الاثنين، 2 ديسمبر 2013

«القاعدة» في باديتي الانبار والشام



   
احمد هاشم الحبوبي

   أسوأ جار لأية مدينة هو الصحراء، فهي منبع الوحوش البشرية الكاسرة ذوي الطباع الحادة والفكر المتطرف. ولنا ان نتوثق من هذا الزعم اذا ما تمعّـنا في حال المدن المجاورة للصحراء من مالي والمغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر وسوريا والعراق. فبمجرد ان تضعف سلطة الدولة، لأي سبب كان، تتسلل الأرواح الشريرة الكامنة بين الرمال وتستقر في اجساد ذوي العقول الخاوية ليتحولوا الى خصوم اشداء لكل ما هو إنساني ومتحضر. 

   لذلك، فمن الطبيعي ان تشكّل بادية الانبار ومنطقة الحدود «العراقية - السورية» المجال الحيوي لتنظيم «القاعدة». وكانت القوات الامريكية تراقب اماكن تواجدهم وتستهدفها بالطائرات. وبعد الانسحاب الاميركي في اواخر عام 2011، أعاد مقاتلو «القاعدة» انتشارهم وتمددوا حيثما شاءوا. ساعدهم في ذلك مجموعة من العوامل؛ اهمها؛
1.    افتقار الجيش العراقي لطائرات أو منظومات التجسس والاستطلاع الكفوءة والقادرة على تغطية صحراء الانبار الشاسعة.
2.    اتفاقية «تعايش» غير مكتوبة معقودة بين «القاعدة» وبعض ضباط وآمري الوحدات الامنية المتواجدة في المنطقة اتفقوا فيها على غض الطرف عن نشاط «القاعدة» مقابل ان يمنحهم الاخير الأمان.
ليست الرغبة بالسلامة وحدها التي دفعت بعض الآمرين لعقد هذه الصفقة، فبعضهم يؤمن ان «القاعدة» ليس خصمه الحقيقي بل هو نظام الحكم في بغداد، الأمر الذي يوحدهم مع التنظيم بحكم وحدانية عدوهم. إضافة لوجود عسكريبن وشرطة فاسدين يتعاملون مع مهربي المخدرات والسجائر والكحول والنفط، الأمر الذي يسمح لقائمة المهربات ان تطول وتمتد إلى الأسلحة والمتفجرات والانتحاريين.
3.    قيام بعض الضباط والآمرين بمنح منتسبيهم اجازات مفتوحة مقابل مبالغ مالية، ما يؤدي إلى زيادة الضغط على بقية المنتسبين مما يضعف كفاءتهم.
4.    التداخل العائلي والعشائري بين الحدّيْن وما له اثر كبير جدا على امن البلدين حين تكون سيطرة الحكومة ضعيفة.
   ومهما عددنا من أسباب، يبقى ضعف القيادة ونقص الكفاءة أساس البلاء، فقيادة قوية وكفوءة ستكون قادرة بالتأكيد على تجاوز الكثير من التحديات. 

   لقد وصل الهوان بالعراق الى حد انه حتى الرئيس السوري بشار الأسد الذي فقد نظامه السيطرة على خمسين بالمائة من اراضي دولته، يعذر حكومة العراق ويرثي لحالها؛ فقد قال، في 17 نيسان 2013، ان «العراق ضد تسريب الإرهابيين ولكنّ لديه ظروفاً معينة لا تسمح له بضبط الحدود». ومقارنة بين حال دمشق وبغداد يوضح الفارق الشاسع بين الاداء الامني للحكومتين السورية والعراقية، فانفجار عربة مفخخة في دمشق أمر نادر جدا، في حين ان انفجار عشر عربات في بغداد بات حدثا عابراً لا يقف أحد عنده طويلا.

   تخضع المناطق المشابهة لباديتيْ الانبار والشام اللتان تقبعان تحت سيطرة «تنظيم القاعدة»، أو تنظيمات موالية له، في الدول الأخرى، كأفغانستان وباكستان واليمن والصومال ومالي، لمراقبة مشددة من اجهزة المراقبة والتجسس الاميركية، وغالبا ما تتعرض لهجمات بواسطة الطائرات الموجهة بدون طيار (DRONES – UNMANNED AERIAL VEHICLES) أو لعمليات عسكرية مباشرة ينفذها الجيش الاميركي أو الاجهزة المعنية الأخرى مِن دون الاكتراث لموافقة تلك الدول من عدمها. أما في الحالة العراقية فلم نشهد اية عملية مماثلة رغم توفر كل اسباب النجاح لمثل هذه التقنية.

   ونفذ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام = داعش»، في 21 تموز 2013، عملية نوعية كبرى اسفرت عن تحرير ما يقارب الستمائة سجين مُدان ينتمون للجيل الاول والثاني من تنظيم«القاعدة» والتنظيمات الجهادية الأخرى كانوا معتقلين في سجن ابو غريب بالقرب من بغداد.

   كما باشر تنظيم «داعش» بالمرحلة الثانية من مخططه الستراتيجي الذي يريد به فرض سيطرة مطلقة على بادية الانبار سعيا لربطها ببادية الشام التي يسيطر فعليا على معظمها. وبدأ التنظيم المذكور بتنفيذ هجمات منسقة متتابعة على مراكز الاقضية والنواحي التابعة لمحافظة الانبار في راوة وعانة وهيت والفلوجة وغيرها، راح ضحيتها المئات من الموظفين والشرطة والعسكر، كما اسفرت عمليات «داعش» عن تدمير العديد من الابنية الحكومية والجسور.
ولم يتأثر نشاط تنظيم «داعش» بانتقال المقاتلين والسلاح إلى جبهة سوريا اطلاقا، بل ضاعف وتيرة هجماته كماً ونوعا، فهو يغرق العراق، بغداد بالذات، بسيل من التفجيرات المنسقة والمتزامنة والمتتابعة، اسفرت عن آلاف القتلى وعشرات آلاف الجرحى من المدنيين ومنتسبي الاجهزة الامنية منذ نيسان 2013.

   أما اجراءات الاجهزة الامنية، فمازالت بدائية وتدار بعقلية متخلفة. فهي تقتصر على التضييق على حركة المواطن من خلال تشديد الزحام في نقاط التفتيش المنتشرة في كل أنحاء بغداد. والملفت ان هذا التضييق لا يرافقه أية عمليات تفتيش فعلية. ورغم تطبيق نظام «الفردي والزوجي» على حركة المركبات في بغداد، فما زال الزحام في شوارع بغداد خانقا، ويقضم ساعات من وقت وراحة اهالي بغداد والوافدين إليها. 

   وتعلن الاجهزة الامنية يوميا عن اعتقال عشرات الارهابيين والمشتبه بهم، والاستيلاء على معامل وورش تصنيع احزمة ناسفة وتفخيخ مركبات ومتفجرات من مختلف الانواع. ولم يتصدى احد من المختصين في الشؤون الامنية للأرقام التي تسوقها الاجهزة الحكومية يوميا عبر وسائل الإعلام كافة التي ترددها على عِلـّتِها دون تمحيص أو تدقيق. هناك وجهة نظر تقول ان هذه البيانات يراد بها التغطية على فشل القيادة الامنية. كما يراد بها تضليل الرئيس نوري المالكي القائد العام للقوات المسلحة الذي يصر على التمسك باركان قيادته الذين ثبت عجزهم عن مجاراة التنظيمات الارهابية والإجرامية تكتيكيا وستراتيجيا.

   ولا أرى اية جدوى من التنديد باستمرار كوادر نقاط التفتيش في استخدام أجهزة كشف المتفجرات رغم أنّ مُصنـِّعها البريطاني قد أُدِينَ بالغش وحكم عليه بالسجن عشر سنوات في بريطانيا.

   تتهم حكومة ُ بغداد دولا اقليمية بتمويل تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» لتغطية التكاليف الباهظة لنشاطاته على الاراضي العراقية. وفي نفس الوقت تأبى الاقرار بمصادر التمويل المحلية التي يتحصل التنظيم من خلالها على مبالغ هائلة. 

   حيث تشكل محافظة نينوى وحاضرتها الموصل بالذات احد مصادر الدخل الرئيسية لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، فالإتاوات الشهرية تفرض على الجميع؛ من اصحاب المعامل إلى الاطباء والصيادلة والموظفين وأصحاب المحلات.

   والكل يدفع، على قاعدة: «ادفع تسلم». وتقدر هذه الاتاوات بثمانية ملايين دولار شهريا يدفعها سكان الموصل مُجـْبَرين الى المجاميع المسلحة خوفاً من القتل الذي سيطالهم اذا ما امتنعوا عن ذلك. يجري كل هذا تحت سمع وبصر كافة الاجهزة الامنية العراقية التي يبدو ان قادتها ومنتسبوها قد آمنوا بحتمية خسارتهم لمعركتهم ضد الإرهاب، فآثروا غـَضّ النظر عن ما يجري.

   ولا يقتصر الأمر على الموصل، بل كركوك أيضا، فقد اندلعت، في ايلول 2013، مصادمات دامية بين تنظيمي «الدولة الإسلامية في العراق والشام» و«انصار السُنّة» على خلفية نزاع على الموارد المالية المتحققة من الاتاوات وأموال الفدية التي تستحصلها الجماعات المسلحة من المواطنين لقاء إطلاق سراحهم. ووفقا لتقارير صحفية؛ فقد تدخل ايمن الظواهري شخصيا لفض الاشتباك بين التنظيمين المذكورين.

   لا يكفي أبدا ان تبرئ الحكومة المركزية ذمتها باتهام دول الجوار بالانهيار الامني الذي يعاني منه العراق منذ عشر سنوات. فالحكومة مطالبة بإتباع وسائل وطنية تؤدي إلى تفكيك البيئات الحاضنة للإرهاب وتجفيف مصادر التمويل والتجنيد المحلية التي هي اخطر بما لا يقارن بتدخلات دول الجوار.

   إن الاكتفاء بالتشخيص أمر ليس ذا قيمة إذا لم يتبعه علاج حقيقي يستأصل الداء من جذوره. ولا يمكن لبلد ان ينعم باستقرار وأمن دائميْن دون مشاركة كافة اطيافه بذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...