مدينة الرقة، سوريا 30 حزيران 2014: مقاتلون من داعش يجولون بعربة عسكرية امريكية غنموها من الجيش العراقي. (الصورة: وكالة رويترز) |
ظلّت القوى الدولية ترفض تسليح فصائل المعارضة
السورية بأسلحة نوعية أو ثقيلة أو مضادة للطائرات خشية وقوعها بأيدي التنظيمات
التكفيرية المتشددة كتنظيم جبهة النصرة وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق
والشام» (داعش) وخشية انتقال تلك الأسلحة إلى العراق وتهديد أمنه الهش.
ولكن، فجأة، انقلب الأمر، وصار العراق هو مصدر
السلاح الفتّاك، لـ«داعش» حَصْريا، فبعد هجوم ناجح، في 10 حزيران 2014، خططت له
عدة فصائل مسلحة عراقية عالية التنظيم والتدريب، كان «داعش» رأس الحربة فيه، اسفر
عن استيلائهم على مدينة الموصل والجزء الأعظم من محافظة نينوى العراقية خلال بضعة
ساعات بعد ان انهارت وحدات الجيش تلقائيا دون أية مواجهة مع المهاجمين، فقد غادر القادة
مراكز القيادة، وكذلك فعل الآمرون والضباط، فتبعهم الجنود تاركين وراءهم أحدث انواع
المعدات والأسلحة من مدافع رشاشة ومدرعات ودبابات ومدافع وناقلات جنود ومروحيات،
إضافة لمخازن عتاد تحوي كميات هائلة من مختلف انواع العتاد. وترك (الجيش) مخازن
المدرعات في محافظة صلاح الدين في اليوم التالي بنفس الطريقة. وبذلك يكون «داعش» قد
حصل على تجهيزات ثلاث فرق عسكرية دون عناء يذكر.
لقد اشترى العراق تجهيزاته العسكرية بمليارات
الدولارات مِنْ مناشئ امريكية وأوروبية وروسية. وهي احدث من مثيلاتها التي بحوزة الجيش
السوري النظامي، وهي ستؤثر حتما على ميزان القوى بين الجيش السوري النظامي
و«داعش»، وبين «داعش» وخصومه من الفصائل المُسلّحة كجبهة «النصرة» والجبهة
الإسلامية السورية اللذان يخوضان معه معارك نفوذ قاسية على الأرض السورية.
من ضمن غنائم «داعش» وشركائه، أموال سائلة
وسبائك ذهبية مودعة في فرع البنك المركزي العراقي في مدينة الموصل (425 مليون
دولار أميركي)، إضافة لمبالغ كبيرة موجودة خزائن في المصارف الحكومية والأهلية
كافة، تُجْمِعُ وسائل الإعلام على أنّ ذلك جعل من «داعش» أغنى التنظيمات الإرهابية على الإطلاق.
بدأ «داعش» عملية نقل فورية للسلاح المستولى
عليه إلى مقاتليه في محافظتيْ الحسكة ودير الزور شرق سوريا. ويبدو أنّ مدينة
الميادين في دير الزور قد اصبحت سوقا لتجارة السلاح والعتاد المسروق من العراق،
ففي 14 حزيران 2014، أعلن التلفزيون السوري عن حدوث انفجار كبير في سوق للسلاح
للإرهابيين في مدينة الميادين (70 كيلومترا عن الحدود العراقية) اسفر عن مقتل
ثلاثين إرهابيا. وهذا يعني أنّ الأسلحة الفتاكة والمتفجرات اصبحت بضاعة رائجة لها
روّادها ومراكزها العلنية.
فور استيلائهم على محافظة نينوى العراقية، باشر الدواعش بعملية نقل كبرى للأسلحة والمعدات والآليات العسكرية الى سوريا. (الصورة: ا ف ب) |
وبذلك أصبح الجدال الدائر حول تسليح المعارضة
السورية غير ذي جدوى وفي خبر كان. فالجبهتان العراقية والسورية مترابطتان تماما
بحكم سيطرة تنظيم «القاعدة» ومن ثـمّ وليده تنظيم «داعش» على باديتيْ الأنبار
والشام الذي يتصدى للقوات الحكومية في كل من العراق وسوريا في آن واحد. ويؤكد
«داعش» على انه طالما يستعين بقواته الموجودة في أحد البلدين لتعزيز وضعه في البلد
الآخر، فالحدود قائمة على الورق فقط، والمسلحين يتنقلون بكامل اسلحتهم واعتدتهم
بين البلدين متى ما شاءوا.
إنّ ستراتيجية «داعش» واستعجاله نقل غنائمه إلى
سوريا يسمح بالاستنتاجات التالية:
1) إنّ أحد أهم اهداف «داعش» ومَن خططوا للانقلاب
وموّلوه كان الاستيلاء على أسلحة الجيش العراقي ونقلها إلى سوريا لغرض استخدامها
هناك، خاصة وأن الجيش السوري النظامي يحرز الانتصار تلو الانتصار منذ عام تقريبا.
2) تنظيم «داعش» يعلم جيدا ان بقاءه في الموصل
وتكريت سيكون لمدة محدودة.
3) حصلت مقايضة بين «داعش» وشركائه العراقيين
(عبارة عن تنظيمات إسلامية ابرزها: جيش الطريقة النقشبندية، الجيش الإسلامي، جيش
المجاهدين، انصار السُنّة. وهي كلها لا تعدو عن كونها واجهات دينية يتخفى خلفها
حزب البعث العراقي الذي طلـّقَ عقيدته القومية وتبنّى الفكر الديني المتشدد، إضافة
لضباط سابقين وحاليين شكلوا خلايا نائمة في المدن ووحدات الجيش) نصّت على ان
يستحوذ الاول على ما يشاء من الغنائم مقابل دوره في الانقلاب وتعهده بترك شؤون
المدن المستولى عليها لفصائل حزب البعث العراقي، وهذا تعهد مشكوك فيه، فـ«داعش» لا
عهد لها ولا ترضى بشريك، والأيام كفيلة بإثبات ذلك.
4) يؤمن «داعش» ان جهده إنما ينبغي أن يتركز في
شرق سوريا والأنبار، فالبيئة والجوار والجمهور والجغرافيا أكثر ملائمة له.
يبقى الأمل بصمود سوريا كبيرا، بل متعاظما،
فصمودها المبهر لأكثر من ثلاث سنوات امام الهجمة الامريكية - الاوروبية - الخليجية
التكفيرية العاتية لـَكَفيلٌ بتبديد المخاوف من حصول تَحَوّل كبير لصالح «داعش»
رغم الأسلحة الجديدة التي حصل عليها.
إنّ السلاح الحديث وحده لا ينفع، بل العبرة بشجاعة
الرجال وإخلاصهم لوطنهم ومتانة العقيدة القتالية. والدليل ماثل امامنا؛ فحين تخاذل
بعض قادة وضباط الجيش العراقي وخان بعض آخر؛ فَقـَدَ الكمّ الهائل من السلاح
الحديث تأثيره وفعاليته وجدواه واستحال أسلابا.
لم يستحوذ «داعش» على كل السلاح العراقي، بل
شاركه إقليم كردستان بذلك؛ حيث بثّت وسائل إعلام عراقية مقاطع مصورة لناقلات كردية
محمـّلة بدبابات ومدرعات عراقية يعتليها جنود أكراد يلوحون بعلامة النصر وعـَلَم
الإقليم، مكررين ما فعلوه في أسلحة الجيش العراقي ابان انكساره مع الاجتياح
الأميركي للعراق في 9 نيسان 2014.
«وظلـم ذوي القربـى أشــدُّ مضـاضـة
على المرء من وقع الحسام المُهَنـّد» [البيت للشاعر طرفة بن العبد طاب ثراه]، هذا
إن كانَ للأكراد وصحبهم قربى مع العراق.