احمد هاشم الحبوبي |
هناك رؤيتان لـ«اليوم التالي»
الذي يؤرخ لنهاية الحرب الدولية والإقليمية في سوريا؛ الأولى يؤمن اصحابها بأن نظام
الرئيس بشار الأسد، مستندا على صلابة قاعدته الشعبية العريضة وبسالة الجيش العربي السوري،
سينتصر لا محالة على «قوى الإرهاب المدعومة من قوى الاستكبار والرجعية». أما الثانية
فيرى اصحابها انه طالما ان كل قوى العالم الخَيـِّرَة قد اجتمعت لنُصرة الشعب السوري
الطامح نحو الحرية، فإنّ النصْرَ لا بدّ سيكون حليفه.
بغَضِّ النظر عن المنتصر؛
ستخرج سوريا مجردة من كل مكاسبها التي حققتها عبر جهد عقود طويلة من البناء والتنمية
في البنى التحتية، بالذات في مجاليْ الإسكان والزراعة. فسوريا هي البلد العربي الوحيد
الذي حقق اكتفاء ذاتيا في القطاعين المذكوريْن. وهذا ليس انجاز أسرة حاكمة أو رئيس.
يقول الرئيس الأسد: «نحن
نرى الآن نتائج التخريب بالنسبة للبنى التحتية وبالنسبة لتخريب الفكر في سورية، فهذا
يعني حتى لو ربحت الدولة فستكون دولة ضعيفة. هذا ما يهدف إليه الغرب من هذا الدعم،
بغض النظر عمن ينتصر؛ انتصرت الدولة أو انتصرت القاعدة أو غيرها. بالمحصلة سورية ستدفع
الثمن وسيكون الثمن غاليا. ولكن بنفس الوقت هذا الغرب لا يعرف أو ربما يعرف ولا يعي
الآن بأن هذا الإرهاب سيعود إليه وقد بدأت الصحافة الغربية تتحدث عن مخاطر عودة هؤلاء»
[1].
وقد نشرت صحيفة «الوطن»
السورية دراسة اعدها الخبير في الشؤون العقارية عمار يوسف، ان عدد المنازل المهدمة
كليا أو جزئيا بلغ « 535 ألف منزل»، وأن المنازل التي تهدّمت بالكامل تقدّر بحدود
390 ألف مسكن. وأكدت الدراسة أن بعض تلك المساكن كان يقيم فيها أكثر من عائلة، وشملت
هذه الفئة مدناً ومناطق السكن العشوائي، وهي الرقم الأكبر والصعب من حيث عدد الأسر
التي تم تهجيرها في هذه المناطق، ما يجعل العائلات المشردة أو التي لم يعد لديها مسكن
لتعود إليه ما يزيد على 700 ألف عائلة بمعدل وسطي من 4 أفراد، ما يجعل العدد الإجمالي
للمواطنين المشردين ما يقارب مليونين وثمانمائة ألف مواطن، بعضهم خارج سوريا والآخرون
موزعون بين مراكز الإيواء وبين بعض أقاربهم، وبعضهم مستأجر.
أما المساكن المتضررة جزئيا،
وأغلبيتها ضمن المناطق النظامية، فقد بلغ عددها الإجمالي نحو 475 ألف مسكن، تتراوح
أضرارها بين تحطم الزجاج إلى حد وانهيار جزء من المسكن وأشياء أخرى مما لا يخرجه من
الخدمة ويمكن ترميمه واستعماله مجدداً، ولو ضمن ظروف غير مثالية مع حساب دور الأمان.
في حين قدّرَ عبد الله
الدردري، النائب السابق لرئيس الوزراء السوري والذي يشغل حاليا منصب كبير الاقتصاديين
في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) حيث يعكف على إعداد
خطط لإعادة إعمار سورية بعد انتهاء الحرب، عدد المساكن المتضررة بمليون ومئتي ألف وحدة
سكنية، تبلغ تكاليف إعادة بنائها، مع بناها التحتية، ثمانية وعشرين مليار دولار وثلاثين
مليون طن من السمنت سنويا [2].
أي ان السوريين سينشغلون
لعقود قادمة في إعادة إعمار ما دمرته الحرب الاهلية بدلا من ينشغلوا بتوفير وحدات سكنية
جديدة تغطي متطلبات النمو السكاني الطبيعي، كما كانوا يفعلون في السابق.
وتبقى دقة هذه التقديرات
والدراسات رهينة بوقت اصدارها فحسب، فمسلسل التدمير متواصل وبوتيرة متصاعدة، لتضيف
مزيدا من الابنية المتضررة والمـُهدّمة والبنية التحتية المتداعية.
أما الذين يرون خلاص سوريا
بزوال حكم الأسد، فهم واهمون، فمسلسل الدمار سوف لن ينتهي بنهاية حكمه. ولن ينعم الشعب
السوري ولو باستراحة قصيرة، ففي «اليوم التالي» ستنغمس الفصائل السورية المسلحة، بكافة
اطيافها، في دوامة عنف جديدة لا تقل ضراوة عن التي سبقتها، عندها ستدخل سوريا بعد زوال
نظام الأسد في مرحلة الضياع والاضطراب. وهذا أمر حتمي سبقها إليه العراق وتونس ومصر
وليبيا، وإلى حد ما، اليمن. وسيكون للتنظيمات التكفيرية اثناء ذلك صولات وجولات ستهز
كيان المجتمع السوري إنْ حاولت القوى السياسية السورية الأخرى تقليم مخالب التنظيمات
المذكورة وتحجيم دورها في سوريا الجديدة، دون ان ننسى التزاحم الذي سينشب بين تنظيم
«الإخوان المسلمين» والتيارات الحزبية السورية الأخرى، وكيف سيلعب «الإخوان» بورقتي
الإرهاب والطائفية لإضعاف حلفاء الأمس وتهميشهم.
تدّعي القوى الإقليمية
والدولية التي تموّل صفقات السلاح وتجنيد المسلحين بمليارات الدولارات، أنها انما تفعل
ذلك لكي ينعم السوريون بالحرية والديمقراطية. ولكن يبدو ان السوريين سينعمون بحريتهم
وهم في العراء، أسوة بأشقائهم العراقيين الذين لم يحصدوا من الحرية سوى الدمار والموت
ودولة فاشلة.
المراجع
[1] لقاء تلفزيوني
للرئيس بشار الأسد مع قناة الاخبارية السورية في 17 نيسان 2013.
[2] تصريح لعبد الله
الدردري مع وكالة رويتر، بيروت في 9 ايار 2013.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق