السبت، 23 يونيو 2012

اين ذهبت الخمسمائة مليار دولار


الدفاع عن الذمة المالية للحكومات التي تعاقبت على حكم العراق أمر محفوف بالمخاطر، ولكن الإنصاف أمر أخلاقي يجب أن لا يتخلى عنه المرء حتى ولو كان على حساب قناعاته.
حكوماتنا ليست هي وحدها الفاسدة، فالكادر الحكومي يشكو من فساد متوطن في كل مفاصل الدولة، وأشدد على "كل مفاصل الدولة"، فالفاسدين متوطنين في وزارة الصحة كما في وزارتي الداخلية والدفاع، وهم متمترسون في هيئات الاوقاف كما في وزارتي الاسكان والبلديات، ووزارة التجارة ارتضى بعض القائمين عليها ان يتركوا قسما من العراقيين يتضورون جوعا لكي يثروا حساباتهم الشخصية. وليست بعيدة عنهم كل الوزارات والدوائر الأخرى. ومن يثبت عكس ذلك فليرمني بحجر.
هؤلاء الموظفون الفاسدون المرتشون لم يخلقوا من العدم بل هم نتاج أنظمة حكم فاسدة يمتد عمرها لمئات السنين. والعهد السابق لم يخلو من الفاسدين، فغالبية فاسدي اليوم هم نتاج العهد السابق، وهم ليسوا بالضرورة ان يكونوا بعثيين او غير ذلك، بل هم فاسدون وحسب. الفرق بين فاسدي الأمس واليوم هو أنهم أكثر عطاء واقل طمعا، والسبب ليس عفة انفسهم او وجود بقية من ضمير لديهم، بل لقوة الدولة سابقا وقدرتها على المحاسبة وتنفيذ عقوبات مشددة تردع هؤلاء الموظفين وترغمهم على الانجاز.
اما الخمسمائة مليار دولار التي ما برح مسعود بارزاني يتباكى على ضياعها، فلا يعدو ذلك عن تجاوز على الحقائق، ورهان على تغييب وعي الجماهير. فخمسة وثمانين مليارا منها هي بحوزته هو شخصيا لأنها تمثل 17% التي هي حصة اقليم كردستان.
وإذا ما علمنا إن الميزانية التشغيلية للدولة تبلغ 60%، أي 300 مليار دولار على مدى السنوات الماضية. هذه المصروفات ليست قابلة للجدال، فلا بارزاني ولا اي موظف عراقي أعاد راتبه للدولة.
وتبقى حصة تعويضات الكويت بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي التي تبلغ 5% من واردات العراق السنوية، أي 25 مليار دولار.
بين ثنايا هذه الأرقام، هناك مليارات ضائعة بددتها الحكومة العراقية يمينا وشمالا بسبب سوء الإدارة وضعف التخطيط ومحاباة إقليم كردستان على حساب بقية أنحاء العراق وبالذات جنوبه المحروم المهدم. ولا ننسى العقود الساذجة التي وقعتها الدوائر الحكومية مع محتالين ونصابين دوليين جاءوا إلى العراق بهيئة مقاولين، ووقعوا عقودا مع الدوائر الحكومية، وهربوا بعد أن قبضوا الدفعة المالية الأولى ليبقى المشروع معلقا حتى إشعار آخر. وكانت آخر تلك المآسي، هي المقاول العراقي الاسترالي الجنسية جمال عبد الواحد الذي هرب بمائة مليون دولار بعد أن وقع عقدا لإنشاء ثلاث مستشفيات في بغداد والديوانية وديالى. وقد احتالت إحدى الشركات على وزارة النفط العراقية لتزويدها برافعات وآليات أخرى مقابل بضعة ملايين من الدولارات، وحين الاستلام اكتشفت الوزارة أن الشركة المتعهدة قد أرسلت رافعات شوكية على شكل لعب أطفال وليس رافعات حقيقية، وبلعت الوزارة المقلب وتمت طمطمة القضية حالها حال سابقاتها.
مسلسل مخز من الفساد الممزوج بالغباء وسوء التدبير يصحب اغلب تعاقدات الدولة، ويبقى اعتماد اقل العطاءات هو العقبة الكأداء التي تعيق إحالة العطاءات على شركات عالمية رصينة مشهود لها بالكفاءة والخبرة والنزاهة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...