احمد هاشم الحبوبي |
في ساعة سوداء
من فجر الثاني من آب سنة 1990، أقدم نظام الحكم السابق في العراق على احتلال دولة الكويت
الجارة العربية الشقيقة بحجة مساندة ثورة اندلعت ضد الحكم القائم فيها. وتتابعت الأحداث
بإعلان الحكومة العراقية السابقة ضم دولة الكويت واعتبارها المحافظة التاسعة عشرة تحت
شعار عودة الفرع للأصل على اعتبار أنّ الكويت كانت جزءاً من ولاية البصرة. وتمّ ذلك
وسط دهشة واستنكار الشعبين العراقي والكويتي والمجتمع الدولي.
وبحزم دولي سريع
غير مسبوق أَخـْرِجَ العراق من الكويت، وأجْبـِرَ على الاعتراف بوجوده واستقلاله، بل
اقــْتـُطِعَتْ أراضٍ كانت خاضعة للسيطرة العراقية وأعطيت للكويت بعد أن عادت لجان
الأمم المتحدة إلى الخرائط القديمة، وأوجبت على العراق أن يعوض كل المتضرريـن من مغامرته
البائسة تلك. وعانى العراقيون من ويل تلك المغامرة الرعناء الكثير وما زالوا
يدفعون تعويضات لكل الاطراف التي تضررت من جراء ذلك العدوان.
ويشير واقع الأحداث
في كركوك أن الأحزاب الكردية في العراق ترتكب نفس الخطيئة، فهم يدّعون كردستانية المدينة
ويصرون على ضمّها لإقليم كردستان العراق (يتكون حاليا من ثلاثة محافظات هي السليمانية
ودهوك وأربيل) رغما عن إرادة مواطني المدينة المُقيمين على ارضها ودون أي اعتبار لرغبتهم
في التبعية للمركز بدلا من الإقليم. ويحتج الساسة الأكراد بأن العرب المقيمين في كركوك
هم من نتاج عملية التعريب التي انتهجتها الحكومات العراقية السالفة (رغم أن الأحزاب
الكردية نفذت سياسة تكريد مفضوحة ووقحة وأكبر بكثير من التعريب الذي نفذه النظام السابق)،
وأن التركمان أعدادهم قليلة بما لا يعطيهم الحق في تقرير مصير المحافظة.
ولكن معطيات وأرقام
تعداد 1957 تدحض تلك الادعاءات تماما، حيث تشير الإحصائية المذكورة الى أن:
·
مجموع سكان مدينة
كركوك عام 1957 كان 120 ألف نسمة يصبح 388 ألف نسمة باحتساب القرى والأرياف التابعة
لما كان يسمى حينئذ «لواء كركوك».
·
نسبة العرب في
مدينة كركوك تقدر بنحو 22%، فيما ان نسبتهم في «لواء كركوك» هي 28%.
·
بلغت نسبة الأكراد
في المدينة 33%، وفي اللواء 48%
·
يمثل التركمان
الذين تم وصفهم إدارياً بـ«الترك» نسبة 37% في كركوك المدينة، ونسبة 21% في لوائها.
·
تذكر الإحصائية
نسباً للكلدان والسريان والإيرانيين والانكليز والهنود والفئات التي لم تكن لغتها واضحة
المعالم وتوصف بأنها خليط من الأكراد والعرب والتركمان وقدرت نسبتها بـ 4% في المدينة
و 1,5% في اللواء.
·
أي انه عملياً
كان العرب والتركمان يشكلون ثلثي مدينة كركوك في ذلك العام وأكثر من نصف السكان في
لواء كركوك.
لقد كان احد أهم
أسباب الانتقال إلى كركوك والعيش فيها هو توفر فرص العمل بسبب اكتشاف النفط فيها والمباشرة
باستخراجه من قبل الشركات النفطية، ولا ننسى قبلها انفتاح مقاطعات الدولة الإسلامية
والعثمانية أمام التنقلات السكانية القومية والعرقية والدينية لأنهم كانوا يتنقلون
ضمن ارض الدولة الواحدة. إننا لم نسمع ولم نقرأ أن احدا من مكونات كركوك جاء غازيا
واستقر فيها رغما عن إرادة سكانها الآخرين دونما أي مانع أو رادع. ولم يصاحب تلك التحولات
السكانية الكبيرة أية مشكلة بسبب توفر الخيرات المتمثلة بالمياه والأرض الصالحة للزراعة
والمراعي، وهذا التواجد ولــّد حقوقا تاريخية للسكان الموجودين على الأرض من غير الممكن
إنكارها أو تجاوزها، فقد تكاثروا وتزاوجوا وباعوا واشتروا، وتتابعت أجيال لا تعرف أرضا
أو أهلا لها غير الذين في كركوك. وهذا يشمل الذين انتقلوا للعيش في كركوك بمباركة وتشجيع
السلطات الحكومية آنذاك.
إن ارتفاع سقف
مطالب الأحزاب الكردية وتعنتها وتشددها اتجاه الآخر الشريك في الأرض والوطن بات يهدد
مكاسبها وإنجازاتها سواء على صعيد الإقليم أو على صعيد علاقتها بالمركز. وبدأ العراقيون
يتساءلون بصوت عال عن الحد الذي ستتوقف عنده عنجهية الساسة الاكراد وتهديداتهم، فمرات
كثيرة يهددون بالتمرد والعودة إلى السلاح لتلبية مطالبهم الغير قابلة للنقاش والجدل،
ومرات اقل يهددون بالمقاطعة السياسية. وطبعا هذا حقهم الطبيعي والمشروع الذي كفله لهم
الدستور، وإذا ما نفذوا تهديدهم بالمقاطعة، فليس من الواضح كيف سيتصرف العاملون في
أعلى هرم الحكومة المركزية من رئيس الجمهورية ورئيس أركان الجيش ونائب رئيس الوزراء
والوزراء ووكلاء الوزارات من الأكراد الموجودين بأعداد لا تتناسب أبدا ونسبتهم السكانية
ولا مع كفاءاتهم. فمن المعلوم أن توزيع السلطات والنفوذ والامتيازات بين الساسة الاكراد
يعتمد النظام العشائري والعرقي، وقد ساعدت مناصب بغداد على تخفيف الضغط والاحتقان فيما
بينهم، ودليلنا على ذلك أن الأزمة لم تنفرج بين جلال طالباني والشيخ مسعود البرزاني
إلاّ بعد أن تقاسما الرئاستين، الأول في بغداد والثاني في الشمال، وبعدها استطاعا أن
يوحدا حكومتي السليمانية وأربيل بحكومة واحدة، ولم تتوحد وزارتا مالية ودفاع كل من
محافظتي اربيل والسليمانية إلى يومنا هذا.
ليس أمام الساسة
الاكراد سوى تخفيض سقف مطالبهم وجعلها واقعية ومنطقية وممكنة التحقيق. وأدعو الساسة
الاكراد أن لا يخطئوا قراءة الواقع الإقليمي والدولي، فقد مللنا وسئمنا من قراءاتهم
الخاطئة ومما جلبته علينا من ويلات وعذابات.
ان الساسة الأكراد
ليسوا معنيين بشيء سوى تأمين مصالح إقليمهم وانتزاع امتيازات وعوائد بنسب تتجاوز
بكثير نسبتهم السكانية وبما يتجاوز على حقوق بقية المحافظات. ولست ادري لماذا لا نكون
واقعيين ونناقش «الوضع النهائي». علينا ان لا ننسى انهم هم من طلبوا ان يكونوا تحت
السيادة العراقية، ومن حقهم ان يستغنوا عن ذلك وقتما يريدون، ولكن عليهم ان يعرفوا
ان للزمن استحقاقاته.
وإنني ادعو
الله بكرة وأصيلا أن يفعلها جيراننا الأكراد وينفصلوا عن العراق ويعلنوا دولتهم
المستقلة. ولكن، للأسف، لا ضوء في نهاية النفق؛ فبعد أن كنت اتهلل فرحا حين كان
مسعود برزاني يهددنا بالانفصال بين الحين والآخر، صمت هذه الأيام تماما وبات الأكراد
يتهموننا بدفعهم نحو الاستقلال، وهم يريدون البقاء في العراق الفدرالي الدستوري
الاتحادي.
وسبحان مُغيّر
الاحوال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق