«الجزيرة» و«العربيّة» تختلفان على غزّة
غزّة اليوم قطاعان. واحد يظهر على شاشة «الجزيرة» حيث نسمع عبارات «شهداء»، و«مقاومة»، و«عدوان». والآخر، على «العربية»، حيث الضحايا «قتلى»، والفصائل تسمّى بأسمائها، من دون اللجوء إلى مفردة مقاومة. تبدو لغة «الجزيرة» متفائلة في إعلان النصر، وسعي إسرائيل لنيل «وقف إطلاق النار». على عكس شاشة «العربيّة» بنبرتها المتشائمة، مكرّرة عبارة «مأساة تلوح في الأفق». وتواكب القناة شروط «إسرائيل» لـ«الهدنة»، محصيةً صورايخ المقاومة التي صدّتها «القبّة الحديدية». وسط كل هذا الاختلاف في المصطلحات، اتفقت «الجزيرة» و«العربية» على عدم استخدام عبارة بحجم وطن: «فلسطين المحتلة».
شكّلت إسرائيل «هيئة الإعلام القومي» قبل ستة أشهر من العدوان على غزّة في العام 2009. وكان التمييز بين القطاع وحماس من جهة، وغزّة وبقية الأراضي الفلسطينية من جهة أخرى، من أهم النقاط التي بنيت عليها استراتيجة العدو الإعلامية. من دون قصد أو عمداً، تنجرّ القناتان لهذا التمييز، عبر الفصل بين القطاع، وبقية الأراضي المحتلّة.
ما يقرره الحاضن السياسي لكلٍّ واحدة من القناتين، يظهر جلياً في مفرداتهما. تحليل مضمون بث القناتين، يظهر أنّ غزّة أصبحت الخبر الأول، متقدّمة على الخبر السوري. محاولة الربط بينهما على شاشة «الجزيرة» واضحة، من خلال تقارير عديدة عن تظاهرات «نصر ودعم متبادل بين الغزاويين والسوريين». ويظهر ذلك بشكل أوضح في البرامج السياسية، إذ اختار برنامج «الاتجاه المعاكس» عنواناً لحلقة الليلة: «أليس من حق النظام السوري أن يشعر بالمرارة بعدما انقلب عليه معظم الفلسطينيين؟». لكنّ الخبر ينحسر إلى الدرجة الثانية على شاشة «العربيّة».
انسحب الاختلاف في التغطية، على موقف القناتين من الأطراف السياسية الإقليمية. شهر العسل بين مصر وقطر وتركيا، واستبعاد السعودية عنه، انعكس اتساعاً في مساحة الخبر الفلسطيني على «الجزيرة»، وانحساره في تغطية «العربيّة». على الشاشة القطرية سمعنا حمد بن خليفة آل ثاني «يشكر لمصر فتحها معبر رفح»، إضافةً إلى مقابلة مع رئيس الوزراء المصري هشام قنديل في برنامج «بلا حدود». ولإعطاء الجانب التركي حقه، لم ينس مراسل «الجزيرة» في غزّة، مقابلة ضيوفه من أمام سيارة إسعاف كتب عليها «هدية الشعب التركي إلى غزّة». وللمفارقة، فإنّ الصور الدموية الآتية من فلسطين يتمّ تمويهها، على عكس ما يحصل غالباً في الصور القادمة من سوريا. تجنبت «الجزيرة» تسمية الصواريخ الفلسطينية وخصوصاً «فجر 5»، والبحث عن كيفية صنعها وتهريبها أو الإشارة إلى مصدرها المحتمل. كما ركزت على مظاهرات القوى الإسلامية في لبنان أمام «الإسكوا» دعماً لغزّة، ولم تلتفت إلى تلك التي نظمها «حزب الله» في المكان عينه. حتّى أنّها عرضت تقارير عن تظاهرات تعمّ العالم للتضامن مع غزّة، فمرّت على اليابان والصين ونسيت إيران.
المثير للاستغراب أنّ «الجزيرة» كانت تشير إلى أماكن تواجد منصات إطلاق الصواريخ الفلسطينية. أمس ظهراً مثلاً، أشار مراسل القناة وائل الدحدوح في رسالته المباشرة، إلى مكان إطلاق أحد الصواريخ. وفي إشارة إلى مدى استفادة العدو الإسرائيلي من تلك الإشارات، اختارت صفحة «إسرائيل تتكلم بالعربية» على «فايسبوك»، مقطعاً من تقرير مباشر لمراسلة «الجزيرة» بالإنكليزية جاكي رولاند من غزّة تقول فيه: «في هذه اللحظة تمّ إطلاق صاروخ من مكان، يبعد مرمى حجر عن مكان وقوفي». هذا ما جلب على «الجزيرة» انتقادات المنظمات الفلسطينيّة. ممثِّل حركة «حماس» في لبنان علي بركة أكد في اتصال مع «السفير»، أنّ هذا النوع من البثّ «غير مقبول، إن حصل، فأنا لا أتابع «الجزيرة» لأنّها مشغولة بأمور أخرى تجدها أهمّ». وأضاف انّه «سيحذر الأخوة في الداخل الفلسطيني من احتمال أن تكون بعض القنوات مخترقة».
المصدر: جريدة السفير الغراء، 20-11-2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق