الأحد، 30 ديسمبر 2012

اسفاف في جريدة المدى

تمثال الملك فيصل الاول، وتظهر في اعلى الصورة علم اخضر يرمز لراية ابي الثوار الامام الحسين. كِلا المكان والكيفية
كانا غير مُوّفقيْن. وقد ادى نشر هذه الصورة الى اندلاع سجال محموم تبادل خلاله مئات العراقيين السباب والشتائم لم يوفروا 
فيه الملك فيصل الاول والسيد محمد باقر الحكيم، الذي صادف وجود صورته في المشهد.



يشهد البد اسفافا اعلاميا غير مسبوق، واخطر ما نواجهه الآن هو انغماس بعض اعلاميي البلد بتأجيج سعير الطائفية بشكل مباشر. وحيث أننا نعيش في بحبوحة من وسائل التواصل الاجتماعي؛ فإن هكذا اسهامات بائسة تنتشر كالنار في الهشيم عبر صفحات فيسبوك وتويتر والبريد الالكتروني، بعد أن يعبئها المشتركون بأحط الشتائم والتنابز الطائفي الذي لا يوفر رمزا، دينيا كان أو عاديا.
وآخر اسفاف كان ما طلعت به علينا جريدة المدى الكردية بتاريخ 23-12-2012، حيث نشرت خبرا بعنوان « جهات مجهولة تشوّه تمثال الملك فيصل في بغداد وتخفي وجهه براية حسينية» جاء فيه: «فوجئ العراقيون يوم امس بصورة يتداولها مستخدمو فيسبوك، تظهر تمثال ملك العراق فيصل الاول، وقد ثبتت راية حسينية على رأسه بحبل طوق عينيه وأخفى ملامح وجهه».
إنني اضم صوتي مع المعترضين على هذا الفعل،  فالطريقة التي علقت بها الراية كانت بمنتهى البؤس، حيث اقدم الفاعلون على تكميم وجه التمثال بالقماش لإحكام تثبيت الراية.
ولكن ما أنا لست معه أبدا هو الطريقة الانتقائية في ابراز تعليقات النواب والمسؤولين الحكوميين التي اتبعها محرر الخبر، حامد السيد، لتتطابق بالضبط مع الوضع السياسي السائد، فنائب عن التيار الصدري استنكر ذلك التصرف وأكد أن «الملك فيصل رمز وطني يجب أن تصان حرمته». أما النائب رافع عبد الجبار (التيار الصدري) فقد قال أن «عملية نصب الرايات على النصب والتماثيل الوطنية، ممارسة لا تليق بأهداف وثورة الامام الحسين»، وأكد رافع عبد الجبار أن «العراق يحتاج الى من يوحده ويرص صفوف مواطنيه دون اثارة لمكون على حساب مكون اخر او طائفية على حساب طائفة أخرى»، في اشارة إلى أن ملك العراق الراحل سنّي المذهب.
وجاء رأي التحالف الكردستاني على لسان وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي الذي دعا «الجهة التي علقت راية عاشوراء الى ازالتها من نصب الملك الاول، والمحافظة عليه، لأنه نصب يمثل العراق وليس لجماعة معينة». ولا ادري لِمَ لمْ يبادر وكيل وزارة الثقافة بإرسال بضع عشرات من حمايته أو موظفيه لإزالة التجاوز الحاصل، فهو معني إلى حد كبير بصيانة معالم بغداد الثقافية من الضرر.

ويضيف المحرر: «لكن اغرب التعليقات على الاساءة لتمثال الملك جاءت من نواب مقربين من رئيس الحكومة نوري المالكي»، فرئيس لجنة الثقافة النيابية علي الشلاه قال ان «ملاحقة اصحاب الفتن والطائفية في العملية السياسية اولى من تحشيد الرأي حول نصب او تمثال هنا او هناك». أما علي العلاق، وهو رئيس لجنة الأوقاف، فقد قال أن «هذه القضايا لا تحتاج لموقف مسؤول لأنها عفوية والبرلمان غير معني بها مطلقا»، وأن «كشف الطائفيين في مناطق غرب العراق، الذين يخططون لحرب اهلية اجدر بالمتابعة الصحفية من غيرها».
وكان لهذا الخبر أن ينتهي مع صدور عدد جديد من الجريدة، لولا ما اقدم عليه الإعلامي سرمد الطائي الذي يعمل في نفس الجريدة، فقد نشر على صفحته في فيسبوك صورة لتمثال الملك فيصل مع الراية. ولسرمد ما يقارب التسعة آلاف صديق على صفحة الفيسبوك خاصته، انطلق بين بعضهم سجال مأزوم كان ابرز ضحاياه العراق والإمام الحسين والملك فيصل والسيد محمد باقر الحكيم، الذي كانت صورته ظاهرة خلف التمثال، الذين أسيء لهم بأقسى العبارات.
لقد استنكر سرمد تلك التعليقات إلا انه لم يحذفها. وقد كتبت له رسالة شخصية، رجوته فيها أن يحذف التعليقات المسيئة أو يحذف الخبر، إلا انه اجابني برسالة شخصية انه لن يزيل الرابط قبل ازالة التشويه الذي لَحِقَ بالتمثال.
مرة أخرى لم توفق المدى الكردية في خياراتها، فالجماهير لها رموزها التي تجلها وتقدسها، وأرجو أن يدلني سرمد الطائي وحامد السيد على عراقي لا يحب العراق أو الحسين. وإذا ما اقدم ارعن متخلف ومتعوس على تعليق راية في مكان خطأ، فإن ذلك لا يعني أبدا أن نقلب عاليها سافلها.
أنا اقترح أن نتوقف عن الانغماس في اسفاف الطبقة السياسية، مهما كلف ذلك، فلا ينبغي لسياسة جريدة او ولاء لجهة ما أن يسمح لنا بالعبث بجينات العراق والشعب العراقي، فهذا العبث لا نهاية له سوى الركون للعنف والاحتراب المذهبي.    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...