الخميس، 12 ديسمبر 2013

السيطرات توحِّدنا



احمد هاشم الحبوبي

لكل مواطن معاناته الخاصة مع واحدة أو أكثر من نقاط التفتيش [= السيطرات] المنتشرة في بغداد، التي يجب ان يخضع لضيمها يوميا وهو في طريقه إلى عمله أو مدرسته أو جامعته أو أي مكان آخر.

نعم، فالسيطرة تحولت إلى ضيم ومعاناة ومهزلة تستنزف وقت المواطن وراحته وصحته. فالمواطن لا يرى اية جدوى من وجود هذه السيطرات الخالية من اجهزة الفحص الحديثة والفعالة، سوى جهاز كشف العطور الذي بات محل تندر واستهجان العالم اجمع.

أما معاناتي الشخصية، ومعي عشرات آلاف اخرين، فهي مع سيطرة "28 نيسان" في الصالحية التي تتحكم بالطريق الرابط بين جسري السنك والجمهورية باتجاه منطقة علاوي الحلة. فبعد اغلاق مقتربات جسر الجمهورية المؤدية إلى ساحة الفارس العربي في المنصور وساحة النسور في المأمون، صار لزاما على العابرين من جسر الجمهورية استخدام نفس مقتربات جسر السنك. وكان يمكن لهذه المقتربات ان تتحمل هذا الزخم المضاعف؛ لولا سيطرة "28 نيسان" التي تغلق مسارين من مسارات الطريق الثلاثة وتبقي واحدا منها فقط لمرور آلاف السيارات القادمة من الجسرين، حولت حياة سالكي هذا الطريق (وأنا منهم) إلى جحيم حقيقي يبدأ مع ساعات الصباح ولا ينتهي إلا في ساعة متأخرة من اليوم.

يمتد الزحام من بداية جسر السنك حتى السيطرة المذكورة. ولا يمكن اجتيازها بأقل من ساعة في اوقات الذروة. ولكن الاحوال تفاقمت في الاونة الاخيرة، وبتنا نستغرق أكثر من ساعة ونصف. الأمر الذي يدفعنا إلى الترجل من سيارات النقل العام والسير من ساحة الخلاني إلى ما بعد السيطرة في مسيرة شاقة يسمّمها الدخان المنبعث من عادم السيارات المتزاحمة. ولا يملك المواطن سوى كَيْـل الشتائم على القادة الامنيين الاغبياء العاجزين عن استنباط طريقة ذكية وعملية لمحاربة الإرهاب غير اصطناع الزحام.

ولا اخفيكم سرا، فطالما انني لا امتلك سيارة شخصية؛ فإنني، اسوة بمئات غيري، عادة ما اختار السير على قدميّ من ساحة الخلاني إلى ما بعد السيطرة المذكورة. واحيانا أبدأ سيري من ساحة باب الشيخ.
بغداد: يبدأ الازدحام من منطقة باب الشيخ الى سيطرة "28 نيسان".

بغداد: الناس والسيارات والدراجات النارية يتزاحمون فيما بينهم بحثا عن منفذ للولوج من خلاله. اما مواكب المسؤولين وسيارات الجيش والشرطة، فهؤلاء" لا خوف عليهم ولا هم يحزنون"، فهم يسيرون عكس اتجاه السير وقتما يشاؤون، دون حسيب او رقيب.
بغداد، جسر السنك، الحال من بعضه.

بغداد: يمتد الازدحام لبضعة كيلومترات احيانا. لم اتمكن من التقاط صور اكثر وضوحا وتفصيلا، خوفا من ان يرصدني احد رجال الشرطة او الجيش، عندها سأُتَّهم بدعم الإرهاب. كما حذرني بعض المارة من مغبة التقاط صور في الشوارع.  

جسر السنك المتعب من الاندثار ورداءة التنفيذ وضعف الصيانة. آه لو كان لشوارع وجسور بغداد لسان.

أما سرّيَ الآخر، فهو انني اخاف قوات الأمن من شرطة وجنود كثيرا. ولكن بعد ايام طويلة من المعاناة، استجمعت كل ما املك من شجاعة ومجازفة، وتوجهتُ نحو احد الجنود العاملين في السيطرة وأخبرته ان صف السيارات يبدأ من تقاطع معارض النهضة، ورَجَوْته ان يفتح مسارا اضافيا، فأقسم لي وأجابني بمنتهى الأدب والتعاطف بأن الأمر ليس بيده. وبعد يومين اعدت محاولتي وطلبت من جنديين آخرْين ان يفتحا ممرا اضافيا رحمة بمستخدمي الطريق. وما اثار استغرابي هو انهما كررا نفس جواب زميلهما وبنفس التفهم والتعاطف.


وهذا جعلني اتيقن ان جنود السيطرات الذين يشاركوننا دخان السيارات وغازاتها السامة وحر الصيف وبرد الشتاء وأوحاله، ليسوا هم المسؤولون عن معاناة المواطن، وأنهم، مثلنا، متيقنون من لا جدوى سيطرات الاستنزاف البشري. والدليل هو التفتيش السطحي الذي يجرونه على السيارات.

فالجندي يفتش اسفل السيارة والصندوق، وهو يدري جيدا ان الارهابي بات يخفي المتفجرات في كل مكان عدا المكانين المذكورين، لأنهما المكانان الوحيدان اللذان يفتشان في سيطرات بغداد العمياء. وأقول عمياء، لأنها بلا اجهزة كشف فعالة كما اسلفت أو كاميرات حديثة توثق كل السيارات المارة من خلالها، الاجراء الذي يوفر قاعدة معلومات ممتازة يمكن الرجوع إليها لكشف السيارات المارة في حالة حدوث أي خرق أمني. إن هذا النوع من الكاميرات شائع استخدامه في كل العالم، وهي تستخدم في استيفاء رسوم الطرق أو دخول مراكز المدن.

رافق صحفي اجنبي احد قادتنا الامنيين الاذكياء في جولة في بغداد قبل بضعة أشهر. وقد اخبره هذا القائد الهمام انه يستدل على جدية عمل كوادر السيطرات من خلال الزحام الذي يسببونه في الشوارع. ان هذا التصريح يكشف لنا عن السبب الحقيقي وراء معاناتنا، فأحيانا يفتح ممرين لعبور السيارات، ويخف الزحام كثيرا. وبمجرد ان يحصل ذلك، يسارع كادر السيطرة نحو اغلاق احد الممرات ليعود الزحام على أشده، إرضاء للآمر الأعلى الذي يريد ذلك.

مأساتنا الكبرى هي في الغباء والكسل الفكري اللذيْن نعالج بهما امورنا. وهذا ليس مقتصرا على الشأن الأمني، بل يمتد لكل مفاصل حياتنا.

اود ان اذكر الرئيس نوري المالكي، القائد العام للقوات المسلحة، ان اغلب قادتنا الامنيين هم انفسهم الذين اقنعوا الرئيس السابق صدام حسين بأنهم سيسحقون الجيش الأميركي على اسوار بغداد، وأنهم سيسقطون طائرات الشبح ببندقية البرنو. وحين جاءت ساعة الحقيقة، هربوا وتركوا الجنود هائمين لا يلوون على شيء. وسقطت بغداد بأسرع مما سقطت أم قصر. ارجوك ايها القائد العام لا تثق بهؤلاء، فالمُـجرَّب لا يُـجَرَّبْ.

ان الخيار الستراتيجي الصحيح هو في الاعتماد على كوادر متعلمة تؤمن بالتكنولوجيا وتحترف التعامل مع ادواتها ومعطياتها، ابتداء من الجندي والشرطي وانتهاء بالضباط والقادة.

ملاحظة: لمزيد من التفاصيل والصور عن سيطرات بغداد، اقترح الاطلاع على الرابط ادناه:


الاثنين، 2 ديسمبر 2013

«القاعدة» في باديتي الانبار والشام



   
احمد هاشم الحبوبي

   أسوأ جار لأية مدينة هو الصحراء، فهي منبع الوحوش البشرية الكاسرة ذوي الطباع الحادة والفكر المتطرف. ولنا ان نتوثق من هذا الزعم اذا ما تمعّـنا في حال المدن المجاورة للصحراء من مالي والمغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر وسوريا والعراق. فبمجرد ان تضعف سلطة الدولة، لأي سبب كان، تتسلل الأرواح الشريرة الكامنة بين الرمال وتستقر في اجساد ذوي العقول الخاوية ليتحولوا الى خصوم اشداء لكل ما هو إنساني ومتحضر. 

   لذلك، فمن الطبيعي ان تشكّل بادية الانبار ومنطقة الحدود «العراقية - السورية» المجال الحيوي لتنظيم «القاعدة». وكانت القوات الامريكية تراقب اماكن تواجدهم وتستهدفها بالطائرات. وبعد الانسحاب الاميركي في اواخر عام 2011، أعاد مقاتلو «القاعدة» انتشارهم وتمددوا حيثما شاءوا. ساعدهم في ذلك مجموعة من العوامل؛ اهمها؛
1.    افتقار الجيش العراقي لطائرات أو منظومات التجسس والاستطلاع الكفوءة والقادرة على تغطية صحراء الانبار الشاسعة.
2.    اتفاقية «تعايش» غير مكتوبة معقودة بين «القاعدة» وبعض ضباط وآمري الوحدات الامنية المتواجدة في المنطقة اتفقوا فيها على غض الطرف عن نشاط «القاعدة» مقابل ان يمنحهم الاخير الأمان.
ليست الرغبة بالسلامة وحدها التي دفعت بعض الآمرين لعقد هذه الصفقة، فبعضهم يؤمن ان «القاعدة» ليس خصمه الحقيقي بل هو نظام الحكم في بغداد، الأمر الذي يوحدهم مع التنظيم بحكم وحدانية عدوهم. إضافة لوجود عسكريبن وشرطة فاسدين يتعاملون مع مهربي المخدرات والسجائر والكحول والنفط، الأمر الذي يسمح لقائمة المهربات ان تطول وتمتد إلى الأسلحة والمتفجرات والانتحاريين.
3.    قيام بعض الضباط والآمرين بمنح منتسبيهم اجازات مفتوحة مقابل مبالغ مالية، ما يؤدي إلى زيادة الضغط على بقية المنتسبين مما يضعف كفاءتهم.
4.    التداخل العائلي والعشائري بين الحدّيْن وما له اثر كبير جدا على امن البلدين حين تكون سيطرة الحكومة ضعيفة.
   ومهما عددنا من أسباب، يبقى ضعف القيادة ونقص الكفاءة أساس البلاء، فقيادة قوية وكفوءة ستكون قادرة بالتأكيد على تجاوز الكثير من التحديات. 

   لقد وصل الهوان بالعراق الى حد انه حتى الرئيس السوري بشار الأسد الذي فقد نظامه السيطرة على خمسين بالمائة من اراضي دولته، يعذر حكومة العراق ويرثي لحالها؛ فقد قال، في 17 نيسان 2013، ان «العراق ضد تسريب الإرهابيين ولكنّ لديه ظروفاً معينة لا تسمح له بضبط الحدود». ومقارنة بين حال دمشق وبغداد يوضح الفارق الشاسع بين الاداء الامني للحكومتين السورية والعراقية، فانفجار عربة مفخخة في دمشق أمر نادر جدا، في حين ان انفجار عشر عربات في بغداد بات حدثا عابراً لا يقف أحد عنده طويلا.

   تخضع المناطق المشابهة لباديتيْ الانبار والشام اللتان تقبعان تحت سيطرة «تنظيم القاعدة»، أو تنظيمات موالية له، في الدول الأخرى، كأفغانستان وباكستان واليمن والصومال ومالي، لمراقبة مشددة من اجهزة المراقبة والتجسس الاميركية، وغالبا ما تتعرض لهجمات بواسطة الطائرات الموجهة بدون طيار (DRONES – UNMANNED AERIAL VEHICLES) أو لعمليات عسكرية مباشرة ينفذها الجيش الاميركي أو الاجهزة المعنية الأخرى مِن دون الاكتراث لموافقة تلك الدول من عدمها. أما في الحالة العراقية فلم نشهد اية عملية مماثلة رغم توفر كل اسباب النجاح لمثل هذه التقنية.

   ونفذ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام = داعش»، في 21 تموز 2013، عملية نوعية كبرى اسفرت عن تحرير ما يقارب الستمائة سجين مُدان ينتمون للجيل الاول والثاني من تنظيم«القاعدة» والتنظيمات الجهادية الأخرى كانوا معتقلين في سجن ابو غريب بالقرب من بغداد.

   كما باشر تنظيم «داعش» بالمرحلة الثانية من مخططه الستراتيجي الذي يريد به فرض سيطرة مطلقة على بادية الانبار سعيا لربطها ببادية الشام التي يسيطر فعليا على معظمها. وبدأ التنظيم المذكور بتنفيذ هجمات منسقة متتابعة على مراكز الاقضية والنواحي التابعة لمحافظة الانبار في راوة وعانة وهيت والفلوجة وغيرها، راح ضحيتها المئات من الموظفين والشرطة والعسكر، كما اسفرت عمليات «داعش» عن تدمير العديد من الابنية الحكومية والجسور.
ولم يتأثر نشاط تنظيم «داعش» بانتقال المقاتلين والسلاح إلى جبهة سوريا اطلاقا، بل ضاعف وتيرة هجماته كماً ونوعا، فهو يغرق العراق، بغداد بالذات، بسيل من التفجيرات المنسقة والمتزامنة والمتتابعة، اسفرت عن آلاف القتلى وعشرات آلاف الجرحى من المدنيين ومنتسبي الاجهزة الامنية منذ نيسان 2013.

   أما اجراءات الاجهزة الامنية، فمازالت بدائية وتدار بعقلية متخلفة. فهي تقتصر على التضييق على حركة المواطن من خلال تشديد الزحام في نقاط التفتيش المنتشرة في كل أنحاء بغداد. والملفت ان هذا التضييق لا يرافقه أية عمليات تفتيش فعلية. ورغم تطبيق نظام «الفردي والزوجي» على حركة المركبات في بغداد، فما زال الزحام في شوارع بغداد خانقا، ويقضم ساعات من وقت وراحة اهالي بغداد والوافدين إليها. 

   وتعلن الاجهزة الامنية يوميا عن اعتقال عشرات الارهابيين والمشتبه بهم، والاستيلاء على معامل وورش تصنيع احزمة ناسفة وتفخيخ مركبات ومتفجرات من مختلف الانواع. ولم يتصدى احد من المختصين في الشؤون الامنية للأرقام التي تسوقها الاجهزة الحكومية يوميا عبر وسائل الإعلام كافة التي ترددها على عِلـّتِها دون تمحيص أو تدقيق. هناك وجهة نظر تقول ان هذه البيانات يراد بها التغطية على فشل القيادة الامنية. كما يراد بها تضليل الرئيس نوري المالكي القائد العام للقوات المسلحة الذي يصر على التمسك باركان قيادته الذين ثبت عجزهم عن مجاراة التنظيمات الارهابية والإجرامية تكتيكيا وستراتيجيا.

   ولا أرى اية جدوى من التنديد باستمرار كوادر نقاط التفتيش في استخدام أجهزة كشف المتفجرات رغم أنّ مُصنـِّعها البريطاني قد أُدِينَ بالغش وحكم عليه بالسجن عشر سنوات في بريطانيا.

   تتهم حكومة ُ بغداد دولا اقليمية بتمويل تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» لتغطية التكاليف الباهظة لنشاطاته على الاراضي العراقية. وفي نفس الوقت تأبى الاقرار بمصادر التمويل المحلية التي يتحصل التنظيم من خلالها على مبالغ هائلة. 

   حيث تشكل محافظة نينوى وحاضرتها الموصل بالذات احد مصادر الدخل الرئيسية لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، فالإتاوات الشهرية تفرض على الجميع؛ من اصحاب المعامل إلى الاطباء والصيادلة والموظفين وأصحاب المحلات.

   والكل يدفع، على قاعدة: «ادفع تسلم». وتقدر هذه الاتاوات بثمانية ملايين دولار شهريا يدفعها سكان الموصل مُجـْبَرين الى المجاميع المسلحة خوفاً من القتل الذي سيطالهم اذا ما امتنعوا عن ذلك. يجري كل هذا تحت سمع وبصر كافة الاجهزة الامنية العراقية التي يبدو ان قادتها ومنتسبوها قد آمنوا بحتمية خسارتهم لمعركتهم ضد الإرهاب، فآثروا غـَضّ النظر عن ما يجري.

   ولا يقتصر الأمر على الموصل، بل كركوك أيضا، فقد اندلعت، في ايلول 2013، مصادمات دامية بين تنظيمي «الدولة الإسلامية في العراق والشام» و«انصار السُنّة» على خلفية نزاع على الموارد المالية المتحققة من الاتاوات وأموال الفدية التي تستحصلها الجماعات المسلحة من المواطنين لقاء إطلاق سراحهم. ووفقا لتقارير صحفية؛ فقد تدخل ايمن الظواهري شخصيا لفض الاشتباك بين التنظيمين المذكورين.

   لا يكفي أبدا ان تبرئ الحكومة المركزية ذمتها باتهام دول الجوار بالانهيار الامني الذي يعاني منه العراق منذ عشر سنوات. فالحكومة مطالبة بإتباع وسائل وطنية تؤدي إلى تفكيك البيئات الحاضنة للإرهاب وتجفيف مصادر التمويل والتجنيد المحلية التي هي اخطر بما لا يقارن بتدخلات دول الجوار.

   إن الاكتفاء بالتشخيص أمر ليس ذا قيمة إذا لم يتبعه علاج حقيقي يستأصل الداء من جذوره. ولا يمكن لبلد ان ينعم باستقرار وأمن دائميْن دون مشاركة كافة اطيافه بذلك.

الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

«غزوة عكاشات»



احمد هاشم الحبوبي
في الاول من آذار 2013، اعلن مصدر امني عراقي ان مقاتلين ينتمون الى مجموعات مقاتلة ذات توجه اسلامي، بينها «جبهة النصرة»، و«كتائب الفاروق»، و«أحرار الشام»، سيطروا مساء اليوم المذكور على مدينة اليعربية والمعبر الحدودي مع العراق ورفعوا العلم الخاص بهم فوق المنفذ وذلك بعد اشتباكات عنيفة استمرت يومين مع «الجيش النظامي السوري».
وكشف المصدر أنه قد أصيب ثلاثة عراقيين، هم مدنيين اثنين وعسكري واحد، من جراء الاشتباكات التي دارت بين «الجيش النظامي السوري» ومقاتلي «النصرة». وأعلن عن اغلاق «منفذ ربيعة» العراقي (المقابل لمنفذ اليعربية) حتى اشعار آخر لحين انتهاء الاشتباكات وانجلاء الموقف.
ثم أعلن عن لجوء (65) من الجنود والموظفين السوريين الذين يعملون في المعبر إلى العراق، وأن قوات الجيش العراقي قامت بإخلاء الجرحى منهم إلى إحدى المستشفيات العراقية القريبة لتقديم العلاج اللازم لهم. وهذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها جنود سوريون إلى العراق من جراء مواجهات بينهم وبين المعارضة المسلحة في المعابر والنقاط الحدودية مع العراق.
وبعد ان أُسْعِفَ المصابون من جنود «الجيش النظامي السوري» في المستشفيات المحلية، قرر قائد المنطقة العسكري، في الرابع من آذار 2013، إعادتهم إلى سوريا عبر «معبر الوليد» العراقي الذي يقابله «معبر التنف» في الجانب السوري. واختار القائد العسكري ان ينقلهم براً برفقة حماية عسكرية ضئيلة جدا نسبيا إذا ما أخذت خطورة المنطقة بنظر الاعتبار ومن دون أن يطلب غطاء جوي من سلاح المروحيات العراقي. أي ان هذا القائد الهُمام اخطأ في كل خياراته.

وتعرّضَ الرتل لكمين نصبه مقاتلو تنظيم «دولة العراق الإسلامية» (الفرع العراقي لتنظيم «القاعدة») في منطقة مناجم «عكاشات» القريبة من الرطبة (380 كلم غرب بغداد). وأسفر الهجوم عن مقتل (50) من اللاجئين السوريين و (12) من قوة الحماية العسكرية العراقية المرافقة. علما انه ما من جهة حكومية رسمية اصدرت بيانا تضمَّنَ اعداد الضحايا، والأرقام المتداولة مصدرها ضباط آثروا ابقاء هوياتهم طي الكتمان.

خريطة 1: يشترك العراق وسوريا بحدود برّية يبلغ طولها 605 كيلومتر. العلامة العلوية: منفذا ربيعة العراقي واليعربية السوري الذي يقع في اقصى شمال سوريا حيث جرت المواجهات بين الجيش النظامي السوري والفصائل المسلحة السورية. العلامة الثانية: الموقع الذي تمت فيه مهاجمة القوات العراقية المرافقة للاجئين السورين. [ المصدر:  Institute for the Study of War Iraq Updates].

وجاء في بيان لوزارة الدفاع العراقية أن الموكب الذي كان في طريقه إلى منفذ الوليد الحدودي تعرض إلى «عدوان غادر من قبل مجموعة إرهابية متسللة إلى داخل الأراضي العراقية قادمة من سوريا»، مشيرة إلى أن الجنود السوريين، الجرحى والعزل، لجئوا إلى العراق للحصول على اسعافات طبية.
أي ان وزارة الدفاع لم تكن تدري ان تنظيم «دولة العراق الإسلامية» هو من نفذ الهجوم وليس «متسللين» من سوريا. وربما هي لا تريد أن تدري، حفظا لماء الوجه.
ثم تبنى التنظيم المذكور العملية ببيان مؤرخ في 07 آذار 2013 (نشر البيان في 11 آذار 2013) بعنوان «بيان عن غزوة عكاشات المباركة». وجاء فيه ان العملية حصيلة عمل استخباري مشترك لكوادر التنظيم في كل من محافظتي نينوى والأنبار، وأن المهاجمين ابادوا كل افراد الرتل.

استهداف حقل عكاس الغازي

خريطة 2: يقع حقل عكاس الغازي في اقصى غرب العراق، 30 كيلومترا جنوب مدينة القائم، وبالقرب من الحدود السورية. يحتوي الحقل على احتياطي غازي ضخم جدا تعمل شركة كوكاز الكورية الجنوبية تجهيز وتنفيذ كل متطلبات استخراجه. [المصدر: BUSSINESS MONITOR INTERNATIONAL]
تعاظم نشاط المسلحين في محافظة الانبار ومنطقة الحدود «العراقية - السورية» منذ «غزوة عكاشات»، حيث هاجم مسلحو  تنظيم «دولة العراق الإسلامية» في الأول من نيسان 2013، شركة مقاولات محلية تعمل في حقل غاز عكاس (AKKAS) الذي تطوره شركة الغاز الكورية الجنوبية (KOGAS) في محافظة الأنبار، وقتلوا اربعة عمال محليين وخطفوا اثنين آخريْن وأضرموا النار في مكاتبها وسياراتها. لقد نفذ الهجوم في نفس يوم انعقاد «ملتقى الاعمال والاستثمار العراقي الكوري في بغداد» بحضور رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.
يؤكد هذا الهجوم عجز القوات النظامية العراقية التام عن الامساك بأمن بادية الانبار. كما يكشف عن افتقار القوات النظامية العراقية، بمختلف تشكيلاتها، لهيئة تخطيط وتوجيه تقوم بتحليل ودراسة المواجهات العديدة التي حصلت مع تنظيم«القاعدة» للاستفادة منها وتعديل الخطط بموجبها.
وفي التاسع من نيسان 2013، أعلن «ابو بكر البغدادي» أمير تنظيم «دولة العراق الإسلامية»  عن «إلغاء اسم دولة العراق الإسلامية وإلغاء اسم جبهة النصرة وجمعهما تحت اسم واحد الدولة الإسلامية في العراق والشام». وذلك تلبية لنداء «ايمن الظواهري»، الزعيم العالمي لتنظيم «القاعدة»، الذي دعا قبل ذلك بيومين إلى «اقامة دولة إسلامية مجاهدة، دولة تكون لبنة في عودة الخلافة الراشدة».
كما أكد «ابو بكر البغدادي» أنه هو الذي سمى الجولاني  زعيما لـ«جبهة النصرة»، وأن مقاتلين توجهوا من العراق إلى سوريا، مشيرا إلى أن تنظيمه يزود نظيره في سوريا بالمال والمقاتلين. وتابع «نمد أيدينا وقلوبنا واسعة للفصائل المجاهدة في سبيل الله والعشائر الأبية في ارض الشام، على أن تكون كلمة الله هي العليا وتحكم البلاد والعباد بأحكام الله تعالى، من دون أن يكون لغير الله تعالى أي نصيب في الحكم». وقال «لا تجعلوا الديمقراطية ثمنا للآلاف الذين قتلوا منكم».
قبل «غزوة عكاشات» بعشرين يوما، وبالتحديد في 16 شباط 2013، عبر سبعة من مقاتلي المعارضة المسلحة السورية خط وقف القتال مع اسرائيل طلبا للعلاج فيها بعد ان اصيبوا في المواجهات مع القوات الحكومية. وقد استقبلتهم اسرائيل وأجرت لهم اللازم. وبعد احد عشر يوما، اعيد ستة منهم إلى سوريا عبر مكان لم يفصح عنه «حرصا على سلامتهم الشخصية». أما السابع فقد ابقي عليه في المستشفى لحاجته لرعاية صحية اضافية بسبب شدة اصابته. وأعلنت اسرائيل، في 4 آذار 2013، عن لجوء اربعة مصابين إلى قواتها طلبا للعلاج. وأكدت أنها اجرت لهم اللازم.
والطريف، ان لا احد تحدث عن صهيونية أو يهودية أو كفار، كما في الحالة العراقية، والسبب واضح بالتأكيد. فالإسرائيليين انقذوا مقاتلين من المعارضة في حين ان العراقيين انقذوا جنودا حكوميين.
نقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، في الثاني من آب 2013، على لسان قائد القوات الإسرائيلية في الجولان، العميد تمير هايمان، قوله «إن أطراف الصراع في سوريا، خصوصا قوات النظام والحركات الجهادية الإسلامية أوحت لإسرائيل أنها ليست معنية بصِدامٍ معها. وأن كلا منها منشغل في معركته الأساسية ضد بعضهما البعض. وقال إن الهدوء عاد إلى الحدود في الجولان. وكل طرف يسعى لكي لا تسقط قذائف في إسرائيل. وعندما تسقط يسارع إلى التأكيد أنها قذائف طائشة وغير موجهة لإسرائيل.«. [المصدر: جريدة الشرق الأوسط السعودية، 3 آب 2013 العدد 12667].
احتفاء بسقوط «معبر اليعربية» بأيدي مقاتلي «النصرة» وحلفائهم؛ أعلن «الائتلاف الوطني السوري» ان ثوار سوريا اختاروا لجمعة (08 آذار) شعار: «جمعة سورية والعراق: ثورة تطفئ نار المجوس» . وهذه اول مرة يتم فيها الجمع بين العراق وسوريا في شعار واحد.
يحمل هذا العنوان معاني ودلالات هامة، فـ«دولة العراق الإسلامية» و«جبهة النصرة» لهما عدو معلن واحد لم يحيدا عنه أبدا وهو «الشيعة الصفويون والنصيريون الانجاس». وهم يقاتلون من اجل إسقاط حكومتي بغداد ودمشق لإقامة دولة الخلافة. لأجل هذا انتقى «الائتلاف الوطني السوري» هذا العنوان.
لا يقصد من الإشارة للمساعدة الطبية الاسرائيلية لقوى المعارضة السورية المسلحة التلميح لعلاقات مشبوهة بين الطرفين، بل للتنبيه إلى هول الاشتباك «الشيعي - السُنّي» وأثره السلبي المدمر على المنطقة بأكملها، وكيف انه تمكن من ابتلاع كل العداوات الأخرى.
سيطرت «وحدات حماية الشعب» الكردية (YPG) على معبر اليعربية في 25 تشرين الاول 2013، بعد مواجهات دامية مع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» و«جبهة النصرة» والتنظيمات الأخرى المتحالفة معهما.

الاثنين، 2 سبتمبر 2013

غزوة «قهــر الطواغيت»..خاتمة خطة «هدم الاسوار»


غزوة «قهــر الطواغيت»..خاتمة خطة «هدم الاسوار»

احمد هاشم الحبوبي

احمد هاشم الحبوبي
نفذ مسلحون ينتمون لتنظيم «القاعدة»  العراقي، مساء يوم الاحد في 21 تموز 2013، هجوما مزدوجا على سجني «ابو غريب» [= سجن بغداد المركزي] الذي يقع غرب بغداد، وسجن التاجي في شمالها. وتمخض الهجوم عن تهريب قرابة الستمائة سجين مُدان من نزلاء سجن «ابو غريب» بينهم عدد من كبار قادة تنظيم «القاعدة» .

وقد اصدر تنظيم «القاعدة»  العراقي، في 23 تموز 2013، بيانا تبنى فيه العملية وأطلق عليها: غزوة «قهــر الطواغيت». وجاء في البيان ان «كتائب المجاهدين انطلقت بعد التهيئة والتخطيط منذ اشهر، مستهدفة اثنين من أكبر سجون الحكومة استجابة لنداء الشيخ المجاهد «ابو بكر البغدادي» في ان تختم خطـّة «هدم الاسوار» المباركة التي بدأت قبل عام من اليوم بغزوة نوعيّة تقهر الطواغيت المرتدّين وتكسر القيود وتحرّر الأسود الرابضة في غياهب السجون». وتمّ «تحرير المئات من أسرى المسلمين بينهم ما يزيد على 500 مجاهد من خيرة من ولدتهم الارحام، وممّن عركتهم الحروب وصقلتهم سوح النِّزال ولم تزدهم محنة الأسرِ إلا صبراً وثباتاً وشوقاً للجهاد في سبيل الله والنكاية في أعدائه، وقد تم سحبهم وإخلاؤهم لأماكن آمنة دون العدو والوصول إليها أهوال ومصائب».

ان السجناء الهاربين ينتمون الى الجيلين الأول والثاني من تنظيم «القاعدة» وتنظيمات أخرى، معظمهم كانوا معتقلين لدى القوات الأميركية في سجون بوكا وكروبر والقواعد الأميركية، إضافة إلى سجناء آخرين يقدر عددهم بالمئات.

لقد اشار بيان «القاعدة» لمشاركة الانغماسيين في غزوة «قهر الطواغيت»، دون اعطاء مزيد من التفاصيل، بما يشير الى حصول تعاون مع الجماعات المسلحة الأخرى في تلك المناطق، وهو ما يعد، إن صح، تحولاً استراتيجياً، بعد الفراق بين «القاعدة» والتنظيمات الأخرى.

اما تفاصيل العملية، فقد تم توضيح خطوطها العامة في نفس البيان، حيث بادر المهاجمون الى اتخاذ الخطوات التالية:
أولا: «قطع الطرق المؤدية لكلا السجنين، وهما طريق (بغداد - أبي غريب) وطريق (بغداد - الموصل) بعد القضاء على نقاط التفتيش المنتشرة على الطريقين وإبادة أو تشتيت عناصرها».

ثانياً: «استهداف قوات الجيش القريبة من الموقعين في مقر لواء المثنى ومعسكر التاجي بصواريخ «غراد» ورشقات متتالية من قنابر الهاون، حيث تمّ تأمين الطرق المؤدية للموقعين بالكامل وشلّ حركة قوات الإمداد الأرضية وحركة الطيران».

ثالثاً: انقض المهاجمون بصورة متزامنة على البوابات الرئيسية والجدران الخارجية للسجنين بموجات من السيارات المفخّخة يقودها انتحاريون، «فكان عدد السيارات المفخخة التي تمّ تفجيرها بداية الغزوة على بوابات وجدران السجنين وبعد انتهائها على قوات الإسناد التي وصلت الموقعين (12) سيارة مفخخة بمختلف الأحجام». واستمرت الاشتباكات مع حراس السجن وقوات الحماية داخلها وعلى الأبراج المحيطة بها لعدّة ساعات.

رابعا: «تمت السيطرة على كل الأبراج وقتل وإصابة من فيها وتمشيط الأبنية من الداخل مع المفارز التي تحررت داخل السجن والتي سبق تسليحها بالبنادق والمسدسات والأحزمة الناسفة بعد اختراق المنظومة الأمنية للسجنين في وقت سابق من قبل الجهد الأمني للدولة الإسلاميّة».

كان السجناء في كِلا السجنين على علم تام بتفاصيل الهجوم الذي كان القصف ايذانا ببدئه، (اضافة لتواصلهم تام مع المهاجمين لحظة بلحظة عبر الهواتف النقالة وأجهزة مرتبطة بشبكة الانترنت) فحالما بدأت قنابل الهاون والصواريخ تنهمر على السجنين، تحرك السجناء وبدءوا بحرق افرشتهم وملابسهم الفائضة.

سجن التاجي

بدأ الهجوم على سجن التاجي بعربات مفخخة يقودها انتحاريون استهدفوا المدخل الرئيسي للسجن والمدخل الثاني والخلفي. وبادر السجناء في العنابر بحرق ملابسهم الفائضة وبعض فرشهم. وهنا بادر حراس متواطئون بقطع التيار الكهربائي وفتحوا ابواب العنابر التي لا يمكن ان تفتح إلا يدويا (وليس الكترونيا كما أشيع). فهاجم السجناءُ الحرّاسَ الاصلاحيين (الغير متواطئين والمسلحين بالهراوات فقط) وقتلوا منهم سبعة على الاقل.

بعد ذلك غادر السجناء بناية السجن واسقطوا الجدران العالية وبسطوا فرشهم على الاسلاك الشائكة. إلا انهم واجهوا قوة حراسة السجن الخارجية (التي لم تتأثر بالهجوم) التي فتحت عليهم نيران اسلحتها، فقتل ثمانية وسبعين سجينا (علقت اسماءهم على جدران السجن)، وعاد الباقون ادراجهم الى السجن بعد ان ايقنوا استحالة اتمام عملية الهروب. وبذلك فشلت محاولة الهروب. ولم يتمكن اي سجين من الافلات.
رغم استهداف السجنين المذكورين، إلاّ أنّ الهدف المعوّل عليه فعلا كان سجن «ابو غريب»، فسجن التاجي يقع في معسكر التاجي الذي يضم مقرات فرقتين عسكريتين، لا طاقة لتنظيم «القاعدة»  في التغلب عليهما. وهذا فرض على سجناء التاجي ان يعتمدوا على انفسهم وعلى المتواطئين معهم من داخل السجن، من دون التعويل على دعم خارجي. إلا ان الهجوم نجح في تشتيت تركيز القيادة الامنية.

سجن «ابو غريب»

كان الحال مختلفا في سجن «ابو غريب»، فموقعه الجغرافي اقل منعة، وتحصيناته الامنية اضعف من سجن التاجي، الامر الذي مكّنَ القوات المهاجمة من السيطرة على السجن وتحقيق كامل اهدافها.
وحسب شهادة ضابط يعمل في السجن وكان موجودا وقت الهجوم، فقد عمّت الفوضى قسم الاحكام الثقيلة حال ابتداء القصف، وبدأ السجناء يضرمون النيران ويشرعون في أعمال شغب. ثم هاجم ثلاثة انتحاريين يقودون مركبات محملة بالمتفجرات المدخل الرئيسي للسجن والجدار الخارجي المحاذي لقسم الاحكام الثقيلة، تلاهم تسعة انتحاريين يرتدون احزمة ناسفة كانوا طليعة قوة الاقتحام حيث فجروا انفسهم بوجه القوات المدافعة التي اسقط بيدها. بعد ذلك انقطع التيار الكهربائي عن معظم ارجاء السجن وبدأت عملية تهريب السجناء من قسم الاحكام الثقيلة فورا.

وحوصرت القوات الحكومية من كل الجوانب، وحين استنجدت طلبا للعون والعتاد الذي شارف على النهاية، اخبِروا بأن قوة الدعم في طريقها اليهم، إلا انها تواجه كمائن الارهابيين (المعدة مسبقا لتأخيرهم كما مبين).

وحسب الضابط المذكور، وصلت قوة مكافحة الارهاب الى السجن بعد ثلاث ساعات ونصف من بدء الهجوم واشتبكت مباشرة مع القوة المهاجمة عند اسوار السجن. ولم تنتهي العملية إلا مع ساعات الصباح الاولى من اليوم التالي.

لقد باشر المهاجمون بتهريب السجناء من ساعة الهجوم الاولى. وحرصوا على اطالة امد المناوشات مع القوات الحكومية لتأمين انسحاب السجناء الهاربين ووصولهم الى اماكن امنة. وكان لهم ما ارادوا. وتمكنوا من تهريب 585 سجينا مدانا.

حصيلة حملة «هدم الاسوار»

أكد مصدر حكومي عراقي لصحيفة الحياة [العدد 18374 في 25 تموز 2013] أن الإحصاءات الخاصة بفرار السجناء تشير إلى هروب حوالى 824 سجيناً خلال عام من إطلاق زعيم تنظيم «القاعدة» أبو بكر البغدادي حملة «هدم الاسوار».

وأوضح المصدر أن«الإحصاءات شبه الرسمية تؤكد هروب 824 سجيناً بينهم 276 من اخطر الإرهابيين المحكومين بالإعدام لتورطهم في أعمال عنف أزهقت أرواح عشرات الأبرياء». وأشار إلى أن «العدد يتناول الفترة من 22 تموز يوليو عام 2012 لغاية شهر 22 تموز 2013. وفي 27 أيلول سبتمبر عام 2012 أعلنت وزارة الداخلية هروب أكثر من مئة نزيل من سجن تسفيرات تكريت».

وكان سجن التاجي قد تعرض لمحاولة اقتحام في آب عام 2012، إلا أن القوات الأمنية تمكنت من قتل ثلاثة من المسلحين واعتقال الآخرين. ثم أعلنت قيادة عمليات بغداد في 11 آذار مارس الماضي أنها أحبطت محاولة لهروب سجناء من سجن «ابو غريب» إثر حريق افتعل لتهريب أربعة مدانين.

وفي الثاني من أيار 2013، حاولت مجموعة مسلحة اقتحام سجن التاجي مستغلة عملية نقل عدد من النزلاء من أماكن أخرى. وفي 22 أيار، أحبطت قوة أمنية محاولة هروب ثلاثة نزلاء مدانين بالإرهاب من سجن المقدادية.

ولكن النجاح الكمي والنوعي لـ«قهر الطواغيت» غطى على كل المحاولات الفاشلة السابقة وأعطى أمنا واطمئنانا لمقاتلي «القاعدة»  الذين باتوا موقنين ان هناك من ينقذهم من العقاب حتى لو قبعوا في اعتى السجون.

في الثالث والعشرين من آب 2013، اي بعد مرور شهر ويومين على «الهروب الكبير»، تمكن ثلاثة سجناء ينتمون لتنظيم «القاعدة» من الهروب من سجن العقرب في مدينة الحلة، إلا ان قوة من لواء التدخل السريع اعتقلت ‏اثنين منهم وقتلت الثالث. 

موقف وزارة العدل

لقد اسفرت التحقيقات الاولية عن قصور كبير في اداء كل كادر وزارة العدل الذي يدير السجنين من الداخل، حيث لا دخل للجيش والشرطة الاتحادية فيه. فقد كشف ضابط شرطة عراقي بارز تحدث لوكالة «رويترز» شرط عدم الكشف عن هويته ان «العملية كانت 99 في المائة بتواطؤ من الداخل»، حيث:

1.    عثر على مواد متفجرة (تي إن تي) داخل السجن.
2.    نجح بعض السجناء في تحويل الصابون وزجاجات الماء الصغيرة إلى عبوات ناسفة.
3.    عثر المحققون على أجهزة كومبيوتر محمولة وهواتف في الزنازين، مما يكشف عن أن السجناء كانوا على اتصال مباشر مع رفاقهم في الخارج.
4.    اقدم الحراس المتواطئون على ازالة شرائح الذاكرة من كاميرات المراقبة قبل الهجوم.

5.    اقدم المهاجمون على تنفيذ حكم الاعدام في سجناء اتهموا بالتعاون مع ادارة السجن، وفقا لقائمة كانت بحوزتهم. كما اعدموا 26 من أفراد الصحوات كانوا مسجونين بتهم مختلفة، وأحرقوا جثثهم. وهذا يعني ان تنظيم «القاعدة» كان على اطلاع كامل على قاعدة بيانات السجن.

اول من ابتدأ تبادل الاتهامات هو وزير العدل حسن الشمري، فقد اتهم الاجهزةَ الامنية المكلفة بحراسة سجني التاجي و«ابو غريب» بالتواطؤ الكبير في حادثة هروب السجناء محملاً الشرطة الاتحادية واستخبارات وزارة الداخلية مسؤولية الخرق الامني. وقال خلال مؤتمر صحفي أن الشرطة هي«الجهة المكلفة حماية السجون من الداخل والخارج، بحسب قرارات مجلس الوزراء». وبين الشمري أن الحصيلة الاولية للسجناء المفقودين بلغت 559 سجينا، في حين ان لجنة الامن والدفاع النيابية تقول ان عدد الهاربين بلغ 585 سجينا.

إلى ذلك، قال عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية مظهر الجنابي إن «الجهات التنفيذية ممثلة بالوزراء الأمنيين هي المسؤولة عن هذا الخرق الكبير». ووجه اتهامات مباشرة إلى وزارة العدل بالتواطؤ، وقال إن «معلومات وصلتنا عن طريق أحد ضباط السجن تفيد أن وزارة العدل نقلت أكثر من 200 سجين قبل شهر من سجن الناصرية إلى سجن «ابو غريب» وبعد ذلك تم التخطيط لتهريبهم».

وفي محاولة من وزارة العدل لإبراء ذمتها مما حدث، فقد نشرت الوزارة على موقعها الالكتروني كتابين صادرين من ادارة سجن «ابو غريب»، تقول انهما موجهين الى قيادة الشرطة الاتحادية لتبليغها بمخطط اقتحام السجن.

تضمن الكتاب الاول الصادر في 17 تموز 2013، تفاصيل كاملة عن عملية الاقتحام تتطابق وما حصل على ارض الواقع بعد اربعة ايام.  حيث جاء فيه ان «تنظيم «القاعدة»  الارهابي يخطط لاقتحام سجن ابي غريب لتهريب مجموعة من الارهابيين وعددهم [10] قياديين في تنظيم «القاعدة»  خلال الايام القليلة المقبلة». وان مائتي مسلح من «القاعدة» سينفذون العملية «مجهزين بأنواع الاسلحة الخفيفة والمتوسطة ومن بينهم انتحاريين بأحزمة ناسفة. وستتم عملية التنفيذ من خلال تسقيط السجن على اربعة جهات والهجوم على الابراج المحيطة بالسجن والسيطرات الخارجية سيطرة [40] وسيطرة [41] ابو منيصير وسيطرة دور السجانة برج الحرس فوق الجسر، بالإضافة الى ذلك سيتم تفجير شاحنة مفخخة على جسر ابو منيصير لقطع الطريق امام القوات الامنية في حال طلب القوات الامنية المتواجدة الدعم من داخل السجن وكذلك زرع عدد من العبوات الناسفة على الطريق السريع والطريق المؤدي الى لواء 24 فرقة السادسة الجيش العراقي لواء المثنى».

وجاء في الكتاب، ان عملية الهجوم وتهريب السجناء «ستتم بتواطؤ عدد من الضباط الذين يعملون داخل السجن. وتم الاتفاق على ان تتم العملية تزامنا مع تمتع المذكورين اعلاه [اي الضباط] بالإجازة الرسمية. وأكد مدير السجن على «اتخاذ كافة تدابير الحيطة والحذر الشديد وعدم ترك الواجب لأي سبب كان».

ولكن الكتاب لم يكن موجها لقيادة الشرطة الاتحادية كما ذكر في بيان وزارة العدل، بل هو موجّه لشعب السجن والمقر المسيطر فق 4 ش، وفوج مغاوير فق 4. وكما يظهر في هامش الكتاب، فإن مصدر المعلومات هو ليس ادارة سجن بغداد المركزي بل هو مكتب المعلومات الوطني.

لقد ارتكبت ادارة السجن خطأ لا يغتفر بتعميمها لكتابها هذا (والذي يليه) على كل شُعَبِ السجن، فكيف اجازت لنفسها ذلك والمعلومات المتاحة لديها تؤكد ان هناك ضباطا من داخل السجن متواطئين مع المهاجمين. انها بذلك تكون قد زودتهم مجاناً بمعلومات غاية في الاهمية. وإذا كانت ادارة السجن عاجزة عن تحديد الجهة المتواطئة، فكان الاجدر بها ان لا تصدر التعميم اصلا وتقصره على قوات الحماية الخارجية من الجيش والشرطة الاتحادية. او ان تستنجد بمراجعها في وزارة العدل لرفدها بكوادر اضافية على وجه السرعة.

وثيقة رقم 1: صورة كتاب سجن بغداد المركزي 13/39/3504 في 17 تموز 2013، الذي يؤكد ان هذا الكتاب بمثابة كتاب داخلي اقتصرت اطرافه على اقسام السجن والفوج المسؤول عن حماية السجن. [المصدر: الموقع الالكتروني الرسمي لوزارة العدل في 5 آب 2013]. http://www.moj.gov.iq/view.626/

اما الكتاب الثاني الصادر في العشرين من تموز 2013، الذي عممته ادارة سجن «ابو غريب» على كافة شعب السجن وفوج الحماية، فقد اعادت فيه التبليغ عن مخطط اقتحام السجن وحددت يوم وساعة الهجوم على السجن، حيث ذكر فيه أن « معلومات مهمة (وردت) تفيد بوجود تحضير كبير من عناصر ارهابية شمال بغداد. والتحضير لعمل ارهابي كبير اليوم او غدا والعمل على اقتحام السجن او دائرة ما ووقت التنفيذ يكون قبل او بعد الفطور مباشرة او قبل او بعد السحور مباشرة». وأوصي بـ«اتخاذ اقصى تدابير الحيطة والحذر الشديد وعدم ترك الواجب لأي سبب كان وإخراج قوات اسناد اضافية وبالتنسيق مع الاجهزة الامنية المسؤولة عن حماية السجن».

وثيقة رقم 2: صورة كتاب ادارة سجن بغداد المركزي («ابو غريب») الصادر في العشرين من تموز 2013. لقد عممت ادارة السجن الكتاب على كافة شعب السجن رغم تبلغها بوجود ضباط من داخل السجن متواطئين مع المهاجمين. [المصدر: الموقع الالكتروني الرسمي لوزارة العدل في 5 آب 2013]. http://www.moj.gov.iq/view.626/


وبذلك، فإنّ ادارة السجن ما كانت احسن حالا من قوة حماية السجن في الخارج. وهاتان الوثيقتان انما تدينان وزارة العدل ودائرة اصلاح الكبار وإدارة السجن في آن واحد وتكشف بؤس ادائهم.

الجهد الاستخباري الحكومي قبل العملية

جهاز المخابرات الوطني

بعد وقوع الواقعة، تعالت الاصوات منددة بضعف اداء اجهزة الاستخبارات التي كان يجب ان تنبه الاجهزة الامنية بوجود مثل هكذا هجوم كبير، إلا ان افادات ووثائق مسربة لأجهزة الاعلام (موقع المسلّة وموقع كتابات الالكتروني) كشفت ان جهاز المخابرات الوطني قد  اعطى «إحداثيات دقيقة للواقعة قبل حدوثها عبر برقيات وجهت الى جميع مؤسسات الحكومة المعنية » حسبما بيّن النائب مظهر الجنابي عضو لجنة الامن والدفاع النيابية عضو لجنة التحقيق بفرار السجناء من سجن «ابو غريب». وأوضح ان «سبع برقيات ارسلها جهاز المخابرات، اولها كانت في 24 ايار وآخرها كانت في 20 تموز»، مشيراً الى ان «البرقيات أفصحت (حتى) عن ساعة الصفر في تنفيذ العملية»، (كما هو واضح في البرقية 9018 في 20 تموز 2013).

وكشف الجنابي انه بالرغم من ذلك إلا انه «لم يتم اتخاذ اللازم ولا الاستعداد لإحباط مثل تلك العملية»، الامر الذي يؤكد ان «هنالك تقصيراً من الاجهزة الامنية المكلفة بحماية السجن والمناطق المحيطة به». [المصدر: موقع المسلّة الالكتروني في 28 تموز 2013].

وثيقة رقم 3: صورة برقية جهاز المخابرات الوطني الصادرة من هيئة التنسيق الاستخباري – خلية الاستخبارات الوطنية الصادرة في 20 تموز 2013. وقد عممت البرقية الى كافة الدوائر والاجهزة الامنية المعنية؛ جهاز مكافحة الارهاب، وجهاز الامن الوطني،ووكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية، وقيادة عمليات بغداد، والمديرية العامة للاستخبارات والامن، ومديرية الاستخبارات العسكرية، ومركز القيادة الوطني، ومركز العمليات الوطني. [المصدر: موقع المسلّة الالكتروني في 28 تموز 2013].

وزارة الداخلية


اما التحذير الاستخباري الثاني، فقد جاء في برقية مديرية عمليات وزارة الداخلية (مركز القيادة الوطني) التي عممت برقية تفيد بوجود معلومات عن الهجوم على السجون. وربما تكون هذه البرقية قد ارسلت بناءا على برقية المخابرات المذكورة، إلا انها تضمنت معلومات في غاية الاهمية مصدرها مديرية شرطة محافظة الانبار، حيث جاء في البرقية «(.) اعلمتنا مديرية شرطة محافظة الانبار ببرقيتها المرقمة 32539 في 20/7/2013 المتضمنة (.) توفرت لديهم معلومات تفيد (.) حول قيام تنظيم القاعدة الارهابي بتحضير لعقد تجمع في شمال بغداد للقيام بتنفيذ عمليات ارهابية على إحدى الدوائر او الثكنات العسكرية في بغداد وقد طلبوا اسناد اربعة مقاتلين ارهابيين من كل قاطع لولاية الانبار والمحافظات الاخرى (.) تنسب تدقيق صحة المعلومات اعلاه واتخاذ ما يقتضي بصددها من اجراءات امنية مشددة وتوخي كافة تدابير الحيطة والحذر بالتنسيق مع الاجهزة الامنية الاخرى لتفويت الفرصة على هذه العناصر الارهابية من تنفيذ اعمالهم الاجرامية وإعلامنا اجراءاتكم بغاية السرعة (.) انتهت (.) للتنفيذ (.) انبؤونا». [المصدر: موقع كتابات في الثاني من آب 2013].

وثيقة رقم 4: صورة برقية وزارة الداخلية / وكالة الوزارة لشؤون الشرطة الصادرة في 20 تموز 2013، اي قبل يوم واحد من حدوث الهجوم. [المصدر: موقع كتابات الالكتروني في 3 آب 2013].


لقد كشفت هاتان البرقيتان قدرة اجهزة الاستخبارات على اختراق تنظيم «القاعدة»، ولكن، للأسف، لم يتم الاستفادة من هذه القدرات التي تستحق الاشادة.

اما لماذا لم تؤخذ تقارير الاستخبارات بجدية، تقول الجهات المسؤولة (في وزارتي الداخلية والعدل) انهم « يتسلمون يوميا الكثير من البرقيات الكاذبة»، حسبما جاء في تقرير لجنة الامن والدفاع النيابية. وهذا «يعني أن تنظيم «القاعدة» أوْهَمَ الجهات المسؤولة معلوماتيا وضخ قبل الحادثة، بفترة، الكثير من المعلومات بشأن الهجوم، وهو ما أربك الجهات المعنية، فاختار اليوم الذي حدده وأرسل بالفعل برقية بما ينوي عمله».

اضافة لهذا الجهد الاستخباري الاستباقي الباهر، اكدت تقارير صحفية ان تنظيم «القاعدة»  قبل يومين من العملية حذر سكان المنطقة القريبة من السجن من استخدام الطريق الرئيسي لأنهم ينوون تنفيذ عملية هناك. ان هذه المعلومة بمفردها كانت تكفي لو عوّل عليها. هذا ان وصلت الى اسماع اجهزة الاستخبارات. وإن لم تصل فهذا يعكس اخفاق اجهزة الامن الحكومية في كسب ثقة المواطنين والتواصل معهم.

يقول توبي دودج، الاكاديمي الخبير بالشأن السياسي العراقي في كلية لندن للاقتصاد والذي ألف العديد من الكتب عن العراق، انه «على الرغم من أن الجيش العراقي لديه العدد والعدة والقدرة فإنه يظل قوة غير متماسكة عاجزة عن التنسيق بين عملية جمع المعلومات واتخاذ الإجراءات»

نقل السجناء الى سوريا

بمجرد أن تسلق السجناء اسوار السجن وعبروا الاسلاك الشائكة (بعد أن وضعوا عليها وسائد النوم) كانت هناك سيارات تنتظرهم واصطحبت قادة «القاعدة»  البارزين الى مكان يرجح ان يكون سورية.
وكشف مصدر عسكري واسع الإطلاع على منفذ الوليد الحدودي غربي محافظة الانبار، رفض الكشف عن هويته في حديث لموقع صحيفة «العالم الجديد» الالكتروني، إن «العديد ممن فروا من سجن «ابو غريب» تمكنوا من التسلل إلى الأراضي السورية بعد يومين من حادثة «الهروب الكبير». وتم ذلك بتواطؤ أمني من الداخل وإسناد عسكري من الجيش الحر خارج الحدود العراقية»، مرجّحاً «انخراطهم في معسكر جبهة النصرة السورية التي تقاتل ضد نظام بشار الأسد في المناطق المتاخمة للحدود العراقية البوكمال ودير الزور».

وأضاف المصدر ان هناك ميليشيا (رفض ذكر اسمها وهويتها) «تقوم بأسر العناصر الأمنية والمساومة بهم كرهائن في مقابل دخول وخروج عناصر تنظيم «القاعدة»  عبر الأراضي العراقية»، كاشفاً أن هذه المجموعة يقودها «شخص يدعى ليث الملقب بـ(أبو حاتم) يقوم باستئجار الأشخاص بأسعار تعتمد على نوع السلاح الذي يحمله كل فرد»، مؤكداً أن حالات المساومة تكررت لأكثر من مرة من قبل المجموعة نفسها، من غير أن ينكر أنها تتم بتواطؤ وخيانات من داخل عناصر شرطة الحدود.

وتحدّث المصدر عن «معاناة رهيبة» يعيشها حرس الحدود هناك وحروب يومية يخوضونها ضد تنظيم «القاعدة» والجيش السوري الحر، قائلا إن«القاعدة تمتلك إمكانات هائلة تبدأ من الأسلحة ولا تنتهي بالعجلات»، موضحا أن «المواجهات اليومية تبدأ معهم في الساعة الثالثة صباحاً، لكنها غالبا ما تكون غير متكافئة، بسبب الأسلحة بعيدة المدى التي يمتلكونها في مقابل أسلحتنا التي لا تتعدى مدياتها كيلومترات قليلة».

وانتقد المصدر الخطط الأمنية هناك حيث «يبعد كل مخفر حدودي بمسافة 5 كيلومترات عن الآخر ما يصعّب نجدة المخافر الأخرى وبطء الإسناد فيما بينها». ورجح عدم سيطرة قوات الأمن على الحدود بنسبة كبيرة بسبب «التواطؤات الكبيرة داخل عناصر الأمن، التي غالبا ما تتم بواسطة إشارات في المصابيح الليلية بين العناصر الأمنية المتواطئة وتنظيم القاعدة».

وقال عضو لجنة الامن والدفاع، حاكم الزاملي، في 28 تموز 2013 ان «هناك معلومات حصلنا عليها تؤكد وصول 100 فار من سجن «ابو غريب» الى سورية وانضمامهم الى جبهة النصرة». وأضاف ان«المعطيات والمعلومات التي وردت الى لجنة الامن والدفاع تفيد بأن الباقين من السجناء الهاربين ما زالوا داخل العراق».

ما زال المسؤولون وقادة الأمن لا يدرون ان «قاعدة» العراق قد امتدت (ولم تنتقل) باتجاه الاراضي السورية، وأنها تعمل بالتوازي مع «جبهة النصرة» التي رفض زعيمها «ابو محمد الجولاني» الاندماج مع قوات «دولة العراق والشام الاسلامية» كما اراد ايمن الظواهري وأبو بكر البغدادي.

وتقول صحيفة «يابان تايم نيوز»، إن «تنظيم «القاعدة» في العراق يعمل على التوسع والتواجد في الخطوط الأمامية في حرب سوريا، وينتشر على أراضٍ استولت عليها مجاميع أخرى لتحقق لنفسها موطئ قدم، محبطا جهود الجيش الأميركي على مدى عقد من الزمن، والذي كان يقاتل للحيلولة دون تواجد هؤلاء (تنظيم القاعدة)، في العراق وأفغانستان».

وبينت الصحيفة، أنه «في غضون أربعة اشهر من تغيير اسم القاعدة في العراق بما يعكس طموحاتها المتزايدة، نراها اليوم تؤكد تواجدها في بعض البلدات والقرى التي استطاع المسلحون انتزاعها من يد القوات الحكومية السورية، وقد عززت ذلك بتدفق آلاف المقاتلين الأجانب من المنطقة وخارجها». وتشير الصحيفة إلى أن وزارة الخارجية الأميركية «عبرت عن اعتقادها بانتقال أبو بكر البغدادي من العراق الى سوريا، واستقراره في منطقة الرقة». [المصدر: الموقع الالكتروني لـ«العالم الجديد» في 15 آب 2013].

ويقول مسؤول أمني كبير في محافظة الأنبار ان «تنظيم «القاعدة» استعاد حواضنه في الأنبار بمساعدة المسلحين في سورية، وهم يحولون بلدات على الحدود العراقية إلى مراكز لهم». [المصدر: جريدة الحياة 13 آب 2013].

الهزات الارتدادية التي تلت «الهروب الكبير»

وجه نوري المالكي رئيس الوزراء [والقائد العام للقوات المسلحة، ووزير الداخلية والأمن الوطني ورئيس جهاز المخابرات بالوكالة] بحجز ضباط وطرد مدير السجون في وزارة العدل. كما اعطى اشارة البدء لعملية «الثأر للشهداء» التي اسفرت عن القبض على الف وخمسمائة من المتهمين والمشتبه بهم، ليس بينهم سوى بضعة انفار من الهاربين من سجن «ابو غريب».

أعلن جهاز مكافحة الإرهاب فى العراق في 12 آب 2013، عن اعتقال جميع المخططين لعملية هروب سجناء «ابو غريب» واثنين من كبار قادة تنظيم القاعدة الهاربين من السجن، بناء على معلومات استخبارية دقيقة. ويبقى السؤال الاهم الذي يشغل بال المواطن؛ اين ذهب الباقون؟ وكيف يوفق جهاز مكافحة الارهاب في القبض على القيادات، ويخفق في القبض ولو على واحد من السجناء الفارين.

اما تنظيم «القاعدة»، فقد بدأ يومه التالي وكأن شيئا لم يكن، حيث حقـّق اختراقا جديدا هز العراق من شماله الى جنوبه بتنفيذه سبعة عشر انفجارا في مناطق مختلفة من البلد شملت العديد من المدن في محافظات العراق العربية. وكذلك كان حال الاسبوع الذي تلاه فقد نفذ التنظيم اثني عشر تفجيرا في مناطق متفرقة من العراق. وما زالت سلاسل التفجيرات تترى اسبوعيا.

قال عضو لجنة الامن والدفاع النيابية، النائب مظهر الجنابي، إن اللجنة «تتابع بقلق حملات الاعتقال الجارية في محيط العاصمة الشمالي والغربي». وأضاف إن «المعلومات المتوافرة لدينا تؤكد اعتقال مئات المواطنين في فترة قياسية جداً، ما يثير الشك في تنفيذ الاعتقالات من دون أوامر قضائية». وأوضح أن «ذوي المعتقلين لا يعرفون عنهم شيئاً ولم يتم الاتصال بهم».

وأشار الجنابي الى أن «قوات الامن تحاول تغطية فشلها في حماية بغداد من التفجيرات وحادثة اقتحام سجني التاجي وأبو غريب وهروب المئات من السجناء من خلال تنفيذ عمليات اعتقال متسرعة تثير القلق».

وقال النائب حامد المطلك لـ «الحياة» إن «الاعتقالات العشوائية خطة امنية فاشلة تزيد الاعداء ونقمة الاهالي على قوات الامن». وابدى استغرابه من اعتقال المئات في فترة قياسية، وتساءل: «اين كانت قوات الامن قبل هذه الفترة ولماذا نفذت العملية في هذا التوقيت بالتحديد؟».

اما صالح المطلك، نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات، فقد علق في العاشر من آب 2013، قائلا ان «اختراق تنظيم القاعدة للأجهزة الأمنية  العراقية سهل عليها اقتحام سجني التاجي وأبو غريب وتهريب المئات من السجناء التابعين لها، بمعنى أن ذلك لم يحصل بسبب قوة القاعدة فقط، بل  بسبب ضعف الأجهزة الأمنية في السجون والمحيط».

 وأضاف المطلك أن «عمليات الدهم الأمنية المتكررة للمناطق  السنية حولت بعض هذه المناطق  إلى مناطق حاضنة للإرهاب ليس حبا  بالإرهاب  وإنما انتقاما من الأجهزة الأمنية وقياداتها» مشددا على أن «استحواذ مجموعة من الأحزاب على السلطة هو أساس  التعثر في العملية السياسية التي أوجدها مجلس الحكم بدون روح أساسا».

وعزا نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات عدم «كشف ومحاسبة منفذي التفجيرات الإرهابية في العراق إلى الفساد الموجود في القضاء العراقي  وفي أجهزة التحقيق ومحاولات رمي التهم جزافا على الآخرين لأغراض سياسية جعلتها عوامل لا تسمح  بشواهد واضحة تظهر على شاشات التلفاز تشير إلى الخصوم الحقيقيين للشعب والبلد».

وأشار المطلك إلى أن «هذه التفجيرات يتم تجييرها سياسيا، ولا يتم التركيز على المجرمين  ونوعية جرائمهم بشكل دقيق»، مؤكدا أن «حجم التفجيرات ونوعيتها لا يمكن أن يحصل  من دون  وجود خروق أمنية بسبب الفساد المستشري». حيث تفيد مصادر تنظيم «القاعدة» بأنه يدفع الكثير من اجل الحصول على المعلومات وشراء الذمم.

مع استمرار الانفجارات اوعز نوري المالكي بالبدء بعملية عسكرية في غرب الانبار مستهدفا باديتها، معقل التنظيم، ولكن ليس لهذه، ولا سابقتها، ولا سابقاتهما اي انعكاس على الوضع الامني.

غزوة «قهر الطواغيت» ليست كبقية «الغزوات»، فهي عملية نوعية تؤشر تخطيطا عالي المستوى من قبل «القاعدة»، وفضحت ضعف التنسيق بين الاجهزة الامنية وتراخيها.

تردّت حال بغداد كثيرا منذ غزوة «قهر الطواغيت» وما تلاها من سلاسل التفجيرات، حيث تعرضت لمزيد من الخنق، الامر الذي جعل الانتقال من مربع امني الى اخر ترف لا يلجأ اليه إلا من اضطر اليه. فكلفة اجتياز نقاط التفتيش المنتشرة فيها باتت تكلّف ساعات طوال من المعاناة والجهد. خاصة بعد ان سرت شائعات تفيد ان تنظيم «القاعدة» بصدد تنفيذ هجوم مماثل على المنطقة الخضراء، معقل «الطبقة الحاكمة». فشددت القوات الحكومية من حمايتها على المنطقة الخضراء وأغلقت مقتربات جسر الجمهورية بوجه المدنيين مما صعّبَ الانتقال بين جانبيْ بغداد.


تظهر القيادة العامة للقوات المسلحة وقيادة عمليات بغداد اهتماما جديا حين يتعلق الامر بأمن «الطبقة الحاكمة»، وهذا الاهتمام يكاد يتلاشى حين يتعلق الامر بأمن الشعب وكرامة الوطن والجيش وسمعته.


صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...