الثلاثاء، 22 مايو 2012

وعود النواب ... هواء في شبك - الرواتب والامتيازات



مقال منشور بتاريخ 07-02-2011. أعيدُ نشره بالتوازي مع قرار جديد لمجلس النواب العراقي بتخصيص أراض سكنية لنواب الشعب في أغلى وأجمل مناطق بغداد. لقد اقر مجلس النواب القرار المذكور غير عابيء بمعاناة العوائل التي باتت تتكدس في غرف صغيرة لا توفر أية خصوصية او رفاهية لافراد الأسرة.

فكرت أن أُشَبـِّهَ النواب والمسؤولين اللذين لا حَـدَّ لجشعهم بالخنازير، إلاّ أنني ترددت وتراجعت عن ذلك، فللخنزير فوائد عديدة، بينما الجماعة بدون أية فائدة. لهذا قررت ان اسمهيم بالصراصير، واخترت ُحيدر الملا شيخا للصراصير طالما انه اول المطالبين بالامتيازات.

اترككم مع المقال القديم الجديد.


ألـْزَمَ أعضاءُ مجلس النواب العراقي نفسهم بمعالجة ملف رواتب بما تضمه من ذوي الدرجات الخاصة ونواب ووزراء ورؤساء [= الطبقة الحاكمة] لتقليل الفارق بينهم وبين بقية موظفي الدولة. وشَغِلَ هذا الملف موقعا مهما في برامج النواب الانتخابية.

وما عَلـِقَ في ذاكرتنا من مراوغات مجلس النواب السابق فيما يخص هذا الملف يَدْفـَعُنا إلى ان نُشَكّكَ بمصداقيةِ تَعُهُّد المجلس الحالي بإجراء إصلاحات جدية في هذا الملف. حيث اقرّ مجلس النواب السابق زيادة على رواتب أو مخصصات النواب، وبعدها بفترة وجيزة أجرى نفس المجلس تخفيضا على رواتب النواب لا يرقى أبدا إلى الزيادة التي سبقته. وطبعا تمت الإشارة والتنويه بالتخفيض، دون ان يحصل ذلك حين أقرت الزيادة.

واستمعنا، خاشعين، لتنديداتٍ من نواب بالرواتب العالية التي يتقاضونها عبر وسائل الإعلام، الاّ اننا لم نسمع ان أحدا منهم طالب بتخفيض الرواتب تحت قبة البرلمان، بل ان النواب طالبوا بمساواتهم بالوزراء فيما يخص توزيع قطع الأرض السكنية التي اقرها مجلس الوزراء لأعضائه ولموظفي الخمس نجوم الآخرين. وحجة مجلس النواب كانت قانونية؛ لأنهم سنّوا قانونا يساوي رئيس المجلس ونائبيه وعضو البرلمان برئيس الوزراء ونوابه والوزراء على التوالي في الامتيازات. وبعد قيل وقال، استلم الجميع أراضيهم في أحلى بقعة في بغداد وقرب ضفاف نهر دجلة الخالد. وهذا ليس أمر مقتصر على طبقتنا الحاكمة الحالية، فمنذ أيام هارون الرشيد كان ولاتنا يحرصون على الإقامة على ضفاف النهر. ولكنهم جميعا ذهبوا ولم يَبْق سوى النهر والأرض التي تعود ملكيتها المرة تلو الأخرى إلى الشعب.

تشكو وزارة التربية من عدم وجود أراضٍ كافية لبناء مدارس جديدة عليها. وتؤكد الوزارة ان مناقلة ملكية الأراضي بين الوزارات أمر شبه مستحيل بسبب تمسك كل وزارة بما لديها من أراض. وفي خضم هذه الأزمة يُنَسِّبُ مجلس الوزراء بتخصيص قطع ارض سكنية لموظفي الدرجة الأولى في الحكومة. وبدلا من استثمار ما متوفر من ارض لدى أمانة بغداد لحل الاختناق الحاصل في مدارس بغداد، تـُقَرِّرُ الطبقة الحاكمة تـَوزيعَ هذا الفائض على كبار المسئولين ويتركون التلاميذ والطلاب يكابدون الأمَرَّيْن في مدارسهم.

كان من الممكن ان تقايض الجهات المسئولة تلك الأراضي مقابل أراض أخرى تابعة لوزارات أخرى، أو ان تعرضها للبيع بأسعار السوق وتشتري بأثمانها أراض لتبنى عليها مدارس جديدة في المناطق المكتظة. انّ أبناء الطبقة الحاكمة باتوا من أثرياء البلد، وكان من السهل عليهم ان يشتروا تلك الأراضي نقدا أو بالتقسيط، خاصة وان رواتبهم ممتازة وتقاعدهم فوق الممتاز بغض النظر عن المدة التي يقضونها في الخدمة.

ليس من المعقول ولا من المقبول ان أحظى أنا حين كنت تلميذا في سبعينيات القرن الماضي بصف نظيف وواسع وبرحلة كبيرة كانت تكفيني أنا وزميلي الذي يشاركني نفس الرحلة، في حين ان أبناءنا في المرحلة المتوسطة يتكدسون الآن في صف متسخ وضيق، وكل ثلاثة فتيان يتقاسمون رحلة واحدة. وضيق المساحة المتاحة يعيقهم عن الكتابة على نفس الرحلة، فيضطر احدهم إلى الجلوس على الأرض لإفساح المجال لزميليه الآخرين. والحال ليست أفضل في المدارس الابتدائية والإعدادية.

ويعلم القارئ الكريم جيدا، ان ثمن ارض مساحتها أكثر من أربعمائة متر مربع في منطقة جيدة في بغداد، لا يقل أبدا عن النصف مليار دينار. امّا ثمن بيت في المنطقة الخضراء فهو أكثر بأضعاف مضاعفة من ثمن الأرض. ان الرواتب المرتفعة (والتقاعد المرتفع) والامتيازات الضخمة التي يقتطعها أبناء الطبقة الحاكمة لأنفسهم، وفقا للقانون، تسببت في تراكم ثروات هائلة لديهم، الأمر الذي حولهم إلى طبقة أثرياء ومتنفذين في آن واحد. وظهر ذلك جَلِيّاً أثناء حملاتهم الانتخابية، فإذا تغاضينا عن اتهامات التمويل الخارجي، فقد سَمعْتُ (عبر وسائل الإعلام) احدهم يقول ان حملته الانتخابية لم تكلفه سوى مائة وخمسين مليون دينار. وصرح آخر بأن حملته الانتخابية لم تكلفه "سوى مبلغ زهيد" لم يتجاوز المائتين وخمسين ألف دولار أي اقل بقليل من ثلاثمائة مليون دينارا. وهذان السيدان لم يجانبا الحقيقة، فقد تكلفت حملات أشخاص آخرين أضعاف تلك الأرقام، ولكنها، بالنسبة لغالبية أبناء الشعب، تُعْتـَبَرُ أرقاما فلكية تفوق حتى ما يراودهم في أحلامهم.

والملفت للنظر، هو إجماع كافة أبناء الطبقة الحاكمة على إبقاء رواتبهم وامتيازاتهم طي الكتمان رغم محاولات بعض الإعلاميين في كشف تفاصيلها. الاّ ان النتيجة كانت دائما الصد والامتناع عن إعطاء كل التفاصيل. وحتى اللذين أمسوا خارج الحكومة أو المجلس، مازالوا يمتنعون عن الإدلاء عن تفاصيل رواتبهم ومخصصاتهم. ويعود ذلك لأنهم يتقاضون رواتب تقاعدية ضخمة تقلّ قليلا عن رواتبهم التي كانوا يتقاضونها أثناء الخدمة. ويسري الأمر على الامتيازات الأخرى. ومن الإنصاف ان أشير إلى ان بعض النواب والمسئولين قد كسروا حاجز الصمت وأفصحوا ببعض المعلومات عن رواتبهم. ولكننا إلى يومنا هذا، نفتقر أرقاما وبيانات رسمية تكشف تفاصيل الرواتب والمخصصات والامتيازات.

وآخر من كسر حاجز الصمت حول هذا الأمر هو رئيس الوزراء السيد نوري المالكي الذي كشف عن راتبه، وفوق هذا، فانه اتخذ قرارا شخصيا بتخفيض راتبه إلى النصف. وأوضح المالكي انه لا يعرف بالضبط كم تبلغ رواتب الرئاسات الأخرى. ولكنه أكد المعلومة المهمة التي نعرفها وهي ان الراتب التقاعدي للمسئول يمثل خمسا وسبعين بالمائة من راتبه الذي يتقاضاه أثناء الخدمة بغض النظر عن المدة.

لقد رحب عددٌ من النواب بما أقدم عليه المالكي من إجراء رائع وشجاع، ولكنهم، لم يقدموا على أي إجراء مشابه، متذرعين بأنهم بانتظار صدور قانون ينظم رواتبهم، متناسين انهم هم من ينبغي ان يصدروا هكذا قانون.

منذ البداية، لم اتفق مع الدعوات المتصاعدة لتخفيض رواتب أبناء الطبقة الحاكمة، لأني اعتقد انها ستحصنهم ضد أطماع استغلال السلطة وإغراءات الرشوة والفساد. ورغم انها [الرواتب العالية] لم تؤتي أُكـُلَها وأخْفَقَتْ في تحصين البعض، الاّ انها أفلحت في توفير مناعة دائمة لدى البعض الآخر، عززها معدنهم الأصيل والقيم التي يؤمنون بها. الاّ ان المشكلة الكبرى تكمن في غياب القوانين التي تنظم تلك الرواتب وتحدد سقوفها إلى يومنا هذا، مما أتاح لهم ان يقروا لنفسهم ما يشاءون من زيادات وامتيازات دون ان يخشوا أية رقابة من أية جهة طالما بقيت تلك القوانين غائبة. ان هذا الغياب حَوَّلَ الجهات التي يفترض ان تكون رقيبة على هكذا تصرفات مشينة وان تحرس أموال الدولة، حَوَّلـَها إلى شريك في الجريمة. ولكن، قانونا، ليس هناك أية جريمة، طالما ان القانون غائب وشريعة الغاب هي السائدة.

تحرص الحيوانات المفترسة على قتل فريستها قبل ان تلتهمها، الاّ كلاب الصيد الأفريقية، فهي لا تكترث لذلك، حيث انها تتكالب على فريستها وتبدأ بتقطيع أوصالها وهي على قيد الحياة تنزف وتتألم. امّا الكلاب فتواصل التلذذ بوليمتها الوحشية. ولـَكُمْ أيها القراء الكرام ان تحددوا مَن الفريسة وَمَنْ هم الكلاب. ولكم ان تقرروا من سَيُبْعَثُ من جديد وَمَنْ سَيَفـْنى ويَزول. 

الطبقة الحاكمة


مقال منشور بتاريخ 21-01-2011، ولكن ما اشبه اليوم بالبارحة، فلا جديد تحت شمس بلادي.

بِغـَضِّ النظر عن كل ما قيل وما يقال، فإنّ نواب البرلمان هم صنيعة أناملنا البنفسجية بالدرجة الأساس، وبالنتيجة، فالمسؤولون كذلك. ولكن ما إن يفوز المرشح بمقعد نيابي، فإنّه ينعزل بصورة تامة عن ناخبيه ويتبرأ من وعوده التي اقسم بأغلظ الإيمان على البـرِّ بها. وهو أمر كنا شبه متيقنين من انهم فاعلوه، ولكن كان ديدننا المثل المصري القائل "امشِ وراء الكذاب لحد باب الدار".
بعد ان يفوز المرشح بمقعده النيابي، يتحول إلى مخلوق آخر لا يشبهنا، ويعيش في أجواء جديدة نحن لا نتخيلها ولا نستوعبها. حيث ينتقل النائب إلى عالم جديد في المنطقة الخضراء أو في مكان مؤمَّنٍ آخر، ويتكفل جيش من الموظفين والمرافقين بتأمين راحته وخدماته والسهر على شؤون أسرته، ويحصل على منحة نقدية قدرها مائة مليون دينار لتأثيث سكنه الجديد وشراء سيارة مصفحة، ويتمتع براتب خيالي لا يحتاج الاّ القليل منه واقعيا بفعل توفر أغلب الخدمات مجانا. علما بأن النائب يتمتع بكل امتيازات الوزير وحقوقه رغم ان مسؤولياته ليست بحجم مسؤوليات الوزير وواجباته.

لا أريد الإسهاب في سرد مزايا النائب ومزايا كل مسؤول في الدولة. ولكني أود ان أوضح بأن منظومة الحكم تتكفل بإذابة القادم الجديد وتدخله ضمن فلكها عبر "صعقه" بمزايا العالم الجديد الذي يستحيل مقاومة جاذبيته، عالم يتوفر فيه الماء والكهرباء والوجه الحسن. وهذه أمور تخلو منها كل بقاع العراق الخَرِبَة الأخرى. وأهم شروط دوام هذا العيش الرغيد هو ان يقدم الضيف الجديد فروض الولاء والطاعة لأحد الصقور الذين يمسكون بزمام الأمور. وَلِلمسؤول من ساكِني المنطقة الخضراء أو غيرها أن ينتقي السمين من مواد دستور العراق وقوانين مؤسسته التي تتعلق بحقوقه وامتيازاته، ويترك الغث من المواد الأخرى المتعلقة بالواجبات. امّا إذا رفض أحدهم هذا العرض فجزاؤه النفي الأبدي خارج جنان المنطقة الخضراء والحرمان من نِعَمِها، ولكن بعد خمس سنوات من إحالته على التقاعد. امّا من ينصاعون، وهم كُثـُر، فيبقون خالدين فيها ولهم أجر غير ممنون.

كل أبناء الطبقة الحاكمة انتقدوا وينتقدون الامتيازات والرواتب الضخمة التي يتقاضونها، وتعهد أغلبهم بأن هذا الأمر سيكون ضمن أولوياته إذا ما بقي في منصبه. الاّ ان القضية ستبقى حبيسة اللجان حالها حال القضايا الكبرى الأخرى كمثل ازدواج جنسية موظفي الدولة الذين يتقلدون مناصب سيادية أو أمنية رفيعة.

يبدو أنّ هناك نقابة خفية تنظم شؤون المتحكمين وتسهر على سريان الاتفاقية غير المكتوبة التي ترعى الهدنة الأبدية بين أفراد الطبقة الحاكمة على صعيد المنافع الشخصية والامتيازات وغض النظر عما قد يقترفه الآخرون. وكل أعضاء الطبقة السياسية هم أعضاء بررة في تلك النقابة الافتراضية، يساريين ومحافظين، ليبراليين ومتشددين.

الطريف في طبقتنا السياسية، انهم كأفراد، ليس هناك أحسن منهم وليس هناك أرقى من تصريحاتهم، حيث اننا نسمعهم دائما يحثون ويدعون ويناشدون وينددون ويطالبون. ولكن حين يجتمعون لا نلمس لهم أي أداء حقيقي على أرض الواقع، فطالما انّ الكل يدعو ويطالب ويحث ويناشد، لن نرى أو نسمع أحدا يأمر أو ينفذ. أي انهم عاجزون عن تقديم أداء جماعي مُنْتِج.
وهذه إشكالية [اقصد الأداء الجماعي المُنْتِج] نعاني منها نحن كعراقيين عموما، فكل واحد منا لديه صديق عزيز أو نسيب من طائفة أخرى نكـنُّ له كل الحب، ونَدَّعي انه استثناء من طائفته "الملعونة". وإذا جمعنا هؤلاء المُسْتـَثْنين سنجد انهم يشكلون الغالبية العظمى من الآخر "الملعون". وإلى ان نُجْرِيَ هذا الجمع البسيط سنبقى نعاني من الموت السريري.

ان السلطة في العراق تسعى سعيا حثيثا لتأسيس طبقة اجتماعية جديدة أعلى من كل الطبقات الأخرى، وهي الطبقة السياسية. وهذا ليس سوى تكرار ممل لما كان سائدا قبل الثورة الصناعية. اننا أمام طبقة بارونات جدد تتحكم بكل مقدرات البلد وتسيطر على سلطاته الثلاث؛ القضائية والتشريعية والتنفيذية. لأن كل القائمين على تلك السلطات أصبحوا بارونات. وبذلك فانّ سُبـُلَ التصحيحِ والتقويمِ باتتْ شبه معدومة في المدى المنظور. وبمرور الأيام ستتحول الطبقة الحاكمة إلى طغمة حاكمة. ولم تكتف الطبقة الحاكمة باستنساخ تجربة البارونات المقيتة، بل حرصت على إحياء واقتباس كل ما يضفي الفخامة والتميُّز على الطبقة الحاكمة؛ فالوزير صار معالي الوزير، ورئيس الجمهورية صار ينادى فخامة الرئيس، ورئيس الوزراء صار دولة الرئيس وهلم جرا.
بكل بساطة، نحن نستحضر كل ما هو رديء من عهودنا الماضية ومن تجارب المجتمعات الأخرى، ونطبقه في وطننا دونما أي استحياء. ونترك ما كان مشرقا في تلك العهود على اعتبار انها عهود بائدة لا ينبغي الاقتداء بها.

لقد لخص السيد كنعان مكية مؤسس "الذاكرة العراقية" وصاحب كتاب "القسوة والصمت" حال العراق الآن بجملة واحدة، حيث قال ان العراق انتقل من جمهورية الخوف إلى جمهورية السرقة والفساد.

الأحداث تتطابق إلى حد بعيد مع مجريات أحداث رواية مزرعة الحيوانات للكاتب الانكليزي "جورج اورويل"، حيث يتقاسم القادة منافع العهد الجديد مستفيدين من قوانين جديدة وضعوها هم بأنفسهم لأنفسهم، بينما الشعب يَسفُّ التراب.

الخميس، 17 مايو 2012

الأسرة السعودية الحاكمة ليست في أحسن أحوالها


أمراء من العائلة المالكة يعودون الملك عبد الله بعد العملية الجراحية التي اجراها في 
اميركا، حالهم ليس افضل من حال الملك. مَـنْ يعودُ مَـنْ؟!

الحكام السعوديون ليسوا في افضل ايامهم، فبوادر الشيخوخة والعجز بادية للعيان في كل مفاصل دولتهم. لقد اوقع اخوتنا السعوديون انفسهم في إشكالَيْنِ ستراتيجيين، أولهما هو انتهاج التوريث الأفقي في الملك، الأمر الذي أدى الى ان المملكة باتت تدار بملك وولي عهد مريضين وشبه عاجزين منذ قرابة العقدين من الزمان، فالملك عبد الله من مواليد سنة 1924، وولي عهده الأمير نايف من مواليد من مواليد 1934. علما بأن ولي العهد السابق الأمير سلطان (1931-2011) قد توفي عن عمر يناهز الثمانين عاما. وقد قضى اغلب وقته متنقلا بين المستشفيات والمصحات.

اما الإشكال المهم الآخر، فهو اتباع نفس النهج فيما يتعلق بالمناصب الحكومية الأخرى التي يتولاها ابناء الخطين الثاني والثالث من ابناء آل سعود، فهؤلاء ايضا يبقون في مناصبهم حتى الموت. ان رئيس الديبلوماسية السعودية الأمير سعود الفيصل (ولد سنة 1940) اوضح الامثلة على ذلك. لقد رعى سعود الفيصل نهجا ديبلوماسيا رصينا وهادئا امتد لبضعة عقود، حَرصَ الفيصل خلاله على عدم الدخول في حرب كلامية مع ألد الخصوم والتأكيد على حرص المملكة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى

ولكن مع تردي حالة الأمير سعود الفيصل الصحية، بدأنا نسمعه يجاهر بطلب تسليح الجناح العسكري من المعارضة السورية على الرغم من معارضة كل الدول الاخرى عدا قطر. وقرأتُ خبرا لم اتأكد من صحته، انه في معرض تعليقه على زيارة الرئيس الإيراني احمدي نجاد للجزر الثلاث في الخليج العربي قال الفيصل ان "طهران اخذت هذه الجزر وتريد اعطاءها للعراق". ثم تلاها قرار اغلاق السفارة السعودية في القاهرة ردا على مظاهرات بسيطة امام السفارة. لقد انقلبت الديبلوماسية السعودية رأسا على عقب عما كانت عليه في زمن الملك الراحل فهد عبد العزيز.

نحن امام إدارة سعودية متصلبة قاسية وعنيفة وعاجزة عن مجاراة التغيرات في المنطقة. والسبب معروف؛ ملك طاعن في السن يعاني من كل امراض الشيخوخة، وولي عهده مريض ايضا ويقضي اغلب اوقات السنة خارج البلاد بين علاج ونقاهة كحال سابقه، ووزير الخارجية ليس أحسن حالا ابدا؛ فهو يعاني من صعوبة في النطق ويعجز حتى عن تثبيت رأسه ومحدود الحركة، والحال ينسحب على اغلب المسؤولين من آل سعود ممن أوهنهم المرض. 
ان الوهن والمرض يعكران المزاج ويؤثران على عمل الدماغ، وصدق من قال ان العقل السليم في الجسم السليم.

الملك عبد الله عبد العزيز وولي عهده الأمير نايف والطاقم المرافق، الكل نخرته الشيخوخة، وهذه
سُنَّة الحياة. ولكن دولة مترامية الأطراف وأكبر الدول المصدرة للنفط في العالم، اضافة لمكانتها
 في العالم الإسلامي هي أحوج ما تكون لقادة اصحاء جسديا وعقليا.


تركيا: تنابز طائفي على أعلى المستويات

 رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان وكمال كيليتشدار اوغلو زعيم
 حزب الشعب المعارض، مارد الطائفية بدأ يخرج من قمقمه. 


اشتعل سجال حاد بين رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان وزعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيليتشدار أوغلو، فبعدما تساءل الأخير سابقا عن اي مصلحة لتركيا في التدخل في الشأن السوري رد اردوغان بعنف عليه متهما اياه بصورة ضمنية بالمذهبية

وكرر اردوغان امام نواب حزبه ما كان قاله مؤخرا من أن سياسة تصفير المشاكل لا تعني التفرج على الظلم والسكوت على المظالم، لكنه قال ان كيليتشدار اوغلو لا يستطيع ان يقول ما بداخله، "أقولها بصراحة كلية: أخرج «حبة الفول» التي تحت لسانك في ما خص الموضوع السوري. لا تتردد ولا تخف. هنا بلد حر. قل لماذا تشعر بالتعاطف مع السلطة السورية ولماذا تغض الطرف عن المظالم. قلها من دون تلميح وتغطية. في الوعي الباطني لرئيس حزب الشعب الجمهوري توجد حساسيات. نحن نعرف ذلك جيدا جدا". 

وإذ اجمع المراقبون على ان اردوغان يقصد بذلك وجود نزعة مذهبية (علوية) لدى كيليتشدار اوغلو، ذهب اردوغان ليوضح مقصده بطريقة أوضح عندما قال "ان تهديد كيليتشدار اوغلو بأنه (اي اردوغان) لن يرتاح في أي بلد يذهب اليه انعكس في التحضيرات التي كانوا يعدون لها في المانيا لمعارضة زيارتي ذلك البلد". وقال اردوغان "ان بعض الجمعيات التي تحمل الصفة العلوية بالتعاون مع منظمات أرمنية وحزب العمال الكردستاني قد نظمت تلك الاحتجاجات. وكيليتشدار اوغلو يخفي منذ أشهر «حبة الفول» هذه تحت لسانه. المسألة هنا. وهم قالوا انني لم أذهب الى ألمانيا بسبب الاحتجاجات بينما ألغيت الزيارة بسبب سقوط 12 شهيدا لنا في افغانستان".

لكن كيليتشدار أوغلو شن من جديد امام نواب حزب الشعب الجمهوري هجوما صاعقا على اردوغان على مختلف الجبهات، فقد ذكّر كيليتشدار اوغلو بما كان يقوله اردوغان عن النظام الرئاسي وبأنه توصية من الامبريالية الأميركية، "اما اليوم فيقول انه تجب مناقشة الموضوع. فإذا كان الأمر سابقا توصية اميركية فهذا يعني ان اردوغان سيلتزم اليوم بالتوصية. وستقولون هل هذا بجديد؟ بالطبع لا. ففي ليبيا فعل ما اوصاه به الأميركيون. وعندما قال الأميركيون بالدرع الصاروخي في ملاطية قام بتنفيذ ذلك فورا. وفي الشأن السوري فعل الشيء نفسه. وهو ينتظر دائما التعليمات التي تعطى له بإشارة اصبع والى جانبه وزير الخارجية".

وقال كيليتشدار اوغلو ان اردوغان يقول انه لا يفهم سياسة حزب الشعب الجمهوري تجاه سوريا. وخاطب اردوغان قائلا: "في الواقع انت غير قادر على الفهم وانت بحاجة للتفكير كي تفهم. اذا كنت ارتهنت لسياسات القوى المهيمنة فأنت لا تستطيع التفكير. في حين ان الانسان الذي يفكر بشكل حر يستطيع ان يفهم سياساتنا. لا يمكن ان يفهم سياساتنا من كان يقول في ليبيا «اي شأن لحلف شمال الأطلسي هناك؟» وقبل مرور 24 ساعة كان شريكا في عمليات الحلف. لا يفهم سياساتنا من لا يستطيع استخدام ارادته بحرية والذي يقوم بدور الأداة للقوى المهيمنة. من يستطيع ان يفهمنا هو من يعرف تركيا المستقلة والحرة والشريفة. لذلك انت يا رجب طيب اردوغان لا تستطيع ان تفهمنا". 

واتهم كيليتشدار اوغلو اردوغان بالازدواجية والتقلب. وقال "أما نحن فنفهمك جيدا. ونعرف جيدا من تخدم. اخرج وقل لنا اي باديشاه وأي سلطان وأي رئيس حكومة استخدم في الشرق الأوسط لغة القوى المهيمنة؟ ليس في تاريخ تركيا مثل هذا. الرجل الأول الذي تم استخدامه هو رجب طيب اردوغان. سياسة مزدوجة. سياسة متقلبة غير ثابتة. انه الرجل الذي قال بـ«امة واحدة وعلم واحد ودين واحد» نعم دين واحد وليس لغة واحدة. وبعد مرور فترة خرج الرجل ليصحح ما قاله. قال انه لم يكن يقصد الدين بل الوطن. وقال ان خروج لفظة الدين كانت زلة لسان. يا سيد رئيس الحكومة هي ليست زلة لسان لغوية فقط سلطتك كلها زلة. أنا لم أر في حياتي كلها رجلا سياسيا مزدوجا الى هذا الحد. أنا لم أر رجل سياسة متقلبا الى هذا الحد. أنا لم أر رجل سياسة كاذبا الى هذا الحد".
[ملاحظة: الموضوع مقتبس من جريدة السفير اللبنانية الغرّاء، للأستاذ محمود نور الدين]

الثلاثاء، 15 مايو 2012

الى متى الشكوى يا رئيس الوزراء


في كل لقاء صحفي مع رئيس الوزراء نوري المالكي وحين يسأل المحاور نوري المالكي عن سبب ضعف الخدمات وعجز الحكومة عن تحقيق اي اختراق في اي من ملفات الاعمار في العراق، يركز المالكي على محورين؛ الاول هو ما تحقق في عهده من تحسن أمني واعادة وصل اطراف البلاد التي قطعتها ظروف الحرب الاهلية، اما المحور الثاني فهو شكوى المالكي من عدم تعاون الشركاء ورفض مجلس النواب لمقترحه الأزلي في اقرار مشاريع الدفع الآجل. 
وهذا امر بات يصيب المستمع بالملل واليأس معاً، فالمالكي ما برح يُذَكـِّرُ الشعب بالتحسن الأمني الذي لا يختلف عليه اثنان، ولكن الذي لا يختلف عليه اثنان ايضا هو ان هذا التحسن لم يصل لمرحلة الاستقرار التام، بل ان الوضع الأمني مازال هشا ومن الممكن ان يتبدد في اية لحظة، فالمبادرة مازالت بيد الارهاب وليس بيد قوات الأمن، والارهابيون قادرون على تنفيذ تفجيرات ارهابية متزامنة تشمل كل انحاء العراق احيانا. اضافة لقدرتهم على تصويب صواريخهم على اي مكان في بغداد، فكل الاجراءات الامنية التي اتخذت اثناء قمة بغداد لم تمنع من سقوط بضعة صواريخ على العاصمة.
اما ملف الاعمار، فإدارته فاشلة بامتياز، إذ تكفي مشاهد الخراب التي خَلـَّفَها القصف الامريكي سنة 2003 والتي مازالت تطالعنا في كل انحاء بغداد، فالاسواق المركزية مدمرة وكذلك بناية المطعم التركي التي عُلـِّقَ على جدارها المقابل لجسر الجمهورية صورة كبيرة جدا للاستاذ المالكي اثناء الحملة الدعائية للانتخابات النيابية الأخيرة، ومن سخرية القدر ان الصورة ثبتت بجوار فوهة كبيرة خلفها صاروخ امريكي اخترق جدار البناية.
بناية المطعم التركي التي تقع في قلب بغداد، مازالت آثار القصف الامريكي على جداره ماثلة للعيان كما يظهر في الصورة. تم نصب سقالات الترميم منذ مدة، ولكن ليس هناك اي عمل ماثل للعيان.
لا ادري الى متى سيبقى رئيس الوزراء يشكو عدم تعاون شركائه، ثم اذا كان الرجل الاول في البلاد دائم الشكوى، فلمن يشكو الناس حالهم. لم تكن السنوات الست الماضية فترة وئام وود بين الكتل السياسية الحاكمة، وعادة ما كانت الاجواء متأزمة ومتشنجة، ولكننا لم نشهد موقفا حازما لرئيس الوزراء بالضد من احد وزرائه الفاشلين او المتلكئين ـ على كثرتهم ـ فهو لم يصر على اقالة او محاسبة اي منهم، فيما عدا حالة وزير الكهرباء السابق رعد شلال الذي تـُرِكَ ليستقيل كي يتمتع بامتيازاته وللتغطية على المجموعة الفاشلة والفاسدة التي تدير ملف الكهرباء منذ سنوات.
لا يستطيع الاستاذ المالكي ان يتذرع بأن حكومة الشراكة تقيد قدرته على المحاسبة، فقد اختار ان يفتح ملفات اشد خطورة بكثير؛ كتحريك الملف القضائي لطارق الهاشمي، وتجميد صالح المطلك وحـَرَّم عليه دخول المنطقة الخضراء، وقلب الطاولة بوجه مسعود بارزاني وفتح معه ملف تمدد الاقليم خارج حدوده وتهريب النفط والمنافذ الحدودية في آن واحد. 
انا لا اريد ان اخلط الاوراق، فأنا لا اقصد توجيه اللوم للمالكي على ما فعله مع مسعود بارزاني الذي يريد ان يمتهن كرامة العراق، فهذا امر لا يقل خطورة عن اي من ملفات العراق الستراتيجية الاخرى، وأريد ان أسلمَّ بأن ملف الهاشمي فهو شأن قضائي لا يَدَ للمالكي فيه، اما ملف صالح المطلك هو ابرز الامثلة التي تؤكد قدرة المالكي على تنحية من يشاء من اعضاء وزارته بغض النظر عن حجم الكتلة التي تقف وراؤه. وليس بعيدا عن هذا امتناعه عن تعيين وزير دفاع لا يقتنع به، وأكرر ان هذا ضمن صلاحياته ايضا. 
لو كان المالكي يخشى التصعيد او ضعيفا، لأختار تقسيط الأزمات، لكنه فتح النار على جبهة تضم اكثر من مائة واربعين نائبا دون ان يهتز له طرف. وهذا يعني ان شخصا قادرا على ادارة أزمات بهذه الضخامة والخطورة والتنوع لهو قادر على محاسبة وتنحية الفاشلين في وزارته بنفس الحدة وأكثر خاصة وإنّ الشعب كله سيقف معه في اجراء كهذا.
لا يفصلنا عن صيف 2013 الا سنة واحدة، وليس هناك ما يوحي ان الحكومة قادرة على البر بوعدها بتوفير الطاقة الكهربائية في البلد، بل ستبدأ مشاكل لها اول وليس لها آخر ابتداءا من ضعف شبكات النقل والتوزيع، الى عجز وزارة النفط عن توفير الوقود الكافي للمحطات الجديدة، الى سوء تنفيذ بعض المحطات المنجزة كما حصل مع محطة هيونداي التي اشتكى وزير الكهرباء من كثرة اعطالها. اذا كانت شركة هيونداي قد عميت عيونها في العراق ولم تنفذ المحطة بالشكل المطلوب، فَلـَنا ان نتخيل الحال الذي ستكون عليه بقية المحطات. ما لا تفهمه الحكومة ان الكهرباء ضرورية جدا لدوران عجلة الصناعة والانتاج في البلد كأهميتها لتوفير التبريد اثناء صيف العراق اللاهب.


السيد السيستاني..الصمت ليس دائما من ذهب





الفقيه والشاعر محمد سعيد الحبوبي طاب ثراه، ابرز من ساهموا في
محاربة الانكليز بعد ان افتت المرجعية الدينية في النجف الأشرف 
بالجهاد. 
كتبتُ مقالا في السنة الماضية تحدثت فيه عن مقاطعة المرجع الاعلى السيد علي السيستاني لكافة القيادات  السياسية والحكومية وامتناعه عن مقابلتهم، استنكارا منه لهوس الكتل السياسية المتحكمة على استحداث المناصب، وللفساد المستشري وعجز الحكومة  عن توفير الخدمات الاساسية للمواطن العراقي، وهو عجز مستمر للاسف الى يومنا هذا. وقد تنبأتُ حينها ان السيستاني سوف لن يقف عند المقاطعة فحسب، ولكن ها قد مرّت اكثر من سنة دون ان نشهد منه إجراءا جديدا.
ويبدو ان السيد السيستاني لا يريد اقحام المرجعية في المعترك السياسي، وأنه يكتفي بالخطب الاسبوعية التي يدلي بها فضيلة الشيخ عبد المهدي الكربلائي كل يوم جمعة، تلك الخطب التي لا تحوي سوى " ينبغي" و "على" و"نريد" و"نطالب" وغير ذلك من قوالب الكلام الجاهزة المـُمِلّة التي لم تعد تستهوي أحدا. وهذا امر لم نعهده في المرجعية التي كان لها مواقف واضحة وبارزة اثناء المفاصل الاساسية في تاريخ العراق الحديث منذ اعلان الجهاد بوجه الاحتلال البريطاني والدعوة للوحدة الوطنية ودعم قضية العرب المركزية فلسطين.
ان السيد السيستاني لم ينأى بنفسه عن الحياة السياسية تماما، بل كانت له اسهامات رائعة، فقد أصر ان يكتب الدستور بأياد عراقية، وتحقق له ما اراد رغم ان العراق كان واقعا تحت احتلال اجنبي شامل. وافلح ايضا حين فرض على الكتل السياسية اعتماد القائمة الانتخابية المفتوحة. وكان هناك تطابق تام بين ارادة الجماهير والمرجعية. ورغم ما لنا من مآخذ على الدستور او قانون الانتخابات، لكن لنا ان نتصور كيف سيكون حالهما لولا تدخل السيد السيستاني.
كلما ألَمـَّت بالعراق نازلة او استعصى حل عقدة ما، تتوجه انظار الجماهير والفعاليات السياسية بكل اطيافها وايديولوجياتها نحو النجف الأشرف أملا بحلٍ يقدمه المرجع الاعلى ليهتدي به المختلفون. والآن، إذ نحن في خضم ازمة كبرى تعصف بالبلاد من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه وفي ظل ظرف اقليمي شديد التأزم، فإن الانظار تتوجه مرة أخرى نحو النجف الأشرف بانتظار حل يجود به السيد السيستاني كما فعلها سابقا. وبذلك فإنّ دور المرجعية العليا لن يكون مقتصرا على تعريف الناس بأمور الحلال والحرام فحسب، بل عبر المساهمة في توفير  الحياة الآمنة والرغيدة للشعب.
اذا كان مرجعنا الاعلى يتصور ان القوى السياسية قد بلغت سن الرشد وانها ليست بحاجة للنصيحة والتصويب؛ فأود بكل تواضع ان اخبره ان أمله في ليس محله، فالبلد ينحدر من سيء الى اسوأ، والسياسيون عاجزون عن ايجاد مخرج لأيٍّ من أزمات العراق المتفاقمة التي تتكاثر كالذباب.
حاولت ان اتجنب مخاطبة السيد السيستاني خوفا من أن لا أُحْسِن التعبير فَيُساءَ فهم مقصدي، ولكني تسلحت بحبي واحترامي وثقتي به، والله من وراء القصد.

الأحد، 13 مايو 2012

فساد الموظفين الصغار



الرشوة صارت بابا من ابواب الرزق، الغالبية الساحقة ترشي والغالبية الساحقة ترتشي


   سَوَّدنا أعداد لا تحصى من الصفحات عن المسؤولين الكبار، إلا أننا لا نتابع بنفس الاهتمام فساد الموظفين الصغار، فهؤلاء لا يتبوءون مناصب عليا ولا يعيشون في المنطقة الخضراء، بل يعيشون بين ظهرانينا كأهل وأقرباء وجيران وأصدقاء، يقومون بتلك الأعمال الوضيعة التي توارثوها جيلاً فجيلا منذ أيام الدولة العثمانية وصولا لموظفينا الجدد الذين بدأ بعضهم مشواره الوظيفي بدفع الرشوة من أجل الحصول على الوظيفة، وبعض هذا البَعْض عاقد العزم على استرداد ما دفعه أضعافا مضاعفة عبر ابتزاز المواطنين.


   خلالَ يوم واحد بتاريخ 16/3/2011، قرأتُ في صحف ومواقع الكترونية مختلفة أربع حالات فساد من العيار الثقيل أبطالـُها موظفون حكوميون، فقد نَشَرَت جريدة "الشرق الأوسط" السعودية تحقيقا صحفيا أعده السيد حمزة مصطفى تناول فيه قضية تزوير الشهادات الدراسية، وبالذات شهادة الإعدادية. وبَيـَّنَ كاتب التحقيق ان مَنْ يتولى هذه العملية سمسار يُنَسِّقُ بين طالب الشهادة "وموظفات وموظفين في بعض دوائر التربية ممن يكونون مسؤولين عن القيود الرئيسية، حيث يتم الاستيلاء على درجات طالب ناجح في سنة معينة وبطريقة إلكترونية ويضاف الاسم الجديد ومن ثم تمر العملية عن طريق مدير مركز التصحيح الامتحاني الذي يصل أجره مقابل هذه العملية إلى 300 دولار، ومن ثم مصحح الدفتر الامتحاني الذي يبلغ أجره 1500 دولار لكل شهادة، حيث إنه مطلوب منه تسليم درجة وليس دفترا امتحانيا وتكون حصة السمسار من هذه العملية 600 دولار عن كل شهادة". واغلب الزبائن هم مواطنون يرومون الحصول على وظيفة في إحدى دوائر الدولة. ومن ضمن الزبائن أعضاء في البرلمان ومحافظين ورؤساء مجالس محافظات ومديرين عامين كما بيّنَ النائب طلال الزوبعي.

   امّا الموقع الالكتروني لوكالة "أنباء النخيل"، فقد نقل تحقيقا صحفيا مترجما عن صحيفة "الغارديان" البريطانية يتحدث عن تجارة الأطفال في العراق. وكشف التقرير ان 150 طفلا عراقيا يباعون سنويا في السوق السوداء لأغراض التبني أو لاستغلالهم جنسيا أو للمتاجرة بأعضائهم. وتقوم العصابات المختصة باستخدام وسطاء يتخفون كموظفين في مؤسسات غير حكومية يتولون إقناع الأُسَر ببيع أطفالهم ولتسهيل نقل الأطفال إلى الزبائن. ونقلت "الغارديان" عن تاجر أطفال عراقي ان أسعار الأطفال في العراق ارخص من بلدان أخرى ونقلهم أسهل بسبب استعداد الموظفين الحكوميين لإصدار الشهادات والوثائق الثبوتية الضرورية.

   وفي موقع وكالة "أنباء المستقبل"، قرأتُ خَبـَرا عن إلقاء القبض على ضابط برتبة عقيد في مديرية شرطة النجف مُتَلَبِّساً بتعاطي الرشوة نظير قيامه بغلق مجلس تحقيقي تم تشكيله بحق شخص قام هو بنفسه بإبلاغ هيئة النزاهة عن العقيد الفاسد والوسيط الذي يعمل مفوضا في نفس المديرية. وفي محافظة صلاح الدين، الـْقِيَ القبض على احد أفراد حماية مدير السفر والجنسية مُتَلَبّساً بتعاطي الرشوة.
نحن أمام جرائم خطيرة تهدد البنية التحتية للمجتمع، انها أشبه بتلاعب خبيث في الجينات سيؤدي إلى عواقب كارثية يصعب تدارك تداعياتها. وليس بعيدا عن هؤلاء يقف المهندس المرتشي الذي يتغاضى عن أعمال مخالفة للمواصفات، أو الضابط المرتشي الذي يُطْلِق سراح مجرم أو يساوم موقوف على حريته رغم ثبوت براءته.

   ان أطراف الفساد هم عادة الموظف والمواطن، ويدخل الوسيط [= السمسار أو المعقّب] الذي ينظم العلاقة بينهما أحيانا إذا كانت العملية كبيرة. فالموظف يريد استغلال موقعه الوظيفي لأغراض الكسب غير المشروع، والمواطن يدفع امّا لتوفير الوقت والجهد، أو لتجاوز السياقات الأصولية، أو طمعا بالحصول على خدمة لا يستحقها، أو انه يدفع مضطرا لأن هناك موظفا لا يقوم بواجبه الاّ مقابل إتاوة. وتحول دفع الرشوة إلى سُنّة بعدَ ان بات من المستحيل انجاز أية معاملة في دوائر بعينها بدون رشوة. وابتكرت بعض الدوائر طرقا جديدة في التكسب على حساب المواطن عبر بيع استمارات مجانية أو جباية مبالغ كرسوم دون تحرير وصولات نظامية بها.

   أقـَرَّت السلطات زيادات كبيرة على رواتب الموظفين، وهو أمر جعل الوظيفة الحكومية قِبْلَةَ أكثر من تسعين بالمائة من العراقيين. وكنت أظن ان ذلك سيؤدي حتما إلى الحد من الرشوة على اعتبار ان الرواتب العالية ستؤمن للموظف متطلبات العيش بكرامة دون ان يضطر لتعاطي الرشوة. ولكن للأسف لم تجري الأمور كما هو متوقع. تجادلتُ مع موظف مرتشٍ وسألته لماذا يفعل ذلك رغم الراتب الكبير الذي يتقاضاه، فأجابني بتعالٍ؛ على الرشوة ان تتناسب طرديا مع الراتب.

   لا تستطيع الحكومة ان تصلح أي شيء دون تعاون صادق وجـِدّي من قبل المواطن، المعني الأول بالموضوع. وانني احيي كل من يقوم بالتبليغ عن المرتشين وفضحهم. كيف تستطيع الحكومة إصلاح العلاقة المشوهة بين الموظف والمواطن المتضرر إذا كان الأخير يدفع بكل امتنان ودون أي تردد، ويسكت عن الموظف الفاسد بداعي عدم رغبته في قطع "أرزاق" الآخرين.

نداء إلى جمهورية الصين الشعبية



صناعاة صينية رديئة" كتاب من تأليف بول ميدلر يتناول فيه رداءة التقليد وفنون التزييف، موضحا التاريخ الطويل للتزييف في الصين ومكانته العالية التي تجعله نوعا من أنواع الفنون حيث تفخر بعض الشركات الصينية بقدرتها على إنتاج منتجات تبدو تماما كما لو كانت من الدرجة الأولى على الرغم من أنها من الدرجة الثانية. ويؤكد مؤلف الكتاب أن الصناعة الرديئة ليست سمة لكل المنتجات الصينية. 


باتت عبارة "صُنِعَ في الصين" قدرٌ مُنزَّلٌ علينا، ولا أمل لنا بالخلاص من هذه الحقيقة. وهذا الكابوس تعاني منه كل شعوب المعمورة. الاّ انّ معاناتنا لها طعم مختلف كالعادة، فاغلب البضائع الداخلة إلى العراق تشترك برداءة النوعية وعدم ديمومتها. وهذا لا يعود إلى خلل في الصين، بل هو خلل في تجارنا اللذين يحرصون على جلب أرخص المنتجات لتحقيق هامش ربح مرتفع. ويؤكد العديد من المستوردين انّ المُصَنّعِينَ الصينيين جاهزون لصناعة البضاعة بمستويات مختلفة وفقا لإرادة التاجر ومشيئته. لأنهم حريصون على بيع بضاعتهم ليس الاّ، وليذهب التاجر ويسوّق بضاعته حيث يشاء.

   وكما نعرف جميعاً، فان أسواق الأرض ومتاجرها تغص بالبضائع الصينية الممتازة والراقية، الاّ العراق، فنحن حين نروم شراء سلعة ما ونكتشف انها مصنوعة في الصين، فإننا نتردد ألف مرة قبل ان نقدم على إتمام عملية الشراء. وقد انتبه تجارنا الكرام لذلك، فصاروا يبدلون دولة المنشأ ويضعون علامة تجارية مرموقة ليخدعوا المستهلك. امّا كيف يتم تجاوز الرقابة على هكذا غش مفضوح، فهذا أمر لا يستوجب الوقوف عنده كثيرا طالما انّ بواباتنا الحدودية مستباحة بسبب موظفين مرتشين لا يهتمون سوى بتعظيم مواردهم الغير شرعية. وهذا حولهم إلى مافيا تتحكم بحركة البضائع الداخلة إلى الوطن.

   ومن الطريف ان فكرة رداءة البضاعة الصينية قد توطنت فينا. حيث انها [الفكرة] تنتقل معنا حين ننتقل إلى دولة أخرى. فقد أصر ولدي على عدم شراء حذاء رياضة جميل بداعي منشأه الصيني. ولم تنفع توسلاتي معه الاّ بعد ان تعهدت له بأنني سأعطيه ضعف ثمنه إذا ظهر ان الحذاء رديء الصنع. وطبعا كان الحذاء عند حسن ظني وأبلى بلاءا حسنا، ولم نتخلص منه الاّ بعد ان مل منه ابني. 

   في دول العالم المتحضرة، تم تضمين حقوق المستهلك في قانون الدولة الرسمي، على سبيل المثال أقرت مملكة السويد، منذ زمن طويل، قانونا يحمي حقوق المستهلك وينظم العلاقة بينه وبين البائع. وتناول القانون أدق التفاصيل، حيث تم تحديد عمر السلعة الكهربائية بثلاثة أعوام على الأقل، يبقى البائع خلالها مسئولا عن صلاحية السلعة للاستعمال ومن خلوها من أي عيب تصنيعي، وبعكس ذلك، فهو ملزم بتصليحها مجانا أو يعوضها بواحدة جديدة أو إعادة مبلغها في حالة تعذر ذلك. وإضافة لذلك، هناك دائرة تدعى دائرة حماية المستهلك، معنية بمتابعة شكاوي المواطن وحمايته من أي استغلال أو تعسف قد يتعرض له. وتحظى الدائرة المذكورة بدعم قانوني وإداري كبيرين.

   ان الاقتداء بالتجارب الناضجة والمتكاملة ليس عيبا ولا أمرا صعب المنال، فليس من الضرورة ان نبدأ من الصفر في كل شيء، أو ان نقتدي بتجربة ركيكة بداعي انها قريبة إلى واقعنا.

   وهذا يوضح انّ تجارنا لم يُخْلَقُوا من طينة الشياطين، وتجار الدول الأخرى خلقوا من طينة الملائكة الصالحين، ولكنها مجموعة القيم والقوانين السائدة التي تنظم كافة العلاقات والحقوق والواجبات هي المسئولة عن صناعة الشياطين والملائكة في آن واحد.

   وقد اعتاد بعض تجارنا الكرام ان يُتـَوِجوا نجاحاتهم في الحياة بالتبرع لبناء جامع يُكـَفـّرونَ به عن شناعاتهم التي ارتكبوها خلال حياتهم العملية. ولا مانع لديهم إذا كان ذلك مدخلا لإثراء إضافي إذا تمكنوا من الحصول على تسهيلات استيرادية أو ضريبية. امّا من لم ترتقي أرباحه لبناء جامع، فيلجأ إلى الحج، ولا مانع لديه ان يرشي موظف في هيئة الحج لسلب حق مواطن آخر ينتظر دوره في قائمة الانتظار الطويلة. والتاجر الراشي لم يفعل شيئا جديدا يستحق ان يُدان عليه، لأنه اعتاد على تمشية أموره من خلال الرشوة، لهذا فهو لا يمانع في استعمالها في أي مفصل من مفاصل حياته.

  أود ان أؤكد ان توصيفاتي هذه لا تشمل سوى عينة محددة من التجار، وان لدينا تجار طيبون يخشون الله في تعاملاتهم. ولكنهم يفقدون مواقعهم في السوق يوما بعد يوم بسبب تركيز المُستهلك على ثمن السلعة كعنصر أساسي عند إجراء المفاضلة بين السلع المعروضة، وبسبب الغش التجاري الذي يمارسه المستوردون كما أوضحنا.

   ورغم وجود قانون يحمي حقوق المستهلك وتضمن تشكيل مجلس برئاسة موظف بدرجة وكيل وزير، الاّ انه عديم الفعالية، أسوة بكل القوانين والقرارات التي تتعلق بحقوق المواطن. ولا داعي ان أؤكد للقارئ العزيز ان المحاصصة قد أخِذَت بنظر الاعتبار عند تشكيل مجلس حماية المستهلك مما أصابها بالترهل والعجز عن تقديم خدمة ملموسة للمواطن.

   في الجلسة الثانية والعشرين من مجلس النواب، انتقد رئيس كتلة التحالف الوطني النائب إبراهيم الجعفري تحويل المحاصصة إلى سُنّة لا يجوز الخروج عنها، وقال انها [المحاصصة] "تـُحولنا إلى محامين غير شرعيين لقضية عادلة". ولكن، للأسف، هكذا تسير الأمور إلى يومنا هذا دون أي بارقة أمل بِطـَي هذه الصفحة المشينة.   

   تبعا لذلك، فإني أتوجه إلى حكومة الصين الشعبية عبر سفارتها في بغداد لتقوم مقام مؤسساتنا شبه المُعَطَّلة حاليا وتحمينا من المنتجات الصينية الرديئة رحمة بنا وحفاظا على سمعة الصين التجارية.

ولله في خلقه شؤون 

 مقال منشور في 15-01-2011

الخميس، 10 مايو 2012

اليوم الذي يلي سقوط نظام كوريا الشمالية - لا تغيير منخفض التكاليف





الصحفي الامريكي بيل كيلر- نيويورك تايمز





مقال للصحفي الامريكي بيل كيللر منشور في جريدة النيويورك تايمز بتاريخ 29-04-2012




"الشيء الوحيد الذي نعرفه جميعنا عن كوريا الشمالية هو أننا نعرف القليل، بخلاف أنها بائسة، شمولية، نووية وغير منضبطة. إنها مملكة الناسك، والجانب المظلم من القمر.


لكن بفضل آلاف اللاجئين الذين وصلوا إلى الحرية عبر أنفاق طويلة من سكة الحديد إلى الصين، بدأنا نعرف أكثر اليوم عن واقعها المظلم، وأن نفهم بطريقة أفضل كيف تتمكن الحكومة من الاحتفاظ بسلطتها الرهيبة، وأين مكامن الخلل في هذه السلطة. ويدور بين الذين يتابعون هذا البلد عن كثب نقاش حديث حول ما إذا كانت هذه الدولة الرهيبة قد شارفت على أيامها النهائية، وما علينا فعله حيال ذلك.


خلال الأسابيع الماضية، ركّزت وسائل الإعلام على الطاغية البالغ من العمر 29 عاماً كيم جونغ أون وهو يتابع مسار عائلته المعروف تاريخياً بالتهديد والوعيد. وجذب كيم اهتمامنا بعد أن أدى عن شرفة مرتفعة رقصة مهووس وهو يلوح ببندقية.


لكن القصة الأكثر إثارة للاهتمام كانت حول ما يجري تحت الأرض.


لقد فرغت للتو من قراءة كتاب "الهروب من المعسكر 14" للكاتب (المراسل السابق لصحيفة واشنطن بوست في شرق آسيا) بلاين هاردن، وهي قصة مؤلمة حول رحلة شاب من أحد معسكرات العمل الشاق الذي يضم حوالى 200 ألف "غير موثوق بهم سياسياً" وهي فئة تتضمن ليس فقط أولئك الذين يواجهون السلطة بل أقرباؤهم حتى الدرجة الثالثة وهم يرسلون إلى هذه المعسكرات لتجويعهم وتعذيبهم وإجبارهم بالعمل حتى يلقون حتفهم في النهاية. المعسكرات السياسية ليست سوى جزء من شبكة أوسع من مراكز الاعتقال المصممة لقمع أي إشارة عن الرغبة في الحرية. وتختلف قصة هاردن حول شين دونغ هيوك عن أفضل الروايات التي سبقتها "أحواض بيونغ يانغ" للكاتب كانغ شول هوان، و"لا شيء يحسد عليه" للكاتبة بربارة ديميك- لأن شين كان بجميع المعاني منتجاً من المعسكر 14. لقد ولد في المعسكر من علاقة اختارها قادة المعسكر بين زوج من السجناء، ونشأ لا يعلم عن هذا العالم الذي يتجاوز الأسوار المكهربة للمعسكر.


وإلى جانب كونها قصة مؤلمة مفاجئة، إلا أن كتاب هاردن يحتوي على كمية هائلة من المعلومات حول هذه الدولة المارقة. إنها تفسر كيف تمكن هذا النظام من الاستمرار لفترة أطول بكثير من الأنظمة الوحشية المماثلة له: أطول من هتلر، ستالين، ماو تسي تونغ وبول بوت. أدواته هي العزلة المفروضة، الخوف المنهك، الجوع المذل والاعتماد الكلي على الدولة. بعد أن أصبح مراهقاً، شاهد شين أستاذاً وهو يعاقب طفلة في السادسة من عمرها بالضرب حتى الموت لأنها أخفت خمس حبات من الذرة؛ لكن الأسوأ أنه خان والدته وشقيقه وشاهد عملية إعدامهما من دون أن يرف له جفن.


ومع ذلك، تمكن شين الذي لا يمكن اعتباره أستاذاً في فن الهروب، من الفرار من رقابة الدولة وأثناء مغامرته للوصول إلى الحرية التقى بآخرين ليس بمعنى الكلمة حرفياً إنما من منطق الممارسة- يتحدون النظام مثله. والذي يلفتك هو أن تعرف كيف أن قيود التوتاليتارية ينخرها الفساد، المقايضة والتسويق بما فيها تجاره متنامية عبر الحدود مع الصين. لا يزال نظاماً قمعياً، تعسفياً ووحشياً، لكنه غالباً وأكثر مما تتخيلون، يحتاج إلى التفوق على الخوف.


وما يعزز رواية هاردن هي الدراسات المنتظمة. عندما نشر دافيد هوك من لجنة حقوق الإنسان في كوريا الشمالية بحثه الأول عن معسكرات الاعتقال في النسخة الأولى من كتابه "معسكر الاعتقال المخفي" في العام 2003، كان هناك حوالى 3 آلاف كوري شمالي قد تمكنوا من اللجوء إلى كوريا الجنوبية، بمن فيهم عدد كبير من السجناء السياسيين السابقين. وعندما عاد إلى النسخة الثانية التي نشرت منذ فترة قريبة، وصل عدد اللاجئين الكوريين الشماليين إلى الجنوب إلى حوالى 23 ألفاً بمن فيهم المئات ممن عانوا من الاعتقال. والتقرير المنقّح يحتوي على تأريخ دقيق للرعب مدعّم بصور بواسطة "غوغل أرث" تظهر بوضوح معسكرات الاعتقال والعبودية كما العقارات التي يعرضها موقع "زيلو" العقاري على الإنترنت.


ومع ذلك، قال لي هوك إن "عدد الذين يريدون الإصلاح والانفتاح، وعدد الناس خارج نظام الدولة، إلى ارتفاع متزايد".


قبل 15 عاماً، عندما كان العديد من الأكاديميين الكوريين الشماليين يتوقعون أن مع نهاية حالة الإنعاش التي كان يوفرها الاتحاد السوفياتي السابق- لن يتمكن نظام بيونغ يانغ من الاستمرار، نشر ماركوس نولاند من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي مقالاً مضاداً في مجلة "فورين أفيرز" يشرح فيه كيف أن "كوريا الشمالية ستستمر". لقد كان محقاً في حينه، لذا يستحق الاستماع إليه عندما يقول في هذه الأيام إنه يشك بأن النظام ضعيف أكثر من أي يوم مضى. ويوافق نولاد معظم مراقبي الوضع الكوري الشمالي عن كثب، والسبب الواضح للشك في استقرار النظام هو زعيمه الجديد الذي يبدو أقل أهلية من والده وجده في إدارة سياسة الدولة البوليسية. لقد انتهت محاولته الأولى في إثبات رجولته من خلال إطلاق صاروخ بعيد المدى بفشل ذريع.


والأهم من ذلك، يرث كيم جونغ أون نظاماً، ينخر شرعيته كما كان دائماً، الفساد من أسفل إلى أعلى. ولدى مراقبي كوريا الشمالية تعبير يصفون فيه ما يبدو أنه يحدث، تجاره غير قانونية تقوّض الرقابة المركزية. يقولون "السوق يأكل الدولة".


وإلى جانب الغذاء، الألبسة والأدوات، وفرت التجارة عبر الحدود للكوريين الشماليين معلومات حول العالم الخارجي. لا يوجد في كوريا الشمالية إنترنت، لكن أجهزة الراديو المهربة، التلفزيونات، أجهزة دي في دي والأجهزة الخليوية أصبحت أكثر توافراً وتفوّقت على الترويج الحكومي للعبة المونوبولي.


وقال نولاند "لم تتم مناقشة الربيع العربي في كوريا الشمالية، لكن في الأسواق، يتحدث الناس كثيراً عن مصر".


لا تتوقعوا انتفاضة شعبية من هذا النوع في كوريا الشمالية. لا توجد أعداد منظمة من الشباب الذين يملكون حسابات "تويتر" ولا "أخوان مسلمين". وكما قال لي أحد المراقبين لكوريا "الناس الذين يعيشون على 800 سعرة حرارية في اليوم لا يملكون الحيوية المطلوبة لمواجهة النظام". وأكثر السيناريوات ترجيحاً هو نوع من الانهيار نتيجة قتال داخلي، انقلاب عسكري أو صراع عسكري مع واحدة من دول الجوار.


وإذا كان النظام حقاً يترنح، فقد نكون ركزنا على الأسئلة الخاطئة حول كوريا الشمالية.


ويسأل فريق المدافعين عن التواصل مع كوريا الشمالية: كيف يمكننا إغراءهم بالعودة إلى الطاولة (المفاوضات) لكي نقنعهم بنزع سلاحهم النووي؟ أنا من مؤيدي الحل الديبلوماسي، وسوف أسر جداً في حال التوصل إلى سلام جدي. لكن القادة الكوريين الشماليين أثبتوا لغاية اليوم أن لا نية لديهم للتخلّص من برنامج أسلحتهم، ولا يمكن الوثوق بهم للوفاء بمقايضة.


ويسأل فريق المطالبين بتغيير النظام: أين يمكننا الضغط لتسريع انهيار النظام؟ يمكننا تشديد العقوبات التي تستهدف نخبة وتكبير حجم المعلومات الصادقة التي نبثها على الشعب. ولنتوقف عن النعومة التي نعتمدها في الحديث عن معسكرات الاعتقال. لكن لا يمكن خنق نظام كيم من دون مساعدة من الصين، ولدى الأخيرة مخاوف شرعية بأن تصل شظايا انفجار كوريا الشمالية إلى حدودها.


والسؤال الكبير الذي يجب أن نطرحه: ماذا يحدث في اليوم التالي؟ إذا كانت أيام النظام معدودة، فالنهاية ستكون أسوأ مما شاهدناه في الربيع العربي. لماذا لا نجلس مع الصينيين والكوريين الجنوبيين واليابانيين والروس لوضع خطة تجنب بيع المواد النووية إلى المافيا الروسية أو المثلث الصيني؛ لكي نمنع بعض الجنرالات المرعوبين من حرق (العاصمة الكورية الجنوبية) سيول (بعد دقائق قليلة من انطلاق القذاف المدفعية)؛ لثني الصين أو روسيا عن إرسال قواتهم للاستفادة من الوضع؛ لمنع آمري سجون على طراز نورمبرغ (سجون النازيين بعد الحرب العالمية الثانية) من جرف الأدلة وطمرها في مقابر جماعية؛ ثم كيف يمكننا إعادة توحيد كوريا من دون إفلاس الجنوب؟ هذه هي الأسئلة التي علينا وجيران كوريا الشمالية أن نطرحها، معاً وبسرعة.


لأنه عند زوال كوريا الشمالية، من المرجح أن يستمر اليوم التالي 20 عاماً".

المالكي يضرب بالمليان


نوري المالكي: لا بيع وشراء تحت الطاولة.


   اختار الرئيس نوري المالكي ان يفتح كافة الملفات العالقة مع اطراف العملية السياسية كافة، وهاهو يطالب بوضع كل تلك الملفات على الطاولة، رافضا اية اجتماعات ثنائية بغرض اجتراح حلول جزئية او تمرير توافقات على حساب مسلحة الوطن وأكد أن "لا مجال بعد الآن للاجتماعات الثنائية والبيع والشراء تحت الطاولة"، وهذا عين الصواب.

   ان المالكي يرفض إملاءات الفرعون مسعود البرزاني الذي يريد ان يتسلط على ارادة الأكثرية من خلال التهديد بإقالة الحكومة وتنحية نوري المالكي. لقد ولـّى الزمان الذي تحدد فيه الأقلية خيارات الأكثرية، والذي لا يعجبه هذا الكلام فليركب أعلى ما في خيله، خاصة وأن المالكي اعتبر ان "أكثر الخلافات التي تجهد الدولة هي الخلافات مع حكومة إقليم كردستان". لا لدولة داخل دولة ولا لإقليم اعلى من الدولة، ومن لا يعجبه ذلك، فلينفذ تهديداته بالانفصال.

   يبقى تساؤل أزلي يطرحه البعض؛ لماذا الآن، والجواب واضح وبسيط، لقد آن أوان تنظيم البيت العراقي بعد رحيل القوات الأجنبية وأيضا للحد من التدخلات الأجنبية من حيثما أتت، وأي تصحيح متى ما يحصل فأهلا وسهلا به. ادناه النقاط التي أثارها رئيس الوزراء في لقائه مع قناة العراقية:

  • أكد المالكي أن حكومته ليست لديها أي سلطة ولا تعرف شيئا عما يدخل او يخرج من وإلى المطارت الجوية إضافة إلى المنافذ الحدودية في كردستان، واعتبر أن مسألة تهريب النفط في الاقليم باتت واقعا، متهما الكرد أيضا بالتجاوز على حدود المناطق المتنازع عليها.
  • وقال المالكي "أنا لماذا لا اعرف شيئا عن كردستان وهناك الكثير من المشاكل مع كردستان لابد من طرحها في الاجتماع الوطني وعدم السكوت عنها"، موضحا أن من اهم تلك المشاكل "العقود النفطية التي تجرى في إقليم كردستان وموضوع تهريب النفط الذي اصبح حقيقة".
  • وأضاف المالكي أن "الاقليم يكسب نحو خمس مليارات وستمائة مليون دولار من تسليم المنتوج النفطي محليا على حساب المحافظات الأخرى"، وشدد على أن "للإقليم 17%  من الموازنة العامة وليس من العدل أن تذهب إليه أموال أخرى".
  • ولفت المالكي إلى أن هناك مشاكل اخرى مع الاقليم تتعلق بالمنافذ الحدودية، وأوضح "تدخل وتخرج منها بضائع وليس للحكومة الاتحادية أو وزارة المالية أو الجمارك أو الداخلية سيطرة عليها، وكذلك المطارات في كردستان"، مشدد بالقول "لانعرف ماذا يدخل وماذا يخرج، نريد فرض رقابة على حركة الطيران ودخولها وخروجها".
  • واتهم المالكي الكرد بالتوسع داخل المناطق المتنازع عليها في محافظتي كركوك ونينوى، وأكد أن "حدود إقليم كردستان الآن ليست كما أقرها مجلس الحكم يوم سقوط النظام في 9 نيسان"، مبينا  أن "قوات البيشمركة اندفعت في أراضي كركوك والموصل، ولا تسمح حتى للجيش العراقي او الشرطة بالدخول".
  • وبين المالكي "أما قضية سحب الثقة من الحكومة فهذه متروكة للحسابات والمبررات ولمجلس النواب"، وشدد على أن سحب 
    الثقة "ليس كيفي ولابد من مبررات واستجوابات وإظهار قضايا واقعية". وتابع بالقول اما ان يكون سحب الثقة "رغبات تدور في ذهن بعض الذين يريدون ان يتفرعنوا على العراق نقول لهم هذه محكومة بموازنات ومعادلات اخرى ولن يكون بمقدوركم ذلك وهذه عملية ليست سهلة". 
    وأكد المالكي أن "ما تسمى باتفاقية اربيل لم يبق منها شيء واذا كان هناك متبقي فلا تتحمل مسؤوليته الحكومة بل البرلمان وبعض الكتل السياسية، كقانون النفط والغاز الذي صوت عليه مجلس الوزراء من سنة 2007 وهو موجود في مجلس النواب الآن"، وتساءل "لماذا لا يصوت عليه ويناقشه البرلمان"، مجيبا على تساؤله بالقول "بل عملوا قانونا بديلا من دون أن يمر على مجلس الوزراء، أرادوا أن يمرروه لأغراض بعيدة عن المصلحة الوطنية".
    وأضاف المالكي "كذلك قانون العفو العام الحكومة انجزته وبعثته الى البرلمان واختلفوا عليه، وكذلك مجلس السياسات اختلفوا عليه في البرلمان لأنه مخالف للدستور، والنظام الداخلي لمجلس الوزراء موجود وعرضناه واعترضوا عليه وحتى التوازن".

       اما فيما يتعلق بالمؤتمر الوطني، فقد طلب المالكي من رئيس الجمهورية ان يدعو لعقد الاجتماع الوطني وعرض المشاكل القديمة والجديدة، وشدد بالقول "إما أن نجلس ونستجيب لمطلب الاحتكام للدستور في الاجتماع الوطني أو نعيد النظر في أصل عملية تشكيل الدولة ونذهب الى البرلمان ونطلب من الاغلبية اختيار رئيس جديد للحكومة ممكن ان يكون نفسه وممكن ان يتغير وكذلك رئيسا الجمهورية والبرلمان، ونتخلص من هذه القيود التي وضعت تحت مسمى الشراكة". وهذا تلميح للجميع أن التغيير سيشمل كل الرئاسات، وليس هناك من هو بمنأى عن التغيير.


       وتابع المالكي "المشاكل التي تعرض الآن أمام الشاشة هي أكبر بكثير وراء الكواليس"، مبينا أن "البعض لا يريد للاجتماع الوطني ان ينعقد لأنه سيكشف جميع الملفات والقضايا والمخالفات التي يقومون بها، ونحن قلنا لهم لا نتحسس من اي مطلب قولوا ما شئتم لكن على طاولة الاجتماع الوطني وعلى اساس الدستور".

    وبين المالكي أن "الاجتماع الوطني سيحيي الدستور لانه ميت الان وغير نافذ والشركاء هم الذين أماتوا الدستور حين رفضوا الاجتماع الوطني وقائمة المشاكل التي تطرح"، واعتبر أن "كل من يرتكب مخالفة هو شريك في إماتة الدستور"، وعلق ممتعضاً "انا ادعو الى الاحتكام إلى الدستور وهم يهربون منه ويقولون اتفاقية اربيل".


    الغرانيق، رسول حمزاتوف



    " نجوم كثيرة .. وقمر واحد ..
    نساء كثيرات .. وأم واحدة ..
    بلاد كثيرة .. ووطن واحد "





    الشاعر الداغستاني: رسول حمزاتوف
    ترجمهما من الروسية: احمد محمد الرحبي


    أشعر أحيانا
    بأن الجنود
    الذين لم يعودوا من حقول الدم
    لم يرقدوا تحت الأرض
    حين رقدوا
    وإنما
    استحالوا إلي غرانيق بيضاء .


    إنهم يطيرون
    منذ ذلك الزمن البعيد
    ويهتفون إلينا بأصواتهم
    أليس لذلك 
    عندما ننظر إلي السماء لنراها
    نسقط مكتئبين؟


    اليوم
    قبل أن يحط المساء أرى
    وكأنما في الضباب غرانيق
    تطير بتنظيمها المعهود
    كأنها صفان من البشر
    يتمخطرون . 


    إنها تطير
    وتصنع طريقها الطويل وتصيح
    كأنما باسم ما
    أليس لذلك، ومنذ الأزل
    تتشابه أحاديث الأفاريين؟


    يطير السهم في السماء ويطير متعبا
    يطير في الضباب مع نهاية النهار
    وفي ذلك السهم
    ثغرة صغيرة
    أليست يا تري مكانا لأجلي ! 


    سيحين اليوم عندما سأسبح
    في مثل ذلك السديم الأزرق
    مع سرب الغرانيق
    ومن تحت السماء
    سأناديكم كلكم
    يا من غادرتكم في الأرض
    مثلما تهتف الطيور .


    ****

    الثلاثاء، 8 مايو 2012

    حيدر الملا.... !!






    اختار النائب حيدر الملا كتلة دولة القانون خصما دائما له وعمل بدأبٍ وعزيمة لا تلينان على توجيه اقسى النعوت والإساءات حين يتعلق الامر بحزب الدعوة او احد رموز الكتلة. وقد تناولت ذلك في مقال سابق لي اسميته "زمن حيدر الملا"، وللأسف فانّ حيدر الملا ما زال حريصا على هذا النهج، ويكاد عداؤه لنوري المالكي هو الذي يحدد كل مساراته وتوجهاته.

    اصطف حيدر الملا، دون اي تردد، مع مسعود البرزاني في هجومه العنيف على الحكومة ونوري المالكي بالذات، فحين انتقد النائب ياسين مجيد مسعوداً، شحذ الملا لسانه وندد بتصريحات ياسين مجيد مبينا انه "لولا تضحيات البارزانيين والشخصيات الوطنية العراقية التي قارعت النظام السابق لما وصل [مجيد] ومن يمثله الى سدة الحكم في عراق اليوم". وهذا تكرار ممل لما قاله قبل سنتين انّ "على المالكي أن يدرك أنه لولا الإرادة الدولية التي غيرت النظام السابق لما انتقل من حارات السيدة زينب في دمشق إلى رئاسة الحكومة في بغداد". ليس المهم لدى حيدر الملا مناصرة الحق او الحقيقة ابدا، بل ان جل همه هو السباب والتجريح ليس إلا. وقد وضعنا تصريحي الملا المتضاربين في حيرة؛ فبتنا لا ندري من الذي اتى بالمالكي للسلطة، هل هم الاميركان ام البارزانيين.

    وعاد الملا الى نهجه العدائي حين طالب باستجواب وزير التعليم العالي علي الأديب بناءا على تهم سياسية لا تتماشى والتعريف القانوني للاستجواب من خلال اتهام وزير التعليم بالطائفية والتعسف في تطبيق قانون المساءلة والعدالة. ولم تملك وزارة التعليم الا ان تصف النائب حيدر الملا "بالمنحرف عن السلطة والجاهل بالقوانين"، وهذا وصف قاس جداً لا يرضى به اي انسان محترم لنفسه.

    لم اسمع اي تعليق للنائب الملا على النفط الذي يهربه البرزاني الى ايران يوميا ليباع من خلال موانئها واراضيها بنصف سعره الحقيقي. ان حيدر الملا يلعن ايران بكرة وأصيلا، الا اننا لم نسمع له تنديدا بإيران لسماحها بتهريب نفط كردستان عبر اراضيها. وهذا ازدواج في المعايير يبعث على الحيرة والاستغراب، فإيران تصبح مستثناة من الذم والشتم اذا تعلق الأمر بالاكراد، ولكنها تمسي مكبا للعنات اذا ما زارها نوري المالكي او ان احدا انتقد السعودية او تركيا او سوريا سابقا قبل ان يكتشف الملا انها شيعية. بالمناسبة؛ نحن لم نسمع بمثل هذا التنديد من اي من مكونات التحالف الوطني ايضا، ولكن هذا ليس موضوع بحثنا.

    ولم اسمع للنائب حيدر رأيا في السلاح الثقيل والمتوسط اللذين بحوزة المليشيات الكردية التابعة لمسعود البرزاني الذي قال مرة انه اذا كان هناك دم ينبغي ان يسكب، فليسكب من اجل استقلال كردستان. ولم اسمع لحيدر الملا تعليقا على شكوى ناخبي العراقية اللذين يتذمرون من التعسف الكردي في نينوى وصلاح الدين وكركوك. وتغاضى الملا التعليق على عزم الاقليم حفر ابار نفط ضمن حدود محافظة نينوى.

    ان معاداة مكون بعينه من مكونات الشعب العراقي خيار بائس ومحكوم بالخسران. وهذا اتهام لا اسوقه على عواهنه، فحيدر الملا لم يوفر لا كتلة المواطن ولا التيار الصدري، حيث اساء للاستاذ باقر الزبيدي الذي قال عنه الملا انه يعاني من ازمة بسبب عدم استيزاره في الحكومة الحالية. ووصف الملا التيارَ الصدري بمجموعة "خارجين عن القانون" واستنكر عزم المالكي على التحالف معهم اثناء محنة تشكيل الحكومة قبل سنتين، حيث قال الملا " كيف سيتحالف ائتلاف دولة القانون كما يدعي انه المدافع عن القانون مع ائتلاف فيه التيار الصدري الخارج على القانون  وان حصل هذا فهذا يعني ان الاثنان خارجان على القانون وان هناك اصطفاف اسماه بالطائفي ".

    انني ادعو "ابا جعفر" [= حيدر الملا] أن يحرص على انتقاء تعابير مؤدبة لا تخدش ذوق المتلقي ولا تسهم في زرع العداوة والبغضاء حتى مع خصومه. ويبدو لي ان ابا جعفر له طموح كبير سياسي كبير لتبوأ مقعد وزاري او ما شابه ذلك، وطالما ان الزمن الان هو زمن حيدر الملا ومن على شاكلته؛ فإنني انصحه بأن يلتزم الادب كي يتجنب الفيتو الشيعي عليه.


    ولله في خلقه شؤون


    http://www.kitabat.com/index.php?mod=page&num=5066

    الدور العربي في العراق


    مقال منشور بتاريخ 04-12-2009




    بعد كل نائبة تـنزل علينا، يطرق أسماعنا الثلاثي الأزلي؛ حزب البعث وتنظيم القاعدة ودول الجوار. وفي العادة يكون المقصود بدول الجوار إيران والعرب. ومن السهل على المتابع ان يفهم من هو المقصود من دول الجوار تبعا للجهة التي تبث شكواها. وارى انّ مِنَ المهم جدا ان نتناول بالبحث الدور العربي في العراق الحالي، خصوصا وان الاصوات عادت تتعالى بالشكوى من تعاظم التاثير العربي في الانتخابات النيابية القادمة عبر تمويل مشروع إعادة البعثيين للسلطة في العراق ودعم ترشيحهم في الانتخابات التشريعية.


       ولوجود بعض أوجه الشبه المهمة، في البدايات، بين عراق اليوم وعراق ما بعد الرابع عشر من تموز عام 1958 في عهد عبد الكريم قاسم. " فقد كان الضباط (العراقيون) الأحرار ومن آزرهم من أفراد القوات المسلحة مجموعة غير متجانسة ومتباينة جدا ولكن يوحدهم هدف واحد هو إسقاط النظام القديم، وافتقد رجال السلطة الجديدة الخبرة ووحدة العقيدة وبالنتيجة فان قضايا أساسية مثل من يقود وما هو شكل النظام الحكومي والسياسي الذي يجب تطبيقه بقيت دون حلول"، الأمر الذي أدى إلى بروز الخلافات بين عبد الكريم قاسم  الوطني العراقي وعبد السلام عارف القومي الوحدوي في الأيام الأولى التي تلت الانقلاب، "وأصبح الصراع على السلطة مركزا بشدة حول الحصول على دعم القوى الشعبية الكبيرة". وكان الحزب الشيوعي العراقي والمتعاطفون معه "اكبر قوة سياسية في العراق بعد الثورة مباشرة، وكانوا قادرين على توجيه مشاعر الجماهير الحاشدة في شوارع بغداد"، وكان الشيوعيون العراقيون [والسوريون  ايضا] غير متحمسين بِالمَرّة للجمهورية العربية المتحدة، وهو بالضبط ما لم يكن قاسم مؤمنا به ايضا، فاختار ان يتحالف معهم رغم انه كان" اصلاحيا اكثر منه ثوريا".
       فوقف جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة بكل قواه بالضد من قاسم واعتبره ألعوبة بيد الشيوعيين. وتمكن عبد الناصر من إسقاط نظام حكم قاسم، من خلال دعمه لحَمَلـَة لواء الوحدة العربية اللذين راقوا لجمال لأنهم قدموا أنفسهم كبؤرة رئيسية في مجابهة الشيوعيين، فظفروا بالدعم العربي  اللازم لمشروعهم الانقلابي على قاسم بل وضمنوا استمرار هذا الدعم ودوامه، "حيث كانت القومية العربية والوحدة مجرد شعارات تكتيكية وان الوحدة لم تكن أكثر من عصا يمكن بواسطتها جلد الشيوعيين وهي لم تكن هدف سياسي أو خيار أصليان، فقد كانت هي الرمز وليس الجوهر في المجابهة بين الشيوعيين ومعارضيهم".
    ورغم ان قوميي السلطة العراقيين لم يخطوا أية خطوة وحدوية جدية طوال الأربعين عاما التي تبوؤوا فيها السلطة في العراق منذ عام 1963 إلى عام 2003، إلا أنهم حظوا برضا المنظومة العربية إلى حد بعيد لأنهم أدوا الواجب المناط بهم وهو تنحية الحزب الشيوعي عن الواجهة، وهذا الامر لم يكن مطلبا ناصريا فقط بل كان مطلبا عربيا وايرانيا ودوليا.


    وبعد الثورة الإيرانية، قدم النظام السابق نفسه حارسا لبوابة الوطن العربي الشرقية من الخطر الإيراني (الذي كان حقيقيا)، وخاض العراقيون والإيرانيون حرب ضروس وطويلة حظي العراق خلالها بدعم عربي (ودولي) لا محدود. وقد انتهت بتحجيم الرغبة الإيرانية في إقلاق النسيج الاجتماعي للدول العربية. أما بعد ما بعد العام 2003، فقد اختار العراق الجديد، الانفتاح على ايران التي يعتبرها غالبية العرب القوة الاقليمية الاكثر خطرا على نظمهم السياسية والاجتماعية. ولا أغالي حين اقول انهم [العرب] يعتبرونها [إيران] اشد خطرا عليهم من اسرائيل.
    ان العرب قلقين جدا من الجو الايجابي الذي يسود العلاقات العراقية ـ الايرانية، فبعد ان كان العراق، على مدى قرون عديدة، سدا منيعا يحميهم من الجارة اللدودة ايران، يراقب العرب بقلق الانفتاح العراقي على إيران واعتبروه  بداية لحصول الايرانيين على حدود برية معهم.


       وأما القلة القليلة من العرب اللذين لا يخشون التهديد الايراني، فقد ارعبهم الجو الديمقراطي الجديد في العراق (رغم ما فيه من انفلات وسلبيات)، فبعد ان اعتاد الحكام العرب ان يعاملوا كظل الله في الأرض، الأمر الذي جعلهم معصومين من الخطأ والزلل والنقد، فانهم يراقبون ـ بقلق ـ كيف ان النقد لا يوفر احدا من المسئولين العراقيين من قمة السلطة الى أدناها. وهذا أمر تركه العرب منذ الدولة الاموية. لا اقصد من هذا ان اقول ان كل ما يجري في بغداد هو امر ايجابي، بل ان هذا هو ما يجري فعلا، وهو ما لم ولن يرض به العرب إطلاقا.


    رغم ان العرب، كعادتهم، مختلفين على كل شئ، الا انهم متحدين ومتفقين تماما في موقفهم السلبي من التجربة العراقية الجديدة، فحين اختلف السوريون والسعوديون على كل شيء منذ العام 2006، لكنهم كانوا ومازالوا متفقين تماما حول الموقف من العراق. 
    نحن بحاجة ماسة لصياغة رسالة عراقية تطمئن العرب فيما يخص ايران، ولكن، لست ادري كيف سنطمئنهم من عدم انتقال عدوى الديمقراطية. اننا ندفع الان ثمن فوضى الديمقراطية، وادعو ان تنتقل إليهم [العرب] بشكل سلمي وهادئ.
    ملاحظة: كل ما بين هلالين مزدوجيْن، مُقْتَبَسٌ من كتاب (من الثورة إلى الدكتاتورية ـ العراق منذ 1958)، لمؤلفيْه؛ ماريون سلوغلت وبيتر سلوغلت، ترجمة: مالك النبراسي ـ منشورات الجمل 2003.

    صورة الشيعي في جريدة الشرق الاوسط السعودية


    مقال منشور بتاريخ 30-09-2009، وما أشبه اليوم بالبارحة، تمر السنوات والعقود والقرون دون ان يتغيّر شيء على ارض الواقع. بحيث يبدو المقال وكأنه كُتِبَ اليوم.

    اقر بأني لم أوفق في ايجاد عنوان افضل لمقالي هذا. ولابد لي، من باب الامانة الادبية، ان اشير لمقال طارق الحميّد رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط السعودية، المنشور في الثاني والعشرين من أيلول 2009، تحت عنوان "بري كان ورقة التوت"، الذي ألهمني بهذا العنوان اللئيم.

     حيث انتقد الحميّد امتناع قوى المعارضة اللبنانية، مجتمعة، عن تسمية السيد سعد الحريري مرشحا لتشكيل الحكومة اللبنانية. ورأى (الحميّد) ان هذا الامتناع "كشف عن فرز طائفي واضح في لبنان، حيث بات هناك فريق شيعي، وآخر سني" وأن الجنرال[العماد] عون "ما هو إلا جندي في لوحة [رقعة] الشطرنج حيث تحركه المعارضة، ومن يقف خلفهما، كيفما تشاء". ولحد هنا، لم يأت الحميد بجديد على ما أدمن عليه من هجوم على المعارضة اللبنانية باعتبارها خاضعة للإرادة الإيرانية.

     واستطرد الحميّد يصف الشيعي قائلا: " فالمشهد اللبناني يقول ان القوة «المسلحة» هي للشيعة، حيث بوسعهم احتلال بيروت، ولبنان كله، في اقل من يوم، وهذا ما حدث تماما في انقلاب السابع من أيار الذي احتل فيه حزب الله بيروت، فالسلاح بيدهم، ويتفوقون به على الجميع، حتى الدولة". وهذا يعني ان الشيعة هم حملة سلاح ليس إلا، ولا يجيدون غير ذلك.

      أما السُنّة: "بينما السُنّة أما تجار، أو مثقفون ومشغولون بالفكر، لا السلاح والميليشيا". وهذا الأمر الايجابي الوحيد في مقاله.

     ولوصف المسيحيين، فقد استعار ما يدّعي انه وجهة نظر المعارضة فيهم، ويبدو انه يؤمن بها أيضا، حيث كتب: "أما بالنسبة للمسيحيين فان المعارضة ترى، وهذا يقال خلف الأبواب المغلقة، إنهم إما أتباع للغرب، أو ان لهم علاقة بإسرائيل، وكل الفائدة المرجوة منهم هي استغلال عون".

    ولم يذكر الدروز، ربما لضبابية موقف وليد جنبلاط.

     والغريب فيما أتى به الحميد هو شمولية توصيفاته، فهو لم يقل حزب الله وحركة أمل حين تحدث عن الشيعة، ولم يحصر الأمر في شيعة لبنان، بل عمم الأمر وأطلقه، ولطـّفه قليلا بالنسبة للمسيحيين.

    لقد أفتى الحميّد كأي إمام من أئمة التكفير اللذين يملؤون عقول السذج والجهلة  بمثل هذه الأباطيل، لتحول العديد منهم إلى قنابل بشرية انتحارية تفتك بالأبرياء في العراق وباكستان وأفغانستان. وهذا أمر مستهجن ولا أخلاقي ومن المعيب على من يدعي الموضوعية والتمدن ان يصنف  إمكانيات الناس ومهنهم وفقا لمعتقداتهم الدينية والطائفية. لقد ترافق تنامي فتاوى التكفير الطائفية القادمة من المملكة العربية السعودية، مع تولي الملك عبد الله عبد العزيز لسدة الحكم، ومع تردي العلاقات السعودية ـ الإيرانية. وها نحن نشهد امتداد منابر التكفير والتأليب الطائفي إلى وسائل الإعلام السعودية.

     من المعلوم ان هناك اصطفافا طائفيا وقوميا ودينيا حادا ومتناميا في لبنان منذ عشرات السنين، وكل شيء مقسم هناك وفقا لذلك. وليس هناك من بصيص أمل يبشر بنهاية قريبة له. ويعود ذلك لتغيرات ديموغرافية حصلت في لبنان، لم يتم التعاطي معها بواقعية على الصعيد اللبناني. حيث يتزايد عدد المسلمين، سُنّة وشيعة، في حين يتناقص عدد المسيحيين بسبب هجرتهم خارج البلد وبسبب تباين نسبة النمو بين المجموعات السكانية بسبب تباين مستوى التعليم والدخل.

     لقد قدم الحميّد توصيفا شموليا للشيعة، ولكنه اطلّ على القارئ بعنوان اقل شمولية لكي يترك لنفسه مجالا للمناورة في القصد. إننا نتفهم ان «الشرق الأوسط» وسيلة إعلام حكومية، الأمر الذي يفرض عليها تنفيذ أجندة السلطة السعودية، ولكن لا يليق بـ«الشرق الأوسط» ان تخسر أدب المهنة على يد رئيس تحريرها السيد الحميّد الذي أرجوه ان يتصفح المواقع العراقية التي تنشر مقالات يكتبها محترفون أو هواة، ينشرون بأسمائهم الحقيقية أو بأسماء مستعارة، سيجدها حافلة بالهجوم على الحكومة والأحزاب الشيعية والسنية والكردية، ولكنني أتحداه ان يقرأ مقالا واحدا يهاجم المذهب الشيعي أو السني.


     تستمد منابر التكفير في السعودية ديمومتها من وجود عدو تؤلب عليه جمهورها. وبعد ان اضطرتها أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 إلى ترك "القردة والخنازير" (مع الاعتذار لاستخدام هذا التوصيف)، بعد ان أصبح ذلك تحريضا على الإرهاب، فتحول اهتمامهم نحو الشيعة.

     ورغم عشرات "الحادي عشر من أيلول" التي عانى ويعاني منها العراقيون، بكل أطيافهم، لم يتعلم أئمة التكفير العيش بلا عدو. 

    صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

    المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...