الثلاثاء، 25 فبراير 2014

نوبة الغضب التي فجرت السفارة الإيرانية في بيروت

 

احمد هاشم الحبوبي
  تنأى السعودية بحربها مع إيران بعيدا عن أرضيْ البلدين، فأرض الله واسعة، والهلال الخصيب مستباح، وشعبه مهدور الدم ولا وليّ له.

    ولكن يحصل احيانا ان يشطح أحد الأذرع ويُقـْدِم على عمل متهوّر لم تحسب تداعياته، كما حصل في اعتداء السفارة الإيرانية في بيروت (في 19 تشرين الثاني 2013)، حين بلغت الرياض أقصى درجات غليان الأعصاب وهي ترى إيران والولايات المتحدة على اعتاب توقيع اتفاق تاريخي بينهما (تم توقيعه في 24 تشرين الثاني 2013) يمهد لإنهاء أزمة البرنامج النووي الإيراني. وكانت الولايات المتحدة، قبل ذلك، تراجعت في اللحظة الاخيرة عن ضرب الجيش العربي السوري.

    لم يصدر من إيران أي اتهام رسمي للإدارة السعودية فيما يخص التفجير المذكور، بل اتهمت اسرائيل وأدواتها بتنفيذه. لكن وسائل إعلام رسمية ايرانية رأت ان للسعودية دورا مُهما ما، فهي ان لم تكن وجّهت، فهي موّلت أو حرّضت على اقل تقدير. ففي الحادي والعشرين من تشرين الثاني 2013، أي بعد يومين من تفجير السفارة في بيروت، نشر الموقع الالكتروني لقناة العالم الإيرانية التي تبث بالعربية، مقالا بقلم شاكر كسرائي  جاء فيه أن «هذا الهجوم الانتحاري يأتي بعد حوالي ثلاثة أشهر من الهجوم على منطقة الرويس في الضاحية الجنوبية من بيروت والذي اوقع خسائر كبيرة بين المدنيين في هذه المنطقة».

    وأكد كسرائي ان التفجيريْن «ممولهما واحد، ولكن التفجير الثاني الذي اوقع خسائر كبيرة بين صفوف المدنيين من اصحاب الشقق المجاورة للسفارة، يظهر ان منفذيْه مدعومان من جهة غير لبنانية  تقدم الاموال بسخاء للقتلة والمجرمين ليس فقط في لبنان بل في سوريا والعراق واليمن وأفغانستان وباكستان وبلدان اخرى شرق اوسطية».

    وأضاف كسرائي أنّ «الجهة التي تبنت العملية الانتحارية، اعلنت عن نفسها بأنها كتائب عبد الله عزام وهي كما ذكرت وكالات الانباء تابعة لتنظيم القاعدة، ولكن المدقق في البيان  يرى بان هذا الاسم ما هو إلا واجهة لجهة ودولة معروفة في المنطقة بدعم الارهابيين في جميع انحاء العالم، وهي التي اقدمت منذ ثمانينات القرن الماضي على انفاق مليارات الدولارات على تنظيم القاعدة. وهي التي اسست هذا التنظيم ومولته عن طريق أسامة بن لادن السعودي وهي الآن تتبرأ منه».

    وفي 23 كانون الأول 2013، شنّت صحيفة «كيهان» الحكومية الإيرانية هجوما عنيفا على السلطات السعودية وكبار الرموز الدينية فيها.

    واتهمت الصحيفة «تحالف مكاتب الجاهلية والإلحاد والشرك والفرقة والنفاق والشقاق والحقد والعداء الدفين للإسلام المحمدي الأصيل، بمؤسساتها الدينية الوهابية - السلفية التكفيرية» بالسعي إلى «إعادة الأمة نحو الجاهلية التي كان يصبو اليها جدهم وليد صاحبة (الراية الحمراء) الطليق معاوية، وابنه الزاني المجرم يزيد وجاءت فتاواهم متطابقة ومتناغمة مع تصريح مكاتب الكفر والإلحاد لضرب الشيعة والتشيع في العالم» على حد تعبيرها.

   ووصفت الصحيفة شيخ الإسلام ابن تيمية، ومفتي السعودية السابق، عبدالعزيز ابن باز، والمفتي الحالي، عبدالعزيز آل الشيخ بأنهم «كبار وعاظ سلاطين الوهابية والسلفية التكفيرية المنحرفة وعبدة البترودولار السعودي». واتهمهم بالإفتاء بـ«حلية سفك دم وهتك عرض وناموس الانسان المسلم الشيعي».

   وواصلت الصحيفة هجومها بالقول: «لا زال أحفاد أبناء الطلقاء في بلادنا العربية يسيرون على نهج أسلافهم متمسكين بالفكر التكفيري القبلي الجاهلي المنحرف لتمزيق جسد ووحدة الأمة الإسلامية. لكن يجهلون كل الجهل من أن هذا الارهاب التكفيري الذي أرسوا صرحه وأسسوا له ويدعموه ويساندوه سيعود الى مضاجعهم في السعودية وأخواتها وسينقلب السحر على الساحر وسيزعزع عروشهم وسلطتهم وسطوتهم».

    لا يمكننا ان نصدق ان الصحافة الإيرانية الحرّة قد عبرت عن رأيها و«فشّت غليلها» بعيدا عن إرادة حكومة بلدها، فهكذا طرح غير مقبول في إيران ولا في السعودية، ولكنها فَشّة بفَشّة، عسى ان يكتفي الطرفان بـ«الفعل وردّ الفعل».


الأربعاء، 12 فبراير 2014

أميركا والسعودية، رؤى متباينة احيانا


    ترتبط المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة بصداقة راسخة منذ زمن بعيد. ورغم وجود خمسة عشر مواطن سعودي من بين التسعة عشر ارهابي الذين نفذوا اعتداءات 11 أيلول، إلا إنّ ذلك لم يثلم أو يهزّ تلك الصداقة العميقة.

    تؤمن الإدارة السعودية بأنها ستبقى مالكة لـ«قلب» الولايات المتحدة طالما استمرت بالسير على هدي المثل الشهير: «الطريق إلى قلب الرجل معدته»، مع بعض التصرف، فالسعودية ترى ان الطريق إلى الأميركي هو جيبه، لهذا فهي تسرف بلا حدود حين يتعلق الأمر باسترضائه. وقد اشار الكاتب باتريك كوكبرن، مراسل صحيفة «الإندبندنت» في الشرق الأوسط، لذلك معتبرا ان «العائلة المالكة السعودية تعرف جيدا كيف تبذل المال من اجل كسب ودّ الطبقة الحاكمة الدولية».

   ما يقلق الإدارة السعودية هو الإعلام الأميركي الذي يخرج احيانا عن عقاله ويندد برعايتها وتمويلها للثنائي الذي خسِرَ ودّ أميركا؛ الفكر الوهابي التكفيري الجهادي، والتنظيمات المسلحة التي تتبنى هذا الفكر. تردّ السعودية بأنها شريك أساسي في الحرب على الإرهاب، والدليل هو تعاون أجهزتها الأمنية مع مثيلاتها الغربية الذي اسفر عن احباط اعتداءات ارهابية نوعية كانت تستهدف لندن ونيويورك. ان هذا الرد السعودي يحمل بين طياته رسالة واضحة للغرب: «اطمئنوا؛ مدنكم ومواطنيكم ليسوا مدرجين في قائمة اهداف الارهابيين الذين نرعاهم».

    تراجعت الولايات المتحدة عن توجيه ضربة عسكرية للجيش العربي السوري في آب (وأيلول) 2013، بعدما عقدت مع الروس صفقة سرية انتهت بقبول الحكومة السورية بتسليم عتادها الكيمياوي وتدمير معامل تصنيعه.

    اعتبر السعوديون الاتفاق (الأميركي ـ الروسي) إهانة موجعة لم يتمكنوا أبدا من تجاوزها، فالحليف الأميركي لم يشركها، بل لم يطلِعْها بأي شيء عن الصفقة، ولم تسمع بها إلاّ عبـْر وسائل الإعلام. كما شكل ذلك ضربة للحلم السعودي بنهاية دراماتيكية لنظام الرئيس بشار الأسد، شبيهة بنهاية كل خصوم المملكة.

    لقد جرح ذلك كبرياء المملكة التي اهتزت مصداقيتها كحليف أساسي لم تتجاوزه الولايات المتحدة في كل ما يتعلق بالإقليم، الأمر الذي دفع الإدارة السعودية إلى اتخاذ احد اسخف قراراتها بالامتناع عن شغل مقعد في مجلس الأمن الدولي.
الصحفي الأميركي فريد زكريا

    لم يمر اعتذار الرياض عن شغل مقعدها في مجلس الأمن، مرور الكرام، فقد كتب المعلق السياسي الأمريكي فريد زكريا، احد أشهر الصحافيين والإعلاميين المهتمين بالعلاقات الدولية والسياسات الخارجية الأمريكية، مقالا قاسيا في مجلة «التايم» (في 11 تشرين الثاني 2013) انتقد فيه السياسة الخارجية السعودية، جاء فيه: «إذا كانت هناك جائزة للسياسة الخارجية الاكثر انعداما للمسؤولية، فستمنح بالتأكيد إلى المملكة العربية السعودية. فهي أكثر الدول المسؤولة عن صعود التطرف الإسلامي والتشدد في جميع أنحاء العالم. فعلى مدى العقود الأربعة الماضية، تم استخدام الثروة النفطية الهائلة في المملكة لضمان تصدير الصورة المتطرفة والمتعصبة والعنيفة من الإسلام من خلال رجال دينها الوهابيين».

    وذكّر فريد بكون المملكة كانت واحدة من ثلاث دول فقط كانت تعترف بنظام طالبان في أفغانستان وأنها تلعب دورا في الهجمات الإرهابية بباكستان والعراق وسوريا. وأن كل ما فعلته هو أنها قاومت الإرهاب داخل أراضيها.

    وعن الدعم السعودي للمتشددين يقول زكريا: «اذهب إلى أي مكان في العالم – من ألمانيا إلى إندونيسيا – وستجد المراكز الإسلامية المنتعشة بأموال السعودية تنفث التعصب والكراهية. في عام 2007، صرح ستيوارت ليفي لقناة «اي بي سي نيوز»، (وكيل وزير الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية للفترة 2004-2011)، بالقول «إذا كان بإمكاني مد أصابعي وقطع التمويل من بلد واحد، سيكون المملكة العربية السعودية». وعندما تتم مواجهتهم بالأدلة (يكمل فريد زكريا)، عادة ما يدعي المسؤولون السعوديون أن تدفق هذه الأموال يتم من خلال أفراد ومؤسسات خاصة، ولا تمتلك الحكومة السيطرة عليهم. ولكن العديد من المؤسسات أنشئت من قبل الحكومة أو أعضاء بارزين في العائلة المالكة، ولا يمكنها أن تعمل في مجال يتحدى السياسة الوطنية لبلد تحكمه ملكية مطلقة».

كما استشهد زكريا بتصريح وزير العدل الباكستاني السابق اقبال حيدر لوكالة الأنباء الالمانية، في آب 2012: «سواء كانوا (الإرهابيون) من طالبان أو جماعة عسكر طيبة، فأيديولوجيتهم هي الوهابية السعودية دون ادنى شك»، وإنـّه «ليس هناك شك في أن السعودية تدعم الجماعات الوهابية في جميع أنحاء بلده (باكستان)».

    ويؤكد فريد زكريا إنّ معارضة المملكة العربية السعودية لسياسات أوباما إزاء سوريا وإيران لا تنبع من أسباب إنسانية تخدم شعبي البلدين، وإنما تجد جذورها في العقيدة المناهضة للشيعة، مدفوعة بمخاوف من أن أي دعم يلقاه الشيعة سيؤثر على الخمسة عشر بالمائة من إجمالي سكانها الشيعة، ويعيشون للمصادفة في المنطقة التي تضمّ جزءاً مهماً من احتياطي الطاقة هناك.

    كما ذكر أنّ هناك مخاوف في المملكة من امتداد الربيع العربي، وإعادة إدماج إيران في العلاقات الدولية، وكذلك احتمال إعلان واشنطن قريباً استقلالها عن نفط الشرق الأوسط.

    وخلص فريد زكريا للقول إنّه من المحتمل أنه لهذه الأسباب فإنّ مخاوف الرياض من مقعد مجلس الأمن تعود لخشيتها من أن يحد ذلك المقعد من حرية التحرك، أو لأنها ستجد نفسها مضطرة للتصويت على أمور ترغب في تجاهلها.

    ردّ الصحفي جميل الذيابي في جريدة الحياة السعودية على زكريا ووصفه بالكذب والسرقة، واتهمه بأنه «أصبح مقارباً لسياسة بلاده مع إيران، متجاهلاً أن بعض قيادات القاعدة لا تزال في ضيافة طهران». وبيّنَ الذيابي ان «أكبر خطأ ارتكبته السعودية في الثمانينات ودفعت ثمنه لاحقاً هو مساندتها لخطط واشنطن في أفغانستان، والدفع بالشباب السعودي للجهاد عبر «مباركة أميركية»، فكان ذلك سبباً في تفريخ «القاعدة». كما أن اعترافها بـ«طالبان» كان بتأييد أميركي». ولو تمعّنَ الذيابي في مقالته التي ردّ بها على زكريا لما دفعها للنشر؛ فقد أثبت الذيابي كل ما تنكره الإدارة السعودية.

    استشعر السعوديون خطرا من مقال فريد زكريا لأنه «كاتب مؤثر وله قراؤه، وفي تحليلاته الكثير من المعلومات التي يرجح أنها تسريبات من صناع القرار في بلاده، بهدف جس النبض ورد الفعل»، وفقا لجميل الذيابي.

لم تكد الإدارة السعودية تتعافى من غدر«الحليف» على الجبهة السورية، حتى اكتشفت غدره الأكبر الذي لا يغتفر أبدا؛ ألا وهو توقيع «اتفاق جنيف الابتدائي الخاص بالبرنامج النووي الإيراني» الذي سبقته مفاوضات سرّية مباشرة وطويلة بين الولايات المتحدة وإيران، لم تُبَلـَّغ أو تستشر بها المملكة ، فثارت ثائرتها واندفعت في سلسلة تصريحات أكـّدَت عبرها على مواصلة مشاريعها في المنطقة بوجود أميركا أو بدونها.

    مع تفجّر الغضب السعودي، تفجّرَ عنف التنظيمات التكفيرية المسلحة في العراق وسوريا، وبالذات تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) والتنظيمات المسلحة المحلية الحليفة له. فأعلنت الولايات المتحدة الامريكية في بيان لوزارة الخارجية نقلته السفارة الأميركية في بغداد، في 23 كانون الاول 2013، أن «الدولة الإسلامية في العراق والشام هي فرع من تنظيم القاعدة الذي هو عدو مشترك للولايات المتحدة وجمهورية العراق، ويشكل تهديداً لمنطقة الشرق الأوسط الكبير».

    وتابع البيان: «بموجب الاتفاق الاستراتيجي الموقع بين بلدينا (العراق وأميركا) ويوفر أساساً لتعاون أمني طويل المدى، ما زلنا ملتزمين المساعدة في تعزيز القوات العراقية في معركتها المستمرة ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام».

    كما دعا البيان «قادة المنطقة إلى اتخاذ التدابير الفعالة لمنع تمويل وتجنيد عناصر في هذه المجموعات، ومن بينها الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة، وإيقاف تدفق المقاتلين الأجانب إلى سورية، حيث ينفذ الكثير منهم تفجيرات انتحارية ضد مدنيين أبرياء في العراق».

    يمكن اعتبار بيان الخارجية الامريكية بمثابة رد علني على التعهدات السعودية بدعم فصائل المعارضة السورية المسلحة بغض النظر عن المخاوف من استفادة «القاعدة» من هذا الدعم. وهو أمر حصل فعلا.
ألكسي بوشكوف، رئيس لجنة العلاقات
الخارجية في مجلس الدوما الروسي

    أما روسيا، فقد اتهمت الرياض بـ«التمويل والتجهيز العسكري للإرهابيين الدوليين والمجموعات المتطرفة». وطالبت بوضع حد لهذه التصرفات. كما أكد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الدوما الروسي ألكسي بوشكوف أن التدخل السعودي في شؤون سوريا لم يجر من أجل نشر الديمقراطية فالسعودية لا يمكن أن تكون حاملة الديمقراطية إلى الآخرين لأنها أولا لا تملك دستورا وهي بعيدة كل البعد عن الديمقراطية ولا تعترف بالديمقراطية كأسلوب في الحكم».

    وأضاف بوشكوف إن «دور السعودية في تمويل وتسليح المجموعات المتطرفة كبير جدا وهو اليوم أكبر من الدور القطري والمساعدات التي تقدمها السعودية لتلك المجموعات تعد بالمليارات من الدولارات نتيجة موقفها الحاقد على دمشق».

    وزودت الولايات المتحدة الجيش العراقي، بسرعة قياسية، بصواريخ متطورة لمواجهة الخطر المتزايد الذي يمثله تنظيم «داعش». والأهم من هذا هو تزويد العراق بمواقع معسكرات التنظيم المذكور في بادية الانبار. وبالتأكيد فإنّ تسليم المعدات والاعتدة ما كان سيكون له اية جدوى لولا ما سبقه من تدريب وتأهيل للكوادر العراقية التي ستتعامل معها.

    لقد اوهن المرض أمزجة وحكمة افراد الصف الاول الحاكم في السعودية،  الذين أضفوا طابعا شخصيا على خلافاتهم الإقليمية، الأمر الذي يعقّد فرص الاتفاق على حلول وسط، يتجلّى بكلّ وضوح في العراق وسوريا المفتوحيْن على كل الخيارات السيئة.

    يقول جهاد مقدسي، المتحدث السابق باسم الحكومة السورية: «علينا التركيز على عدم شخصنة الصراع (في سوريا) والفوز بالضربة القاضية، يمكن للمجتمع الدولي أن يساعد الشعب السوري على الفوز بالنقاط».

ملاحظة:
1)    لمزيد من التفاصيل اقترح قراءة المقال بعنوان: «الأسرة السعودية الحاكمة ليست في أحسن أحوالها»، على الرابط ادناه:

2)    رابط مقال المحلل السياسي فريد زكريا في مجلة التايم (باللغة الانكليزية)

http://content.time.com/time/magazine/article/0,9171,2156259,00.html


ادناه الترجمة الكاملة لمقال المعلق السياسي فريد زكريا المنشور على صفحات مجلة التايم الأميركية في 11 تشرين الثاني 2013:
السعوديون غاضبون؟ يا له من أمر جلل!
بقلم فريد زكريا / مجلة التايم
ترجمة : أوغاريت دمشقية
لماذا لا ينبغي لنا أن نهتم إن استاء البلد الأكثر انعداما للمسؤولية في العالم من الولايات المتحدة؟
سياسات أميركا الشرق أوسطية آخذة في الفشل ، كما قيل لنا، وخير دليل هو أن المملكة العربية السعودية غاضبة. ديك تشيني، جون ماكين وليندسي غراهام قرعوا ناقوس الخطر حول رفض الرياض مؤخرا مقعد في مجلس الأمن الدولي. ولكن أيا كان رأي المرء في تعامل إدارة أوباما مع المنطقة، من المؤكد ان اخر معايير قياس للسياسة الخارجية الاميركية يجب ان يكون حول كيفية تعاطي بيت آل سعود معها.
إذا كانت هناك جائزة للسياسة الخارجية الاكثر انعداما للمسؤولية، ستمنح بالتأكيد إلى المملكة العربية السعودية. فهي أكثر الدول المسؤولة عن صعود التطرف الإسلامي والتشدد في جميع أنحاء العالم. فعلى مدى العقود الأربعة الماضية، تم استخدام الثروة النفطية الهائلة في المملكة لضمان تصدير الصورة المتطرفة والمتعصبة والعنيفة من الإسلام من خلال رجال دينها الوهابيين.
اذهب إلى أي مكان في العالم – من ألمانيا إلى إندونيسيا – وستجد المراكز الإسلامية المنتعشة بأموال السعودية تنفث التعصب والكراهية. في عام 2007، صرح ستيوارت ليفي لقناة”إي بي سي نيوز”، وكان مسؤولا عالي المستوى في المالية آنذاك، بالقول«إذا كان بإمكاني مد أصابعي وقطع التمويل من بلد واحد، سيكون المملكة العربية السعودية». عندما تتم مواجهتهم بالأدلة، عادة ما يدعي المسؤولون السعوديون أن تدفق هذه الأموال يتم من خلال أفراد ومؤسسات خاصة ، ولا تمتلك الحكومة السيطرة عليهم. ولكن العديد من المؤسسات أنشئت من قبل الحكومة أو أعضاء بارزين في العائلة المالكة، ولا يمكنها أن تعمل في مجال يتحدى السياسة الوطنية لبلد تحكمه ملكية مطلقة. وأكدت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، كما جاء في وثيقة سربها موقع ويكيليكس في شهر كانون الأول/ديسمبر 2009، أن المملكة العربية السعودية تبقى “القاعدة المالية الأساسية” للإرهاب وأن الرياض “اتخذت إجراءات محدودة فقط” لوقف تدفق الأموال إلى طالبان وجماعات أخرى مشابهة.
كانت السعودية واحدة من ثلاث دول فقط في العالم التي تعترف وتدعم الحكومة التي تقودها حركة طالبان في أفغانستان حتى وقوع هجمات 11/9. بل هي أيضا لاعب رئيسي في باكستان، التي تعتبر الآن موطنا لأكثر الإرهابيين عنفاً في العالم. وابلغ وزير العدل الباكستاني السابق اقبال حيدر وكالة الأنباء الالمانية «دويتشه فيله»، في آب/أغسطس 2012، «سواء كانوا من طالبان أو جماعة عسكر طيبة، أيديولوجيتهم هي الوهابية السعودية دون ادنى شك»، وأضاف «ليس هناك شك في أن السعودية تدعم الجماعات الوهابية في جميع أنحاء بلده».
ومنذ هجوم تنظيم “القاعدة” المباشر في الرياض في العام 2003، قضى السعوديون على الارهاب في الداخل. لكنهم لم يوقفوا دعمهم لرجال الدين الوهابيين والمراكز والمدارس الدينية والمتشددين في الخارج. خلال حرب العراق، كان الكثير من الدعم للمتشددين السنة يأتي من مصادر سعودية. استمر هذا النمط في سوريا اليوم.
ولا تأتي اعتراضات المملكة العربية السعودية لسياسات إدارة أوباما تجاه سوريا وإيران في إطار الاهتمامات الإنسانية لشعوب تلك البلدان. إنهم متأصلون في أيديولوجية المناهضة للشيعة واسعة الانتشار. ولطالما تعاملت الرياض طويلا مع الطوائف الإسلامية الأخرى كافة باعتبارها بدعا، وتغاضت عن قمع تلك الجماعات. وتضمن تقرير منظمة حقوق الانسان للعام 2009 تفاصيل حول تصرفات الحكومة السعودية ورجال الدين والشرطة والمدارس الدينية التميزية بشكل منهجي ضد السكان المحليين الشيعة، بما في ذلك الاعتقالات والضرب وفي بعض الأحيان استخدام الذخيرة الحية.
يخشى نظام آل سعود من ان اي نوع من تمكين الشيعة في اي مكان، يمكن أن يشجع شيعة المملكة الذين يشكلون 15% من سكانها ويعيشون في الجزء الذي يحتوي على الكمية الاكبر من احتياطات البلاد النفطية. ولهذا السبب أرسلت السعودية قواتها إلى جارتها البحرين خلال “الربيع العربي” العام 2011 لسحق انتفاضة الاغلبية الشيعية.
لقد شعر أفراد العائلة المالكة السعودية بحشرجة الموت جراء الأحداث في المنطقة وخارجها. وشعروا أن السخط الذي أطلقه “الربيع العربي” ليس غائبا عن جماهيرهم. كما خشوا من إعادة الاعتبار إلى إيران. وهم يعرفون أيضا أن الولايات المتحدة قد تجد نفسها قريبا جدا مستقلة تماما عن نفط الشرق الأوسط.

آخذا بعين الاعتبار هذه المعطيات، من المعتقد أن المملكة العربية السعودية شعرت بالقلق من ان قبولها إشغال مقعد في مجلس الأمن الدولي قد يقيد حرية عملها، أو أن هذا المقعد قد يسلط الضوء على بعض أنشطتها الأكثر تعصبا، أو أنه قد يجبر الرياض على التصويت على القضايا تفضل ان تتجاهلها إلى حد ما. ومن الممكن أيضا أن السعوديين تصرفوا في نوبة مفاجئة من الاستياء، رغم أن السعوديين هم من مارس شتى الضغوط على مدار سنوات من أجل المقعد. وأي كان السبب، دعونا نسلم بأن المملكة العربية السعودية غاضبة فعلا من الولايات المتحدة، ولكن هل نحن على يقين من أن هذا مؤشر على ان واشنطن تقوم بعمل شيء خاطئ؟

الجمعة، 7 فبراير 2014

الدعم السعودي للإرهاب بعيون غربية


    يرى العديد من كتاب ومراسلي معاهد البحوث والصحافة الاوروبية ان السعودية ظلـّت، على الدوام، المصدر الرئيسي لإغناء التنظيمات التكفيرية الجهادية، فكرياً وفقهياً ومالياً وبشرياً، مما مكّنَ السعودية من السيطرة عليها وتوجيهها واستخدامها كسلاح مشرع بوجه عدوّها الاول، إيران وحلفائها (المفترضين) وقتما تريد.

الكاتب والباحث غيدو شتاينبرغ
    يشدد الكاتب والباحث الألماني غيدو شتاينبرغ، لدى «المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن» في برلين، على أن تزايد الأعمال العدائية الطائفية بين السُنّة والشيعة يكمن في سياسة السعودية، التي تُعتبر اليوم القوة الرائدة في المعسكر السُنيّ. ويشير إلى أن حكومة المملكة منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، جعلت سياسة «مناهضة التشيّع» قضية سياستها الإقليمية. [صحيفة الاخبار اللبنانية، العدد 2143 في 02-11-2013].



برنار سكاوارسيني
    وكشف برنار سكاوارسيني رئيس جهاز الاستخبارات الفرنسية الداخلية السابق في كتابه المعنون «الاستخبارات الفرنسية: الرهانات الجديدة»، ان المخابرات الفرنسية تعلم منذ «20 عاماً أن مصارف سعودية ومصرية وكويتية موَّلت الجماعات الإسلامية في مصر والجزائر. وكانت حقائب الأوراق النقدية تمر بجنيف ولوغانو وميلان عبر منظمات غير حكومية إنسانية وشركات تجارية وهمية. ولكننا نشهد اليوم إعادة تشكيل شبكات التمويل بشكل أكثر تعقيداً وكمالاً. البعض منها يأتي من السعودية والبعض الآخر من قـَطَر الأكثر حماساً. وقد تحولت قـَطَر إلى معلمة كبيرة في أساليب الهندسة المالية العالمية التي تمر عبر صناديق مالية أو استثمارات، لكنها تصب كلها في النهاية في خدمة شبكات من الجمعيات التي تتصل بجماعات مسلحة».

    وفيما يتعلق بـ«قاعدة» لبنان بالذات، فيؤكد سكاوارسيني ان «كل المجموعات الجهادية التي بايعت «القاعدة»، المتمركزة في المخيمات الفلسطينية قرب صيدا وطرابلس، تتلقى تمويلها بشكل أساسي من الأمير بندر سلطان (رئيس الاستخبارات السعودية) الذي يقود سياسته الإقليمية منفرداً ومستقلاً عن أشقائه وأبناء عمومته». [صحيفة السفير اللبنانية، العدد 12647، محمد بلوط].


عبد الرحمن عمير النعيمي
    وكانت وزارة الخزانة الامريكية، في 20 كانون الاول 2013، قد ادرجت الإسلامي القـطَري عبد الرحمن عمير النعيمي على لائحة الإرهاب بتهمة تمويل تنظيم القاعدة. وبينت الوزارة في بيانها ان النعيمي ممولٌ للإرهاب ومتواجد في قطر، وأرسل أموالاً ودعماً مادياً، وقام باتصالات مع فروع «القاعدة» في سوريا والعراق والصومال واليمن لأكثر من عشر سنوات. وطالبَ مساعد وزير الخزانة الأمريكي، دانيال غلازير، قـَطَر العملَ على «ضمان عزل الأشخاص المتورطين في تمويل الإرهاب من النظام المالي القطري».

    لا يقتصر الأمر على السعودية وقـَطَر؛ فهناك دول أخرى تموّل الإرهاب، ففي حزيران 2012، دعا السعودي ماجد الماجد (أمير «كتائب عبد الله عزام» الذي مات في 4 كانون الثاني 2014) في رسالة صوتية مستمعيه على «التبرع للمقاتلين في سوريا»، قائلا إنه «لا أحد يمكنه منعهم من دعم أشقائنا في سوريا، وكل شخص يمكنه جمع المال من معارفه وأقاربه ومن النساء وتوصيله لمن يثق بهم في سوريا والدول المحيطة بها». وبيّنَ الماجد لمن لا يعرف أحدا يقدم له المال، أن «في الكويت نشاطا جيدا في جمع المال للمقاتلين السوريين يقوده علماء دين معروفون، وأسماؤهم معلنة، والوصول إليهم سهل».

    إلا ان الحكومة الكويتية تؤكد ان «الدعم المقدّم عبر قنواتها الرسمية وبرعايتها يقتصر فقط على المساعدات الانسانية وأعمال الاغاثة». أما الاموال التي يتم جمعها عن طريق الجمعيات الخيرية الكويتية او تلك التي تتلقاها الجهات الإغاثية في سوريا وتقدمها بدورها لبعض الفصائل المتقاتلة، فهي «بالتأكيد ليست من ضمن المساعدات الخاضعة لرعاية ودعم الدولة».

باتريك كوكبرن، مراسل صحيفة الإندبندنت
     كما كتب باتريك كوكبرن، مراسل صحيفة «الإندبندنت» البريطانية في الشرق الأوسط (في 08 كانون الاول 2013) مقالا قيّماً بعنوان: «قتل جماعي في الشرق الأوسط مموّل من أصدقائنا السعوديين» بيّنَ فيه ان التبرعات السعودية لعبت دورا محوريا في تأسيس وتمويل «الجماعات الجهادية السُنـّية». وأكد كوكبرن ان التقرير الرسمي الصادر عن لجنة التحقيق في هجوم 11 أيلول 2001، اثبت أن أسامة بن لادن لم يكن هو مموّل «القاعدة» الاوحد، لأن أمواله الشخصية ما كانت كافية أو تسمح بذلك منذ عام 1994، وأنه اعتمد في التمويل على صلاته الخليجية التي أقامها منذ حرب أفغانستان في الثمانينيات. وينقل كوكبرن عن تقرير رسمي للاستخبارات المركزية الأميركية، مؤرّخ في 14 تشرين الثاني 2002، ان «القاعدة» تعتمد على ما يبدو على فريق صلب من «المسهلين الماليين»، لجمع التبرعات من المتبرعين المانحين الخليجيين، وخصوصاً من السعوديين.

    ويورد كوكبرن دليلا رسميا أميركيا ثانيا جاء بعد ثمانية أعوام من هجمات 11 ايلول، برقية من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون موجهة للسفارات الامريكية، تحت عنوان «تمويل الإرهاب»، مؤرخة في 30 كانون الأول 2009، ومنشورة على موقع «ويكيليكس»، جاء فيها أن «المتبرعين في السعودية هم الاغزر مساهمة في دعم المجموعات الإرهابية السُنـّية حول العالم». ثم تؤكد هيلاري كلينتون «أن السعودية تظل الداعم المالي الأكثر أهمية لـ«القاعدة» و«طالبان» و«عسكر طيبة» وغيرها من مجموعات الإرهابيين السُنّة. وجاء في البرقية أيضا ان «القاعدة» تستغل الكويت كمموّل ومحطة تبادل أيضا.

السفير كريستوفر هيل
    وكان السفير الأميركي الأسبق في العراق (2009 – 2010) كريستوفر هيل قد بيّن في برقيات سرّية الى وزارة الخارجية الأميركية (ونشرتها صحيفة الغارديان البريطانية في 19 آب 2013)، أن «السعودية وليس إيران تشكل التحدي الأكبر والمشكلة الأكثر تعقيدا بالنسبة الى الساسة العراقيين الذين يحاولون تشكيل حكومة مستقرة ومستقلة». وعزا السبب الى «المال السعودي والمواقف السعودية المعادية للشيعة والهواجس بأن العراق بقيادة شيعية يعزز نفوذ إيران الإقليمي».

   ولفت السفير هيل الى أن «المسؤولين العراقيين يرون أن العلاقات مع السعودية من أكثر مشكلاتهم تعقيدا مع أنهم يحرصون عادة على عدم انتقادها بقسوة أمام المسؤولين الأميركيين نظرا لعلاقتنا الوثيقة بالسعوديين»، مبينا أنهم «يؤكدون سماح القيادة السعودية بصورة دورية لرجال الدين السعوديين بصب جام غضبهم على الشيعة»، مؤكدا أنه «يعزز النظرية العراقية بأن الدولة السعودية الوهابية ترعى التحريض الطائفي».

    عودة إلى كوكبرن الذي يرى ان «أميركا وبريطانيا ابدتا «ضبط نفس» مثير للدهشة تجاه الاموال المتسربة من السعودية ودول الخليج الاخرى إلى جيوب الارهابيين، لأنهما لا تريدان الاساءة لحليف وثيق. كما ان العائلة المالكة السعودية تعرف جيدا كيف تبذل المال من اجل كسب ودّ «الطبقة الحاكمة الدولية». كما جرت محاولات غير مقنعة لربط إيران والعراق بتنظيم القاعدة عندما كان الجاني الحقيقي على مرأى من الجميع».

   تقدم السعودية على توقيع صفقات شراء سلاح بمبالغ هائلة تستقبلها الدول الغربية وكأنها هدية من السماء. ولا تبني السعودية عقودها العسكرية بناءا على حاجتها الفعلية، بل يراد منها كسب ودّ دولة بعينها، كما يحصل دائما مع الولايات المتحدة وبريطانيا وأخيرا فرنسا التي ظفرت بعقود تجهيز معدات عسكرية قد يتجاوز مجموع اثمانها العشرين مليار دولار، وذلك ثمنا للموقف المتشدد الذي اتخذته فرنسا اتجاه ايران اثناء مفاوضات (5+1).

     ويضيف كوكبرن سببا آخر (لغض النظر الأميركي) وهو تبدل اولويات «تنظيم القاعدة»؛ فأسامة بن لادن كان يرى في أميركا عدوه الأكبر (ولم تناصبه أميركا العداء إلا بعد ان جاهر بعداوته لها قولا وفعلاً)، في حين ان الغالبية الساحقة من الجهاديين السُنّة الحاليين يرون في الشيعة خصمهم الأوحد، وها هم الشيعة يـُقتلون بالآلاف في العراق وسوريا و باكستان، وحتى في البلدان التي يوجد فيها عدد قليل منهم، مثل مصر». وسوف لن تحاربهم أميركا وبريطانيا قبل ان يفعلوا ما فعله ابن لادن قبلهم.

   يرى الكاتب دانا ميلبانك ان هناك الكثير من الجماعات التي تدعي ولاءها لتنظيم «القاعدة» الذي يضمهم إلى صفوفه عن طيب خاطر، وأن «الغالبية العظمى مما يطلق عليه جماعات «القاعدة» تركز على الشؤون الداخلية لبلدانها وليس على الولايات المتحدة أو الإرهاب العالمي بالدرجة الأولى».

ويذهب حسن أبو هنية، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، إلى نفس ما ذهب إليه كوكبرن، فهو يرى ان ابو بكر البغدادي أمير تنظيم «داعش» يلتزم خط ابو مصعب الزرقاوي الذي كانت اولويته «مواجهة المشروع الصفوي الإيراني والشيعة». في حين ان «بن لادن والظواهري كانا يتبنيان مواجهة العدو الأكبر كأولوية، والمتمثل في الغرب والولايات المتحدة وحلفائها».

    ويؤكد كوكبرن ان الإدارة السعودية المدفوعة بالغضب من تراجع أميركا عن ضرب سوريا ونجاح المفاوضات حول النووي الإيراني، تنفق مليارات الدولارات لتسليح تنظيمات جهادية لا تنتمي لتنظيمي «داعش» و«النصرة»، ولكنها تحمل نفس العداء تجاه الشيعة. وستؤدي الستراتيجية السعودية إلى مزيد من الضحايا السوريين. وستنتهي بسوريا إلى ما آلت إليه افغانستان؛ عبارة عن مجموعات مسلحة تفتقر لأي اطار سياسي يجمعها».

الكاتب والصحفي روبرت فيسك
    ليس كوكبرن وحده الذي ينتقد النكوص الأميركي عن محاربة التكفيريين الجهاديين، فقد انضمّ له الكاتب والصحفي البريطاني «روبرت فسك» الذي يقول: «إنها المرة الأولى التي تبادر فيها دول الشرق الأوسط بمحاربة الإرهاب دون مشاركة غربية، ففي الوقت الذي تنشغل الطائرات الامريكية بدون طيار بمهاجمة مقار القاعدة ومنازل الابرياء وحفلات الاعراس في باكستان، فإن الرئيس السوري بشار الأسد، ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، والرئيس الإيراني حسن روحاني، والرئيس اللبناني ميشال سليمان ووزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي، يقاتلون الارهابيين».

    ويواصل فسك: «إن أميركا تدعم الثوار العلمانيين الذين يحاربون (الرئيس بشار) الأسد الذي يحارب الإسلاميين التكفيريين. وفي ذات الوقت، تنثر السعودية الاموال على تنظيم «داعش» المرتبط بـ«القاعدة» التي تحارب الثوار العلمانيين وقوات الرئيس بشار الأسد. وفي نفس الوقت تتبرع السعودية بمليارات الدولارات (خمسة مليار) لدعم  الجيش المصري الذي يحارب «القاعدة» في مصر». [صحيفة «الإندبندنت» في 05 كانون الثاني 2014].

السفير جيمس جيفري
    كما انتقد جيمس جيفري، سفير أميركا في بغداد (للفترة 2010-2012)، تصريح وزير الخارجية الاميركي جون كيري الذي وصف حرب العراق ضد القاعدة بأنها حرب العراق وحده ولا دخل لأميركا بها. وشدّدَ جيفري: «باللغة السياسية المجردة، هذا قتالنا نحن، فعراقٍ غير مستقرٍ بمنطقةٍ غربيةٍ تسيطر عليها «القاعدة» أمر ليس في مصلحة الولايات المتحدة إن أردنا شرقاً أوسطياً هادئاً وآمناً. وليس هو أمراً مفيداً أيضاً إن أردنا أن نرى عراقاً عاملاً يُصدّر 6 ملايين برميل من النفط يمكنه أن يصدرها حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية الى الأسواق العالمية يومياً بحلول عام 2020».

    ويقول جيفري ان نغمة إدارة اوباما تبدو غير حاسمة في الشرق الاوسط، وهي على ما يبدو ترسل إشاراتٍ الى الكل بأنّ الأولوية الأولى هي أن لا نقحم الولايات المتحدة في أي نوعٍ من الأعمال العسكرية، وأنها لا تريد فقط أن تتجنب فيتنام جديدة بل وحتى أن تتجنب غارةً جديدةٍ بصواريخ كروز أو تواجداً عسكرياً صغيراً متواصلاً في أفغانستان أو نشر بضعة عشرات من خبراء أمريكان في مجال مكافحة الإرهاب ليوفروا المشورة للعراقيين عن كيفية النيل من القاعدة في الفلوجة. والنتيجة كانت انهياراً غير اعتياديٍ لمصداقية الولايات المتحدة في المنطقة بالرغم من الكثير من الخطوات المحمودة التي قامت بها الإدارة». وأكد جيفري ان لكلمات الولايات المتحدة اثرا عميقا على «حلفائنا وشركائنا وأعدائنا حول العالم، فهم أيضاً جمهورٌ يستمع الينا».[الواشنطن بوست 07 كانون الثاني 2014 وصحيفة العالم العراقية 12 كانون الثاني 2014].

الصحفي مشاري الذايدي، أحد صقور
 صحيفة الشرق الاوسك السعودية
     تنظر الإدارة السعودية للخطاب الإعلامي الغربي على انه «هرولة في الإعلام الغربي لشيطنة السعودية، وأنكى من ذلك، هناك جهل ساطع، وجرأة في الثرثرة عن السعودية»، كما وصفه مشاري الذايدي، الصحفي في جريدة الشرق الأوسط السعودية.

    ويقول محمد الرميحي، وهو كويتي يكتب في الصحيفة المذكورة، ان «الوجه الجديد للمشروع الإيراني المعضد من بعض العرب (الشيعة في العراق وسوريا ولبنان) هو استعداء العالم على الأوطان تحت ذريعة أن بعض مواطنيها (السُنّة) ينزعون إلى الإرهاب، وبذلك حلت ساعة إضعافها لفتح الباب مشرعا أمام الثورة العالمية الإسلامية التي بشر بها الدستور الإيراني».

    ويضيف الرميحي ان «ذاك أمر يفضح بوضوح طبيعة التحشيد وشكل التضليل الذي يراد اليوم أن ينتشر بين الناس، وهو باختصار أن المملكة العربية (السعودية) وراء «التكفيريين»، التوصيف الذي يستخدمه أيضا كبار مسؤولي بغداد بجانب مصفوفة من الداعين، عن وعي أو غيره، للمشروع التوسعي الإيراني الذي يسعى للاستحواذ على الإسلام عن طريق العرب (يقصد الشيعة في العراق وسوريا ولبنان)». [الشرق الأوسط، 11 كانون الثاني 2014، العدد 12828].

    ان وجهة نظر ابرز الكتّاب الغربيين المختصين بقضايا الشرق الأوسط هذه، توثـّقُ الدور التدميري الذي تمارسه الإدارة السعودية في العراق وسوريا ولبنان التي تئنّ شعوبها من وطأة الاعتداءات اليومية التي تستهدف المدنيين الأبرياء.


الأربعاء، 5 فبراير 2014

الإعلام السعودي ضد عرب «الهلال الشيعي»


تعرف الإدارة السعودية جيدا ان الإعلام هو احد انجع الأسلحة وأمضاها، ولا يمكن كسب أي حرب أو معركة بدونه. وعلى اسلوبها المعهود، فحين تروم الإدارة المذكورة تحقيق شيء ما، فآخر ما تفكر فيه هو التكاليف، فهذه لم ولن تلويها عن غاية أو هدف، فعملت خلال اربعين سنة على بناء امبراطورية إعلامية لا تغيب عنها الشمس، تمتد من واشنطن إلى بغداد، ويعمل فيها افضل الكتـّاب والصحفيين، إضافة لشراكات مع أشهر الصحف ودور النشر العالمية. تضم المجموعة الاعلامية السعودية:
1)   جريدة الشرق الأوسط.
2)   صحيفة الحياة.
3)   مجلة المجلة.
4)   موقع إيلاف الالكتروني.
5)   قناة العربية الفضائية.
6)   قنوات ووسائل إعلام ومواقع عربية وإسلامية لا حصر لها تحظى بدعم مباشر أو غير مباشر من السعودية.
7)   القنوات والصحف السعودية المحلية الحكومية والخاصة التي لا تخرج عن إرادة الدولة أبدا.
8)   موقع «يوتيوب» و«تويتر» و«فيسبوك».
تمتاز المجموعة السعودية بوحدانية خطابها الإعلامي الذي لا يخرج عن رؤية الرياض. إنّ جريدة الشرق الأوسط وموقع إيلاف لا يخجلان أبدا من نشر تقارير صحفية تؤكد ان ماجد الماجد، أمير تنظيم «كتائب عبد الله عزام»، عميل لإيران، وأن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، هو صنيعة سورية، وأن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد عقد صفقة سريّة مع التنظيم المذكور لضرب السُنّة في محافظة الانبار العراقية. والطريف ان 59% من جمهور إيلاف يؤيدون ذلك، ولا يعتبرونه (داعش) طوراً من اطوار «القاعدة» الذي يجيد تبديل جلده وقتما يريد. ولا يمكن وصف هكذا طروحات إلا بأنها استهزاء بعقول الجماهير.
وسوف لن  يخجل موقع إيلاف، في قادِمِ الأيام، من تلفيق استبيان جديد يسوّق فيه ان تنظيم «الجبهة الإسلامية» (وهو عبارة عن كونسورتيوم سلفي تكفيري جهادي يسعى لإقامة دولة الإسلام في بلاد الشام) وحلفائه «جيش المجاهدين» و«أحرار سوريا» الذين يحاربون تنظيم «داعش» في سوريا، هم أيضا صنيعة سورية.
لصحيفة «الشرق الأوسط» صولات وجولات طائفية لا حصر لها، فإدارتها مهووسة بالتأليب على عرب «الهلال الشيعي» وتبرير الإرهاب الذي يستهدفهم، بل أنها تستهدفهم اضعاف مضاعفة أكثر مما تستهدف إيران.
يبرر الصحفي مشاري الذايدي تفجير حارة حريك في الضاحية الجنوبية ببيروت (21 كانون الثاني 2014) قائلا: «قبل أيام قصفت بلدة عرسال السُنـّية القريبة من الحد السوري، بصواريخ وقذائف هاون راح ضحيتها أبرياء من الأطفال وغيرهم. عن ذلك قال لصحيفة «الأنباء» الكويتية، رئيس بلدية عرسال متهما حزب الله بهذه الهجمات، إن إمطار عرسال بالصواريخ وقذائف الهاون أتى رد فعل على تراجع «حزب الله» ميدانيا في جوسيه والقصير، وذلك لاعتبار الحزب أن أهالي عرسال هم أصحاب المعركة في المنطقتين المشار إليهما، ويجب تدفيعهم ثمن استضافتهم للنازحين السوريين».
وحين استشهد العميد الركن محمد الكروي (21 كانون الاول 2013) وكوكبة من ضباط ومراتب الفرقة السابعة في الجيش العراقي، لا «جيش (نوري) المالكي» كما تسّميه المجموعة السعودية، في مواجهة مع تنظيم «داعش»، نشرت الصحيفة المذكورة في اليوم الثاني تقريرا وصفت العميد الكروي بأنه «أحد قادة مجزرة الحويجة التي وقعت في 22 نيسان 2013، عندما اقتحمت قوة عسكرية ساحة الاعتصام في هذه البلدة القريبة من كركوك موقعة عشرات القتلى والجرحى». وأضافت الصحيفة انه كان بين من ادانتهم لجنة تقصي الحقائق البرلمانية. وإنه منذ تاريخ مجزرة الحويجة بقيت الحرب سجالا بين تنظيم القاعدة والضابط الشاب المندفع العميد الركن محمد الكروي». [صحيفة الشرق الأوسط، 23 كانون الاول 2013].
ولقيَ الخبر، الذي نشر في طبعة الجريدة الصادرة في بغداد أيضا، موجة استنكار شديدة من العراق، فحُذف من موقعها الالكتروني، إلا انه ما زال متاحا؛ فقد تلقفته مواقع (شقيقة) أخرى.
إنّ العميد الكروي سُنـّي المذهب، ولكن، لا فرق، فالسُنّي الذي يتآخى مع الشيعي..شيعي. 
أما مجلة «المجلة»، ومن نفس المنظار، فقد بررت استهداف السفارة الإيرانية في بيروت عبر التلميح بأن كافة مستشاري السفارات الإيرانية إن هم إلا قادة في الحرس الثوري الإيراني أو ضباط مخابرات (وهذا أمر ربما يشمل اغلب منتسبي سفارات العالم وليس إيران وحدها)، وأن إيران تتبنى ستراتيجية تفجير السفارات منذ أكثر من ثلاثين عاما.
وأضافت «المجلة»: «كان عام 1981 لافتًا بشكل خاص. ففي 05 آذار من ذلك العام، تم نصب كمين لـ "المستشار السياسي لشؤون الشرق الأوسط" في السفارة الإيرانية وقتل بالرصاص في سيارته، على الأرجح على يد عملاء المخابرات العراقية. في الواقع، كان هذا المستشار، محمد صالح الحسيني، أحد كبار قادة الحرس الثوري في بيروت. بعد بضعة أشهر في كانون الاول، ضرب انتحاري من حزب الدعوة العراقي، بدعم مباشر من إيران، السفارة العراقية في بيروت. هذا ناهيك عن عمليات حزب الله وحزب الدعوة التي تلت في الكويت في الثمانينات».
وتضيف «المجلة»: «قبل ثلاثين عامًا، وعلى بعد دقائق قليلة من موقع السفارة الإيرانية، من قام بتفجير السفارة الأمريكية وبعدها ثكنة المارينز، مسببًا بمقتل 241 جنديًا أمريكيًّا، كانت إيران نفسها، على يد صنيعتها في لبنان، حزب الله». [الموقع الالكتروني لمجلة المجلة، طوني بدران، 28 تشرين الثاني 2013].
مـَنْ يُبَرِّر اعتداءات إرهابية صارخة ضد مدنيين أبرياء، ليس له أنْ يدّعي الموضوعية والإنصاف، فليس من الإنصاف أبداً ان تُسْتَوفى الثارات السياسية من دماء المدنيين الأبرياء.
يرى غسان شربل، الصحفي في جريدة الحياة ان «القضية المركزية في الإقليم هي النزاع السُنّي - الشيعي. إذا تغاضيت عن هذه الحقيقة لا تستطيع فهم ما يجري في العراق وسورية ولبنان والبحرين واليمن وإن كانت لدى الأخير أسباب أخرى».
ويضيف شربل: «في موضوع سقوط التعايش ندفع الآن ثمن برنامجين. البرنامج الإيراني الذي نجح في اجتذاب مجموعات من الشيعة العرب وإخراجهم من النسيج الوطني وجعل الولي الفقيه مرجعهم الديني والسياسي (يقصد حزب الله). وبرنامج «القاعدة» الذي يخرج المجموعات السُنـّية المتعاطفة معه من نسيجها الوطني فهو لا يعترف أصلاً بحدود الدول ولا مكان عنده لفكرة التعايش أصلاً. تمثل سورية حالياً مسرحاً للصراع بين البرنامجين وهذا يكفي للقول إن سورية التي كنا نعرفها قبل ثلاث سنوات لم تعد واردة بصيغتها السابقة».
يضعنا غسان شربل مرة أخرى امام مجموعات شيعية تسيّرها إيران كيفما تشاء، مقابل مجموعات سُنـِّية متعاطفة مع «القاعدة»، دون ان يوضح لنا مَنْ يقف وراء «القاعدة»، مِنْ اين لها هذه الجماهير وهذا الدعم المادي الذي لا ينضب، وقبلهما الغطاء الديني.
يرى الصحفي الايرلندي باتريك كوكبرن، مراسل صحيفة «الإندبندنت» البريطانية في الشرق الأوسط، أن «السعودية وممالك الخليج الأخرى تدعم وتتبنى حملة تأليب ضدّ الشيعة، ساحتها موقع «يوتيوب» الالكتروني، يروّج لها رجال دين سُنّة يقيمون ويحظون برعاية تلك الدول، تؤسس مقومات الحرب الأهلية المذهبية التي تجتاح العالم الإسلامي كله، ويشهد العراق وسوريا قسمها الأكبر».
ويقول كوكبرن ان «الكراهية والعداء ضد الشيعة بلغت من الشدّة إلى حد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، الذي ينشط من بغداد إلى بيروت، قد اعتذر عن إقدام مقاتليه على قطع رأس قائد فصيل حليف له، ظَنـّا منهم انه شيعي لمجرد أنه تمتم باسميْ الإماميْن عليّ والحسين (عليهما السلام) وهو تحت تأثير المخدر بعد عملية جراحية اجريت له لعلاجه من اصابات تعرض لها في معركة مع القوات السورية النظامية». [باترك كوكبرن، الموقع الالكتروني لصحيفة «الإندبندنت»، 29 كانون الاول 2013].
افلح السعوديون حيث اخفق العراقيون والسوريون الذين حصروا تركيزهم على جماهيرهم فحسب، فاكتفوا بوسائل إعلامية ضعيفة الأداء تعمل بعقلية الموظف الحكومي الذي سيتقاضى راتبه آخر الشهر مهما كان اداؤه، والنتيجة أنها عجزت عن استقطاب جماهير الطرف الآخر، بل خسرت جمهورها المحلّي أيضا.
يختلف الحال تماما في لبنان، حيث حازت قناة الميادين مكانا بارزا بين الفضائيات العربية المدعومة من ممالك الخليج العربي. وكذلك الحال مع الصحف اللبنانية.
مهما بلغت المجموعة السعودية الإعلامية من قوة، فليس بإمكانها التفوق على الإعلام اللبناني الذي يعمل بحرية مطلقة لا تحددها حكومة.
أما الذراع الإعلامي السعودي الأقوى الذي لا يُضاهى والذي ليس من الأخلاقِ مجاراته، فهو ائمة التحريض الذين يستغلّون بيوت الله لبثِّ الفُرقة بين الناس، لتصل إلى مئات ملايين الناس بكل سهولة ويسر وبأدنى التكاليف.
يريد الله تعالى لبيوته ان تكون منارات للرحمة والتآخي والودّ والعيش المشترك، لا منابر لإشاعة القتل والفـُرقة بين الناس، ولهذا اسماها جوامع.

ملاحظة: لمزيد من التفاصيل حول سياسة صحيفة الشرق الأوسط، اقترح قراءة مقال لكاتب هذه السطور بعنوان : صورة الشيعي في جريدة الشرق الأوسط السعودية، على الرابط ادناه:

صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...