الاثنين، 27 يناير 2014

السعودية وعرب «الهلال الشيعي»


تسخّر السعودية كلّ طاقاتها ومواردها للتنكيل بمواطني الهلال الشيعي العربي، الذي يضم شيعة العراق (65%) وسوريا (12%) ولبنان (32%).

لا يمكن التسليم بأنّ تنظيم «القاعدة»، على تعدد فروعه، هو المسؤول الحصري عن كل مشاهد الموت والدمار التي تخلفها الاعتداءات الانتحارية والعبوات الناسفة والسيارات المفخخة والجثث المفخخة والقتل المذهبي في العالمين الإسلامي والعربي، وبالذات في دول «الهلال الشيعي» العربية، العراق وسوريا ولبنان.

فليس من المنطقي ان تنظيما «نغْلا» ينكره حتى أبواه، (الصحراء والتشدد)،  ويلاحقه العالم كله قادر على إدارة جبهة عريضة تمتد من نيجيريا إلى فولغوغراد في روسيا، فـ«القاعدة» لم يعمل بمفرده يوما، فحيثما ينشط؛ فهو يحظى برعاية حانية من منظومتين مركزية ومحلية تتوليان التمويل والحضانة والدعم المستدام. ففي العراق مثلا؛ لدى «القاعدة» علاقات ممتازة مع الفصائل المسلحة التي تناصب الحكومة العراقية العداء، كـ«كتائب ثورة العشرين» و«الجيش الإسلامي» و«جيش المجاهدين» و«جيش الراشدين» و«أنصار السُنّة» و«جيش رجال الطريقة النقشبندية». وكذلك الحال في سوريا، حيث ينشط أكثر من مائة تنظيم وفصيل إسلامي مسلح يقاتلون كلهم الجيش العربي السوري.

وإذا ما حصل خلاف بين الفصائل الجهادية، فهو إما على الموارد أو النفوذ، أما الخصم، فهو ثابت لا يتغيّر. كما هو حاصل الآن في سوريا فـ«الجبهة الإسلامية»، و«جيش المجاهدين» و«جبهة ثوار سوريا» و«جبهة النصرة» يقاتلون تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، وهم كلـّهم معاً ضد الجيش العربي السوري.

وعادة ما تستلّ السعودية سيفها الذي لا يخذلها أبدا، ألا وهو المؤسسة الوهابية الغالية التي تجاهر بتكفير الشيعة وتستبيح دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وتجنيد المتطوعين لرفد ساحات «الجهاد» الممتدة، ثم توجيه اموال الزكاة والتبرعات نحو دعم الفصائل التكفيرية. أما النظام السعودي فيتكفّـل بتكاليف التأسيس والإدارة.

لذلك فالحديث عن ان النظام السعودي هو مؤسس «القاعدة» فحسب، هو ليس كل الحقيقة، بل هو راعي ومؤسس كلّ الفصائل التكفيرية المسلـّحة التي تشبه غيمة هارون الرشيد، فكل فعلها يصبُّ في صالح النظام السعودي، حتى لو تمردت عليه، كما حصل مع «القاعدة»، فلم يحدث ان تنكـّرَ تكفيري لأصله وتهادن مع أيّ من خصوم السعودية.

منذ ما يناهز الأحد عشر سنة في العراق، وقرابة الثلاثة اعوام في سوريا، لا يكاد يمر يوم واحد دون مصاب جلل يزهق ارواح ويكسر ظهور اناس ابرياء صادف وجودهم ساعة الواقعة.

أما لبنان الذي انضَمَّ حديثا لنادي ضحايا «القاعدة»؛ فالإرهاب يضرب فيه يمينا وشمالا سعيا لمزيد من العبث بالنسيج المجتمعي واسع الطيف. وبالنسبة لإيران الصعبة الاختراق أمنيا، فيـُنْتَقَمُ منها عبر استهداف مواطنيها القادمين الى العراق للعمل أو لزيارة العتبات المقدّسة، أو عند حدودها النائية مع باكستان عبر عمليات محدودة تنفذها تنظيمات تحصل على تمويلها من السعودية.

لا يقصد بهذه المقدمة الإيحاء بأن «القاعدة» يستهدف الشيعة فحسب، أو هم وحدهم الضحايا. فهذا ما لا يدور حتى في خلد قادة «القاعدة» انفسهم، فهم يختارون مواقع عملياتهم (في البلدان المذكورة) وفقا لـ«الجغرافيا المذهبية»، وإذا كان بين الضحايا مواطنون سُنّة؛ فـ«هؤلاء نحتسبهم شهداء عند ربهم».
لا يرى السيد حسن نصر الله ان المشكلة بين السعودية وإيران هي مشكلة مذهبية، فالأولى كان «لديها مشكلة مع جمال عبد الناصر، مع مصر، ولديها مشكلة مع اليمن، ولديها مشكلة مع سوريا، ولديها مشكلة مع كثير من الدول الموجودة في المنطقة، هذه الدول لم تكن لا جمهورية إسلامية ولا يحكمها الولي الفقيه ولا مذهبها شيعي، وإنما هي دول ـ مذهبياً ـ تصنف سُنـِّية، اليوم ما هي مشكلة السعودية مع حركة الإخوان المسلمين؟ ألا يوجد الآن حرب شعواء من قبل المملكة العربية السعودية على الإخوان المسلمين؟ بمعزل عن تقييم الإخوان المسلمين وأدائهم ومشروعهم. هل يوجد مشكلة مذهبية مع الإخوان المسلمين؟ كلا، الموضوع موضوع سياسي، السعودية هي تفترض نفسها قائد العالم العربي، وقائد العالم الاسلامي، ولا تقبل صديقاً، لا تقبل شريكاً، هي تريد من كل دول وحكومات العالم العربي والإسلامي بأن تكون تبعاً للمملكة العربية السعودية، أيضاً هذا مشكل حقيقي، وهذا سبب مشكلتها مع كثيرين، كثير من الدول والحكومات وحتى القوى السياسية في العالمين العربي والإسلامي، لذلك نحن لا نصنّف المشكل على أساس مذهبي وإنما على اساس سياسي».

أما لماذا تستهدف السعودية عرب «الهلال الشيعي»، فذلك لـ«تبعيتهم» لخصمها اللدود إيران، فالسعودية ،وفقا للصحفي السعودي مشاري الذايدي، «ضد نظام بشار الأسد لأنه هو نفسه وضع نظامه في خندق العداء للسعودية، والاستقرار العربي عبر الذوبان في المشروع الإيراني»، وضد «حزب الله» الذي يحارب بجنب الجيش العربي السوري، وضد العراق الذي يحابي إيران ويدعم النظام السوري.

ويؤكد الكاتب السعودي جمال خاشقجي ان السعودية ليست بوارد التخلـّي عن سوريا لإيران، «فإضافة إلى حق الشعب السوري في الحرية، فإن سورية امتداد طبيعي ومكمل للجزيرة العربية التي تمثل السعودية أهم مكون لها، ولو وقعت تحت نفوذ إيراني بعد انتصارها هناك، سيرقى ذلك إلى حالة «الانتداب» بوجود نظام ضعيف يدين ببقائه لإيران فيعترف بفضلها عليه وحمايتها له، وبالتالي ستكون «سورية الإيرانية» مهددة للأمن القومي العربي بكامله وليس للسعودية وحدها».

ويضيف خاشقجي ان «السعودية تعلم أنها ستتحمل وحدها المواجهة مع إيران في سورية، وستشاركها فيها قطر فقط»، بدون أميركا التي «تدفع لحل سلمي تتعاون المملكة (العربية السعودية) وإيران لفرضه على السوري». ويطالب الحكومة السعودية بألا تتفاوض مع إيران «قبل أن تحقق نصراً حقيقياً في سورية يعيد ترتيب الأوضاع لصالحها. فالمواجهة الكبرى بين «الشقيقتين» السعودية وإيران في ساحة «الشقيقة» سورية. بعدها، ستجلس "الشقيقتان" على طاولة المفاوضات والمنتصر منهما سيكتب شروط الصلح».

كما بيّنَ السفير السعودي في لندن محمد نواف عبد العزيز، في 17 كانون الاول 2013، في مقال نشر على صفحات جريدة «نيويورك تايمز» أن المملكة العربية السعودية ترى ان السياسات الغربية تجاه قضيّتي سوريا والنووي الإيراني تمثل خطرا جسيما على أمن المنطقة ومقامرة باستقرار الشرق الأوسط، مؤكدا عزم بلاده على المضي في مجابهة مثل تلك القضايا سواء بمشاركة أصدقائها الغربيين أو من دونهم.

وأكد السفير السعودي أن لدى بلاده مسؤوليات ضخمة تجاه المنطقة، باعتبارها مهد الإسلام وإحدى القوى السياسية الكبرى في المنطقة. وقال إن الدور السياسي والاقتصادي السعودي ذو طابع دولي أيضا، استنادا إلى دورها الواقعي كـ«بنك مركزي» للطاقة في العالم، لذلك «نجد أن لدينا مسؤولية إنسانية تحتم علينا العمل على إنهاء معاناة الشعب السوري بكل ما نملك». وخلص إلى القول إن بلاده ستعمل على النهوض بتلك المسؤوليات، بدعم شركائنا الغربيين أو بدونه، مؤكدا قوله: «سنستمر في إظهار إصرارنا من خلال دعمنا للجيش السوري الحر وللمعارضة السورية، رغم إصرار البعض على اتخاذ تنظيم «القاعدة» في سوريا حجة لرفع يده عن القضية، رغم أن تنظيم «القاعدة» بالأساس هو نتاج لفشل التدخل الغربي وحل الأزمة منذ البداية».

إنّ تصريح السفير محمد نواف ليس اول التصريحات السعودية التي تؤكد الانغماس السعودي في «الأزمة السورية»، لكن المهم فيه هو ان السعودية قد ستذهب بـ«الأزمة السورية» إلى النهاية، مهما تكبّد السوريون من تضحيات.

خاضَ آل سعود عدّة مواجهات مع القوميين والعلمانيين والشيوعيين والإخوان المسلمين، فرادى وجماعات، تكللت دائما بانتصارهم، بل إنهم تفوقوا على العقل والمنطق واحتجزوا وعي الشعب السعودي داخل انماط موغلة في التخلف والقِدَم بتبني السلفية والأصولية واستعباد المرأة عبر سلبها كافة حقوقها. وباتت أي محاولة سعودية للحاق بركب الحضارة البشرية بمثابة خروج عن الإسلام وبدعة توجب على مرتكبها طلب الغفران والتوبة.
الهلال الخصيب، مهد الحضارات، له ثغر على الخليج العربي، والبحر الأحمر (عبر خليج العقبة)،
 وساحل طويل على البحر المتوسط. مشكلته المزمنة الكبرى منذ اكثر من خمسة الاف سنة هي مجاورته للصحراء.
 [الصورة: موقع ويكيبيديا].

كل ما ابدعه النظام السعودي هو هذا المدّ التكفيري الجارف الذي يريد ان يستأصل الحياة من على وجه الارض، والذي لا يمتّ لروح العصر بشيء سوى بمهارته التي لا تضاهى في استخدام المتفجرات والسيف لترويع المدنيين.

أضحى روح «الهلال الخصيب» ومهد الحضارات، العراق وسوريا ولبنان، مقابر جماعية وحقول الغام، يحسب أناسها ألف حساب قبل ان يخطوا أية خطوة، وكل ذلك بفعل السعودية وفريقها المدهش الذي يقف له الشيطان وقفة إجلال وإكرام وإكبار التلميذ لأستاذه، على كم الشرّ الهائل والحقد الدامي اللذان جعلا بغداد والموصل ودمشق وحلب وبيروت وكأنهن قطع من جهنم.
الشيطان يقف مذهولا امام كم الدمار والقتل من جرّاء الاعتداءات الإرهابية. (بريشة الفنان السوري علي فرزات) 


ملاحظة: لمزيد من التفاصيل، اقترح قراءة المقالين التاليين:
  • السعودية وسوريا و«الثأر البايت» وأشياء أخرى.

  • الشرق الأوسط بين هلالين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...