الأربعاء، 18 أبريل 2012

ابن العلقمي الشيعي




كان مؤيد الدين الأسدي البغدادي، المعروف بابن العلقمي (1197ـ1258 م) وزيراً لآخر الخلفاء العباسيين المستعصم بالله (1213ـ قـُتِلَ 1258 م) . وقبلها، في عهد الخليفة المستنصر بالله [ابو المستعصم بالله]، شَغِلَ منصب استاذ الدار، وهو منصب اداري، صاحبه مسؤول عن رعاية دار الخلافة العباسية وصيانتها، وتوفير ما يلزم ساكنيها من اسرة الخليفة. ويعزي معظم المؤرخين لهذا الوزير الرافضي [الشيعي] سقوط دولة الخلافة العباسية وابادة اهل السنة عبر اضعاف الجيش، " ثم كاتب التتارَ [المغول، وهم احدى سلالات القومية التركية]، وأطمعهم في أخذِ البلادِ ، وسهل عليهم ذلك ، وحكى لهم حقيقةَ الحالِ ، وكشف لهم ضعفَ الرجالِ " [ابن كثير ، البداية والنهاية : 13/202 ]. وحين اقترب التتار من بغداد، نهى عن قتالهم. وأكد ابن تيمية ذلك، حيث قال: " لم يزل يمكر بالخليفة والمسلمين ويسعى في قطع ارزاق عسكر المسلمين وضعفهم وينهى العامة عن قتالهم ويكيد انواعا من الكيد" [منهاج السنة النبوية، ابن تيمية، (5/155)].

وصار ما فعله ابن العلقمي بحق الخلافة العباسية الاسلامية، لعنة التصقت بالشيعة جميعا. وقد دأب الشيعة على رد التهمة عن الوزير الشيعي الخائن أمَلا ً بالنفاذ بجلودهم من تهمة الخيانة والعمالة، ولكن دون جدوى، بل على العكس؛ صارت سُـبَّة جارية عليهم حتى لـُقِّبوا بأحفاد ابن العلقمي.

والذي اثار استغرابي، هو تمكن ابن العلقمي بمفرده من القضاء على الدولة  العباسية، ولم اشأ ان اسلم بالرواية الشعبية للحادثة بل حاولت ان استكشف الظروف المحيطة، ليس لرد التهمة عنه او لتهوين دوره كما فعل ويفعل "الروافض"، بل لأنّ الامر غير قابل للتصديق. فاكتشفتُ ان الدولة العباسية كانت تلفظُ انفاسها الاخيرة وان امير المؤمنين لم تتجاوز سلطات حكمه مدينة بغداد كما اكد ابن كثير: "ولم تكن أيدي بني العباس حاكمة على جميع البلاد، فإنه خرج عن بني العباس دول حتى لم يبق مع الخليفة إلا بغداد وبعض بلاد العراق، وذلك لضعف خلافتهم واشتغالهم بالشهوات وجمع الأموال في أكثر الأوقات".

اما المستعصم فقد "كان فيه شح، وقلة معرفة، وعدم تدبير، وحب للمال، واهمال للامور، وكان يتكل على غيره، ويقدم على ما لا يليق وعلى ما يستقبح، وكان يلعب بالحَمام، ويهمل امر الاسلام" [تاريخ الإسلام، الذهبي، (11/177)]، وان هولاكو قَدِمَ بجيش جرار تعداده نحو مائتي الف مُقاتِل، لا قِبـَلَ لعشرة الاف جندي عباسي بمواجهتهم والصمود امامهم.

ان تلك المعلومات ازالت الغشاوة عن الصورة وبينت ان الوزير ما كان رجلا خارقا بل ان الدولة العباسية برمتها كانت تعاني من سكرات الموت [ الانهيار]. 

ولم يتحقق للوزير مأربه في تأسيس دولة شيعية، فقد قَسَّم المغولُ العراق إلى منطقتين جنوبية وعاصمتها بغداد وشمالية وعاصمتها الموصل، يديرهما حاكمان مغوليان ومساعدان من التركمان أو الأهالي الموالين. وفي الفترة ما بين 1393 - 1401م هجم المغول التيموريون بقيادة تيمورلنك على العراق ثم سلم أمرها إلى المجموعات التركمانية التي عاشت متصارعة إلى أن سيطرت الأسرة الصفوية (من التركمان) على مقاليد الأمور في العراق سنة 1508، واستمروا يحكمون بغداد حتى أخرجهم العثمانيون الأتراك سنة 1534.

وبذلك فان ابن العلقمي " أدى تاريخيا وظيفة عبقرية للذاكرة المأزومة، فالسقوط في يد التتار لم يكن لعوامل كامنة في الذات، بل لمؤامرة حاكها عملاء داخليون أشد خطرا من اليهود والنصارى مع أطراف خارجية. من جهة ثانية فوصم ابن العلقمي بالخيانة يعني وصم الطائفة بأكملها والمنتسبين لها على مر التاريخ، وتثبيت دعوى الوطنية المنقوصة عليهم أو الولاء الخارجي، وهذا سيؤدي خدمة سياسية لا تتقادم بمرور الزمن كما سيداعب الضمير الجماهيري المشدود للفروقات المذهبية" [ لطيفة الشعلان، موقع الحوار المتمدن].

وبعد الاحتلال الامريكي للعراق سنة 2003، عاد اللقب ليطرق اسماعنا بشدة؛ في البداية وُصِمَ صدام حسين بانه "علقمي" هذا الزمان، وبعدها ألْصِقَ بقادة عسكريين عراقيين أُتهِموا بالتواطؤ مع الامريكان، ثم عاد الى اهله الاصليين حين تصدى الشيعة لسدة الحكم. والطريف في الامر، ان الماكنة الاعلامية العربية  والمؤسسة الدينية قد حرصتا ان يبقى ابن العلقمي عربيا عراقيا. والغريب في الامر ان الاكراد لايتهمون بالخيانة او العمالة، واذا اتهموا؛ فلا يشار لمذهبهم بل يشار لهم بالقومية.

لقد اغفل الجميع ابن علقمي الاحتلال الامريكي، اللذين جعلوا ارضهم ومياههم واجواءهم   في خدمة الجيش الامريكي، وقدموا له كل الدعم اللوجستي الذي طلبه.

ان هذه الحقيقة التي يحرص الجميع على اغفالها، لا تمنع مواطني تلك الدول من سكب الدموع مدرارا حين يجتر ائمة التكفير ووعاظ السلاطين قصة سقوط بغداد بسبب غدر ابن العلقمي الشيعي.

ان هذه الطروحات تسفه المجتمعات وتبعدها عن معرفة الاسباب الحقيقية للاحداث الكبرى في التاريخ العربي، فضمن ثقافتنا الشعبية الموجهة، نحن نعرف ان ابرهة الحبشي ما كان ليهتدي الى طريق مكة لولا خيانة ابو رغال الذي ارشد ابرهة الى مكة. ان الامر لا يعدو عن محاولة غبية لشخصنة العدو القوي في صورة خصم محلي يسهل الانتصار عليه والانتقام منه، انه ليس اكثر من تصدع للوعي لتجنب المواجهة مع اعدائنا الحقيقيين، التخلف والدكتاتورية والطائفية.

أيُّ غدرٍ كان أشد وقعاً على العراق والعروبة والاسلام، هل هو غدر الوزير الذي لم يفلح في تحقيق مبتغاه أم اولئك اللذين تسببوا، دون ان يريدوا ذلك، بتغيير مذهب بغداد الى الابد، فأفلحوا حيث اخفق الوزير. بعد هذا التغيير لن تعود الامور الى ما كانت عليه، بل وباتت عروبة العراق في مهب الريح، فقد اقتصرت الاشارة لعروبة العراق بأنه "عضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية وملتزم بميثاقها" [الدستور العراقي ـ المادة الثالثة]، وسيتكفل الاحتراب الطائفي في اسقاط ما تبقى من عروبة العراق طالما يتم توصيف شيعة العراق كمجوس وهنود.

لقد تحول التناحر الطائفي الى ثقافة شعبية يخوض في غمارها الجميع، في كل زمان ومكان. وسيبقى هذا الاشكال قائما طالما اننا لا ننصف الحقائق التاريخية التي ضيعها هذا التناحر. ان قراءة موضوعية وعلمية للتاريخ كفيلة بتصحيح الكثير من المُسَلَّمات التي سَوَّقها السلاطين البغاة، وهي كفيلة ايضا بإزالة جبال من الخزعبلات والاكاذيب. 

الأحد، 15 أبريل 2012

الكرد بين الانفصال والفصل




منذ ان احتدمت الأزمة النفطية بين العـرب والكرد، استخدم مسعود البرزاني ملفات فرعية اقل اهمية ليشن هجومه الانتقامي على بغداد، ابرزها ملف نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي وايقاف ضخ نفط الاقليم والهجوم الشخصي على نوري المالكي واتهامه بالفشل والدكتاتورية والانقلاب على الدستور.
ان الأزمة الحالية هي ليست خلاف بين "المركز والإقليم"، ولا بين "بغداد واربيل" ولا بين "الكرد ودولة القانون"، بل هي حلقة في مسلسل الأزمات الطويل بين العـرب والكرد الممتد على مدى تاريخ العراق الحديث والمعاصر. وقد وضع الخلاف الحالي مستقبل هذه الشراكة القلقة التي باتت تؤرق العـرب قبل الكرد على طاولة النقاش.
تكاد لا تمر ازمة دون ان يلوح مسعود برزاني او مسؤول كردي رفيع بالانفصال، ويؤكد ان هذا اليوم آت لا محالة. وعادة ما يقتصر الرد العـربي على ابتلاع التهديد والانصياع للمطلب الكردي حفاظا على "الوحدة الوطنية" التي نفتقدها منذ تسعة عقود. لكن تلميح البرزاني الأخير باعلان الدولة الكردية او تحديد موعد لذلك اثناء خطابه الذي كان سيلقيه في الحادي والعشرين من آذار الماضي، لم يمر مرور الكرام، فقد خرج العـرب عن صمتهم واختاروا ان يتواجهوا مع الحقيقة وأن يمضوا في التحدي مع الكرد حتى النهاية، فقد تحدى النائب ياسين مجيد رئيس الاقليم قائلا "إننا ننتظر البشرى التي سيقدمها رئيس إقليم كردستان إلى الكرد خلال احتفالية اعياد نوروز في آذار المنصرم، هل إعلان الدولة هل هو الانفصال هل هو تقرير المصير". 
اما النائب فؤاد الدوركي فقد بين إن "تهديد رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني بإعلان الدولة الكردية أمر تنقصه الجدية"، معتبراً أن "الكرد يعلمون أكثر من سواهم أن انفصالهم عن العراق ليس في صالحهم". ودعا الدوركي القادة الكرد إلى إعلان الدولة الكردية "إذا كانوا يعتقدون أنها ستوفر لهم وضعاً أفضل من أوضاعهم الحالية"، معتبراً أنهم "يدركون جيداً مدى الصعاب التي يواجهونها في حال أقدموا على مثل هذه الخطوة". 
واوضح النائب جواد الحسناوي “ان الأزمة بين حكومتي المركز واقليم كردستان لا تحل، وأن حوار الاقليم مع المركز ليس حوار اقليم تحت مظلة الحكومة، وانما هو حوار حكومة مع حكومة، وان تصريحات بارزاني تنم عن هدف لاعلان دولة كردية مستقبلا”. اما النائب صالح الحسناوي فقد دعا لبحث الجوانب العملية المرافقة لاعلان الاستقلال، وبيـّنَ ان "حدود الدولة التي يريد القادة الكرد إعلانها ليست واضحة لحد الآن، لذلك لا بد من الاتفاق على حدودها تجنباً لأي نزاعات وصراعات مستقبلية". ودعا النائب عزت الشابندر الى "فراق بإحسان" طالما ان الكرد غير مقتنعين باستمرار العيش المشترك، مؤكدا ان الدستور بقدر ما يبيح للكرد بالانفصال، فإنه يبيح ذلك للعرب ايضا. وهذا اول تلميح شبه رسمي يؤكد ان حق الانفصال والفصل مكفول للطرفين وليس للكرد فحسب. 
واعتبرت الكتلة البيضاء  بدورها أن الكرد يهدفون إلى "حصاد أعلى نسبة من الثروات وتحقيق مصالحهم قبل إعلان دولتهم المستقلة، كما أنهم سيصرون على ذلك حتى لو أعطيناهم كل ما في خزينة الدولة".
ازاء هذا النفـَس الجديد الذي واجه العـربُ به تهديدات البرزاني، خرجت دعوات كردية جادة لوضع حد لتصريحات مسعود البرزاني، حيث طالب عضو برلمان إقليم كردستان عن قائمة التغيير عبد الله ملا نوري إلى "وضع حد لتصريحات المسؤولين الكرد، بما في ذلك رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، إذا ما كانت حربهم الإعلامية مع رئيس الوزراء نوري المالكي وغيره من المسؤولين في بغداد، في إطار مواضيع خاصة"، مشدداً على ضرورة "عدم السماح لأي شخص أو جهة المزايدة بشأن القضايا المصيرية للشعب الكردي لمصالحه الخاصة، لأن من شأن ذلك توسيع الجبهة المضادة للمصالح الكردية". وضمن سعيها للتهدئة، طالبَت كتلة التحالف الكردستاني ادارةً الاقليم باستئناف ضخ النفط كبادرة حسن نية في مسعى منها لتخفيف التحامل الشعبي العـربي على  السياسة العدائية للاقليم.
اما الشارع العراقي، فقد أيقن هو ايضا ان الشراكة العراقية - الكردية محكومة بالفشل، فهي من سيء الى أسوأ منذ العهد الملكي الى يومنا رغم اختلاف الحُكـّام ونظُـُم الحُكم وعقيدته. وبدأ اليأسُ يَدبُّ بين العرب وباتوا اقرب الى التسليم بلا جدوى استمرار بقاء العرب والكرد سوية في وطن واحد. وبدأنا نسمع مثقفين يطالبون بعدم انتظار الكرد حتى يعلنوا استقلالهم، بل يجب المباشرة بفصلهم عن العراق، وآخرين يدعون الى تهديدهم بالفصل ان استمروا في سياستهم العدائية تجاه العرب. لقد وصل الاستعداد العربي لتقبل الانفصال الكردي الى حد أنّ الشعور بالاحباط كان مشتركا لدى العرب والكرد حين خلا خطاب مسعود البرزاني المذكور من اعلان الاستقلال او تحديد موعد له.
ان مسعودا يتلاعب بالحلم الكردي وباستقرار العراق في آن واحد، فقد حول الحلم الكردي الى هراوة او سوط يجلد بها العراق الذي اتعبته تسعون سنة من الاضطرابات والمحن وسوء الادارة، كانت القضية الكردية احدى اهم عوامل عدم استقرار العراق واضطرابه. 
علينا ان نتوقف عن التعامل مع الاقليم كما تتعامل الأم مع وليدها الذي يملأ الدنيا صراخا وعويلا كلما اراد أو لم يرد شيئا. وبعد تسعين سنة من الصراخ الكردي، آن لنا ان نقر باستحالة الشراكة العربية ـ الكردية، وهو امر يبدو ان وليدنا الكردي مازال عاجزا عن فهمه.
 ahabobi@yahoo.com

بين مجلس محافظة البصرة والنائبة مها الدوري ومنع الخمور



2009-08-22


طالبت النائبة مها الدوري من مجالس محافظة بغداد وبقية محافظات العراق، ان تحذوا حذو مجلس محافظة البصرة الذي قام بمنع شرب الخمور وبيعها في المحافظة. وأكدَتْ في موقعها الالكتروني على أن يمتد المنع على مدار السنة وأن لا يقتصر على شهر رمضان كما كان معمول به على امتداد تأريخ العراق الحديث والمعاصر.


بعد ان انتهت كل مشاكل العراق، وصرنا بألف خير، حيث اننا ننعم بالماء الوفير النظيف الصالح للشرب، والكهرباء المستقرة المستمرة، والشوارع النظيفة المبلطة، وبالاقتصاد المزدهر؛ والامن المستتب، والاتصالات والمواصلات الممتازة، بعد كل هذه المكاسب التي تحققت لنا على ايدي مجلس النواب الموقر والحكومة الرشيدة والمجالس البلدية. بعد أن انتهوا من كل ذلك وضمنوا لنا حياة دنيوية هانئة وسعيدة ومستقرة وامنة، لم يبق للسلطات الثلاث المذكورة اعلاه الا ان تنشغل بتأمين حياتنا في الاخرة بعد موتنا، أي ان تضمن لنا الدخول الى جنان الله تعالى، وذلك بابعادنا عن مواطن الزلل والخطيئة، شئنا ذلك ام ابينا.


انني اجد انه من الضروري جدا ان نتصارح في هذا الامر؛ فعلى امتداد تاريخ الانسانية، لم يتمكن اي دين أو مُشَرِّع من اقناع او اجبار الانسان على التوقف عن احتساء الخمر والمسكرات الاخرى، فحيثما وجد منع للخمور كان العقل البشري يفلح في ايجاد بديل كفوء وفعال للالتفاف على هذا القرار، وعموما كان البديل أكثر ضررا وخطورة. ولدينا امثلة معاصرة من دول مجاورة تتعاطى مع منع الخمور بشكل جدي وصارم كالمملكة العربية السعودية وجمهورية ايران الاسلامية، حيث اننا نلاحظ انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة وكل ما ممكن ان يؤدي نفس مفعول الخمر بل وما يزيد عنه. ونلاحظ استفحال وشيوع ظاهرة تهريب المشروبات الكحولية رغم العقوبات الصارمة لمن يلقى القبض عليه من المهربين. اما المثال الاخر فهو تحريم الخمور الذي سنته الحكومة الاميركية في عشرينيات القرن الماضي، حيث لم يصمد هذا التحريم امام اصرار الانسان على احتساء الخمور، فلم تملك ( الحكومة الاميركية ) الا ان تنصاع للامر الواقع وترفع ذاك المنع.


اما بالنسبة لنا كدولة اسلامية؛ فبدءا من الدولة الاموية والى يومنا هذا، كان ولاة امرنا من خلفاء وملوك ورؤساء ووزراء، هم السباقون في خرق هذا المنع، رغم انهم كانوا يقيمون الحد على المواطن العادي الذي لاحول له ولا قوة. وطبعا نحن كلنا ثقة بان من يحكموننا الان لا يشبهون أولئك الظالمين.


اما بالنسبة للعراق، فان بيوت الله تعالى من مساجد وحسينيات وكنائس وغيرها ليست موحدة للشعب العراقي، بل على العكس من ذلك تماما؛ فالشيعي يذهب الى المسجد والحسينية الشيعية، والسني يذهب الى المسجد السني، والمسيحي الكاثوليكي يذهب الى كنيسته الكاثوليكية، والارثودوكسي يذهب كنيسته الارثودوكسية لاغير. حتى الاذان الذي يرفع من بيوت الله مختلف توقيتا ومضمونا، مما يرسخ الفرقة حتى بين ابناء الدين الواحد، وكذلك يفعل فعله اختلاف توقيتات الاعياد والمناسبات الدينية الاخرى. وقد وصل الامر بالامس القريب الى حد الاحتراب الطائفي والقتل وفقا للطائفة والاسم.


اما الحانات والخمارات فليس فيها شيئا يرفع سوى الكاس لتبادل الانخاب او لاحتساء الخمر، ولا تشي الخمرة بقومية محتسيها ولا بدينه او طائفته، فالكل متساوون بحضورها ومستسلم لسحرها. يجلس كرّار وسجّـاد وخطـّاب وقادر وسامر ونديم وميخا وكاوة وسردار دونما خوف من بعضهم البعض. تجمعهم الرغبة في قضاء وقت جميل، ثم يتسابقون فيما بينهم على دفع قائمة الحساب في بادرة اضافية لاظهار المحبة والمودة والاحترام.


اننا لم نسمع عن شخص قام بتنفيذ عملية ارهابية او انتحارية بعد ان خرج من الحانة، في حين اننا سمعنا عن الكثير من الارهابيين الذين نفذوا عمليات ارهابية وانتحارية مباشرة بعد مغادرتهم احد بيوت الله تعالى. وقد اثبتت الوقائع ان اغلب هؤلاء كانوا تحت تاثير المخدرات او حبوب الهلوسة وليس تحت تاثير الكحول.


لا اريد ان يفهم القارئ الكريم انني اسئ للاسلام او لبيوت الله تعالى جلت قدرته، انني ابعد ما اكون عن ذلك والله على ذلك شهيد. ولكنني هذا هو الحال في العراق وعلينا أن نُقِـرّ به.


انني ارجو من النائبة الدوري وبقية السلطات ان يتداعوا لتشريع يمنع رفع اسعار المشروبات الكحولية (خصوصا العرق، الشراب الشعبي الاول في العراق) عما هي عليه الان لتبقى في متناول من يبتغيها من محدودي الدخل وهم غالبية الشعب العراقي الكريم، ولكي يبقى الفارق السعري كبيرا بين الخمر والمخدرات وشبيهاتها التي تنتشر بشدة في الدول المجاورة. وانني اؤكد لهم انهم لا يرتكبون اي اثم بذلك لانهم يحصننون المواطن من اللجوء الى المسكرات الخطرة، بل ويساعدون على تعزيز الوحدة والمصالحة الوطنية فعليا دونما حاجة لعقد مؤتمرات المصالحة ذات النتائج الهزيلة والتي تكلف الميزانية مبالغ هائلة. بينما المصالحة الفعلية والحقيقية هي تلك التي ينفذها المواطن على حسابه الخاص.


إنّ وضعنا الامني الهش وحدودنا المُسْتَباحة وتفشي الرشوة في كل مفاصل الدولة وسعي مافيا المخدرات الحثيث لفتح السوق العراقية أمام منتجاتها، كل ذلك يفرض علينا أن نُجـَنِبَ قواتنا الامنية حملا ثقيلا جدا فوق احماله الثقيلة الاخرى


ارتجي وامل من الذين سيردون على مقالتي هذه ان لا يتهمونني بأنني صفوي او ناصبي او بعثي او صدامي او علماني او زنديق او كافر او شوفيني، لان قوالب التهم الجاهزة هذه قد بارت وكسدت وما عادت تقنع حتى الجهلة والسفهاء في العراق، فكيف بالعقلاء.


ولله في خلقه شؤون.


ahabobi@yahoo.com

قراءة في الزمن الجميل



21/01/2010
قراءة في الزمن الجميل


أحمد الصراف
جريدة القبس الكويتية

خرج المواطن (..) وزوجته من حفل دبلوماسي، وبسبب زيادة ما تناوله من مشروبات، فقد شعر بأنه غير قادر على قيادة سيارته بطريقة سليمة، ولعدم معرفة زوجته بالقيادة قرر الوقوف بجانب الطريق لبعض الوقت، وما هي إلا لحظات حتى وقفت دورية شرطة وسأله العسكري عن سبب توقفه، وعندما عرفه طلب منه -باحترام كبير- التنحي عن مقعد القيادة، واشار الى زميله بان يتبعهم، وقاد الشرطي السيارة حتى بيت المواطن في العديلية، وودعه من دون ان يكلف نفسه حتى طلب أوراق ثبوتية منه!
حدث ذلك في نهاية ثمانينات القرن الماضي، اي قبل اقل من 20 عاماً، وعلى الرغم من قصر المدة، فان من الصعب تصور حجم الانقلاب الكبير الذي اكتسح حياتنا في زمن «الصحوة»، التي سادت المجتمع، فمن الصعب حتى تخيل صدور مثل هذا التصرف الراقي الآن من غالبية شرطتنا، كما ان احصائيات الجرائم الكبيرة، والاخلاقية بالذات، تبين اننا ابعد ما نكون عن الاستقامة التي سبق ان عرف بها الكويتي، بعد ان تغيرت التركيبة والعقلية في الكثير من مراكز اتخاذ القرار، وربما تكون اجراءات إلقاء القبض على المواطن محمد الجويهل -التي تخللها «اقتحام» الطائرة وتصفيده امام الجميع واقتياده كالمجرم الخطر، وسط خوف وهلع الركاب واستنكارهم من كم العنف الذي استخدم معه- دليلا على نوعية «السلوك» الذي اصبح مسيطرا على المناط بهم حفظ الأمن.
وبهذه المناسبة، ورد في مقال للكاتب العراقي أحمد الحبوبي ان النائبة مها الدوري طالبت حكومتها بان تحذو حذو محافظة البصرة وتمنع تناول الخمر في العراق جميعه، وقد سخر الكاتب من طلبها قائلا انه يأتي بعد انتهاء مشاكل العراق، واصبح الماء وفيرا والكهرباء مستمرة والأمن مستتبا والشوارع «مبلطة» والمدارس مفتوحة، والاقتصاد مزدهرا والاتصالات والمواصلات ممتازة، وبعد ان ضمنوا للجميع حياة هانئة، وبالتالي لم يبق للسلطات الا الانشغال بارسال الناس الى الجنة من خلال منع بيع الخمور، متناسين انه حيثما منع الخمر وجد العقل البشري بطريقة بديلة وفعالة للالتفاف على القرار، اما بتهريبه او صنعه «محلياً»، او بايجاد طرق اكثر كلفة وخطرا، والامثلة من الدول المجاورة للعراق اكثر من ان تحصى، ففيها يمنع تعاطي المشروبات، ولكن تنتشر فيها المخدرات وحبوب الهلوسة السهلة التهريب! وقال الكاتب ان العراق، منذ الدولة الاموية وحتى اليوم، كانت فيه مشروبات روحية، ولم يسمع قط ان شخصا خرج من حانة لينفد عملية ارهابية يقتل فيها المئات. وينهي الكاتب مقاله بالقسم بانه ليس ضد الدين، ولكن هكذا كانت الحال في العراق، وليس هناك ما يثبت انه سيصبح احسن ان منع الخمر فيه، وان الوضع الأمني الهش والحدود المستباحة وتفشي الرشوة في كل مفاصل الدولة وسعي مافيا المخدرات لفتح اسواق جديدة تفرض على السلطات تجنيب قواها الامنية حملا ثقيلاً لا تحتمله!
ولو نظرنا لحالنا في الكويت، منذ تطبيق قانون حظر المشروبات في ستينات القرن الماضي، لوجدنا ان جميع القوانين والاجراءات المتخذة من السلطة لم تُجْد. نفعا في منع دخولها البلاد وتوافرها لمن شاء بسهولة نسبية، وان الفرق كان في السعر المرتفع لمصلحة المهرب، المتنفذ عادة! اضافة الى ما نتج عن المنع من زيادة هائلة في استهلاك المخدرات وحبوب الهلوسة وارتفاع عدد ضحاياها، فهل هناك من يريد ان يفهم..؟!


أحمد الصراف
habibi.enta1@gmail.com

السبت، 14 أبريل 2012

ملف مفوضية الانتخابات .. مفهوم جديد للتحالفات





 مقال منشور بتاريخ 2011-08-03




أسفرت جلسة طرح الثقة في مفوضية الانتخابات عن الإبقاء عليها رغم أن جميع من صوتوا بالضد من إقالتها ( فيما عدا التحالف الكردستاني الذي أوضح الناطق باسمه أنهم لم يقتنعوا بالتهم الموجهة للمفوضية ) أعلنوا بمنتهى الوضوح أن المفوضية لا تخلو من عيوب، إلا أن تلك العيوب لا تبرر بقاء البلد بلا مفوضية طالما أن تعيين مفوضين جدد قد يستلزم وقتا طويلا لا يتماشى مع الاستحقاقات الانتخابية القادمة، من انتخابات المجالس البلدية في إقليم كردستان في السنة الحالية، والمجالس البلدية في بقية أنحاء البلد في السنة القادمة بإذن الله.
وكان رد فعل النائبة حنان الفتلاوي، التي بذلت جهودا جبارة لإقالة المفوضية بناءا على أسباب موضوعية ووقائع أثبتتها بالأدلة الدامغة، كل ذلك دفعها لتوجيه اتهامات قاسية للكتل العربية في البرلمان، الشيعية والسنية، ( دون أي ذكر للتحالف الكردستاني ) عبر اتهامهم بمهادنة الفساد والسكوت عنه، أما ردود القوى السياسية الأخرى المنضوية تحت لواء التحالف الوطني فقد كانت بمنتهى النضج والتفهم، حيث أكدوا أنهم لا يريدون أن يزجوا البلاد في أزمة جديدة في ظل غياب التوافق بين الكتل السياسية مما يسبب بالتأكيد في تأخير تعيين مفوضية جديدة تتولى إدارة الاستحقاقات المذكورة سابقا، وهنا، أود أن أشيد باللغة الرائعة التي أجاب بها أعضاء التحالف الوطني على هجوم النائبة الفتلاوي اللاذع.
أوضحت كافة مكونات التحالف الوطني أنها مع المالكي قلبا وقالبا، ولكن ليس في كل ما يريده، فرغم أنهم ساكتون، على مضض، عن سجال الوزارات الأمنية، إلا أنهم ليسوا راضين عن التأخير الحاصل في حسم هذا الملف رغم تأكيدهم الدائم على حق القائد العام للقوات المسلحة في قبول من يراه مناسبا لتلك الوزارات، أي أنهم ببساطة، أوضحوا أنهم لن يمنحوا "دولة القانون" شيكا على بياض؛ فكل شيء سيخضع للتمحيص والتدقيق، وإنهم سيراعون مصالحهم ورؤاهم. وذكـَّرَ النائب بهاء الاعرجي بالاستجواب السابق الذي أجراه النائب كريم اليعقوبي أواخر العام قبل الماضي للمفوضية نفسها ومطالبته بإقالتها، إلا أن طلبه لم يحظ بالتأييد بداعي دنو موعد الانتخابات النيابية. أما النائب عزيز العكيلي، فقد ذهب إلى ابعد من ذلك وثبـَّتَ اعتراضه على محاولات إملاء الإرادات من قبل حزب [= حزب الدعوة] أو شخص [= السيد نوري المالكي]. نحن نقرأ، بين السطور، بين الحين والآخر في تصريحات أطراف في التحالف الوطني يشكون فيها من تهميشهم وعدم إشراكهم بشكل فعال في الملفات الكبرى.
الجهة الوحيدة التي كان ردها جافا وحادا هي كتلة التحالف الكردستاني كما هو معتاد. وموقف "الكردستاني" كان متوقعا، على الأقل بالنسبة لي، بناءا على إشارات ورؤى أفصحوا عنها منذ أواخر نيسان الماضي، فالمزاج السائد لدى الأكراد هو في الإبقاء على فرج الحيدري باعتباره مرشحهم لهذا الموقع، وهم لا يقبلون أبدا أن يمس أي من تابعيهم، تحت أي عذر.
إنّ تصويت التحالف الكردستاني بالضد من إقالة المفوضية، حرر "دولة القانون" من الزواج الكاثوليكي القسري مع التحالف الكردستاني، وظهر ذلك جليا في المؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء نوري المالكي الذي أعقب إقرار مجلس النواب للترشيق الوزاري الذي طلبه المالكي، ففي معرض رده على اعتراض التحالف الكردستاني على عدم تضمين البرنامج الحكومي للمادة 140، أجاب المالكي بأنها مادة دستورية، وللتحالف الكردستاني الحق بالاعتراض عبر التصويت في مجلس النواب حين يطرح البرنامج الحكومي للتصويت. وهذه إشارة مهمة جدا، ليس لأحد أن يعطل إرادة الأغلبية تحت أية ذريعة.
وذهب الأكراد ابعد من ذلك، واعتبروا إعلان النائب حسين الاسدي نيته رفع دعوى قضائية لتنحية الرئيس جلال طالباني عن منصبه لرفضه توقيع أحكام الإعدام، بأنه رد انتقامي على عدم تصويت التحالف الكردستاني على إقالة المفوضية. رغم أن "مشروع" دعوى النائب حسين الاسدي اجتهاد شخصي لم تتبناه كتلته، ولو أن الأخير أوضح أن خمسين نائبا أيدوه في مسعاه.
الأمر المهم لنا كمواطنين هو إصرار النائبة الفتلاوي على متابعة ملف فساد المفوضية عبر إحالته للقضاء، كي لا ينجو من سيُثـْبِت القضاء فساده من العقاب. وطالما أن القضية باتت بيد القضاء، فإنني أرجو من السيد فرج الحيدري أن يتوخى الدقة حين يقوم بتقديم دفوعاته، ليس كما اعتاد أن يفعل في لقاءاته التلفزيونية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فهو ينكر انه يقضي مدد طويلة خارج الوطن، ويتذاكى علينا بإبراز جوازه العراقي ليرينا خلوه من أختام المغادرة والدخول، في حين نحن نعلم جيدا انه يحمل جوازا سويديا إضافة لجوازه العراقي، والسلطات السويدية لا تؤشر المغادرة والدخول على الجواز السويدي، بل تؤشر ذلك الكترونيا فحسب، وهو أمر لم يفت النائبة حنان بالتأكيد.

مفوضية الانتخابات بين استجوابين



مقال منشور بتاريخ 2012-04-19


يختلف حال فرج الحيدري في هذا الاستجواب عن ذلك الذي سبقه في تشرين الأول عام 2009 الذي أجْرِيَ قبل فترة وجيزة من الانتخابات النيابية، وكان الخلاف على أشده بين كتلتي الائتلاف الوطني ودولة القانون.


حينها، دخل الحيدري جلسة الاستجواب مُتسَلـِّحاً بدعم كل من كتلتي التحالف الكردستاني ودولة القانون اللتين رفض القـِياديّان فيها عباس البياتي وحيدر العبادي استجواب الحيدري لما قد يليه من إجراءات سحب الثقة والإقالة، ما قد يتسبب في تعطيل الانتخابات ويُضْعِف ثقة المواطن بالمفوضية. وتبعا لذلك فانّ الاستجواب كان صورياً ليس إلاّ.


ولكن الحال مختلف تماماً في الاستجواب الحالي، فحلفاء الأمس، "دولة القانون" أكبر الكتل وأقواها، هم من تبَنـّوا الاستجواب هذه المرة، ويبدو انهم عاقدو العزم على إعادة تشكيل المفوضية وفقا لمفاهيم وسياقات جديدة، أهمها انّ الحيدري لن يكون على رأسها. خاصة وان "دولة القانون" لم ينسوا بعد تداعيات نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة. إضافة لذلك، فالنائبة حنان الفتلاوي تقول إنها تملك أدلة دامغة تدين المفوضية في قضايا فساد. امّا النائب سامي العسكري فقد ذهب ابعد من ذلك وصرح بأن المفوضية مطعون فيها وستتم مساءلتها في البرلمان، معتبرا أن أي انتخابات مقبلة ستكون مشروطة وتحتاج إلى إصدار قانون الأحزاب وهيئة مستقلة للانتخابات.


بعد استقالة رئيسة الدائرة في مفوضية الانتخابات حمدية الحسيني، أيقن الحيدري ان الاستجواب الحالي يختلف عن سابقه. لذا فقد هرع نحو "التحالف الكردستاني" طلبا للعون طالما انـّه مرشحهم أصلا، وهو عضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني أيضا. وكان التحالف الكردستاني عند حسن ظنه، فقد التقى به النائب خالد شواني وطالب بأن يجري الاستجواب وفقا للقانون وبناء على أدلة يمكن الاستناد عليها. وأول الآثار الجانبية للدخول الكردي على الخط هو تأجيل الاستجواب من السادس والعشرين من نيسان إلى الثاني من أيار لتلطيف الأجواء عبر تخفيف حدة التصريحات المتبادلة بعد ان عبر الحيدري عن ارتيابه من التوقيت الذي اختارته حمدية الحسيني لإعلان استقالتها من المفوضية، ولإعطاء الاتصالات والضغوطات الجانبية وقتا أطول لتؤتي أكـُلها.


امّا حنان الفتلاوي، فقد اتهمت المفوضية [= الحيدري] بالتهرب من الاستجواب عبر "الضغط على الكتل السياسية من أجل تأجيل الاستجواب خوفا من الوثائق التي ستقدم ضدها". وأضافت الفتلاوي ان "المفوضية تسعى إلى الحصول على دعم جهات عدة ومنها الأمم المتحدة لصالحها". [المصدر: السومرية نيوز 19/04/2011].


لا أريد ان أدخل في سجال نزاهة المفوضية، فهذا ليس من اختصاصي، ولكن ما يعنيني هو التذكير بالمدة الطويلة التي استغرقتها المفوضية لإنجاز أعمال العد والتدقيق للانتخابات النيابية. حيث انتظرنا عشرين يوما حتى ظهرت النتائج بشكل نهائي.


وبرغم كل إمكانياتها الهائلة وكادرها الضخم ودعم الأمم المتحدة الكبير لها، إلاّ ان المفوضية لم تظهر أي احترام للزمن في كل مراحل عملها. انّ إخفاق المفوضية في إنجاز واجباتها بمدة زمنية معقولة، وقرارها بإعلان نتائج الفرز اليومية، حَـوَّلَ نتائج الفرز إلى "أسْهُمٍ في بورصة" أدخلت الكتل المتنافسة في صراع عميق لم تتعاف منه إلى يومنا هذا، وما زلنا نشهد آثاره السلبية.


في التاسع عشر من أيلول سنة 2010 أُجْرِيَتْ في السويد الانتخابات النيابية ومجالس المحافظات والمجالس البلدية في آن واحد. وبعد ان أُغْلِقـَتْ صناديق الاقتراع في الساعة الثامنة مساء، بدأ التلفزيون بعد ربع ساعة ببث النتائج التراكمية لعمليات العد والفرز. وعند الساعة الثانية عشرة إلاّ خمس دقائق قبل منتصف الليل، أقرت المعارضة بفوز الائتلاف الحاكم وهنأت زعيمةُ المعارضة رئيسَ الوزراء بالفوز. أي ان السويديين أنجزوا العد والفرز بأربع ساعات لثلاث عمليات انتخابية.


كنت أرجو من الحيدري ان ينقل لنا حصيلة خبراته التي استقاها من معاصرته للانتخابات النيابية والبلدية في السويد التي يقيم فيها منذ سنوات طويلة، وبالتأكيد شارك في العديد منها طالما انـّه مقيم هناك، لا ان يعود بنا إلى عصر ما قبل الكومبيوتر.


الأجواء السياسية السائدة لا تبشر بأي إصلاح حقيقي. ولكن هناك دائما أمل، والاّ لما استمرت الحياة، فقد مرت ثمانية أعوام طويلة قبل ان نشهد نهاية للحرب مع إيران، ومرت أعوام أطول قبل ان نشهد نهاية النظام السابق. وها قد مضت ثمانية أعوام أشد قسوة، ويحدونا الأمل اننا سنشهد عما قريب إصلاحات حقيقية تضع مؤسساتنا الوطنية على الطريق الصحيح. وقد وضع مجلس النواب نفسه على المحك مرة أخرى، ونحن نتطلع لما سيجري في جلسة الاستجواب، يحدونا الأمل بأن يقدم نوابنا مصلحة الوطن على مصلحة الكتل، وان لا تعيقهم الضغوطات عن اتخاذ القرار المناسب.


إن ملف الإصلاح كبير وواسع، ولكننا يجب أنْ نبدأ به على أية حال. وأهم ما نحتاجه هو مسؤولون يحترمون الزمن ويقيمون له ألف حساب، ليحلوا بدل أولئك الكسالى الذين لا يقيمون للوقت حسابا.

الاثنين، 9 أبريل 2012

تشطير الشيعة




تَمَخَّضَ عراقُ ما بعد التغيير عن بروز ثلاث كتل سياسية رئيسة ،لا رابع لها، شيعية وسنية وكردية، اما الكتل الاصغر فهي توابع صغيرة لا تذهب بعيدا عن ارادة احدى الكتل الكبرى المذكورة. وكان مصير من ينشق من الأفراد عن اي من تلك الكتل اللعنات ومن ثم النسيان بعد ان يفشل في كسب ود ولو نسبة مجهرية من اصوات الناخبين.

ولم تكن محاولات كل من الكتل الثلاث الكبرى، في إحداث اختراقات في صفوف الاخرى؛ بأفضل من المبادرات الفردية التي اقدم عليها بعض النواب والسياسيين. وأثبت مخاض تشكيل حكومة المالكي الثانية عُـقم الرهان على تحقيق اختراق جوهري في اي من الكتل. لقد كانت الخلافات الشيعية - الشيعية على اشدها قبل الانتخابات النيابية الماضية، الا انهم عادوا موحدين بعد ان تحول التنافس بين الائتلاف الوطني ودولة القانون الى صراع افقد الجهتين نسبة لا يستهان من الاصوات الشيعية التي اختارت عدم المشاركة في الانتخابات وقسم آخر بقي مصرا على خياره العلماني الذي خيبه اخفاق القوى العلمانية المستقلة في الحصول ولو على مقعد واحد في البرلمان رغم عراقة تاريخها السياسي وسمو اهدافها. اما العلماني الفائز اياد علاوي، فقد بات يُنظـَرُ اليه كجزء من القائمة العراقية لا غير، ولم يعد مطروحا كزعيم للتيار العلماني.

ورغم ما قدمه ائتلاف دولة القانون للقائمة العراقية من اغراءات الا ان الطرفين اخفقا في تشكيل حكومة بمفردهما، وضيعا فرصة حقيقية في اعادة تشكيل العملية السياسية بالكامل. وحصل الامر نفسه حين جربت "العراقية" فتح خطوط التفاوض مع التيار الصدري ومن ثم كتلة المواطن، فلم يفكر اي منهما ولو للحظة في تمرير مرشح العراقية لرئاسة الوزارة، بل بقيت القوى الشيعية مصرة على ان تكون رئاسة الوزارة محصورة في مرشح شيعي من الائتلاف الوطني. وحصل الامر نفسه حين حاول الشيعة ان يجربوا حظهم لشق القائمة العراقية، فلم يلقوا سوى نفس الصدود والرفض. اي انه حتى مكونات الكتلة نفسها غير قادرة على إحداث انشقاق حقيقي في الكتلة الأم.

السبب الاساسي الذي اعجز الطرفين عن تحقيق اختراق حقيقي في الطرف الاخر هو ان الصراع هو صراع على السلطة والنفوذ وليس صراع افكار أو رؤى سياسية واجتماعية. الشيعة يعتبرون اي بديل للقوى الشيعية هو عودة الى الوراء ويهدد الوجود الشيعي برمته. اما السنيون فيرون ان استمرار الاحزاب الشيعية في ادارة البلاد يعني مزيدا من الاقصاء ومزيدا من الارتماء في احضان ايران بالضد من مصلحة الوطن. اما الكرد فهم منشغلون بتوفير البنى التحتية لدولتهم المستقبلية، وتقتصر اهتماماتهم على تحقيق اكبر المكاسب من خلال استثمار الانقسام الطائفي.

وفي خضم الخلاف العربي - الكردي على تقاسم ثروات البلاد وتحديد الصلاحيات، اختار مسعود البرزاني ان يجرب شق التحالف الشيعي من خلال حصر الخلاف مع دولة القانون وبالذات في نوري المالكي وحسين الشهرستاني. وأكد البرزاني في خطابه في العشرين من آذار ان "الشيعة اللذين نعرفهم هم من أتباع ومناصري الحكيم والصدر، وأنهم الذين وقفوا دائما الى جانب الكرد وساندوهم"، لافتا الى أن "الكرد بدورهم وقفوا الى جانبهم وساندوهم، وسنبقى دائماً الى جانب بعضنا البعض ومساندين بعضنا البعض ومتخندقين معاً أيضاً". وفي نفس الخطاب اوضح ان "الوقت قد حان لتوضيح الحقائق لشعب كردستان والعراقيين عموماً، كي يعرفوا الخلاف بيننا وبين بغداد"، مشيراً إلى أن النقطة الأولى تنصب على "خلافنا حول عدم وجود شراكة حقيقية بين العرب (شيعة أو سنة) والكرد، لأن هذا المفهوم أصبح عديم المعنى". 

لم يستفد البرزاني من درس تشكيل الحكومة المذكور، وجاءه الرد حاسما لا يقبل اي لبس؛التحالف الوطني ما زال يرفض تشطير الشيعة. وأعرب التحالف عن تفاجئه "بالتصريحات التي أطلقها مؤخراً رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني".

وردا على التشطير العربي جاءه رداً آخر اكثر بلاغة ووضوحا، حيث طالب رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي بعدم اضعاف الواردات الاتحادية لانها تصب في مصلحة الجميع، فاذا كان هنالك عجز فسينعكس سلبا على كل العراقيين، فيما اعتبر تهديد نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني بصلاحية الحكومة باستقطاع مستحقات إقليم كردستان على خلفية توقف صادراته النفطية "موضوعاً حكومياً". وقال النجيفي إن "الموازنة الاتحادية حددت رقماً معيناً للتصدير من قبل إقليم كردستان، ويتم ذلك بالتنسيق بين وزارة النفط العراقية وحكومة الإقليم"، داعياً لجنتي النزاهة والنفط والطاقة البرلمانيتين إلى "التحقيق سريعاً في كل ما قيل بشأن موضوع تهريب إلى إيران من أي جهة كانت وإعلام مجلس النواب بالنتائج".

اما النائب عمر الجبوري، فقد أكـَّدَ ان "العرب السنة في العراق ليسوا بحاجة لأن ينصب البعض نفسه وصيا عليهم من الزعماء المحليين أو العرب"، مبينا أن "القصد من إصرار البعض للذهاب في هذا الاتجاه هو تمزيق وحدة عرب العراق". وأضاف الجبوري أن "السنة ليسوا على استعداد لقبول أي عون غير نزيه هدفه إضعاف العراق إذا كانوا قلقين عليهم"، مستنكرا "تصريحات مسعود البارزاني التي أطلقها من أميركا وكذلك تصريحات بعض حكام الخليج العربي".  ودعا الجبوري، البارزاني إلى "الكف عن اعتقال واغتيال واختطاف مئات الشباب من العرب السنة في محافظات كركوك ونينوى وديالى وصلاح الدين، وأن لا تنفرد أجهزته الحزبية بالاستحواذ على السلطات الأمنية والإدارية في كركوك".

اما ايران، الغائب الحاضر في كل ازمات البلد، فمازالت حتى يومنا تسهل تهريب نفط الاقليم عبر اراضيها محققة من خلال ذلك اكبر المكاسب على حساب ثروة الشعب العراقي. ومازلنا بانتظار موقف حكومي واضح من هذا الاستغلال المرفوض والمُسْتَنْكَر.
هكذا تبدو الصورة اليوم، فهناك رابط عربي يأبى الاندثار رغم الصراع الطائفي المرير الذي يعم العراق والشرق الاوسط. ويلوح في الافق اجماع وطني على اسقاط مبدأ استمالة الكرد لاستخدامهم كسلاح في المعركة الطائفية المحتدمة بين الشيعة والسُنّة التي آن لها ان تضع اوزارها.


السبت، 7 أبريل 2012

"ما ينبغي أن يقال"



غونتر غراس

ما ينبغي ان يُقال

غونتر غراس




ترجمة فخرية صالح


لماذا اصمت، لقد صمتُ طويلا
عما هو واضح وماتمرست على محاكاته
باننا نحن الذين نجونا
في افضل الاحوال في النهاية
أننا الهوامش في أفضل الأحوال
انه الحق المزعوم بالضربة الاولى،
من قبل مقهور متنمر
 وابتهاج منظم يمكن توجيهه لمحو الشعب الايراني
لاشتباههم انه يصنع قنبلة نووية
لماذا امتنع عن تسمية ذلك البلد الآخر
الذي يمتلك ومنذ سنوات -رغم السرية المفروضة-
قدرات نووية متنامية لكن خارج نطاق المراقبة، لانه لايسمح باجراء الكشف عليها
التستر العام على هذه الحقيقة
 وصمتي جاء ضمنه
احسها ككذبة مرهقة لي
واجبار، ضمن عقوبة الرأي،
عندما يتم تجاهلها؛
الحكم بـ"معاداة السامية" المألوف
لكن الآن، وذلك لأن بلدي
ومن جرائمه التي تفرد بها
والتي لا يمكن مقارنتها
يطلب منه بين حين لآخر لاتخاذ موقف،
وتتحول الى مسألة تجارية محضة، حتى وان
 بشفة فطنة تعلن كتعويضات،
غواصة اخرى إلى إسرائيل
  يجب تسليمها، قدرتها
تكمن،بتوجيه الرؤوس المتفجرة المدمرة
 الى حيث لم يثبت وجود قنبلة ذرية واحدة ،
ولكن الخوف يأخذ مكان الدليل ،
أقول ما يجب أن يقال
ولكن لماذا حتى الان ؟
كما قلت، بلدي،
مرهون لعار لايمكن التسامح فيه
يمنع، هذا الواقع باعتباره حقيقة متميزة
أرض إسرائيل، وبها انا مرتبط
واريد ان ابقى هكذا
لماذا أقول الآن
شخت و قطرات حبر قليلة
ان اسرائيل القوة النووية تهدد
السلام العالمي الهش اصلا ؟
لأنه لا بد أنه يقال
وغدا سيكون الوقت متأخرا جدا
أيضا لأننا - كألمان مثقلون بما يكفي
لنكون موردين لما يعتبر جريمةُ
واضيف: لن اصمت بعد الان،
لاني سئمت من نفاق الغرب مثلما لدي الامل
بأن يتحرر الكثيرون من صمتهم
ويطالبوا المتسبب في الخطر المحدق
لنبذ العنف
بنفس الوقت اصر


على مراقبة دائمة وبدون عراقيل
للترسانة النووية الاسرائيلية
والمنشآت النووية الإيرانية
ما يجب أن يقال
من قبل هيئة دولية
أن يتم السماح بها من قبل البلدين
عندئذ فقط، الجميع الاسرائيليين والفلسطينيين
أكثر من ذلك، كل الذين يعيشون بجنون العداء
 مكدسين في مناطق متجاورة
بالنهاية سيساعدونا.
الذي يمكن التنبؤ به، سيكون تواطئنا
حينها لن تعود الاعذار المعتادة
كافية للتكفير عن الذنب.

الخميس، 5 أبريل 2012

العلاقة المتأزمة بين بغداد واربيل... اخر الدواء الكي







ادناه مقال كتبته قبل اكثر من ثلاث سنوات على صفحات موقع حوارات.
ورغم انقضاء تلك السنوات، الا اننا ما زلنا نعاني من نفس المشاكل، اي ان الحكومة لم تفلح في غلق اي من تلك الملفات والازمات، بل انها في تزايد وتعاظم واستفحال. ان ملفـّي الخدمات والقضية الكردية هما الملفان الاكبران اللذان لم تتوفق الحكومة في ايجاد ولو مدخل لحلهما.
واليوم، حيث تحتدم الازمة من جديد بين العرب والكرد، وهكذا يجب ان تكون التسمية لما يحصل. وعلينا ان لا نختصرها بعنوان فرعي  هو خلاف الاقليم والمركز، بدأت تتعالى الاصوات لفصل الاقليم عن المركز، وليس العكس. وهذا امر دعوت اليه في مقالي ادناه منذ اكثر من ثلاث سنوات. اعيد نشر المقال كما هو.


العلاقة المتأزمة بين بغداد واربيل... اخر الدواء الكي 



احمد هاشم الحبوبي
2008-11-11 
________________________________________
يمتاز العراق بانه اكثر بلدان العالم انتاجا للمشاكل المتفاقمة والمتفجرة والمتتالية. حيث ان الاحداث الجسام تتابع كتتابع الليل والنهار. فلو عملنا جردا بسيطا لما مر على عراقنا خلال النصف الثاني من هذه السنة سنكتشف جسامة الاحداث وخطورتها، والعجيب اننا نتجاوزها ونغادرها الى ازمة جديدة اشد هولا وخطورة وجسامة تكون قد ظهرت وغطت على سابقاتها، ولو مؤقتا. والان دعونا ندرج اهم تلك الازمات ونُسَمّي اطرافها.


أولاً : ازمة قانون المحافظات الاول الذي اقره مجلس النواب بالاغلبية ورفضته القائمة الكردية لعدم رضاها عن الفقرة المتعلقة بكركوك، فنقضها مجلس الرئاسة تبعا لذلك. بعد ان وصلت الامور بالقائمة الكردية الى التهديد بالانفصال والحرب وضم كركوك الى الاقليم فورا.


ثانياً : ضرب وباء الكوليرا اطنابه في العاصمة بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية بسبب تلوث مياه الشرب الواصلة الى المنازل، ولعدم وصول تلك المياه لمناطق اخرى اصلا. وقد ظهرت احصائيات ودراسات تحذر بان ملاييناً من الشعب العراقي لايحصلون على نعمة مياه شرب معقمة. وملاييناً اخرى لا تصلهم مياها اصلا. كل هذا يجري ولا احد يوجه أي اتهام او شكوى ضد الجهات البلدية المسؤولة في المدن او يشكو الوزير والوزارة.


ثالثاً : ازمة هيمنة ميليشيات الاحزاب الكردية على مدينة الموصل وعلى اقضية محافظة ديالى ( خانقين وغيرها) وامتداد نفوذها الى خارج منطقة الحكم الذاتي بشكل مخالف للدستور. ولازال الامر محل شد وجذب ولم ينته الى الان.


رابعا : تم سن قانون جديد ينظم انتخابات مجالس المحافظات، ولكن تم الغاء المادة 50 منه، الخاصة بحقوق الاقليات، بسبب رفض القائمة الكردية لبعض ما جاء فيها.


خامساً : نقل جزء من ملفات قوات الصحوات من الادارة الامريكية الى الادارة العراقية، وكان قد سبق ذلك حديث عن احتمال انهيار امني بسبب خطط متوقعة للحكومة لتصفية قوات الصحوات واعادتهم الى سوق البطالة وحرمانهم من مداخيلهم. ولكن الامور سارت على مايرام، وقوات الصحوة تعمل على اكمل وجه في تجانس تام مع الجيش والشرطة وهي بصدد الاندماج بهما.


سادسا : أُثيرَ موضوع المادة 50 من جديد نتيجة لاصرار الاقليات على تمثيلها في مجالس المحافظات. ولكنه اصطدم بصخرة الاصرار الكردي على فرض رؤيتهم في الموضوع، وكما يلي:


الشبك
يقول العراقيون الشبك ،الساكنون في اطراف مدينة الموصل، بأنّ لهم خصوصيتهم وانهم ليسوا كردا. في حين ان الاحزاب الكردية تصر على انهم اكراد وليس من حقهم ان يدّعوا الخصوصية، واذا ارادوا تمثيلا فليس امامهم سوى ان يتمثلوا ضمن اقرانهم الاخرين.


اليزيديون
يقول اليزيديون، الساكنون في شمال العراق ايضا، بانهم يريدون تمثيلا خاصا بهم مستقلا عن الاكراد، كونهم مكونا ذو طابع ديني خاص بهم فقط. وترفض الاحزاب الكردية هذا الطرح وتصر ان احقيتهم في التمثيل تنحصر ضمن القومية الكردية. فنشبت ازمة بين الطرفين اتهم خلالها شيخ اليزيديين قوات الامن الكردية بسجن كل افراد حمايته لسلبه القدرة على الانتقال من مكان الى اخر.


سابعا : تسليح الجيش العراق وقفت ادارة الاقليم موقفا سلبيا جدا من عزم بغداد شراء طائرات امريكية حديثة لتسليح الجيش باسلحة حديثة إسوة بجيوش الدول الاخرى التي على وجه الارض، وطلبوا ان يقدم العراق ضمانات بعدم استخدامها ضد المدنيين، متناسين بان رئيس اركان الجيش كردي وان هناك الكثير من الضباط الاكراد من ذوي الرتب العالية في مختلف دوائر الوزارة والوحدات العسكرية المنتشرة. ولكن الرئيس طالباني صرح قبل بضعة اسابيع بان من واجب الحكومة ان تسلح الجيش بافضل واحدث الاسلحة. وكأنّ مهمة الرئيس طالباني الرئيسية هي ترقيع شطحات الشيخ مسعود ورفاقه في ادارة الاقليم.


ثامنا : عجز وزارة الكهرباء عن تطوير ادائها متعللة باسباب ترددها منذ عام 2003 ، كنقص الوقود، والعمليات الارهابية، وعدم وجود شركات راغبة في سوق العراق.


ان مراجعة بسيطة للنقاط اعلاه تبين لنا انّ لدينا ازمتان هما الازمة الكردية والخدمات، وذلك بعد أن قلــّت العمليات الارهابية التي تضرب في البلاد وكُسِرَت شوكة الارهابيين، وانزاح شبح الحرب الاهلية الذي كان جاثما على انفاسنا ومستقبلنا. أي اننا استبدلنا كابوس الحرب الاهلية بكابوس العلاقة المتفجرة بالاقليم. وهنا تبرز معضلة احصائية... كيف لاقليم يتكون من ثلاث محافظات ( من اصل ثماني عشرة محافظة ) يشكل سكانها ما نسبته (13 - 17) بالمئة من عدد سكان العراق، كيف له ان يتسبب بأكثر من نصف مشاكل البلاد، لتنشغل السلطتان التنفيذية والتشريعية بها عن الامور المهمة والحساسة والستراتيجية الاخرى التي تهم (83 - 87) بالمئة من شعب العراق ، بل ان الكثير من الهموم يشترك بالأنين والمعاناة منها كل الشعب بعربه وكرده وتركمانه، كأزمة الكهرباء، وتردي الخدمات الصحية، وانتشار الاوبئة والامراض، وضعف الخدمات البلدية ونقص مياه الشرب وتلوثها، وازمة الابنية المدرسية، وانهيار قطاعي الزراعة والصناعة.


انّ ذلك امر يبعث على الريبة والشك، ويكشف ضعفا كبيرا في الادارة والقيادة والتخطيط. ودعونا نتساءل هل انّ المشاكل مع حزبي الرئيس طالباني والشيخ برزاني، هي فعلا بالضخامة والجسامة التي تظهر بها، ام يراد لها ان تبدو كذلك، للتغطية والتمويه على ضعف اداء الحكومة وعجزها عن التعاطي مع ما ذ ُكِرَ اعلاه؟.


واذا كانت المشاكل هي فعلا ً كذلك؛ فلماذا لا نهددهم نحن بالفصل بدلاً من ان يهددونا هم بالانفصال. لماذا لا نقول لهم ان لم تفعلوا كذا وكذا فاننا سنفصلكم عن العراق، ولن تكونوا معنا تحت خيمة العراق.


ان الشيخ مسعود والكثير من رفاقه يرددون بكرة واصيلا، بمناسبة وبدون مناسبة، عزمهم واصرارهم على الاستقلال، وانهم بانتظار التوقيت المناسب، وبعد قضم ما يمكن قضمه من الاراضي والامتيازات.


لماذا نترك بيدهم المبادرة ولانبادر نحن بتهديدهم : نحن من لا نريدكم وليس انتم فقط لا تريدوننا. ان مجرد عودة المسؤولين العاملين في بغداد الى الاقليم ( الدولة لاحقا ) سيشعل مشاكلا هناك لها أوّل وليس لها آخر.


علينا ان نغير من طريقة تفكيرنا اتجاه القضية الكردية والاحزاب الكردية، تماما كما يفعل الامريكان الان معنا، فهم يقولون لنا: اذا لم تفعلوا كذا وكذا فاننا تاركوكم وراحلون. أي انهم يتوعدوننا ويهددوننا بالرحيل. وسبحان مغير الاحوال.

ahabobi@yahoo.com

الناشر جريدة حوارات الالكترونية

الثلاثاء، 3 أبريل 2012

بغداد واربيل، فتش عن النفط


احتدم الخلاف بين الحكومة المركزية في بغداد وبين الحكومة المركزية المستقلة في اربيل، نعم نحن امام حكومتين، واحدة مستقلة تماما في اربيل، والاخرى يراد لها ان تكون اسيرة ارادة الاقليم الذي لا همّ لحكومته سوى تحقيق اكبر المنافع حتى لو كان ذلك على حساب بقية انحاء العراق الاخرى.

ابتدأت الازمة الاخيرة بعد ان وقفت حكومة بغداد بالضد من تعاقد اربيل مع شركة اكسون موبيل الامريكية للتنقيب عن النفط في اراضٍ تابعة رسميا لمحافظتي نينوى وكركوك، وأشدد على رسميا، فهذه المقاطعات هي عمليا تحت السيطرة الكردية الكاملة منذ العام 2003 دون ان يكون هناك دور لحكومتها المحلية او لبغداد سلطة عليها.

لقد اختارت بغداد ان تضع النقاط على الحروف فيما يخص الملف النفطي الذي يمثل عصب حياة العراقيين. وبما ان الاقليم يدير ملف العقود النفطية باستقلال وتعالٍ تامين، بدأت الحكومة بالضغط على شركة اكسون موبيل من خلال تهديدها بابعادها عن التنافس على الفرص الاستثمارية النفطية، الى ان اعلنت الشركة في السابع عشر من آذار عن تجميدها لعقدها مع الاقليم. ومن المؤمل ان لا يكون هذا التجميد مؤقتا من اجل إجازة دخول الشركة في جولة الاستثمارات النفطية التي ستجري في الشهر القادم، لتعود وتستأنف عقدها المُجَمـَّد من جديد.

اما الاجراء الثاني الذي أثار حفيظة اربيل فهو اعلان وزير النفط عبد الله لعيبي ان وزارته تدرس عروضا من شركات نفط عالمية، من بينها "بي بي" و"شلوموبيرغر"  لتطوير حقل نفط كركوك في شمال العراق. وتزامن ذلك مع اعلان شركة "هـريتيج" النفطية البريطانية عن بدئها بالحفر في شرق حقل ميران الاستكشافي الذي يقع غرب محافظة السليمانية بالقرب من محافظة كركوك. وأكدت الشركة أن أعمال حفر أخرى ستبدأ قريباً في أجزاء أخرى من الحقل الذي تبلغ مساحته اكثر من الف كيلومتر مربع.

ويرى نواب التحالف الكردستاني انّ اعلان وزير النفط لا يعدو عن "رسالة سياسية ذات مضمون سيء". واتهم النائب الثاني لرئيس مجلس النواب عارف طيفور بريطانيا بخلق الفتن والمشاكل في كركوك، مشددا على أن التعاقد في المناطق المتنازع عليها يعارض تنفيذ المادة 140 من الدستور. وطالب طيفور بإيقاف العقود لحين تنفيذ المادة 140 بشكل كامل، وعودة الحقوق للسكان الأصليين، مذكرا وزارة النفط بـ"وجود مناطق كثيرة في العراق مهيأة للتنقيب والبحث عن مصادر البترول والغازات والمعادن الطبيعية". وكان الاجدى به ان ينبه سلطة الاقليم ايضاً حين وقعت عقد للتنقيب عن النفط في اراضي محافظتي كركوك ونينوى. وعلى النائب طيفور ان يوضح لنا كيف أنّ شركات النفط البريطانية العاملة في كردستان مرحبٌ بها، في حين ان مثيلاتها العاملة في كركوك تبث الفتن والمشاكل. ان هذا الطرح المتناقض يؤشر ازدواجا فاضحا في المعايير.

اما عضو لجنة النفط والطاقة النائب عن التحالف الكردستاني فرهاد الأتروشي، فيرى أنّ هذه الخطوة تهدف الى الضغط على اقليم كردستان، لأن لحقول كركوك النفطية امتدادات مع حقول محافظة أربيل"، وأضاف أن "قضية الاعتراض على العقود النفطية في كركوك تتعلق بقضية كركوك والمناطق المتنازع عليها، والتي مع الأسف الشديد لم تنل الجدية المطلوبة، حيث تم التهاون مع المادة 140 من الدستور العراقي"، مبينا أن "هناك رسالة سياسية من وراء هذا العمل تقول بأن هذه المنطقة لن تعود الى اقليم كردستان، لتنتهي المادة 140 من الدستور عمليا". وعودة لاسلوب فرض الاملاءات، تساءَلَ عضو اللجنة النيابية "لماذا يتم التعاقد في هذه الظروف الحساسة، ولماذا تترك أراض وحقول أخرى ويتم التركيز على حقول كركوك؟". (المصدر: جريدة العالم الغراء، 06-03-2012)

هذان الحدثان النفطيان أديا الى تأزم العلاقة بين التحالف الوطني والتحالف الكردستاني، فخرج مسعود البرزاني يكيل اللعنات على الحكومة المركزية متهما اياها بالعجز والفشل. ولم يكتف بذلك حيث أُعْلـَنَـت سلطة الاقليم في الثاني من نيسان الحالي عن ايقافها تصدير النفط المستخرج من اراضي الاقليم حتى اشعار آخر، مشيرة الى أنه "من الآن فصاعداً، سيتم تحويل إنتاج النفط الخام إلى السوق المحلية لغرض معالجته وتكريره لتوليد [= تأمين] مصدر بديل للدفعات النقدية للشركات المنتجة". وهناك تقارير عالمية موثقة تؤكد ان سلطة الاقليم تبيع النفط في السوق السوداء بأسعار مخفضة. اما من هو المشتري فهما اثنين لا ثالث لهما؛ ايران بالدرجة الاساس وتركيا،  فحين يتعلق الامر بالمصالح والانتفاع المادي، تُرْكـَنُ المبادئ على الرف.

ان شركاءنا في الوطن يستكثرون علينا ان نشاركهم عائدات نفطهم، الا انهم لا يستحيفون بيعه بثمن بخس لإيران التي تعيد بيعه بسعره يقل قليلا عن سعره العالمي الى افغانستان وغيرها.

تؤكد سلطة الاقليم بأن واردات النفط المُصَدَّر من الاقليم تعود بالنهاية الى خزينة الدولة المركزية، لهذا تستهجن رفض بغداد لتعاقداتها مع الشركات الاجنبية. الا ان وزارة النفط تقول ان عقود كردستان تشوبها المحاباة للشركات التي يتم التعاقد معها. اذا كانت واردات النفط تؤول بالنهاية للخزينة المركزية، فلماذا تستكثر سلطة الاقليم على بغداد المشاركة في ابرام العقود، يبدو انه هوس السلطة والاستحواذ لا غير.

ان النزعة الاستقلالية الكردية المتعاظمة باتت مصحوبة بنفس عدائي جدا تجاه العرب، فادارة الاقليم تسعى حثيثا من اجل افضل العلاقات مع الجارين التركي والايراني، الا انها [الادارة] ليست مكترثة ابداً بالجار العربي الذي لا يقل اهمية ابدا عن الجارين الآخَرَيـْن كما تقول حقائق الجغرافيا.

ahabobi@yahoo.com

أما آن الأوان يا قادة الأمن







   ناشدنا وحللنا وانتقدنا واقترحنا، ولكن دون جدوى، فالوضع الأمني من سيء الى أسوأ خاصة بعد اكتمال الانسحاب الامريكي من الاراضي العراقية. واقتصرنا في توجيه جام غضبنا على السلطة السياسية التي اختارت المنطقة الخضراء ملاذا آمنا لها واكتفت بالتنديد والشجب وكأنّ الاعتداءات تحصل في دولة مجاورة. ولكننا نهمل أحد أهم أركان المواجهة مع الارهاب ألا وهو الامكانيات الفنية والعقيدة العسكرية التي يتبناها القادة الأمنيون في هذه المواجهة الشرسة.


   يقتصر رد الفعل الأمني على تشديد السيطرات والمزيد من الاعتقالات دون اي اثر ايجابي ملموس. وهذا الضغط الهائل على حركة الناس يضرب بآثاره على مجمل النشاط الاقتصادي والانساني، وكأنّ القائمين على ملف الأمن ليس بيدهم من حل عملي سوى تعطيل الحياة، وهو ما يسعى تنظيم القاعدة لتحقيقه من اجل تأزيم الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية للغالبية الساحقة من الشعب.


   ان وجود السيطرات امر حيوي ومهم لتثبيت الأمن ولنا ان نتخيل كيف ستكون الحالة الأمنية دون انتشار شرطتنا وجنودنا وضباطنا الشجعان اللذين يبسطون الأمن في الشوارع ويتقاسمون الموت اليومي مع ابناء الشعب على يد الارهاب اللعين. الا ان وجود السيطرات لا يمكن ان يقضي على الارهاب.


   يكاد لا يمر يوم دون ان نسمع عن القاء القبض على زعيم من زعماء تنظيم القاعدة بين قيادي أو والٍ أو وزير، وكذلك الحال مع اكداس العتاد والاحزمة الناسفة. ولست ادري كيف يريد قادة الأمن ان نصدق بهم.


   حين اعلن الامريكيون عن مقتل ابو عمر البغدادي من خلال عملية مشتركة مع القوات العراقية في التاسع عشر من نيسان 2010، خرج علينا المتحدث باسم عمليات بغداد قاسم عطا ونفى هذا النبأ بشدة واعتبره اشاعة يراد بها "التضليل على المنجز الأمني الذي تحقق خلال السنوات الماضية"، وأكـّدَ ان ابا عمر البغدادي معتقل لدى القوات الأمنية منذ [29-04-2009] وعرضت اعترافاته امام جميع وسائل الاعلام"، مشيرا الى أن "الاعترافات التي ادلى بها البغدادي قادت الى اعتقال العديد من عناصر تنظيم القاعدة خلال الايام الماضية". إلا ان تحليلات الحامض النووي التي اجريت على الجثة اثبتت انها تعود للبغدادي، كما اكد رئيس الوزراء مقتله في مؤتمر صحفي مشيراً الى ان جهود استخبارية قادت الى معرفة مكان البغدادي ومن ثم القيام بالعملية. انني هنا لا احاول تبرئة احد، ولكنني اتساءل عن مصير الرجل الذي اعترف انه ابو عمر البغدادي وبقي بحوزة القوات الامنية لعام كامل تقريبا ومصير من اعترف عليهم.


وحين حصل انفجار خارج مجلس النواب في الثامن والعشرين من تشرين الثاني العام الماضي تمكن القادة الامنيون ان يحرفوا ذهن وتفكير القادة السياسيون وادخلوهم في جدال من منهم كان مستهدفا، حيث انبرى اللواء قاسم عطا المتحدث باسم عمليات بغداد بالتاكيد على ان المستهدف كان رئيس الوزراء نوري المالكي. وردّ آخرون انما المستهدف هو رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي. وبقي السجال دائرا بين الطرفين لأكثر من شهر بعد الحادث. ولا يخفى البعد الطائفي في تحديد هوية "القائد الضحية". ومن المثير للسخرية اننا لم نلحظ نفس الاندفاع لدى أولئك الثرثارون لتحديد هوية الجـُناة واعتقالهم. وهذا ضحك على الذقون وهروب من المسؤولية. كل هذا لم يمنع القيادة العسكرية من ترفيع قاسم عطا ومنحه رتبة فريق وتوليته مسؤولية اعلى تتناسب ورتبته الجديدة. وكشفت لجنة الأمن والدفاع النيابية ان العراق فيه مائتي ضابط برتبة فريق.


   ونسمع يوميا ومنذ سنوات عن اعتقال عشرات المشتبه بهم وزجهم في السجون التي اكتظت بهم، وبعد فترة اعتقال طويلة ومريرة تثبت براءة اغلبهم، ليخضع بعدها بعض هؤلاء الأبـرياء لابتزاز دنيء حيث يأبى سجانوهم الافراج عنهم دون ان يدفعوا مبالغ ضخمة جدا. وهذا فساد متوقع اذا صحَّ ما نسمعه ان المناصب الأمنية والعسكرية يتم بيعها وشراءها داخل تلكما المؤسستان، فما الذي نرتجيه من قائد عسكري اشترى منصبه بالمال، وآخر يبيع المناصب بالمال. اي أمانة وعفة تـرتجيان من مثل هؤلاء اللذين ادمنوا تعاطي الرشوة وبيع الولاء مقابل ثمن دنيوي بخس. لقد اعلن نوري المالكي عن تورط اربعة ضباط امنيين في تفجيرات 22-12-2011، وطبعا لم تعلن التفاصيل الى يومنا هذا.


   رُوِيَ أنّ الفضيل بن عياض (725 – 803 م) كان شاطرا [= خبيثا فاجرا] وقاطع طريق قبل ان يتوب ويصبح احد اعلام التصوف في القرن الثاني الهجري. وكان سبب توبته أنه عشق جارية فبينما هو يرتقى الجدران إليها سمع تاليا يتلو " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله..." [سورة الحديد: 16] قال: يارب قد آن. وتاب من يومها. ومن اقواله الرائعة: "لو أن لى دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان قيل له: يا أبا علي فسر لنا هذا، قال: "إذا جعلتها في نفسى لم تعدني، وإذا جعلتها في السلطان صلح فصلح بصلاحه العباد والبلاد". وحين سأله الخليفة العباسي هارون الرشيد النصيحة قال له: "يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل، وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك".
ان دماء الابرياء ومصائر توابعهم ذمة في رقابكم، والوضع ابدا ليس تحت السيطرة كما ترددون.
ahabobi@yahoo.com

الجمهورية الوراثية تُبْعَثُ من جديد في العراق


احمد هاشم الحبوبي
   بدأَ مصطلحُ "الجمهورية الوراثية" يطرق اسماعنا مع بداية تسويق الرئيس السوري بشار الأسد وريثا لأبيه بعد ان بدأت مظاهر الوهن تظهر على الأخير. حينها وُجِّهَت انتقادات قاسية للرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك استنكارا لمباركته عملية التوريث تلك عبر استقباله لبشار في قصر الاليزيه رغم ان الاخير لم يكن يحمل اية صفة رسمية.

   ولم يتوقف التوريث عند بشار، فبمجرد ان حازت المحاولة السورية قبول الدول الكبرى وطبعا الاقليمية، انطلق معظم الرؤساء العرب في تهيئة ابنائهم لخلافتهم، ابتداءا من صدام حسين ومرورا بعلي عبد الله صالح ومعمر القذافي وانتهاءا بحسني مبارك. وكانت هذه التوريثات ستتم كما خُطـِّطَ لها لولا سقوط صدام حسين المدوّي على يد الاميركان وتهاوي الباقين بإرادة الشعب العربي في تلك البلدان. ويوحي مجرى الاحداث انّ الحالة السورية هي اول وآخر المحاولات، فمنها كانت البداية، وفيها تقررت نهاية تلك المهزلة من خلال دستورها الجديد الذي منع رئيس سوريا القادم من تولي سدة الرئاسة اكثر من فترتين انتخابيتين. وبغض النظر عما ستؤول اليه الاحداث في سوريا، فانّ هذه الفترة لن تتغير ابدا.

   يحدث في العراق الآن اعادة انتاج للجمهورية الوراثية، وبالذات في الجزء الكردي من الوطن ليزحف تأثير هذا التوريث الى بغداد. ويتم ذلك باتجاهين؛ الاول ان شاغل المنصب يبقى فيه اطول فترة ممكنة، واذا استوجب استبداله فيكون من نفس الحزب الكردي، فجلال طالباني اختير كرئيس للجمهورية منذ الفترة الانتقالية الى يومنا هذا. وكذلك الحال مع وزير الخارجية هوشيار زيباري ورئيس اركان الجيش بابكر زيباري اللذان ما زالا في نفس عنوانهما الوظيفيين منذ عهد الحاكم المدني الامريكي بول بريمر في العام 2003. وحين تعرض الرئيس طالباني لوعكة صحية قبل بضعة سنوات؛ بدأ الكرد بتسويق بدائل اكراد كان ابرزهم برهم صالح الذي هو من نفس حزب جلال. ان ما حاول الكرد ايصاله للاكثرية العربية الساحقة الممزقة طائفيا، ان منصب رئاسة الجمهورية بات حقا مكتسبا لهم غير قابل للتفاوض وانهم ليسوا بوارد التنازل عنه ابدا.

   اما مسعود بارزاني، رئيس اقليم كردستان، فيبدو انه سيبقى رئيسا للاقليم حتى الرمق الاخير، استلهاما لروح الجمهورية الوراثية التي كانت سائدة في الشرق الاوسط والوطن العربي، وسيكون بديله اما ولده مسرور او ابن اخيه وزوج ابنته نجيرفان. والعذر هو نفس العذر الذي سمعناه ممن سبقوا مسعودا في هذا الدرب؛ "دفاعا عن القضية المركزية". ولكن وفقا لفهم العائلة الحاكمة فالقضية المركزية مستحيلة التحقق بدون الأب او الإبن او ابن الأخ ممن تسري فيهم دماء "القائد الضرورة".

   وحين جاءت انتخابات سنة 2010 بحصيلة مدوية للقائمة العراقية بواحد وتسعين نائبا، نادى بعض رموز القائمة العراقية بحق العرب في تبوأ منصب الرئاسة ووزارة الخارجية اللذان صارا منصبين حصريين للكرد. ولولا اخفاق التحالف الوطني والقائمة العراقية في التوافق السريع والودي على شخص رئيس الوزراء، لتحـَقَّقَ ذلك للعراقيين ولانقلبت المعادلة التي يريد الكرد فرضها على العملية السياسية الى الابد، ولَفُسِحَ المجال لتبادل المناصب بين مكونات الشعب بشكل متحضِّر ونأينا بأنفسنا عن استنساخ التجربة اللبنانية التي اثبتت الايام فشلها.
   على عكس ما يحصل في كردستان العراق التي يتناوب شخصان فقط على رئاسة حكومتها هما نجيرفان بارزاني وبرهم صالح، تتزايد الدعوات في بغداد منذ مدة لضرورة عدم تولي رئيس الوزراء نوري المالكي رئاسة الحكومة لمرة ثالثة على الرغم من عدم وجود ما يمنع ذلك دستوريا او قانونيا، بل وهناك دعوات لتشريع قانون يمنع حدوث ذلك مستقبلا لتجنب مخاطر استمرار تولي شخص بعينه رأسَ السلطة لفترة طويلة. ومثل هكذا مخاوف حصلت في بريطانيا حين فاز حزب العمال تحت زعامة توني بلير برئاسة الحكومة للمرة الثالثة على التوالي، حيث تعالت المطالبات، وبالذات من داخل حزب العمال لتنحّي بلير عن سدة رئاسة الحكومة. فإذا كانت دولة كبريطانيا التي تتنفس الديمقراطية حتى مع الهواء، لديها هكذا محاذير، فمن باب اولى ان تكون مخاوفنا نحن مضاعفة. وهو مفهوم نريد له ان يستمر ويترسخ لنضمن التداول السلمي للسلطة. ولكن اصرار الكرد على احتكار مواقع حكومية بعينها سيضع كل التجربة العراقية في مهب الريح.

   ان الحالة الكردية لا تفرض ان يكون شاغل المنصب كرديا فحسب، بل انهم يحددونه بالإسم ايضا دون ان يتركوا اي خيار للطرف الاخر، مما سيجعل العملية السياسية عاجزة عن انتاج اجيال جديدة كفوءة قادرة على ادارة الدولة. وهذا بالضبط ما عانينا منه تحت حكم العسكر وحكم صدام حسين. اما لماذا تقبل الاغلبية العربية الساحقة بذلك، فالجواب هو العامل الطائفي.

ahabobi@yahoo.com

السيارات المصفحة..لا أشْبَعَ اللهُ بطونكم



   اخطر الجلسات واشقاها هي تلك التي تعقد خلف الكواليس والابواب الموصدة، بعيدا عن اعين الشعب واجهزة الاعلام، فكواليس اربيل انتجت لنا اتفاقية اربيل التي ما زالت تفاصيلها محجوبة عنا بعدَ ان تعاهد موقعوها على ابقائها طي الكتمان، رغم ما هم عليه من تناحر وتباغض. وكذلك حال مجلس نوابنا، فجلساته السرية  عادة ما تقتصر على اقرار امتيازات شخصية للنواب،  وهي تترافق اما مع اقرار الميزانية، او مع اقتراب الدورة النيابية من نهايتها، ونذكر جيدا كيف ان المجلس السابق قرر اسقاط سلفة المائة مليون دينار التي كانت بذمة النواب والتي اقترضوها بحجة شراء سيارات مصفحة ايضا. واذا ما علمنا ان اكثر من مائة وخمسين نائبا اعيد انتخابهم للدورة الحالية، فإن هذا يعني ان هؤلاء على الاقل لا يستحقون ان تشتري لهم الدولة سيارات جديدة طالما انهم قبضوا اثمانها منذ الدورة السابقة. وربما سيعيدون الكـَرّة ويصوتون على تمليك انفسهم السيارات الجديدة في نهاية هذه الدورة.

   عمّت الشارع موجة غضب عارم ازاء تجاهل النواب لحاجات اساسية يفتقدها العاجزون والعاطلون عن العمل من ابناء شعبنا، مما حول الفضيحة الى كرة من نار يتسابق الجميع على رميها بعيدا عنهم، حيث صرحت النائبة عن دولة القانون انتصار الغريباوي "ان تمرير المقترح كان بتصويت كتلتين كبيرتين" ملمِّحَة نحو التحالف الكردستاني والقائمة العراقية. الا ان النائبة عتاب الدوري ادعت ان الاقتراح قُـدِّم من قبل هيئة رئاسة المجلس.

    واكد مؤيد الطيب من التحالف الكردستاني انه "لم يكن هناك اي توجيه من كتلة معينة للتصويت على فقرة السيارات المصفحة من عدمه فالأمر ترك لقناعة النواب". واصاب رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي كبد الحقيقة حين طالَبَ البرلمانيين بالتخلي عن السيارات المصفحة، ودعا إلى تأجيل تنفيذ قرار شرائها إلى وقت "يكون الشعب فيه أكثر تفهما لعمل البرلمانيين الشاق". وأكد رئيس مجلس النواب أن "موضوع السيارات المصفحة يوسع الفجوة بين الشعب وممثليه، ويستفز الفقراء والمحتاجين والمرضى والعاطلين عن العمل والأيتام والذين لا يهنؤون بعشاء إذا ما تحصلوا على الغداء في بلد النفط"، مشيرا إلى أن "هناك تحفظ من قبل الرأي العام إزاء ما يعتبرونه فائضاً من رفاه يتمتع به النواب". اظن ان على مجلس النواب ان ينتظر طويلا حتى يلمس الشعب ولو انجازا واحدا لمجلسه العتيد المنشغل عنه بتعزيز امتيازاته.

    ولابد من الاشارة لرفض كتلة المواطن للصفقة وامتناع كل اعضائها عن التصويت لها، حيث طالبَ النائب باقر جبر الزبيدي رئيس كتلة المواطن، بعرض الجلسة السرية على الشعب لانهاء المزايدات. وقدم علاجا عمليا حين بيّنَ ان "هناك امكانية لنقض القانون والغاء التصويت الخاص به ومناقلة الاموال التي خصصت للسيارات المصفحة  للفقراء والمحرومين". واضاف الزبيدي: "اننا في كتلة المواطن لم نصوت ومازلنا عند رأينا بمناقلة اموالها لأبواب اكثر اهمية مع اننا نعلم ان النواب ليسوا وحدهم من يستخدم السيارات المصفحة.

    اما التيار الصدري، فلم نسمع لأي من نوابه موقفا واضحا وقويا الا بعد ان انبرى السيد مقتدى الصدر بنفسه عبر توجيه اشد عبارات الشجب والتنديد بالنواب اللذين صوتوا لصالح القانون المذكور، وهو من القلائل اللذين ينددون بالفساد بلغة واضحة لا تقبل اللبس.

   كل هذا لم يمنع نواب اخرين من الدفاع عن اقرار القانون واتهموا معارضيه بمحاولة تحقيق مكاسب انتخابية ليس الا، حيث انتقد النائب (من دولة القانون) هيثم الجبوري الكتل السياسية التي انتقدت التصويت على الصفقة وقال: "ان البرلماني مطالب ان يكون له دور رقابي، وان يقوم بالكشف على ملفات الفساد وبالتالي سيكون نقطة استهداف للعديد من المتآمرين والتنظيمات الارهابية"، واشار الى "ان هذه الهجمة على اعضاء مجلس النواب هي هجمة مقصودة من اجل تقليل الثقة الموجودة ما بين المواطن العراقي والنائب ، وهي تشويه لعمل مجلس النواب من قبل بعض المندسين في العملية السياسية لاضعاف السياسة في البلاد". وهيثم الجبوري هو نفسه من دافع عن اقرار رواتب للنواب اعلى من رواتب الوزراء حين شُرِّعَ قانون رواتب الرئاسات الثلاث. اما النائب جواد البزوني فقد اكد ان "اعضاء مجلس النواب صوتوا على فقرة السيارات المصفحة بكل قناعة و لا اعتقد ان هناك الغاء لاي قرار اتخذ تحت قبة البرلمان".

   وافادت مستشارة رئيس الوزراء مريم الريس ان "موضوع تخصيص مبالغ ضمن الموازنة لشراء سيارات مصفحة لاعضاء مجلس النواب لاقى تضخيما اعلاميا وكأنه سابقة خطيرة غير موجودة في دول العالم". نعم يا حضرة المستشارة، ان ذلك سابقة خطيرة ان يجري تخصيص سيارات للنواب بخمسين مليون دولار في بلد لا يخلو اي من تقاطعاته من حشد من المتسولين والشباب اللذين امتهنوا بيع السكائر وقناني الماء وكارتات الهاتف النقال بسبب توقف عجلة الانتاج في البلد، ولا ادري اين سيذهب هؤلاء اذا ما استتب الأمن يوما وأُلـْغِيَت السيطرات.

   لست ادري بأي حق ساوى النواب بينهم وبين الوزراء في الحقوق رغم الفارق الكبير في الواجبات بين الطرفين، فالوزير يعمل طوال السنة، بينما النائب يعمل اقل من نصفها، والباقي اجازات وعطل يقضيها اكثر من نصف النواب خارج العراق. ان قانون المساواة بين النائب والوزير حَوَّل مجلس النواب من جهة رقابية على السلطة التنفيذية الى موسسة ربحية تحاول تأمين مصالح اعضائها.

   كلما طفت على السطح فضيحة فساد، اتذكرُ معاويةَ بن ابي سفيان المُفْسِد الاكبر في التاريخ العربي والعالمي والذي لم تنتهي خسته وطمعه ونهمه عند حد، ذلك النهم الذي جعله يرفض تلبية نداء النبي محمد ثلاث مرات بدعوى انشغاله بتناول الطعام، مما حدى بالنبي ان يدعو عليه ويقول: ‘‘لا اشبع الله بطنه‘‘، فما شبع معاوية بعدها ابدا، وكان يقول "والله ما أترك الطعام شبعاً وإنما أتركـه إعيـاء". وبعض نوابنا ليسوا اقل طمعا من الانتهازي معاوية، بل ربما أدهى منه، إلا انهم ليس لهم ما كان له من سلطان.

ahabobi@yahoo.com

خوازيق كردستان وردود الموصل الخجولة



تحرص ادارة اقليم كردستان على تحقيق اكبر المكاسب الممكنة حتى لو كانت على حساب المحافظات الاخرى او حتى على حساب الوطن. وقد حقق الاقليم النجاح تلو النجاح في هذا المجال من خلال استغلال تداعيات الخصام الشيعي-السني المتعاظم فالكرد يعون جيدا مدى اهمية مقاعدهم السبعة وخمسين في مجلس النواب لضمان استمرارية بقاء الحكومة المركزية ومع ان التحالف الوطني يملك ما يكفي من المقاعد النيابية اللازمة لضمان بقاء الحكومة الا ان الخلافات الشيعية-الشيعية تجعل وحدة هذه الكتلة الضخمة في مهب الريح خاصة في الاوقات العصيبة.


وكان اختيار ادارة الاقليم لشركة اكسون موبيل الامريكية للتنقيب على النفط في اراضٍ عائدة لمحافظة نينوى كان ضربة معلم فالحكومة المركزية لن تعكر مزاج الولايات المتحدة وهي بصدد اتمام المراحل النهائية للانسحاب من العراق ولا يخفى على احد الترابط الستراتيجي بين السلطة ومراكز القرار من جهة وشركات النفط الكبرى من جهة اخرى في الولايات المتحدة.




أَمام ضربة المعلم الكردية هذه نشْهَدُ انكفاءا وصمتا موصليا ليسا معهودين فقد اعترض بعض النواب والمسؤولين الموصليين باعلان اعتراضهم واحتجاجهم على التصرف الكردي المنفرد من باب اخلاء الذمة ليس الا. وانتهى كل شيء واستمر الحال على ما هو عليه.




ان الردود الموصلية الهزيلة تبعث على الحيرة والاستغراب فهذا امر لم نعهده لا عند محافظ نينوى ولا رئيس مجلس النواب العراقي اللذان كانا بمنتهى الكرم والافاضة حين اعلن مجلس محافظة صلاح الدين عن نيته تشكيل اقليم خاص به منذ بضعة اسابيع ولم يمر يوم دون ان نسمع لأحدهما تعليقا او نشاطا مساندا لخيارات محافظة صلاح الدين. ولكن تعاقد اقليم كردستان على حفر ابار نفط داخل حدود نينوى من دون الرجوع لحكومتها المحلية لم يحفز هذين السيدين على الرد بالقوة والوضوح اللازمين على ذلك رغم انه يقع في صلب اختصاصهما وربما هما بصدد بلورة موقف مشترك ليعلنا ردود افعالهما على الملأ او انهما يريدان استثمار نصف الصمت الحكومي على تجاوزات كردستان على حدود نينوى بتأكيد جدوى تأسيس الاقليم السني الذي سيجد له اكثر من حارس وراع في المنطقة التي تعيد رسم خارطتها الجيوبولوتيكية اعتمادا على العامل الطائفي حصراً.




حين أعلن مجلس محافظة صلاح الدين رغبته بتأسيس اقليم خاص بالمحافظة تولى رئيس الوزراء نوري المالكي بنفسه حملة مضادة واعتبر مشروع الاقليم خطرا كبيرا يهدد الوحدة الوطنية وتعهد باسقاطه والوقوف بوجهه علنا رغم ان مطلب صلاح الدين لا تشوبه مخالفة دستورية او قانونية. ولكن حين ابرم اقليم كردستان عقدا مع شركة نفط اجنبية للتنقيب عن النفط في اراضي الاقليم ونينوى دون الرجوع للحكومة المركزية في تجاوز واضح على المادتين 111و 112 من الدستور اللتان تؤكدان على ان النفط والغاز هو [= هما] ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم وعلى ان تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة معاً برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق أعلى منفعةٍ للشعب العراقي معتمدةً احدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار فإنَ رئيس الوزراء لم يرى في ذلك خطرا على الوحدة الوطنية والاستقرار الاقتصاد الوطني الذي يعتمد بشكل شبه كلي على النفط.
ان هكذا مواقف متباينة ازاء قضايا وطنية كبرى تشي عن ازدواج في معايير الحكومة المركزية الى الحد الذي قد يعزز وجهة النظر التي ترى ان الحكومة تحابي الاقليم [= الاكراد] بالضد من نينوى [= السنيين]. ان محاباة الحكومة المركزية لادارة كردستان قناعة باتت تترسخ يوما بعد يوم لدى الشيعة ايضا فالمحافظات الشيعية لم تعد تقبل التغاضي عن حصول اقليم كردستان على حصة الاسد من الواردات السنوية بحجة تعويضه عن مظلوميته في العهد السابق وكأنّ مظلومية الجنوب العراقي كانت اقل عن تلك التي في شماله. وبات الجنوبيون يتساءلون بصوت عال متى تلتفت الحكومة لمظلوميتهم.




وعلى عكس كل الازمات الداخلية فإنّ تحالف العراقية ترك حل ازمة خوازيق كردستان على عاتق الحكومة المنشغلة بالانسحاب الاميركي. الا ان رئيس الوزراء أوضح ان العقد فيه مخالفة قانونية وبالتالي هو غير ساري المفعول حتى تعود الشركة الى المفاوضات مع وزارة النفط مع حضور ممثل اقليم كردستان عندها سيكون من الممكن معالجة المشكلة واضاف ان الشركة على ما اعتقد هي التي جمدت مشروعها في كردستان ونحن نحاول ان نجد حلا للمشكلة. ثم افاد المالكي بأنه تم عقد اجتماع مع ممثلي الشركة في واشنطن وأنهم وعدوا بأن يراجعوا قرارهم. علما انّ الشركة تنتج 370 الف برميل يوميا في حقل غرب القرنة في الجنوب الذي تبلغ احتياطياته 8 ... 7 مليار برميل بموجب عقد خدمة وليس عقد شراكة كما يفعل الاقليم في تعاقداته. اي ان الحكومة قادرة [الى حد ما] على التأثير على قرار اكسون موبيل ولكنها عاجزة عن التأثير على ادارة الاقليم الذي يحرص كل الحرص على اظهار اقصى درجات عدم الاكتراث بالحكومة المركزية.




منذ ان تولى نائب رئيس الوزراء السيد حسين الشهرستاني ملف النفط منذ خمس سنوات وهو يواجه بمفرده الخطوات الانفرادية التي يتخذها الاكراد في القطاع النفطي. وهم يردون عليه بأقسى الردود ويهملون كل مطالباته. واذا اشتدت عليهم الامور يشنّون حملة اعلامية يهددون فيها الحكومة بالويل والثبور ثم يبعثون وفدا الى بغداد ليعود منها حاصلا على موافقة الحكومة المركزية على كل ما يريدون. الا ان كل ذلك لم ولن يفك في عضد السيد الشهرستاني الذي لم يَحـِدْ يوما ولم يـُحابي على مصلحة الوطن العليا رغم التسويات التي تجري في الكواليس. وقد انضم اليه اخيرا وزير النفط العراقي السيد عبد الكريم لعيبي الذي دعا الكرد الى ان يحددوا ما اذا كانوا يريدون ان يبقوا جزءا من العراق او ان يتحولوا الى دولة مستقلة على خلفية عقود النفط الموقعة من قبل الحكومة المحلية في اقليم كردستان. وأضاف أن الموضوع مرتبط بالنهاية بقرار الاقليم الاستراتيجي ان يبقى جزءاً من العراق او قراره ان يكون دولة مستقلة وهذا حق لهم اذا كان هذا خيارهم ولكن ليكونوا واضحين هل هم بصدد اقامة دولة الآن؟”. جريدة المشرق 11-12-2011.




ان الصمت المريب على هكذا وضعية مشوهة يوحي بشبه اجماع سياسي واعلامي على تجنب اغضاب البعبع الكردي. وأود ان أُذكـِّرَ الصامتين بأن النفط اذا ما سرى في عروق الشركات الامريكية فلا قِبَـلَ لأحد في منع سريانه في قادم الايام. ولكن الامل ما زال يحدوني بأن يسري نفطنا بشروط عراقية طالما لدينا مسؤولين ذوي عزم وبأس كحسين الشهرستاني وعبد الكريم لعيبي اللذين أدعو لهما بالتوفيق.

زمن حيدر الملا



اعتادت وسائل اعلامنا عند نشرها لتصريحات النواب والسياسيين، على اعتبارها تصريحات تمثل رأي كتلهـِم التي ينتمون اليها بغـَضِّ النظر عمّا إذا كان ما أدلى به النائب يمثل وجهة نظره الشخصية أو أن تصريحه يُعَـبِّرُ فعلا عن رأي القائمة التي ينتمي إليها. ولوسائل اعلامنا كل الحق في ان تقع في مثل هذا اللبس، فبعض نوابنا ممن له صفة رسمية كمتحدث بإسم كتله، يخلط احيانا بين وجهة نظره الشخصية وبين رأي كتلته دون ان ينوه عن ذلك بجلاء، او انه يعاني من سَلـَسِ التصريحات بحيث انه لا يترك أية شاردة او واردة دون ان يدمغها بتصريح رنان في اغلب الاحيان طالما انه يعتبر نفسه شخصا موسوعيا عالما في كل المجالات.

كل ما ذكرته اعلاه، اراه ينطبق على النائب حيدر الملا، المتحدث الرسمي باسم القائمة العراقية، اضافة الى انه ممن يرون الدنيا باللونين الأبيض والأسود فحسب، ولا قضية تهمه ولا رسالة له في دورته النيابية هذه سوى التهجم على رئيس الوزراء نوري المالكي و"دولة القانون"، وعلى ذلك تتمحور كل تصريحاته، وهو يطال آخرين ايضا طالما بقي "معطاءا" في تصريحاته.

الا ان عداء نائبنا الهمام مع المالكي اقدم من كل عداواته، بل واكثرها رسوخا ودواما، وهذا امر ليس لأحد ان يلومه عليه، فهو شأنه، لكن ما يلام عليه هو هبوطه بلغة التخاطب الى مستوى غير لائق، متناسيا انه حتى للخلاف هناك اداب واصول تحكمه، وهو امر لم يحرص السيد الملا عليه ابدا، فمرة يقول أن "على المالكي أن يدرك أنه لولا الإرادة الدولية التي غيرت النظام السابق لما انتقل من حارات السيدة زينب في دمشق إلى رئاسة الحكومة في بغداد" [ بتاريخ 30-04-2010، اي قبل ان يصبح متحدثا "للعراقية" ]، ثم يعود ويتهم المالكي بدعم الحكومة السورية حاليا لأنه "يخشى من خسارة حليف استراتيجي، في حال تغيير النظام في سوريا، إلا أنه لا يستطع التعبير عن خشيته بصراحة"، مشيرا إلى أن "النظام السوري وباتفاق مع إيران قد دعما للمالكي لتوليه الولاية الثانية".  [السومرية نيوز 21-08-2011].

 اما اكثر تصريحات الملا اثارة للاستهجان، فهو تعليقه على عدم تصويت مجلس النواب لصالح سحب الثقة من مفوضية الانتخابات، حيث افاد بأنّ "إرادة العراقية وزعيمها أياد علاوي انتصرت على إرادة المالكي وائتلاف دولة القانون عندما صوت البرلمان، اليوم، برفض سحب الثقة عن المفوضية العليا للانتخابات". [السومرية نيوز 28-07-2011]. وهذا امر يعزز ما ذهبت اليه من أن الملا لا همّ له في هذه الدنيا سوى مناكفة المالكي وشخصنة الامور، وهذا تبسيط للاحداث الى حد السفاهة.

وأود أن أُذَكـِّرَ بتصريح الملا الذي ردّ به على النائب باقر الزبيدي الذي انتقد اداء "العراقية" اثناء السجال على منصب رئاسة الوزراء، فقد رجـَّحَ الملا ان الزبيدي "يعاني أزمة داخلية دعته إلى مثل هذا التصريح". وأضاف أن "المتتبع لمسيرة الزبيدي الذي كان على هرم وزارات الإسكان والمالية والداخلية يدرك أن هناك صدمة يعاني منها لعدم استيزاره أية وزارة في الحكومة الحالية". [جريدة المشرق 18-10-2011]. ان هذا الرد وما سبقه من ردود يظهر لنا ان النائب حيدر الملا ما زال اسيراً لمفردات وعقلية دراسته الابتدائية، ولا توجد اية اشارة توحي بأنه بصدد مغادرة سلوكيات تلك الحقبة المبكرة من حياته التي لا تتناسب ابدا مع موقعه الحالي.

ولم تتدخل القائمة العراقية للـَجْمِ حيدر الملا إلا مرة واحدة حين شحذ لسانه وتوجه بالسباب والشتائم نحو الكويت، فحينها أعلن قادة "العراقية" براءتهم من تصريحه ذاك واكدوا انه لا يمثل وجهة نظرهم، وحسناً فعلوا. أما دون ذلك فلم نسمع لهم اية براءة من شطحات الملا الكثيرة. والجدير بالذكر أن نائب رئيس الوزراء السيد صالح المطلك، لا ينحو منحى الملا، بل هو يؤكد دائما انه طالما ارتضى المشاركة في الحكومة، فانه اخذ على نفسه عهدا بالعمل بأخلاق الشريك.

 اما الشطحة الاكبر التي شطحها الملا هو تصريحه بقبول القائمة العراقية بتطبيق المادة 140 من الدستور وانها "ستكون ستكون خارطة طريق صحيحة لحل أزمة كركوك والمناطق المتنازع عليها إذا ما طبقت بشكلها الصحيح". ووُجه هذا التصريح بأشَد عبارات الرفض والاستهجان من داخل "العراقية" بالذات. ولست ادري اي متحدث هذا الذي لا ترضى عن تصريحاته حتى كتلته. وانني ادعو قادة "العراقية" ان ينتبهوا لهذا الشأن الهام، فالمتحدث هو بمثابة الواجهة لكل القائمة، وعليهم ان يحرصوا اشد الحرص حين يختارون احدا ما لهكذا منصب. ومن المهم ان انوه بالمتحدثة النائبة ميسون الدملوجي التي تحرص على خطاب متوازن وناضج، والمتحدث السابق النائب الرائع شاكر كتاب الذي يزن كلامه بالذهب قبل أن يتفوه به، مما يترك في المستمع ابلـَغَ الأثر والاهتمام.

لا يمكنني ان اعزو تبوأ السيد حيدر الملا لمنصب المتحدث الرسمي للعراقية الا للمحاصصة، فمبتدئ مثله ما كان له ان يتبوأ هكذا مسؤولية كبيرة لولا "قسمة الغرماء" التي دفعت بالعديد من المبتدئين والعاجزين والجهلة للمواقع الامامية دون وجه حق. وهكذا أشخاص مهما قالوا وبرزوا، فهـُم لا محل لهم من الإعراب، لأنهم بلا مبادرات، وأفعالهم ليست أكثر من ردود أفعال لا قيمة لها طالما أنهم بعيدون عن أية مبادرة خلاقة. هؤلاء كالحليب المنزوع الدسم، بلا نكهة ولا طعم.

صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...