في الخامس من حزيران 2014، تمكّن تنظيم «الدولة
الإسلامية في العراق والشام» (داعش) من مهاجمة مدينة سامراء (120 كيلومتر إلى
الشمال من بغداد) التي تضم مرقدي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري ومشاهد دينية
مقدسة لدى الشيعة. ومعروف جيدا كيف يتعامل تنظيم «داعش» مع كل ما يمتّ للأديان
والمذاهب الأخرى، كما فعل بمراقد وأضرحة سوريا التي طالتها ايدي مسلّحيه. دون أن
ننسى ما فعله أبوه، تنظيم «القاعدة» مع مرقدي الإمامين المذكورين في شباط 2006، بل
بِما فعله أسلافهم الذين استباحوا ضريح الإمام الحسين عليه السلام في 22 نيسان
1802 [1].
لم يصدر من القيادة العامة للقوات المسلحة
العراقية سوى تصريحات اعلامية هزيلة غير متماسكة لا يمكن الاعتداد بها. وهذا
ديدنها (القيادة العامة)، فكأنها تريد ان تبقي الناس في حيص بيص، أو أنها هي أيضا
لا تدري شيئا، و«حَشْرٌ مع الناس عيد». وليس من اللائق تكرار المقدمة المعهودة
التي تتضمن الاخفاقات التي لا عدّ لها التي وقعت بها تلك القيادة.
مع كل حدث جلل يتصدى الناطق الرسمي باسم وزارة
الدفاع وقائد القوات البرية وقائد عمليات المنطقة المنكوبة لوسائل الإعلام ليشرح
الموضوع ويؤكد ان ما جرى لا يعدو عن تعرض «دجاجة» لمعاكسة مِنْ ديك أرعن. وكأن
الارواح التي زُهِقـَت والدماء التي سالت والأملاك التي دُمـِّرَت لا قيمة لها ولا
رقيب أو شهيد عليها أو وليّ.
فيما يخص غزوة سامراء، اوقعتنا القيادة العامة
للقوات المسلحة في نفس الحيرة. لذلك ولخطورة الموقف وحراجته، اخترت ان اتكفل
بتوضيح الأحداث وفق تسلسلها الزمني عبر تتبع التفاصيل في الصحف والمواقع الاخبارية
الرصينة.
1)
كشف
مسؤولون محليون في سامراء ان المهاجمين كانوا يرومون تفجير مرقديْ الإمامين العسكرييْن
لإشعال الفتنة المذهبية أو تفجير سد سامراء لإغراق بغداد. وإذا كانوا قد فشلوا في
الوصول إلى سد سامراء، فرغم أنهم اقتربوا كثيرا منهما، (حوالي 1600 متر)، إلا ان تمركز
القوات الحكومية حوْلَ المرقديْن منعهم من تحقيق هدفهم، فعجزوا عن الحاق أي ضرر بالمرقديْن
رغم امتلاكهم لأسلحة ثقيلة ذات مديات بعيدة.
2) افادت مصادر أمنية إنّ مسلحي تنظيم «داعش» فجّروا
مركزا للشرطة على بعد 25 كيلومترا جنوبي سامراء وقتلوا عددا من أفراد الشرطة قبل أن
يواصلوا تقدمهم إلى المدينة وهاجموا حواجز تفتيش في طريقهم [2]. وذكر اهالي سامراء
أن «المسلحين اشتبكوا مع بعض نقاط التفتيش، في حين انسحب جنود العديد من هذه النقاط،
ما سهّل دخول المسلحين الى المدينة سريعاً [3].
3) تراوح عدد المسلحين بين (200 – 300) فردا، قدموا
من المناطق التي تضم سلسلة من الهضاب والأراضي النائية بين ديالى وكركوك وصلاح الدين،
واستخدموا مركبات بعضها مصفّحة وآليات (50 مركبة وآلية) نصبوا عليها مدافع ثقيلة، قالت
مصادر إنّ بينها مدافع مضادة للطائرات [2]. وكان معهم جهدا هندسا وآليات إنشائية ثقيلة
استخدموها في ازالة الحواجز وإزالة السواتر الترابية.
4) سيطر المسلحون على ستة احياء سكنية في الجانب
الشرقي من المدينة، هي الجبيرية والشهداء والعرموشية والخضراء والمعلمين والضباط.
كما سيطروا على مبنى البلدية ومبنى الجامعة بعد دخولهم المدينة من الشرق ومن الغرب
ليرفعوا عليهما الراية السوداء لجماعة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» واحتلوا
أيضا جامع الرزاق الذي يعدّ المسجد المركزي في المدينة، ومقر الدفاع المدني وأعلنوا
«تحرير» المدينة عبر مكبرات الصوت وحثوا الناس على الانضمام إلى جهادهم ضد الحكومة
[2]. وأمهلوا القوات الأمنية ساعتين لإلقاء اسلحتهم وتسليم انفسهم. وقتل المسلحون ثلاثة
من أفراد حماية وزير العلوم والتكنولوجيا عبد الكريم السامرائي، بعد اقتحامهم منزله
في وسط سامراء.
5) أعلن قائد القوات البرية الفريق علي غيدان، في بيان
صحافي، عن «مشاركة 300 آلية عسكرية مدعومة بسلاح الجو في عملية تحرير المدينة من المسلحين
وفك الطوق الذي ضربه تنظيم داعش حول مرقدي الإمامين العسكريين»، إضافة لاشتراك مجموعة
من الفرقة الذهبية (جهاز مكافحة الارهاب) في عملية تطهير المدينة من المعتدين. علما ان سامراء فيها أصلا
ثلاثة الوية من الجيش والشرطة، إضافة لقيادة عمليات سامراء. إنّ التحصينات الأمنية
والكثافة العددية وسرعة إرسال التعزيزات والدعم الجوي إلى سامراء ليست متاحة لمدن
محافظة صلاح الدين الأخرى، الأمر الذي يجعلها عرضة للسقوط بأيدي مسلحي بقليل من
الجهد.
6) انسحب مسلحو «داعش» من حيث أتوا؛ إلى مناطق تل حِمرين
والعظيم باتجاه ديالى، وغربي المحافظة باتجاه بحيرة الثرثار. تحدث سكّان محليون
لوسائل الإعلام ان هناك مناطق آمنة تضمّ معسكرات لـ«داعش» كما في منطقة «العين
البيضاء» في قضاء الشرقاط التابع لمحافظة صلاح الدين والذي يقع في شمالها، إضافة
لقرى ومقاطعات اصبحت آمنة بعد ان عقدت القوات الحكومية و «داعش» والفصائل المسلحة الأخرى اتفاقية هدنة غير
مكتوبة على عدم التقاتل في تلك المناطق. وهذا يذكّرنا بالاتفاقيات المشابهة التي عقدتها
نفس الاطراف في محافظة الانبار [4]. وفي كل الاحوال فإنّ «داعش» يستثمر كل مزايا
الصحراء لصالحه.
7)
كان
لقوات طيران الجيش دورا اساسيا في حسم المعركة وإنهائها بسرعة لصالح القوات
الحكومية.
8)
يسعى
تنظيم «داعش» لمحاصرة بغداد وإعادتها إلى اجواء 2004 – 2008، من خلال السيطرة على
المناطق المحيطة بها، وهو أمر حاصل كليا أو جزئيا، ومهاجمتها منها متى شاء، وهذا
أمر حاصل أيضا.
لم ينسحب ارهابيو «داعش» لصحوة ضمير مفاجئة، بل
لأن هناك ابطالا في القوات الحكومية وقفوا
بمواجهتهم وردوهم على اعقابهم مهزومين. لهؤلاء الابطال مِنـّا كل الحب والاعتزاز
والامتنان.
المراجع
[1] جريدة
الأخبار اللبنانية، تراث العار: عن الذين نبشوا قبور آل النبيّ وصحبه، جعفر
البكلي، العدد 2298، 20 ايار 2014.
[2] جريدة السفير اللبنانية، «داعش» يطرق أبواب
سامراء، 06 حزيران 2014.
[3] صحيفة الأخبار اللبنانية، العراق والمنطقة
ينجوان من الانفجار الكبير، مصطفى ناصر ومحمد نزال، العدد 2310، 05 حزيران 2014.
[4]
احمد هاشم الحبوبي ـ أرض
السواد، «القاعدة» في باديتي الانبار والشام.
لمزيد
من التفاصيل عن غزوات «داعش»، اقترح قراءة المواضيع التالية:
غزوة عكاشات: http://anahabobi.blogspot.se/2013/10/blog-post.html