً إيّاه بأنه «مجاهد في سبيل الشيطان بلسانه وبيانه. عاش عمره خادما للدولة النصيرية الملحدة، منافحا عنها في عهد الطاغية الهالك حافظ الأسد، وفي عهد الطاغية بشار. ولما قام الشعب بهذه الثورة، كان أعظم شيخ ناصَرَ بشاراً وسانده وحث جيش النصيري على إبادة المسلمين، وعدهم مجاهدين، وأنهم قريبون من منزلة الصحابة، وأما المجاهدون فوصفهم بأقبح الأوصاف». وعدَّ البوطي شريكا في قتل ألوف المسلمين «بتحريضه على قتلهم وتزيين ذلك، وعده عملا صالحا وجهادا في سبيل الله. ومن كان بهذه المثابة فهو من أئمة الضلال، الذين يخف الضلال والشر بموتهم، وهذا مما يستبشر به كل مؤمن ويفرح».

وقد نفى «الجيش الحر» أي دور له في العملية. وأعلنت قيادته المشتركة ان مثل هذه الأعمال «لا تمتّ بأي صلة لأخلاق ومبادئ وأهداف الثورة السورية المجيدة والجيش الحر»، وحذرت في بيان من أن «هذه الأعمال الإرهابية والإجرامية هي بداية لمرحلة خطيرة للغاية لخلط الأوراق تخوضها قوى إقليمية طالما استعملت ورقة الإرهاب لتحقيق غايات سياسية ومحاولات رخيصة لتبرير دخول مقاتلين من دول الجوار والإقليم بحجة حماية بعض المقامات والمزارات».

 ونفى تنظيم «جبهة النصرة» أي دور له في الانفجار. وقال محمد الشلبي، القيادي البارز في التيار السلفي الاردني، والقريب من «النصرة» في حديث لوكالة «يونايتد برس إنترناشونال»: «إن جبهة النصرة لأهل الشام كانت تتمنى قتل عالم أمن الدولة السوري محمد البوطي، ولكننا ندين الطريقة التي قـُتل فيها بداخل مسجد، والأبرياء الذين سقطوا جراء ذلك». لقد تضمن نفي «الشلبي» الكثير من التشفي والسرور بمقتل البوطي.

إلا ان هذا الإنكار لم يصمد طويلا، ففي 19 كانون الاول 2013، تمكنت اجهزة الأمن السورية من القاء القبض على مجموعة على صلة بـ«النصرة» اعترفوا بمسؤوليتهم عن التفجير الذي أودى بحياة الشيخ البوطي.

وأفاد قائد المجموعة إبراهيم محمد عباس، وهو عراقي الجنسية، أنـّه «بعد أن انتقد الشيخ البوطي عمليات «جبهة النصرة»، جاءنا الأمر الأساسي من «أبو سمير الأردني»، مستندا على فتوى من «أبو خديجة الأردني»، المسؤول الشرعي العام للتنظيم».

وجاء في الاعترافات ان التنظيم «لم يتبن عملية اغتيال الشيخ البوطي لأنها لم تلق قبول الشعب السوري، وذلك لأن من تم قتله هو شيخ وإن التفجير كان في المسجد وذهب ضحيته الكثير من المصلين».

بعد اقل من عشرة ايام على اغتيال الشيخ البوطي، وبالتحديد ليل الجمعة / السبت 30 آذار 2013، اقدم مقاتلو الكتائب الإسلامية المسلحة في حلب على قتل إمام جامع الحسن، الشيخ (السُنّي) حسن سيف الدين، ذبحاً، ثم علقوا رأسه على مئذنة المسجد وسحلوا جثته بسبب موالاته للنظام السوري.

بات للتكفيريين العراقيين باعا طويلا ومشهودا في اغتيال الشيوخ والأئمة وتفجير الجوامع، حيث اغتيل أكثر من مائتين وخمسين رجل دين في محافظة الانبار العراقية وحدها. أما الجوامع التي استـُهْدِفَت بالانتحاريين والعبوات الناسفة، فهي بالمئات، ولم يتوقف العداد بعد.


لقد حقق التكفيريون الحلم العربي على طريقتهم؛ تكفيري أردني يفتي بالقتل، فينبري عراقيٌ لتنفيذ الفتوى ويقتل سورياً في دمشق..عاشت الأمـّة العربية!..

صفقة السلاح الكرواتي لمسلحي سوريا


احمد هاشم الحبوبي
طرق اسماعنا كثيرا مصطلح «المقاومة الشريفة» أبان الاحتلال الأميركي للعراق، و«المعارضة المعتدلة» بعد اندلاع «الأزمة السورية»، حيث استخدم التعبيران لتمييز الفصائل المسلحة عن التنظيمات التكفيرية المسلحة.

لذلك، وبحجة إضعاف نفوذ التكفيريين؛ لا تجد القوى الدولية والإقليمية حرجا في تمويل وتسليح المعارضة السورية المعتدلة. موّلَت الإدارة السعودية صفقة سلاح سرية بدأت فصائل «المعارضة السورية المعتدلة» بتسلمها في كانون الاول 2012. تضمنت الصفقة أسلحة خفيفة ومتوسطة مضادة للدبابات وبنادق عديمة الارتداد (تستخدم ضد الدروع والتحصينات). وقد عدّت أول أسلحة ثقيلة تمد بها القوى الخارجية المعارضة المسلحة. ونـُقِلَت عبر الحدود الأردنية إلى محافظة درعا السورية.

كشفت صحيفة الشرق الأوسط السعودية في 25 شباط 2013، عبر خبر نشرته بالتعاون مع صحيفة «واشنطن بوست»عن «تدفق أسلحة ثقيلة عبر الحدود الأردنية إلى قوى معتدلة في الجيش الحر». وجاء في التحقيق ان الغاية من الصفقة كان:

1)    مواجهة النفوذ المتنامي للمجموعات المتطرفة في شمال سوريا، من خلال دعم المجموعات الأكثر اعتدالا.
2)   تحويل تركيز الحرب بعيدا عن الشمال نحو الجنوب والعاصمة، معقل الحكومة السورية. حيث لم تشكل معارك الشمال تهديدا حقيقيا للنظام في دمشق.
3)    معالجة التأثير غير المقصود لمساعي سابقة (في صيف 2012) بتقديم كمّ ضئيل من الأسلحة والذخيرة إلى قوات الثوار في الشمال، الذي توقف بعدما اتضح أن الجماعات الأصولية كانت المستفيد الأكبر منها.
4)    تنويع مصادر تسليح «الجيش الحر» الذي يحصل على اسلحته عبر شرائها من السوق السوداء وتلك التي يغنمها من مخازن «الجيش العربي السوري».
5)    تعزيز تسليح «الجيش الحر» من اجل تحقيق انتصار ملموس على الأرض يسهم في كسر الجمود الحاصل على جبهات القتال. وكذلك في حملة سعودية مضادة «للتسليح الإيراني للنظام (السوري)، والذي يفوق ما يصل للمعارضين بكثير».

ونقل كاتبا التحقيق الصحفي المذكور عن إليون هيغنز (وهو مدون بريطاني يستخدم اسم براون موسي يتعقب نشاطات الثوار السوريين)  أن هذه الأسلحة أثّرت على «مسار الحرب، فقد ساهمت في تصعيد القتال في منطقة درعا خلال العام 2013، حيث تمكن مقاتلو المعارضة من اجتياح القواعد العسكرية الحكومية، بما في ذلك العديد من نقاط التفتيش على طول الحدود الأردنية؛ الجبهة الرئيسية التي لطالما تم تجاهلها. وقد مكن هذا، بدوره، الثوار المسلحين بالمعدات الجديدة من الاستيلاء على الأسلحة والذخيرة الأخرى الموجودة في المنشآت الحكومية التي تم الاستيلاء عليها، وبسط نفوذهم على الجماعات الصغيرة الأخرى، وبالتالي محاكاة النموذج الذي شهدناه في شمال سوريا؛ حيث تضخمت سطوة المتطرفين الإسلاميين بشكل كبير نتيجة تعاظم انتصاراتهم العسكرية، وأضاف: «هذا الأمر أشبه بما حدث مع الجماعات الجهادية في حلب عندما بدأت في الاستيلاء على كل هذه القواعد والحصول على أفضل العتاد، يمكنك أن تقول إن درعا باتت نموذجا يحاكي حلب».

كما قلل كاتبا التحقيق من مخاطر انتقال السلاح الكرواتي إلى شمال سوريا الخاضع تحت سيطرة الفصائل التكفيرية المسلحة، فـ«القتال في تلك المحافظات يعتمد في المقام الأول على كميات مهولة من الأسلحة التي استولى عليها المتمردون من القوات الحكومية».

وبيّن كاتبا المقال انه «رغم استمرار رفض إدارة (الرئيس الأميركي باراك) أوباما تسليح الثوار بشكل مباشر، فإنها قدمت مساعدات استخباراتية للأطراف المشاركة في الإمداد».

واضح جدا انه لا «الشرق الأوسط» ولا الإدارة السعودية أرادتا إبقاء الصفقة طي الكتمان. فقد ركزت الصحيفة بزهو على ابراز ايجابيات الصفقة على ساحة المعركة.

وأماطت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية في اليوم التالي (26 شباط 2013) اللثام عن كلّ ما خفي من الصفقة، فكشفت أن السعودية هي من موّلـَت عملية الشراء، وأن الأسلحة مصدرها كرواتيا. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين امريكيين وأوروبيين قولهم إن ذلك يأتي في مسعى منها (السعودية) لكسر حال الجمود الدامية التي أتاحت للرئيس السوري بشار الأسد بالتمسك بالسلطة.

نفت وزارة الخارجية الكرواتية حدوث الصفقة برمّتِها. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الكرواتية «دانييلا باريسيك» في اتصال هاتفي مع صحيفة «نيويورك تايمز»، انه منذ بدأ «الربيع العربي»، لم تبع كرواتيا أية أسلحة إلى السعودية أو الثوار السوريين. فيما رفض مسؤولون سعوديون وأردنيون التعليق على الموضوع.

وبعد يومين من افتضاح الصفقة؛ أعلن رئيس الوزراء الكرواتي «زوران ميلانوفيتش»، في 28 شباط 2013، أن زغرب قررت سحب جنودها المشاركين في بعثة مراقبي الأمم المتحدة في هضبة الجولان السورية المحتلة.

وقال ميلانوفيتش، في اجتماع للحكومة الكرواتية في زغرب، «بعد لقاء مع الرئيس «ايفو جوسيبوفيتش» أمَرْتُ ببدء عملية سحب القوات الكرواتية من هضبة الجولان». وأضاف «في الايام الأخيرة نشرت مقالات في بعض الصحف الجديرة بالاحترام، يمكننا نفيها طالما أردنا لكن من دون جدوى. لم يعد جنودنا في امان. نريد إعادتهم سالمين الى ديارهم».

ولكن، وبعكس الموقف الكرواتي الرسمي، اكّدَت صحف كرواتية حصول الصفقة، ففي 09 آذار 2013، نقلت صحيفة «الاخبار» اللبنانية عن صحيفة «يوتارني ليست» الكرواتية أنّ (75) طائرة نقل مدنية تركية وأردنية، أقلعت خلال الفترة بين تشرين الثاني الماضي وشباط من مطار زغرب. وأضافت أن «حجم الأسلحة والذخائر التي نقلت في هذه الرحلات الخمس والسبعين يقدر بحوالى ثلاثة آلاف طن». وقالت الصحيفة إنّ «الولايات المتحدة نظمت جمع الأسلحة، والسعودية دفعت ثمنها، بينما قامت تركيا والأردن بنقل هذه الأسلحة التي دخلت من الأراضي الأردنية».

أسوة بكرواتيا، أنكرت الحكومة الأردنية أي صلة لها بالصفقة، ونفت تمريرها عبر اراضيها، لكنها اقرت بحصول ارتفاع في تهريب الأسلحة الصغيرة، وأغلبها بنادق آلية، عبر الحدود الأردنية مع سوريا. وقال سميح المعايطة، المتحدث باسم الحكومة الأردنية: «إن الأردن يسعى جاهدا لوقف تصاعد عمليات التهريب».

رغم النفي الرسمي الاردني والصمت السعودي، إلا إن كلا الطرفين، وعلى أعلى المستويات، استبقا افتضاح الصفقة بتقديم تبريرات للعملية قبل أن تكشفها الصحافة بشهر تقريبا، فقد حذر الملك الاردني عبد الله الثاني في دافوس (في سويسرا)، في 25 كانون الثاني 2013، من أن إحدى المشكلات الكبرى هي أن مقاتلي تنظيم «القاعدة» أقاموا قواعد في سوريا [في سنة 2012] وأنهم يحصلون على أموال وعتاد من الخارج. وتابع إن «طالبان الجديدة التي سيضطر العالم للتعامل معها ستكون في سوريا»، مشيرا إلى أن «القوات الأردنية لا تزال تحارب في أفغانستان مقاتلي طالبان إلى جانب قوات يقودها حلف شمال الأطلسي». وتابع: «حتى إذا تحقق السيناريو الأكثر تفاؤلا فإن تخليص سوريا منهم سيستغرق ثلاث سنوات على الأقل بعد سقوط النظام السوري». وطالب الملك الاردني بضرورة «الحفاظ على الجيش (السوري) ليكون العمود الفقري لأي نظام جديد لتجنب الفوضى التي سادت في العراق» بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003.

وتكفـّلَ رئيس الاستخبارات السعودية السابق «تركي الفيصل» بعرض سياسة الإدارة السعودية، وقال: «أنا لست عضوا في الحكومة (السعودية)، ولهذا لست مضطرا للتحدث بدبلوماسية. اعتقد أننا نرسل أسلحة، وإذا لم نكن نرسل أسلحة فانه سيكون خطأ مروعا من جانبنا». واعتبر أن تحقيق التكافؤ العسكري بين قوى المعارضة والقوات السورية يجب أن يكون مصحوبا بمبادرات دبلوماسية، مشيرا إلى أنه بالإمكان اختيار «الأخيار من المعارضة وتزويدهم بهذه الوسائل بما يعزز مصداقيتهم».

أما وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل فقال ( في 05 آذار 2013) ان ما يجري في سوريا «يعد قتلا لأناس أبرياء ولا يسعنا أن نبقى صامتين أمام هذه المجزرة»، مضيفا: «لدينا واجب أخلاقي أن نحمي هذا الشعب، لم أسمع أو أرى في التاريخ أو في الوقت الحاضر وحتى في أصعب الحالات أن يقوم نظام باستخدام أسلحة استراتيجية وصواريخ لضرب شعبه وضد الأطفال والنساء وكبار السن ويقوم بضرب مدن مختلفة، ونحن نتحدث أمام هذا كله عن توفير الغذاء، ونتجادل في ذلك».

وتابع وزير الخارجية السعودي: «أعتقد أننا أثناء حديثنا، هناك الشعب (السوري) يقف أمام القصف، ونحن لا نستطيع أن نواصل حديثنا فقط عن المساعدات الغذائية والطيبة»، وقال: «فقدوا الكثير ونحن لدينا صلاحيات أن نتصرف أكثر، لقد فقد بشار الأسد كل سلطته في ذلك البلد، ولا يمكن لأي شخص أن يتصرف بهذه الطريقة ويبقى لديه الحق في أن يكون قائدا لتلك الدولة».

وفي مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الاميركي في واشنطن (في 17 نيسان 2013)، بيـَّنَ سعود الفيصل: «أعتقد أن ما يحدث في سورية هو دليل جديد على أنه لا إمكانية لحل في إطار الحكومة الحالية». وتابع: «لابد من انتقال السلطة لكي يكون هناك أمل في الحل السلمي للأوضاع في سورية. نحن سعينا دائما إلى مساعدة إخواننا في سورية للوقوف أمام الهجمة الهمجية للحكومة السورية ضد الشعب السوري».

وحول موقفه من تسليح المعارضة السورية، اوضح سعود الفيصل الموقف الرسمي السعودي دون مواربة: «نحن كما تعلمون نعتقد أن المعارضة السورية يجب أن تحظى بكل المساعدات التي تحتاجها للتخلص من النظام الفاشي الإجرامي. ليست لدينا مشكلة في توريد الأسلحة، وقدمنا لهم كل الإمكانيات التي تمكنهم من تغيير الوضع في بلدهم والاحتفاظ بحياة السوريين وبحضارة سورية التي يدمرها هذا النظام».

إن قراءة هادئة ومتمعنة لملف «السلاح الكرواتي» تشي بتناقض بين النية المعلنة والمخفية عند اغلب من ساهموا فيها. فالإدارة السعودية تقول أنها ارادت ان تحقق هدفين، الاول؛  تصحيح خطأها السابق حين قدمت اسلحة ذهبت إلى جهات سلفية جهادية. ولذلك ارتأت ان تعوض ذلك بأسلحة متطورة للجيش الحر، لتعديل الكفة وتغليب قوى الاعتدال على المتشددين.

والنتيجة أن السعودية قد جهزت طرفي المعارضة بما يحتاجانه من سلاح متطور، وهذا ما ارادته بالضبط. أما هدفها الثاني؛ فهو «تحريك العملية السياسية بعد الجمود الذي اصابها بعد نشوة انتصار القوات الحكومية. ولكن النيات السعودية الحقيقية هي ابعد ما تكون عن الرغبة في سحب الاطراف المتنازعة إلى طاولة المفاوضات والخروج بحل للازمة السورية. فتصفية الثأر البايت مع سوريا وكسر الحلف «السوري – الإيراني» العميق يأتيان في مقدمة اولوياتها.

أما الاردن، فمليكها الذي يريد المباشرة فورا بتحجيم التيار السلفي الجهادي، اجاز مرور السلاح الكرواتي «للمعارضة المسلحة المعتدلة». ولكنه لم يوضح لماذا يسمح بتزويد المعارضة التي تحارب الجيش السوري النظامي الذي لا يريده أن يتفكك وينهار. كما يشوب الادعاء بأن الأسلحة الجديدة لن يتسرب بعض منها للتكفيريين، الكثير من الريبة فالكتائب المقاتلة متداخلة ومتعاونة إلى ابعد حد.

 أما الإدارة الامريكية فهي ترى أن التنظيمات التكفيرية لا تعاني من أي نقص في السلاح، على صعيد العدة، فمقاتلوها يستولون على اعداد كبيرة من الأسلحة المتنوعة في كل مرة يستولون فيها على احد معسكرات الجيش السوري النظامي، إضافة للسلاح المُهرَّب من العراق. لذا، لا ضير في تزويد «الجيش الحر» بما يحتاجه لمعادلة الكفة مع «النصرة»، ولزيادة الضغط على النظام السوري وإرغامه على القبول بالتفاوض.

لقد تنازل «الجيش الحر» والفصائل الحليفة له عن الكثير من اسلحته لصالح التنظيمات التكفيرية المسلحة التي تحارب على أرض سوريا. وغالبا ما حصل ذلك بالتراضي أو عبر معارك صورية انتهت بانسحاب مقاتلي «الجيش الحر» من مواقعه تاركا «الجمل بما حمل» ليقع بأيدي التنظيمات المذكورة.

سيموت السوريون على اية حال، بسلاح كرواتي أو مسروق من مخازن عتاد الجيش النظامي أو مهرّب من العراق أو بقصف مدفعي أو ببراميل متفجرة تهبط عليهم من السماء.
فسماء سوريا ما عادت تهطل مطرا وثلجا .. بل موتا ودمارا.

وارض سوريا ما عادت تنبت قمحا ودراقا.. بل جوعا وقبورا.

إيران والسعودية: «ليلى والذئب»


احمد هاشم الحبوبي
بعد ان عجز العرب عن ايجاد عنوان يجمعهم بعيدا عن المذاهب، بات أي حراك اجتماعي أو سياسي في المنطقة يُفسَّرُ فقط وفقا لأثره المذهبي، وتُهْمَلُ كل الابعاد والدوافع الأخرى، بناء على ذلك تسيّدت السعودية وإيران الميدان، الاولى كظهير للسُنّة، والثانية  للشيعة.

تعرب إيران، على الدوام، وعلى لسان أرفع مسؤوليها، عن رغبتها بإقامة افضل العلاقات مع المملكة العربية السعودية، سعيا لتعزيز السلام والأمن على ضفتي الخليج العربي ومناطق ذات الاهتمام المشترك في الوطن العربي والعالم الإسلامي. وترى إيران التقاء مسؤولي البلدين، على أي مستوى، سيزيل القطيعة ويعيد الثقة المفقودة. فيما تتجاهل الإدارة السعودية تلك الدعوات على أساس ان اللقاء بحد ذاته ليس بذي قيمة إذا لم يسبقه حُسْن نيـِّة حقيقي ينعكس على ميدان المواجهة الممتد من افغانستان حتى الرباط.

تؤمن السعودية ان إيران تسعى حثيثا نحو ضرب طوق عربي شيعي يحاصرها من كل الجهات، فمن الشمال العراق وسوريا و«حزب الله» في لبنان، والحوثيين من الجنوب، والبحرين في الشرق. وتخشى السعودية ان يمتد تأثير هذا «الطوق الشيعي» إلى المنطقة الشرقية من المملكة التي تضم (15%) من مواطنيها الشيعة وتحتوي على الجزء الأكبر من ثروتها النفطية، مما يشكل تهديدا مباشرا لأمنها القومي والوطني.

كما تعتبر السعودية سوريا امتدادا طبيعيا ومكملا للجزيرة العربية، ولا تقبل بالتنازل عنها لإيران التي قضمت بالفعل العراق، البوابة الشرقية التي كانت سد صد منيع بوجه الأطماع الإيرانية.

في المقابل، ترى إيران أنها قوة اقليمية رئيسية لها حضور جغرافي وتاريخي يمتد لآلاف السنين. وأنها مستهدفة من السعودية منذ اليوم الاول لإعلان الجمهورية، ودعمت العراق بكل ما اوتيت من امكانات طوال الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980 ـ 1988)، وأن السعودية تعمل بأقصى ما تستطيع لعزلها إسلاميا وعربياً، وترى إيران في منعها من الوصول إلى سواحل البحر المتوسط دليلا قاطعا على صدق هواجسها.

نحن أمام حكاية «ليلى والذئب» بروايتين، مرة بلسان «ليلى»، وأخرى بلسان «الذئب»، كل راو يسطر مبرراته ويبث شكواه. ولكن ما اجمع عليه كل من «ليلى والذئب» هو ان «جدّة ليلى» كانت هي الضحية، وليس أحد منهما.

من هي «ليلى» ومن هو «الذئب» في حالة السعودية وإيران، هذا أمر متروك تحديده لجمهور كل طرف، أما «جَدّةُ ليلى»، فهي ترمز بالتأكيد للشعب العربي في العراق وسوريا ولبنان، بشيعته وسُنّتِه ومسيحييه.

لم تتقاتل السعودية وإيران مباشرة أو على أرضيْ البلديْن، بل على أرض الآخرين (هذا إذا استثنينا حرب العراق وإيران)، وتجودان بشلال دافق من الأسلحة والأموال، والمتطوعين الجهاديين إذا تطلب الأمر، كما في الحالة السعودية. تسببت الحرب الأهلية الدائرة في العراق وسوريا بمقتل وجرح ما يقارب المليون من المدنيين الأبرياء. وتخللها انتقال سكاني قائم على أساس مذهبي وديني وعرقي بين الوحدات الجغرافية بما يمهد لحدوث عمليات انفصال ومن ثم تشكيل كيانات مذهبية وعرقية لا يوجد ما يشير إلى أنها ستكون على وئام فيما بينها بعد الذي جرى، إضافة لما قد يحدثه التقسيم من استئثار طرف ما بالثروات الطبيعية أو بالموقع الجغرافي.

ان من السذاجة بمكان ان يُعزى الوضع المزري الذي يعيشه أكثر من بلد في المنطقة إلى الكباش السعودي ـ الإيراني، فإغفال العامل الدولي، وبالذات «ست الكل»؛ الولايات المتحدة، يشي بقصر نظر سياسي لا يغتفر. ودليل ذلك، ان الإرادة الدولية حين ارتأت إحداث انفراج في لبنان، استجاب البلدان فورا  وسهّلا تشكيل حكومة جديدة في لبنان.

ما أسفر عن الهدنة السعودية ـ الإيرانية في لبنان، يسمح لنا بالتمنّي على إدارتيْ البلدين ان تجلسا وجها لوجه لتحددا أي من الملفات الدامية الأخرى يمكن تسويتها عبر التفاوض وليس عبر الاقتتال بالوكالة.

ينقل الكاتب «قابيل كوميريدي»، وهو كاتب هندي مختص بشؤون الشرق الأوسط، عن دبلوماسيين قضوا سنوات في دمشق ان الرئيس بشار الأسد يتمتع بـ«بشعبية جارفة لدى الأقليات كما أنّ إخلاص الجيش له يبدو تقريبا مطلقا. واليوم يبدو الأسد (الكلام ما زال لقابيل) أقوى مما كان عليه قبل 15 شهرا فآلة حزب البعث (العربي الاشتراكي السوري) مازالت الهيكل الوحيد الذي يعمل في البلاد، كما أن الحياة اليومية في دمشق، معقل الأسد، تستمر في الغالب كما كانت من قبل. كما أنه لم تكن هناك انشقاقات جديرة بالاهتمام والجزء الأغلب من الجيش العربي السوري، رغم فقدانه لأكثر من 30 ألف عسكري، مازال مخلصا له، وخلال الشهرين الماضين استعاد أراض من المعارضة خارج دمشق» [1].

ولا يرى كوميريدي في مفاوضات جنيف أفقا واعِدا لحل «الأزمة السورية». ويقترح على الولايات المتحدة جمع الغريمين، السعودي، الداعم الرئيس للمعارضة التي حولت  سوريا إلى ملجأ للجهاديين الأجانب الذي تجمعهم نفس عقيدة منفذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، والإيراني، فالحوار بين الرياض وطهران «سيكون أكثر فعالية لوقف دائرة العنف من التفاوض بين الأسد ومنافسيه الذين ينشطون في الخارج».

ويرى كوميريدي انه طالما ان الولايات المتحدة ليست بصدد استخدام القوة لإزاحة الرئيس الأسد، ولا تسيطر على المعارضة السورية، فالأحرى بها ان تركز على إنهاء العنف. «وبدلا من الدفع صوب رحيل الأسد، فسينبغي عليها أن تعمل على الحصول على اتفاق براغماتي يقسم السلطة على أساس المصالحة لا تغيير النظام. كما أنه عليها الضغط على حليفيها في المملكة العربية السعودية وقطر لوقف دعمهما للإسلاميين المتشددين. وإذا لم يتم ذلك، فإنّ ألسنة اللهب التي تكوي سوريا ستنتقل هبوبها قريبا إلى الغرب».

أما الكاتب الصحفي الأميركي توماس فريدمان، فقد حكم منذ سنة تقريبا بفشل الرهان على الحل العسكري في سوريا، يقول مبررا: «لقد بدأ التمرد في سوريا منذ 15 آذار 2011. ومازال الاسد ممسكا بالسلطة على الرغم من الحديث المستمر عن قرب سقوطه منذ بداية الأزمة. ان المساعدات العسكرية الروسية والإيرانية ساعدت الأسد على الصمود. ولكن هناك عامل أساسي آخر وهو المساندة الشعبية التي مازال يحظى بها، فأبناء الاقلية العلوية التي تحكم منذ سنة 1970، والتي تشكل (12%) من الشعب السوري (البالغ 22 مليونا)، يؤمنون أنهم أما ان يبقوا في الحكم أو يموتوا على ايدي المسلمين السُنّة (74%)، وكذلك مسيحيي سوريا، الذين يشكلون (10%)، والتجار السُنّة، يراهنون على الأسد أيضا، فلا احد من هؤلاء يصدق ان المتمردين قادرون أو يريدون فعلاً ان يؤسسوا مجتمعا ديمقراطيا علمانيا متعددا. لماذا نحن نرى ان هؤلاء مخطئون؟ من يستطيع طمأنة علويي سوريا ومسيحييها أنهم سوف يكون لهم مكان في سوريا بعد الأسد، اذا كان المتمردون عاجزين عن التفاهم فيما بينهم اصلا؟».

كما دعا فريدمان إلى اقتباس الحل الذي اعتمد لإنهاء الحرب الاهلية اللبنانية وتطبيقه في سوريا لتطمين الأقليات العلوية والمسيحية (والدرزية): «لقد استمرت الحرب الأهلية اللبنانية مشتعلة لمدة 14 سنة. ولم ينطفئ اوارها إلا باتفاق الطائف عام 1989، الذي جاء على مبدأ «لا غالب ولا مغلوب». وسمح الاتفاق للأقلية المسيحية في لبنان الذين يشكلون (35%) من السكان، ان يمثلوا تمثيلا زائدا، ومنحوا (50%) من مقاعد البرلمان». ويرى فريدمان انه لتحقيق ذلك؛ فلابد من «احتواء الصراع عبر تقوية تركيا والأردن ولبنان وإسرائيل، والانتظار لحين ان تستنفذ الأطراف المتصارعة قوتها، ليتم، بعد ذلك، فرض وقف اطلاق النار وإقرار تقاسم السلطة».

ولا يرى فريدمان ضيرا في ان تأخذ التحولات العربية  وقتها، فـ« علينا أن نتذكر كم من الوقت أمضته أمريكا فى بناء نظامها السياسى الليبرالى، وألا ننسى الأحداث التى صنعت ما نحن عليه اليوم. فقبل أربع سنوات تقريبا، انتخبنا رجلا أسود اسمه باراك، كان جده مسلما، ليقودنا للخروج من أسوأ أزمة اقتصادية خلال قرن. ونحن نبحث الآن اختيار واحد من طائفة المورمون بدلا منه، وكل ذلك يبدو طبيعيا تماما. ولكن هذا الوضع الطبيعى تحقق خلال أكثر من 200 سنة، وعبر حرب أهلية»، في  حين ان «العرب ما زالوا في عقدهم الاول» [3].

كل الاقتراحات والدراسات تشي بإرادة امريكية لتحويل سوريا إلى لبنان ثالث، بعد ان تحول العراق إلى لبنان ثان. و«هذه اللبنانات» إن هي إلا كيانات قلقة وهشة وتابعة وناقصة السيادة تلعب بها الرياح الإقليمية والدولية كيفما ووقتما تشاء. ولكن «اللبننة» هي الحل السريع الوحيد المتاح لتقليل الدماء والدمار في روح الهلال الخصيب. إلا إذا تغيرت مبادئ الجغرافيا والتاريخ ليعاد انتاج دول جديدة تشتمل على نسيج اجتماعي مستقر، كما حصل في البلقان حين تم تفريق الجماعات الاثنية والدينية التي لا تطيق بعضها البعض. إلا ان المقارنة غير صحيحة بالمطلق، كما لا يصح تشبيه ربيع اوروبا الشرقية بالربيع العربي الحالي.

يقول مايكل ماندلبوم، خبير السياسة الخارجية فى مدرسة جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، ان «هناك مظهرين للاختلاف بين أوروبا الشرقية والشرق الأوسط. فقد كان لدى العديد من بلدان أوروبا الشرقية ماض ليبرالى قريب تلجأ إليه، بعد إزالة الشيوعية السوفييتية التى فرضت عليها بصورة مصطنعة. كما كان لدى أوروبا الشرقية نموذج مجاور ضاغط وجاذب لديمقراطية السوق الحرة: الاتحاد الأوروبى. ولا تملك معظم الدول العربية الإسلامية أيا منهما، لذلك، عندما انكشف غطاء الاستبداد الحديدى، لم تلجأ إلى الليبرالية، وإنما إلى الحكم الإسلامى، أو الطائفى، أو القبلى أو العسكرى» [3].

المَراجِع:
[1]              موقع CNN بالعربية، قابيل كوميريدي: «انسوا إطاحة الأسد.. لهذه الأسباب لن يسقط»، 25 كانون الثاني 2014.
[2]              صحيفة النيويورك تايمز، توماس فريدمان: «احذر هنالك منعطفات!»، 15 آذار 2013.
رابط المقال بالانكليزية:
http://www.nytimes.com/2013/03/27/opinion/friedman-cautions-curves-ahead.html?_r=2&
[3]              صحيفة الشروق التونسية، توماس فريدمان: « احذر..منطقة وحوش!»، 6 آذار 2012.


إسلاميو فلسطين في خضمّ الاشتباك المذهبي



تفاقم الاشتباك المذهبي في الشرق الأوسط مع اندلاع «الأزمة السورية». وصار المذهب فوق كلّ اعتبار، حتى فوق الدِّينِ نفسه.

مع المتطوعين الذائدين عن حِمى المذهب، تطوّع بضعة آلافٍ من فلسطينيي 1948 ومخيمات لبنان وسوريا والأردن في صفوف تنظيميْ «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) لمحاربة «الجيش العربي السوري» الذي تحول بين ليلة وضحاها إلى عدوٍ مبين.

كما غادرت منظمة «حماس» بهدوء «جبهة الممانعة» أو «محور المقاومة» وعادت إلى احضان أبيها وأمها؛ «الإخوان المسلمين». ليبقى الجزء الشيعي من المحور وحيدا، كما بدأ، دون رتوش سُنـِّية، ليبرز كـ«محور شيعي» أو «هلال شيعي».

لقد انقلب الإسلاميون الفلسطينيون على البيئة التي عاشوا فيها متصالحين ومتصاهرين لعقود طويلة، سواء في سوريا أو لبنان.

اصطفَّ إسلاميو مخيم اليرموك الفلسطيني في دمشق إلى جانب المعارضة السورية المسلحة منذ منتصف سنة 2011، وصار المخيم مأوى للعديد من الجماعات التكفيرية المسلحة، ابرزها كتائب «اكناف بيت المقدس التي تألفت من أعضاء في حركة حماس، تقول قيادة الحركة إنهم صاروا خارج بنيتها التنظيمية، لكنها لا تُدين ما يقومون به. وأظهرت المعطيات الموجودة لدى حزب الله في منطقة القصير مثلاً، ومناطق أخرى من سوريا، أن الأنفاق التي استخدمها المسلحون، إنما نفذت على طريقة كان الحزب قد درّب حركة حماس عليها في مراحل التعاون المشترك لتهريب السلاح الى قطاع غزة، أو وضع الخطط العسكرية لمواجهة الاعتداءات الاسرائيلية على القطاع» [1].

ومنذ التاسع من تموز 2013، يتعرض لبنان لاعتداءات ارهابية نفذها الثلاثي التكفيري: «كتائب عبد الله عزام» و«النصرة» و«داعش»، طالت المدنيين في المناطق ذات الغالبية الشيعية سعيا لإرباك «حزب الله». وكانت اعتداءات «كتائب عبد الله عزام» هي الأشد إيلاما، حيث اوقعت عشرات القتلى ومئات الجرحى. وانتهت التحقيقات الأمنية اللبنانية إلى ان فلسطيني أو أكثر كان يقف وراء كل من تلك التفجيرات، تخطيطا وتنفيذا وإفتاء وانتحارا.

مع ارتفاع وتيرة تلك الاعتداءات وازدياد وطأتها، لم يعد السكوت ممكنا، فاستنكرت وسائل الإعلام اللبنانية الدور التدميري لإسلاميي المخيمات. ونشرت قائمة بأسماء الخطرين والفاعلين منهم، كتوفيق طه والشيخ بهاء الدين الحجير وزياد ابو النعاج وهيثم مصطفى ونعيم عباس [2]، جميعهم أما مرتبطون أو متعاونون مع تنظيم «كتائب عبد الله عزام».

وتمكنت مخابرات الجيش اللبناني من القاء القبض على نعيم عباس (وصفته الصحافة اللبنانية بكنز المعلومات) الذي كان بمعيته انتحاري وسيارة مفخخة بمائة كيلوغرام من المواد الشديدة الانفجار كان يعتزم تفجيرها في الضاحية الجنوبية. كما افضت اعترافاته إلى ان تضع قوات الأمن يدها على مركبة مفخخة أخرى ومخزن للأسلحة يحتوي أحزمة ناسفة ومتفجرات ومعدات لتزوير بطاقات هوية ومستندات وأختام، إضافة الى صواريخ كاتيوشا وغراد، أعِدَّ بعض منها لقصف الضاحية الجنوبية.

إنّ بلدة البيسارية، التي ارتكب اثنين من ابنائها الفلسطينيين اعتداءين انتحاريين في الضاحية الجنوبية ببيروت، هي مثال صارخ على بداية تصدع التعايش الفلسطيني ـ اللبناني. تقع المدينة في جنوب لبنان (55 كم عن بيروت)، اغلب سكانها شيعة، يعيش بين اكنافهم ثمانون عائلة فلسطينية منذ عاميْ 1948 و1967. وحين كشفت التحقيقات ان أحد الانتحارييْن اللذان نفذا اعتداء السفارة الإيرانية في الضاحية الجنوبية في 19 تشرين الثاني (25 قتيلا وحوالي 150 جريحا) هو الفلسطيني "عدنان المحمد" الذي ينحدر من البيسارية، تمكن مختار البلدة من ثني أبناء البلدة الغاضبين عن مهاجمة منزل الانتحاري المذكور.

وبعد ذلك بثلاثة أشهر بالتمام والكمال، استُهدِفَت المستشارية الثقافية الإيرانية في الضاحية الجنوبية باعتداء انتحاري مزدوج (11 قتيلا وحوالي 130 جريحا) كان أحد منفذّيه الفلسطيني "نضال هشام المغير" الذي ينحدر من بلدة البيسارية أيضا. عندها طفح الكيل بشباب البيسارية، ولم يفلح مختارها في ثني ابنائها عن إحراق منزل عائلة نضال وسيارة ابيه. وذكرت صحيفة الشرق الأوسط السعودية عن أحد سكان البلدة إلى أن السكان «حاولوا توجيه رسائل رادعة لعائلات الفلسطينيين الذين يعتقد أن نحو عشرة من أبنائهم، كانوا مقربين من (الشيخ المتشدد) أحمد الأسير».

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد تجمع مجموعة من شبان البيسارية وجوارها في 23 شباط 2014 «استنكاراً للفكر التكفيري وتعبيراً عن رفض وجود العائلات الداعمة له». ثم أحرقوا سيارة (رجل الدين) أحمد خلف، وتجمعوا أمام داره، مطلقين شعارات مذهبية وضد بعض الفلسطينيين. والسبب أنه «شيخ متشدد والمرشد الروحي (للانتحاريين) نضال المغير وعدنان المحمد» [3].

لم تفلح عقود من العيش المشترك بين فلسطينيي البيسارية وشيعتها، بما تخللتها من فعاليات اجتماعية واقتصادية لا حصر لها، في ان يشبّ "نضال المغير" و"عدنان المحمد" على حبّ الآخر الذي يشاركهما الأرض والماء والهواء والحلوة والمُرّة والقـِبلة والحلم.

إنّ الاصطفاف المذهبي للمتشددين الفلسطينيين يحوّل الوجود الفلسطيني برمته إلى عامل مهدد للتوازن المذهبي اللبناني القلق اصلا. وسيتضاعف التهديد بالتأكيد إذا اضيف اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان.

لا يرفع «حزب الله» سلاحه بوجه فصيل فلسطيني، بل بوجه إسرائيل ثم التكفيريين. حتى حرب تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، لم ينظر إليها سوى أنها معركة في حرب طويلة مع الغاصب الإسرائيلي المتغطرس الذي يقضم الأرض الفلسطينية ويهضم حقوق وكرامة الفلسطينيين، إخوة الدم والدين، لا «الإخوة السُنّة»، أو «الإخوة الشيعة»، كما هو متداول اليوم.

كان الشيخ راغب حرب، يكرّر دائماً: «لا تفكروا كيف سنخرجها من لبنان، بل كيف سنخرجها من فلسطين». وبالنسبة إلى السيد عباس الموسوي، «الأمة كلّها مدعوة اليوم لإعادة القوة والاحترام للقضية المركزية، وهي قضية فلسطين، وساعتئذ سنفرض احترامنا على كلّ الأمم» [4].

يرى الكاتب اللبناني سليمان تقي الدين انه «ليس أخطر من ظاهرة "استخدام العنصر الفلسطيني" اليوم لهدفين، الأول تفجيري في الساحة اللبنانية والثاني تدميري للشعب الفلسطيني نفسه».

ان ذرائع التشدد الفلسطيني ليست مذهبية مجردة، بل هناك ازمات عميقة تشمل مجمل الوجود الفلسطيني في لبنان يـُقِرّ بها تقي الدين ويقول: «نعرف أننا فشلنا في معالجة القضية الفلسطينية وفي إعطاء الفلسطينيين (المقيمين في لبنان) شروطاً إنسانية وساهمنا في خلق صورة يائسة لدى بعض فئات هذا الشعب. وهذه مهمة كذلك تجب معالجتها، مثلما تجب معالجة دوائر الفقر والحرمان والتهميش في الكثير من مناطق لبنان، لكنّ ثمة خطراً داهماً يستدعي خطة وطنية تحدّد مصادر التهديد من السياسة إلى الأمن وتوحيد الإرادة في مواجهتها» [5].

أسوة بالمدنيين السوريين، تضرر المدنيون الفلسطينيون أيضا من جراء المعارك العنيفة الدائرة التي تستخدم فيها كافة الأسلحة المتاحة لدى طرفي النزاع، فنالهم القتل والجرح والجوع والتشرد ومن ثم لجوء اللجوء. وقال احمد مجدلاني، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وموفدها إلى سوريا، إن«مخيمات اللجوء الفلسطيني في سوريا تتعرض لنكبة جديدة، حيث بقي في مخيم درعا للاجئين [500] لاجئ من أصل [20 ألف] لاجئ شردوا خارجه، إضافة إلى تشريد جميع سكان مخيم السبينة وكانوا نحو [60 ألف] لاجئ، ويعيش داخل مخيم اليرموك الآن نحو [20 ألف] لاجئ من أصل [160 ألف]، وثلثي سكان المخيمات الأخرى». وأردف: «الهدف من هذا كله هو توريط وزج الفلسطينيين في الأزمة السورية».

أما اسرائيل، وارثة غيمة هارون الرشيد، بل أمته، فهي لا تكاد تلحق قطف ثمار انهيار الدول العربية التي يعيد ابناؤها ترتيب انتماءاتهم بما يفضي الى تأسيس كيانات بديلة على أساس عرقي وديني ومذهبي، الأمر الذي يوفر اقوى الذرائع لإسرائيل كي تنتزع اعتراف العالم كله بيهودية الدولة.

كما تخوض إسرائيل حملة علاقات عامة لتعزيز علاقاتها مع كل الانظمة العربية، دون استثناء، فوزير الطاقة الإسرائيلي "سيلفان شالوم" توجه إلى أبو ظبي للمشاركة في مؤتمر حول الطاقة، ووزيرة العدل "تسيبي لفني" يثني عليها رئيس المخابرات السعودية السابق تركي الفيصل. ووزير زراعة إقليم كردستان شمال العراق يزور إسرائيل تمهيدا لإنشاء محطة تربية ابقار ومعمل البان يؤمل ان تصل منتجاته إلى بغداد والمحافظات الجنوبية.

لا يقصد من ذلك الإيحاء بأن العرب كانوا جميعهم "ممانعين" يرفضون التطبيع مع إسرائيل، بل هو أمر جار منذ زمن، لكن على استحياء. أما الآن، فالتطبيع صار هوس يرنو إليه العرب ومَنْ والاهم، من المحيط إلى الخليج.

وطبّعَت إسرائيل جماهيريا من جانب واحد مع سوريا، حيث عالجت [700] جريح سوري في مستشفياتها خلال سنة واحدة، الأمر الذي سيسهم حتما في تحسين النظرة نحو إسرائيل، فمن يداوي الجراح ويخفف الأوجاع ليس كمن يقصف ويفجّر ويقنص. اثناء هذا التطبيع، اجهزت إسرائيل على مجمل أسلحة «الجيش العربي السوري» الستراتيجية التي لم تستنزفها «الأزمة السورية».

على المقلب الآخر، ينقل الصحفي اللبناني محمد نزال، القريب جدا من نبض الشارع اللبناني، هواجس مواطن من سكان الضاحية الجنوبية تجاه الاعتداءات الارهابية: «اعتدنا الأمر أو بدأنا نعتاده. ما حصل في العدوان الإسرائيلي عام 2006 لم يكن سهلاً، ولكن يؤسفني القول إن الإسرائيلي كان عدواً محترماً، قياساً بهؤلاء التكفيريين، إذ كانت الطائرات ترمي المناشير وكنا عموماً نعرف أننا في حرب. لكن ما يحصل اليوم غير مفهوم تماماً، إذ تشعر أنهم يغدرون بك، في أي لحظة يمكن أن يدوي الانفجار بلا سابق إنذار» [6]. مرة أخرى نجد انفسنا في مقارنة تسفر عن انتصار الإسرائيلي على الشريك في الوطن والقومية والدين.

وتستفيد إسرائيل من انشغال العرب بحربهم المذهبية المقدسة وتفشّي آفة التكفير لتبرر تشددها في مفاوضاتها مع الفلسطينيين. يرى الصحفي الإسرائيلي "غي بخور" في جريدة «يديعوت احرنوت» ان السلفيين من العراق وسوريا اتحدوا في «كيان ضخم للقاعدة وسيتّحِدون مع سلفيي شمال الاردن والسلطة الفلسطينية والأمر أمر وقت فقط». ولذلك فهو يحثّ الحكومة الاسرائيلية على رفض الخطة الامريكية المطروحة في محادثات الحل النهائي مع الفلسطينيين (انسحاب الجيش الإسرائيلي من الضفة الغربية، ونشر قوات اطلسية بدلا عنه)، وإلا فإن الأمر سينتهي إلى «سيطرة سلفية سريعة للقاعدة، في بضعة ايام، فوق مطار بن غوريون، الذي هو منفذ اسرائيل وتل ابيب وحيفا والقدس الوحيد، لتتحول اسرائيل الى «عراق (فاشل) آخر».

كتب غسان شربل، الصحفي في جريدة الحياة: «لنتفق أن ما كنا نسميها القضية المركزية أي فلسطين لم تعد تحتل الموقع الأول لدى الناس ولم تعد تستولي على مشاعرهم أو المحرك الأول لسلوكهم. وإن إسرائيل حققت انتصاراً تاريخياً فاحشاً من دون أن تجازف بدم جندي واحد. كل السلاح المجاور لحدودها يسبح الآن في دم الحروب الأهلية» [7].

والكارثة ان اولوية فلسطين تراجعت حتى عند الإسلاميين الفلسطينيين انفسهم، فانغمسوا في الصراع «الشيعي - السُنّي» في سوريا ولبنان، وحتى «السُنّي ـ السُنّي» في مصر، وصارت منظمة حماس «مشتبه بها في كل الدول العربية التي احتضنتها سابقا».

بعد الاعتداء الانتحاري الذي استهدف الضاحية الجنوبية في بيروت في 19 شباط 2014، كتب "محمد نزال" على صفحته في «فيسبوك»: «من اليوم فصاعداً سألعن "ر..." كل من يُردد بعد هذه العبارة: "الإرهاب لا دين له"» [8].

أما عن حصة العراق من المتشددين الفلسطينيين، فكفى بـ«ابو محمد المقدسي» و«ابو مصعب الزرقاوي» مُفتيا وأميرا، وعدد غير محدد من التابعين الاشدّاء الذين أحالوا أرض السواد إلى أرض يباب. 



المراجع:
[1]         صحيفة الأخبار اللبنانية، إبراهيم الامين: «اليرموك...مسؤولية فلسطينية»، 13 كانون الثاني 2014.
[2]         صحيفة الاخبار اللبنانية، العدد 2213 في 3 شباط 2014.
[3]         صحيفة الأخبار اللبنانية، آمال خليل: «البيسارية: خليط متفجر «يصلح» لفتنة!»، 24 شباط 2014.
[4]         صحيفة الأخبار اللبنانية، النصر الأكيد، العدد 2223 في 15 شباط 2014.
[5]         صحيفة السفير اللبنانية، سليمان تقي الدين: «الإرهاب يقتل مرتين»، 22 شباط 2014.
[6]         صحيفة الاخبار اللبنانية، محمد نزال: «همس في الضاحية: نعم نحن خائفون»، 5 شباط 2014.

[7]         صحيفة الحياة السعودية الصادرة في لندن، غسان شربل: «لانريد العيش معا!»، 30 كانون الاول 2013.

صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...