احمد هاشم الحبوبي |
احمد هاشم الحبوبي
مقال منشور في 30/11/2010
العراق ليس أول الدول التي يستهدفها الإرهاب ولا آخرها. وقد
طورت كل دول العالم من وسائلها في مواجهة الإرهاب، فنجحت في قطع دابره أو حجمت من نشاطه
إلى اقل قدر ممكن. امّا العراق، فقد استباحه تنظيم القاعدة والتنظيمات الأخرى التي
شرعت باستخدام العنف ضد المدنيين كوسيلة لإضعاف نظام الحكم.
ومنذ العام 2003
تجاوزت أعداد ضحايا العنف في العراق، مجموعَ من سقطوا في كل أرجاء المعمورة بأضعاف
مضاعفة. وكاد العنف ان يودي بالبلد إلى حرب أهلية لولا تعزيز القوات الأميركية لعديد
قواتها وتأسيسها لقوات الصحوة، إضافة لعزيمة رئيس الوزراء نوري المالكي وأعضاء حكومته
التي لم تلن يوما في إدارة المعركة مع الإرهاب والميليشيات المسلّحة في تلك الأيام
العصيبة. ولكن كل ذلك لم يفت في عضد القاعدة، فبعد فترة سبات أو إعادة تنظيم استغرقت
شهورا، أطلق التنظيمُ عنانَ كوادره الشريرة ليدمروا كل ما يمكن أن يطالوه من أهداف
للإيقاع بأكبر عدد من الضحايا والتسبب بأكبر ما يمكن من الأضرار المادية. والتفجيرات
والاعتداءات مستمرة بوتيرة متصاعدة دون أن تلوح أية بارقة أمل في الأفق للحد منها على
الرغم من أنّ القائمين على الأمن يبذلون كل ما بوسعهم.
وكما هو معلوم عند الجميع، فكل التنظيمات المسلحة لديها قيادات
وزعامات. وهؤلاء الزعماء لديهم رسالة وخطاب سياسي يريدون إيصاله. ولكنهم، للأسف، يفضلون لغة قتل الأبرياء
للتعبير عن وجهات نظرهم. وهذا يسري على «تنظيم القاعدة»، بل هو الغالب على سلوكهم.
وما يعزز وجهة النظر هذه هو التناغم الدقيق بين توقيتات التفجيرات وبين الأزمات التي
تعصف بالمشهد السياسي في وطننا. ولا أقصد ان الإرهابيين يعملون لجهة ما بعينها، ولكنهم
يستثمرون أوقات الأزمات ليحققوا وقعا أشد على الصعيدين السياسي والاجتماعي.
اننا لا نستطيع ان نفعل كما فعلت أميركا حين اعتمدت إجراءات
صارمة بحق القادمين إليها وأخضعت الأجانب القادمين إليها لمعايير صارمة قبل السماح
لهم بدخول أراضيها، بل حتى قبل ركوب الطائرات القادمة إليها. ويساعدها في ذلك موقعها
الجغرافي بين المحيطات، امّا حدودها البرية فهي مع دول ليست مصدّرة للإرهاب كما هو
الحال عندنا.
اما إسرائيل، فبعد ان تيقنت من استحالة الحد من الهجمات الانتحارية،
لجأت إلى بناء جدارٍ عَزَلَ المدن التي يعيش فيها فلسطينيو 1967 عَزْلاً تاما عن إسرائيل.
وأخْضَعَت دخولهم إلى الأراضي الإسرائيلية لإجراءات صارمة لا تقل صرامة عن تلك الأميركية.
واستعان العراقيون بنظرية الجدران العازلة تلك وأحاطوا أحياءَ
بغداد بجدران عازلة لتوفير الحماية لسكانها ولكي يحققوا سيطرة اكبر على المدينة المترامية
الأطراف أثناء "شبه الحرب الأهلية" التي عشنا مآسيها في العامين 2006 و
2007. ولكن الجدران العازلة ليست مؤهلة لأي دور في المعركة ضد الإرهاب في الحالة العراقية
لأن الداخل غير مؤَمَّن كما في الحالتين الأميركية والإسرائيلية.
امّا النموذج الجزائري، فبعد فترة صراع مريرة بين القوات
الحكومية والإرهابيين القتلة أيقنت الحكومة ان المعضلة سوف لن تحل ابداً بالمواجهة
العسكرية إذا لم تصاحبها إجراءات أخرى أهمها هو مد جسور الحوار مع التنظيمات المسلحة.
وهذا ما فعله الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي أصدر عفوا عاما عن المسلّحين
ومد جسور الحوار مع قياداتهم.
وهذا ما فعلته مصر والمملكة العربية السعودية إلى حد بعيد
أيضا. وهذا ما فعلته أميركا في العراق حين فتحت قنوات الحوار مع غالبية التنظيمات المسلحة
في العراق واستطاعت ان تقلب ولاءهم وحولتهم من خصوم إلى قوات متعاونة معها ومع الحكومة.
وهذا النموذج هو الأنسب لنا.
ان الاستفادة من تجارب الآخرين أمر مفيد ويختصر الزمن والجهد.
حيث أثبتت تجارب الأمم التي عانت وتعاني من الإرهاب، ان الحل العسكري، رغم أهميته،
غير كاف أبدا للخلاص من تلك الآفة. ان أوجه الشبه بين الحالة الجزائرية وبيننا كثيرة،
بل انها متطابقة في أغلبها، وهذا يجب ان يدفع المختصين للاستفادة من خبرة الجزائر في
هذا المجال لتطبيقها على الأرض العراقية. لقد أثبتت حوادث الأيام بأننا بحاجة ماسة
لتبنّي عقيدة جديدة في معركتنا الطويلة والقاسية مع الإرهاب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق