الأحد، 24 يونيو 2012

مسعود بارزاني والانغماس في الاشتباك الشيعي - السنّي


احمد هاشم الحبوبي
من كل بقاع الشرق العربي تصدح الجماهير بعالي الصوت: لا شيء أسمى من نصرة الطائفة، فانشطرت المنطقة إلى فريقين، شيعي وسني، لا ثالث لهما بعد أن شاءت الإرادات الإقليمية والمحلية في الشرق الأوسط أن تُغـَلـِّبَ العنوان المذهبي على التحول الكبير الذي جرى في العراق والذي سيجري في سوريا، سواء تغير النظام الحاكم أم لا.

بات الاشتباك الشيعي – السني من الحِدّة بحيث انه أذاب الواجهات السياسية التي تمثل المكونات المجتمعية الأخرى لتنغمس في هذا الاشتباك، ففي لبنان، حيث الاشتباك المذهبي على أشده منذ اندحار الاحتلال الإسرائيلي عام 2000، انشطر الدروز والمسيحيون بين متحالف مع الشيعة ومتحالف مع السنيين.

أما أكراد شمال العراق، وهم في غالبيتهم مسلمون سنّيون؛ فقد نأوا بأنفسهم عن النزاع المذهبي المحتدم في العراق منذ أكثر من تسع سنوات. وحرصت كل التيارات السياسية الكردية، وحتى الإسلامية منها، على تقديم الانتماء القومي على أي انتماء آخر واختاروا الحياد الطائفي. وكان كلا الطرفان (الشيعي والسنـّي) حريصين على إرضاء الأكراد لإبعادهم عن الاصطفاف مع الطرف الآخر. وقد جنى الأكراد الكثير من الفوائد جراء ذلك، أهمها؛ الميزانية العالية والمناصب السيادية والوزارية والعسكرية والدبلوماسية التي لا تتناسب أبدا، لا مع ثقلهم النيابي ولا نسبتهم السكانية.

إلا أن مسعود بارزاني، وبعد قراءة مُعَمـَّقة للوضع الإقليمي والمحلي، قرر التخلي عن حياده الطائفي، فعلاقات العراق مع الجوار السني [السعودية وتركيا] في أسوأ أحوالها، والدولتان عازمتان على إزاحة نوري المالكي بكل ما أوتيتا من إمكانيات. أما إيران، الحليف التقليدي لأكراد العراق، فهي ليست على ما يرام؛ فالإيرانيون يرزحون تحت وقع حصار اقتصادي محكم وشامل يشتد وقعه يوما بعد الآخر، مع تزايد احتمال تعرضهم لضربة عسكرية ساحقة ستكون تداعياتها اكبر بكثير من أثرها المادي، ولا ننسى انكفاء الحليف السوري الذي تحول من لاعب أساسي في الشرق الأوسط إلى كيان متهاوٍ مصيره رهن إرادات الخارج.

أما العامل المحلي الذي أطاح بحياد بارزاني من عليائه؛ فهو التململ الحكومي [ = الشيعي] من تمادي سلطة إقليم كردستان في التمدد خارج حدود الإقليم، وعقد الاتفاقات النفطية دون الاكتراث لنداءات الحكومة المركزية. وبذلك فَقـَدَ الوقوف على الحياد احد أهم مبررات استمراره، فشَمَّرَ بارزاني عن ساعديه لإزاحة نوري المالكي الذي يريد أن يقلـِّم امتدادات اربيل المخالفة للدستور. لقد فعلها المالكي في عز انتشاء بارزاني بتسلطه واعتقاده بأنه بات يتحكم بالعراق بأكمله لا إقليم كردستان فحسب.

بدأ بارزاني يغادر حياده الطائفي عبر بوابة سوريا بالتنسيق مع تركيا، فعمل على تجميع القوى الكردية السورية لتقوية وضعهم التفاوضي في مرحلة ما بعد بشار الأسد. وكشفت جريدة السفير اللبنانية بتاريخ 20-06-2012، أن مسعود بارزاني لم يسعى لتوحيد القوى الكردية السورية فحسب، بل عمل على إنشاء ذراع عسكري أيضا. وأكدت "السفير" انه تم تدريب 1800 مجندا كردي سوري في معسكر تدريب قرب اربيل، وكان كل مجند يتقاضى 400 دولار شهريا. وبينت "السفير" أن ما أريد من هذا التشكيل العسكري هو فتح جبهة جديدة ضد الجيش السوري ومنافسة الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يشكل الجناح السوري  لحزب العمال الكردستاني في تركيا. وهذا بالتأكيد مخالفة صريحة لموقف العراق الرسمي المحايد عمليا والمتوجس نظريا من مآل أزمة سوريا.

مسعود بارزاني ووليد جنبلاط اثناء زيارة الاخير لأربيل في كانون الأول 2011
أن مراجعة سريعة لسجل لقاءات بارزاني تعزز ما نذهب إليه ، فبتاريخ 12-01-2012، التقى في اربيل ببـرهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري السابق الذي يرفض التفاوض مع الحكومة السورية ولا يقبل إلا بتغيير النظام بشتى الوسائل. وكان قد اجتمع قبلها مع الزعيم الدرزي المُتَقلـِّب وليد جنبلاط الحليف القلق لشيعة لبنان، الذي طلـَّقَ بشار الأسد بالثلاث، وبات إعلان انقلابه على الحليف الشيعي مسألة وقت ليس إلا. وبعدها التقى بارزاني بسمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية المسيحي، حليف حزب المستقبل السنّي، والخصم اللدود للشيعة اللبنانيين وبشار الأسد. لا يمكن أن تكون الصدفة وحدها هي المسؤولة عن ترتيب هكذا لقاءات تحمل لونا واحدا، دون أن يقابلها ولو لقاء واحد لشخصية من اللون الآخر.

مسعود بارزاني وسمير جعجع أثناء زيارة الأخير لأربيل في كانون الثاني 2012.
على الجانب الآخر من كردستان العراق، في السليمانية بالتحديد، لا يشارك جلال طالباني مسعودا فيما ذهب إليه، فقد عبر عن قلقه من مرحلة ما بعد بشار الأسد، كما انه [طالباني] مازال يرى في الإيرانيين حليفا أصيلا وجاراً يُهاب، ولا ينبغي التنكر لعلاقات تاريخية راسخة استنادا لقراءة سطحية ساذجة لمجريات الأحداث في المنطقة.

إن مجريات الأحداث تشي بأن مسعود بارزاني ماض في تبديل كل تحالفاته، الإقليمية والمحلية، وانه ليس بصدد الأخذ بنصيحة زميله جلال طالباني الذي يعرف جيدا كيف أن إيران لن تغفر أبدا لمن يعبث بمجالها الحيوي، وكذلك العرب، فمهما اختلفوا فيما بينهم، إلا أنهم لن يفرطوا بوحدة الوطن وترابه.

ahabobi@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...