الأحد، 17 يناير 2016

أفول عصر النفط .. قراءة في نبوءة احمد زكي يماني


أفول عصر النفط .. قراءة في نبوءة احمد زكي يماني
احمد هاشم الحبوبي

في الخامس والعشرين من حزيران في سنة 2000، في لقاء مع صحيفة التلغراف البريطانية [1]، تنبأ احمد زكي يماني وزير النفط السعودي الأسبق (لأربعة وعشرين عامًا، مِن 1962 ـــ 1986) بانتهاء عصر النفط خلال ثلاثين سنةً (أي في سنة 2030) لانتفاء الحاجة إليه وليس بسبب نضوب المخزون. وشبّهَ يماني أفول عصر النفط بعصور الأرض الغابرة قائلا: «إنّ العصر الحجري لم ينتهِ بسبب نقص الحجارة. وكذلك عصر النفط، سينتهي ليس بسبب نضوب النفط». وبيّنَ أن النفط «سيقبع في باطن الأرض غير مرغوب فيه». وأرجع يماني ذلك إلى أربعة عوامل أساسية:

1) الاستثمارات الكبيرة في التنقيب والاستكشاف التي أدّت إلى اكتشافات نفطية وغازية كبيرة حصلت لحين زمن لقائه. وقد حصلت أضعاف تلك الاكتشافات منذ ذلك الوقت حتى الآن، حيث عثر على موجودات غازية هائلة في قاع البحر المتوسط أمام سواحل مصر وإسرائيل ولبنان وقبرص. والاكتشافات تتزايد في كل أنحاء المعمورة. فتحولت بعض الدول من مستوردة إلى مصدِّرة أو مكتفية كليًا أو جزئيًا عبر سد جزء من احتياجاتها. ورغم الاستهلاك الكبير الذي حصل خلال العقود الماضية، فإنّ المخزون النفطي والغازي المؤكد حاليا يفوق ما كان عليه الحال حينذاك.

2) الاستثمار الكبير في الإنتاج أدى إلى رفع القابليات التصديرية للدول المنتجة، فصارت تتزاحم فيما بينها للاستحواذ على حصة أكبر في السوق.

3) ظهور تقنيات جديدة. كتقنية النفط الصخري التي ما كانت معروفة وقت إدلاء يماني بحديثه المذكور. لقد حولّت تكنولوجيا النفط الصخري أمريكا من بلد مستورد إلى بلد مصدر أو مكتفٍ ذاتيا.

4) البحوث العلمية الجارية لتوفير طاقة بديلة عن الوقود الأحفوري الباهظ الثمن والضار للبيئة. وبيّن يماني بأنّ نقطة التحول من عصر البترول إلى عصر الطاقة البديلة تكمن في المحاولات التي يبذلها العلماء في كافة أنحاء العالم للتمكن من فصل الهيدروجين عن الأوكسجين بدون استخدام البترول، فإذا نجحوا في ذلك فسيكون بمثابة إعلان نهاية عصر البترول.

لم يأتِ يماني على ذكر الطاقة المتجددة، كالطاقة الشمسية والرياح وأمواج البحر والطاقة الحرارية الجوفية. إن تقنيات مصادر الطاقة هذه تتطور باطراد أيضا، وتسهم مشاريعها في توفير مقادير هائلة من الطاقة النظيفة.

وقف يماني بالضد من مبدأ رفع سعر النفط طوال الفترة التي قضاها يماني كوزير نفط لدولة من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للنفط في العالم، وكذلك بعد أن غادر منصبه المذكور، لأن ذلك سيهدد مصائر الدول المنتجة أكثر مما يهدد اقتصادات الدول المستوردة للنفط، لأنّ الأسعار المرتفعة ستؤدي إلى دفع المستوردين نحو المزيد من التنقيب والاستكشاف والتقنيات والبحوث العلمية التي ستقود حتما إلى انهيار سعر النفط ومن ثم الاستغناء عنه. إنّ التطور العلمي أمر حاصل لا محالة، ولم يتوقف البحث يوماً عن مصدر طاقة نظيف ومحلّي ومتجدد. ولكنّ أسعار رخيصة كانت ستبطئ من وتيرة البحث.

كما يؤكد يماني أن شركات النفط والبنوك والمبالغة في آثار الأزمات الإقليمية هي التي تسببت بالزيادات التي حصلت سابقًا، وما كان للنفط لسعره السابق لولا ذلك، بأي حال من الأحوال.

بناءً على ذلك دخلت المملكة العربية السعودية ومعها دول أوبك الأخرى، بعضها دخلت على مضض، في مواجهة كسر عظم مع الشركات المنتجة للنفط الصخري، فمارست سياسة إغراق السوق وعدم تخفيض حصة أوبك، سعيا لكسر شوكة النفط الصخري. ولكن ذلك لن يُجْديَ نفعا، فشركات النفط الصخري ستعاود ضخ نفوطها حالما تتحسن الأسعار. إضافة لسعي باحثيها نحو تقليل تكاليف الإنتاج لتحسن الشركات من فرص تنافسها مع نفط الشرق الأوسط المنخفض التكاليف. وبذلك أصبح النفط الصخري بمثابة صمام أمان يخدم الدول المستوردة في كبح جماح سعر النفط. وبذلك أدّت تقنية النفط الصخري إلى هبوط الحد الأعلى الذي يمكن أن يبلغه سعر برميل النفط. كما قللت من تأثير الأزمات المتفجرة في الشرق الأوسط على سعر البرميل. وحديث بعض الدول عن "مؤامرة" لخفض سعر النفط لإلحاق الأذى في دولة ما بعينها (أو اكثر)، لا يعدو عن كلام فارغ لا أساس علمي له.

أما المعضلة الأخرى التي تسهم في إغراق السوق وتهاوي السعر فهو تنافس الدول المنتجة القديمة على حصة كل منها في السوق، فأغلب الدول استثمرت عشرات مليارات الدولارات في التنقيب وزيادة الإنتاج. كما أسهمت أحداث سياسية ومحلية خلال الخمس وعشرين سنة الماضية في توقف دول منتجة عن سوق الإنتاج كالعراق ونيجيريا وإيران وليبيا. وقد عُوِّضَ إنتاجها بواسطة دول منتجة أخرى. وحين تبدأ الدولة المتوقفة بالتصدير من جديد، فلا تقابله الدول المُعَوِّضة بخفض الإنتاج. لذلك فبمجرد اقتراب موعد عودة إيران إلى التصدير هوَى سعر البرميل إلى ما دون الثلاثين دولاراً. لكن، وفقًا لنبوءة يماني، فإنّ بيع النفط بأيِّ ثمن، أفضل من بقائه في باطن الأرض لا أحد يرغب بشرائه.

كل هذه الحقائق تكشف بأنّ المتضرر الأكبر من الوضع الحالي والقادم هي بلدان الشرق الأوسط التي يشكل بيع النفط المصدر الرئيسي لدخولها. إنّ العراق سيكون البلد الأكثر تضررا لعدم احتياطه لهذا اليوم، على العكس من الدول الأخرى التي لديها احتياطيات واستثمارات مالية هائلة ستساعدها في امتصاص الصدمة ويجعل وَقْعها تدريجيًا ويعطيها الفرصة لالتقاط الأنفاس والتفكير بحل ما، رغم أن هذا أمر مستبعد.

إن الاستغناء عن النفط لن يكون بكبسة زر، ولن يكون نهائيا، فهو يدخل في الكثير من الصناعات الأساسية كالبتروكيماويات والبلاستك، ولكنها لا تشكل شيئا أمام استهلاك النفط في إنتاج وقود السيارات والكهرباء. بحيث حتى لو عادت الأسعار إلى الارتفاع فإن ذلك لن يعني شيئا لأن الكميات المصدرة ستتناقص شيئا فشيئا.

كلّ الدول التي يشكل النفط مصدرا أساسياً لدخلها ستضرر من الواقع الجديد، على المدييْن القريب والبعيد. ولكن روسيا والنرويج سوف لن تتأثرا بنفس القدر الذي يتأثر به العراق وفنزويلا والجزائر.

تحاولُ الدول الخليجية تدارك الوضع الاقتصادي الجديد عبر السحب من احتياطياتها الضخمة وعبر رفع أسعار الوقود والكهرباء والماء وفرض ضرائب دخل وضريبة القيمة المضافة لتمويل عجز الميزانية. أما الحال في العراق فالأزمة ضربت أطنابها من الوهلة الأولى. لأنّ البلد بلا احتياطي ويفتقر للبدائل. إضافة إلى أنه يخوض حرباً ضروسا ضد تنظيم «داعش» الذي يحتل ثلث مساحة العراق ويتبع سياسة الأرض المحروقة فلا ينسحب من المدن التي يحتلها إلا بعد أن يحيلها إلى خرائب. أي أن الحكومة مطالبة بتوفير مستلزمات الحرب الشرسة ومستلزمات الإعمار الباهظة بعد ذلك. وهو أمر يبدو مستحيلا بناءً على واقع الحال.

إنّ التدابيرَ ستبقى ذات مفعول مرحلي، والمطلوب تغييرات حقيقية في مفهوم الدولة، أي أن تغادر دول الخليج والعراق مفهوم الدولة الريعية المُثْقلة بالعمالة الفائضة غير المنتجة. حيث يحضر الموظف أو العامل إلى محل عمله ويعد الساعات ليغادر محل عمله دون أنْ ينتج شيئا. ويمكن للموظف والعامل العراقيان أن يستعيدا لياقتهما الإنتاجية، لأنّ فترة السبات والكسل اللتان مرا بها قصيرة جدا مقارنة بدول الخليج العربي الأخرى.

لم تتعامل الدول النفطية التعاملَ الرشيد الحذر مع ثروتها النفطية، فلم تستخدمها (أو جزء منها) في بناء طاقات إنتاجية قادرة على توليد الدخول وبناء اقتصاد حقيقي يتسم بالاستمرارية والديمومة.

وستطفو على السطح تداعيات نسبة النمو السكّاني في العراق الذي يتجاوز عدد سكانه الخمسة وثلاثين مليون نسمة (آخر تعداد للسكان أجري في عام 1997). فإذا كانت الدولة عاجزة عن توفير الخدمات الصحية والمدارس والسكن والحصة التمونية لمواطنيها منذ كان سعر برميل النفط اكثر من مئة دولار، فكيف سيصبح الحال وسعر النفط دون الثلاثين ودون العشرين دولار.

المصادر:
[1] الموقع الالكتروني لصحيفة التلغراف (17 كانون الثاني 2016). مع ملاحظة أن المقابلة أجريت في 25 نيسان 2000.





احمد زكي يماني: إنّ العصر الحجري لم ينتهِ بسبب نقص الحجارة. وكذلك عصر النفط، سينتهي ليس بسبب نضوب النفط






صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...