الاثنين، 9 يونيو 2014

غزوة سامراء..لا شيء تحت السيطرة


في الخامس من حزيران 2014، تمكّن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) من مهاجمة مدينة سامراء (120 كيلومتر إلى الشمال من بغداد) التي تضم مرقدي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري ومشاهد دينية مقدسة لدى الشيعة. ومعروف جيدا كيف يتعامل تنظيم «داعش» مع كل ما يمتّ للأديان والمذاهب الأخرى، كما فعل بمراقد وأضرحة سوريا التي طالتها ايدي مسلّحيه. دون أن ننسى ما فعله أبوه، تنظيم «القاعدة» مع مرقدي الإمامين المذكورين في شباط 2006، بل بِما فعله أسلافهم الذين استباحوا ضريح الإمام الحسين عليه السلام في 22 نيسان 1802 [1].

لم يصدر من القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية سوى تصريحات اعلامية هزيلة غير متماسكة لا يمكن الاعتداد بها. وهذا ديدنها (القيادة العامة)، فكأنها تريد ان تبقي الناس في حيص بيص، أو أنها هي أيضا لا تدري شيئا، و«حَشْرٌ مع الناس عيد». وليس من اللائق تكرار المقدمة المعهودة التي تتضمن الاخفاقات التي لا عدّ لها التي وقعت بها تلك القيادة.

مع كل حدث جلل يتصدى الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع وقائد القوات البرية وقائد عمليات المنطقة المنكوبة لوسائل الإعلام ليشرح الموضوع ويؤكد ان ما جرى لا يعدو عن تعرض «دجاجة» لمعاكسة مِنْ ديك أرعن. وكأن الارواح التي زُهِقـَت والدماء التي سالت والأملاك التي دُمـِّرَت لا قيمة لها ولا رقيب أو شهيد عليها أو وليّ.
فيما يخص غزوة سامراء، اوقعتنا القيادة العامة للقوات المسلحة في نفس الحيرة. لذلك ولخطورة الموقف وحراجته، اخترت ان اتكفل بتوضيح الأحداث وفق تسلسلها الزمني عبر تتبع التفاصيل في الصحف والمواقع الاخبارية الرصينة.

1)    كشف مسؤولون محليون في سامراء ان المهاجمين كانوا يرومون تفجير مرقديْ الإمامين العسكرييْن لإشعال الفتنة المذهبية أو تفجير سد سامراء لإغراق بغداد. وإذا كانوا قد فشلوا في الوصول إلى سد سامراء، فرغم أنهم اقتربوا كثيرا منهما، (حوالي 1600 متر)، إلا ان تمركز القوات الحكومية حوْلَ المرقديْن منعهم من تحقيق هدفهم، فعجزوا عن الحاق أي ضرر بالمرقديْن رغم امتلاكهم لأسلحة ثقيلة ذات مديات بعيدة.
2)    افادت مصادر أمنية إنّ مسلحي تنظيم «داعش» فجّروا مركزا للشرطة على بعد 25 كيلومترا جنوبي سامراء وقتلوا عددا من أفراد الشرطة قبل أن يواصلوا تقدمهم إلى المدينة وهاجموا حواجز تفتيش في طريقهم [2]. وذكر اهالي سامراء أن «المسلحين اشتبكوا مع بعض نقاط التفتيش، في حين انسحب جنود العديد من هذه النقاط، ما سهّل دخول المسلحين الى المدينة سريعاً [3].
3)    تراوح عدد المسلحين بين (200 – 300) فردا، قدموا من المناطق التي تضم سلسلة من الهضاب والأراضي النائية بين ديالى وكركوك وصلاح الدين، واستخدموا مركبات بعضها مصفّحة وآليات (50 مركبة وآلية) نصبوا عليها مدافع ثقيلة، قالت مصادر إنّ بينها مدافع مضادة للطائرات [2]. وكان معهم جهدا هندسا وآليات إنشائية ثقيلة استخدموها في ازالة الحواجز وإزالة السواتر الترابية.
4)    سيطر المسلحون على ستة احياء سكنية في الجانب الشرقي من المدينة، هي الجبيرية والشهداء والعرموشية والخضراء والمعلمين والضباط. كما سيطروا على مبنى البلدية ومبنى الجامعة بعد دخولهم المدينة من الشرق ومن الغرب ليرفعوا عليهما الراية السوداء لجماعة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» واحتلوا أيضا جامع الرزاق الذي يعدّ المسجد المركزي في المدينة، ومقر الدفاع المدني وأعلنوا «تحرير» المدينة عبر مكبرات الصوت وحثوا الناس على الانضمام إلى جهادهم ضد الحكومة [2]. وأمهلوا القوات الأمنية ساعتين لإلقاء اسلحتهم وتسليم انفسهم. وقتل المسلحون ثلاثة من أفراد حماية وزير العلوم والتكنولوجيا عبد الكريم السامرائي، بعد اقتحامهم منزله في وسط سامراء.
5)    أعلن قائد القوات البرية الفريق علي غيدان، في بيان صحافي، عن «مشاركة 300 آلية عسكرية مدعومة بسلاح الجو في عملية تحرير المدينة من المسلحين وفك الطوق الذي ضربه تنظيم داعش حول مرقدي الإمامين العسكريين»، إضافة لاشتراك مجموعة من الفرقة الذهبية (جهاز مكافحة الارهاب) في عملية تطهير المدينة من المعتدين. علما ان سامراء فيها أصلا ثلاثة الوية من الجيش والشرطة، إضافة لقيادة عمليات سامراء. إنّ التحصينات الأمنية والكثافة العددية وسرعة إرسال التعزيزات والدعم الجوي إلى سامراء ليست متاحة لمدن محافظة صلاح الدين الأخرى، الأمر الذي يجعلها عرضة للسقوط بأيدي مسلحي بقليل من الجهد.
6)    انسحب مسلحو «داعش» من حيث أتوا؛ إلى مناطق تل حِمرين والعظيم باتجاه ديالى، وغربي المحافظة باتجاه بحيرة الثرثار. تحدث سكّان محليون لوسائل الإعلام ان هناك مناطق آمنة تضمّ معسكرات لـ«داعش» كما في منطقة «العين البيضاء» في قضاء الشرقاط التابع لمحافظة صلاح الدين والذي يقع في شمالها، إضافة لقرى ومقاطعات اصبحت آمنة بعد ان عقدت القوات الحكومية و «داعش»  والفصائل المسلحة الأخرى اتفاقية هدنة غير مكتوبة على عدم التقاتل في تلك المناطق. وهذا يذكّرنا بالاتفاقيات المشابهة التي عقدتها نفس الاطراف في محافظة الانبار [4]. وفي كل الاحوال فإنّ «داعش» يستثمر كل مزايا الصحراء لصالحه.
7)     كان لقوات طيران الجيش دورا اساسيا في حسم المعركة وإنهائها بسرعة لصالح القوات الحكومية.
8)    يسعى تنظيم «داعش» لمحاصرة بغداد وإعادتها إلى اجواء 2004 – 2008، من خلال السيطرة على المناطق المحيطة بها، وهو أمر حاصل كليا أو جزئيا، ومهاجمتها منها متى شاء، وهذا أمر حاصل أيضا.
لم ينسحب ارهابيو «داعش» لصحوة ضمير مفاجئة، بل لأن هناك ابطالا في القوات الحكومية  وقفوا بمواجهتهم وردوهم على اعقابهم مهزومين. لهؤلاء الابطال مِنـّا كل الحب والاعتزاز والامتنان.
المراجع
[1]  جريدة الأخبار اللبنانية، تراث العار: عن الذين نبشوا قبور آل النبيّ وصحبه، جعفر البكلي، العدد 2298، 20 ايار 2014.
[2] جريدة السفير اللبنانية، «داعش» يطرق أبواب سامراء، 06 حزيران 2014.
[3]  صحيفة الأخبار اللبنانية، العراق والمنطقة ينجوان من الانفجار الكبير، مصطفى ناصر ومحمد نزال، العدد 2310، 05 حزيران 2014.
[4]  احمد هاشم الحبوبي ـ أرض السواد، «القاعدة» في باديتي الانبار والشام.

لمزيد من التفاصيل عن غزوات «داعش»، اقترح قراءة المواضيع التالية:
·        «القاعدة» في باديتي الانبار والشام: http://anahabobi.blogspot.se/2013/12/blog-post_4789.html
·        غزوة وزارة العدل: http://anahabobi.blogspot.se/2013/03/blog-post_17.html
·        غزوة قهر الطواغيت: http://anahabobi.blogspot.se/2013/09/blog-post_2.html
غزوة عكاشات: http://anahabobi.blogspot.se/2013/10/blog-post.html

السبت، 7 يونيو 2014

سوريا في «اليوم التالي»


احمد هاشم الحبوبي

هناك رؤيتان لـ«اليوم التالي» الذي يؤرخ لنهاية الحرب الدولية والإقليمية في سوريا؛ الأولى يؤمن اصحابها بأن نظام الرئيس بشار الأسد، مستندا على صلابة قاعدته الشعبية العريضة وبسالة الجيش العربي السوري، سينتصر لا محالة على «قوى الإرهاب المدعومة من قوى الاستكبار والرجعية». أما الثانية فيرى اصحابها انه طالما ان كل قوى العالم الخَيـِّرَة قد اجتمعت لنُصرة الشعب السوري الطامح نحو الحرية، فإنّ النصْرَ لا بدّ سيكون حليفه.

بغَضِّ النظر عن المنتصر؛ ستخرج سوريا مجردة من كل مكاسبها التي حققتها عبر جهد عقود طويلة من البناء والتنمية في البنى التحتية، بالذات في مجاليْ الإسكان والزراعة. فسوريا هي البلد العربي الوحيد الذي حقق اكتفاء ذاتيا في القطاعين المذكوريْن. وهذا ليس انجاز أسرة حاكمة أو رئيس.

يقول الرئيس الأسد: «نحن نرى الآن نتائج التخريب بالنسبة للبنى التحتية وبالنسبة لتخريب الفكر في سورية، فهذا يعني حتى لو ربحت الدولة فستكون دولة ضعيفة. هذا ما يهدف إليه الغرب من هذا الدعم، بغض النظر عمن ينتصر؛ انتصرت الدولة أو انتصرت القاعدة أو غيرها. بالمحصلة سورية ستدفع الثمن وسيكون الثمن غاليا. ولكن بنفس الوقت هذا الغرب لا يعرف أو ربما يعرف ولا يعي الآن بأن هذا الإرهاب سيعود إليه وقد بدأت الصحافة الغربية تتحدث عن مخاطر عودة هؤلاء» [1].

وقد نشرت صحيفة «الوطن» السورية دراسة اعدها الخبير في الشؤون العقارية عمار يوسف، ان عدد المنازل المهدمة كليا أو جزئيا بلغ « 535 ألف منزل»، وأن المنازل التي تهدّمت بالكامل تقدّر بحدود 390 ألف مسكن. وأكدت الدراسة أن بعض تلك المساكن كان يقيم فيها أكثر من عائلة، وشملت هذه الفئة مدناً ومناطق السكن العشوائي، وهي الرقم الأكبر والصعب من حيث عدد الأسر التي تم تهجيرها في هذه المناطق، ما يجعل العائلات المشردة أو التي لم يعد لديها مسكن لتعود إليه ما يزيد على 700 ألف عائلة بمعدل وسطي من 4 أفراد، ما يجعل العدد الإجمالي للمواطنين المشردين ما يقارب مليونين وثمانمائة ألف مواطن، بعضهم خارج سوريا والآخرون موزعون بين مراكز الإيواء وبين بعض أقاربهم، وبعضهم مستأجر.

أما المساكن المتضررة جزئيا، وأغلبيتها ضمن المناطق النظامية، فقد بلغ عددها الإجمالي نحو 475 ألف مسكن، تتراوح أضرارها بين تحطم الزجاج إلى حد وانهيار جزء من المسكن وأشياء أخرى مما لا يخرجه من الخدمة ويمكن ترميمه واستعماله مجدداً، ولو ضمن ظروف غير مثالية مع حساب دور الأمان.

في حين قدّرَ عبد الله الدردري، النائب السابق لرئيس الوزراء السوري والذي يشغل حاليا منصب كبير الاقتصاديين في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) حيث يعكف على إعداد خطط لإعادة إعمار سورية بعد انتهاء الحرب، عدد المساكن المتضررة بمليون ومئتي ألف وحدة سكنية، تبلغ تكاليف إعادة بنائها، مع بناها التحتية، ثمانية وعشرين مليار دولار وثلاثين مليون طن من السمنت سنويا [2].

أي ان السوريين سينشغلون لعقود قادمة في إعادة إعمار ما دمرته الحرب الاهلية بدلا من ينشغلوا بتوفير وحدات سكنية جديدة تغطي متطلبات النمو السكاني الطبيعي، كما كانوا يفعلون في السابق.

وتبقى دقة هذه التقديرات والدراسات رهينة بوقت اصدارها فحسب، فمسلسل التدمير متواصل وبوتيرة متصاعدة، لتضيف مزيدا من الابنية المتضررة والمـُهدّمة والبنية التحتية المتداعية.

أما الذين يرون خلاص سوريا بزوال حكم الأسد، فهم واهمون، فمسلسل الدمار سوف لن ينتهي بنهاية حكمه. ولن ينعم الشعب السوري ولو باستراحة قصيرة، ففي «اليوم التالي» ستنغمس الفصائل السورية المسلحة، بكافة اطيافها، في دوامة عنف جديدة لا تقل ضراوة عن التي سبقتها، عندها ستدخل سوريا بعد زوال نظام الأسد في مرحلة الضياع والاضطراب. وهذا أمر حتمي سبقها إليه العراق وتونس ومصر وليبيا، وإلى حد ما، اليمن. وسيكون للتنظيمات التكفيرية اثناء ذلك صولات وجولات ستهز كيان المجتمع السوري إنْ حاولت القوى السياسية السورية الأخرى تقليم مخالب التنظيمات المذكورة وتحجيم دورها في سوريا الجديدة، دون ان ننسى التزاحم الذي سينشب بين تنظيم «الإخوان المسلمين» والتيارات الحزبية السورية الأخرى، وكيف سيلعب «الإخوان» بورقتي الإرهاب والطائفية لإضعاف حلفاء الأمس وتهميشهم.

تدّعي القوى الإقليمية والدولية التي تموّل صفقات السلاح وتجنيد المسلحين بمليارات الدولارات، أنها انما تفعل ذلك لكي ينعم السوريون بالحرية والديمقراطية. ولكن يبدو ان السوريين سينعمون بحريتهم وهم في العراء، أسوة بأشقائهم العراقيين الذين لم يحصدوا من الحرية سوى الدمار والموت ودولة فاشلة.

المراجع
[1]          لقاء تلفزيوني للرئيس بشار الأسد مع قناة الاخبارية السورية في 17 نيسان 2013.

[2]          تصريح لعبد الله الدردري مع وكالة رويتر، بيروت في 9 ايار 2013.

صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...