احمد هاشم الحبوبي |
يُنْظـَرُ إلى التيارات التكفيرية المتشددة الناشطة في لبنان، على أنها
الجناح العسكري لحلفاء السعودية في لبنان. وكان الإعلام اللبناني يلمـِّحُ إلى ذلك
بين السطور، ثم تبدّل إلى القلم العريض بعد تواتر الاعتداءات الارهابية على
المدنيين في لبنان. فالمسألة لم تعد تحتمل أناة أو دبلوماسية أو شك، فالذين
يُقتـَلون هم مَدَنيون على يد من يبتغون وجه الله بقتل الابرياء. وهؤلاء لا لبس في
هويتهم؛ أنهم التكفيريون الجهاديون الذين يحتضنهم آل سعودي ودخل معهم في حلف مقدّس
على إثره تأسست الدولة السعودية، ولن تنفك عراه حتى قيام الساعة.
لوغو صحيفة الاخبار اللبنانية |
يقول الصحفي اللبناني جان عزيز، أنه يكفي سؤال أي إنسان في منطقتنا أو حتى
في العالم لمعرفة «أي فكر في الشرق الأوسط يرفض أي آخر مختلف عنه؟ أي عقيدة دينية
سياسية ترفض اسم الآخر وهويته ودينه ومعبده وطقوسه ورموزه؟ أي مذهب رسمي يفرض هدم
كل ما هو مقدس لدى الآخر، وتسوية كل شيء بالأرض؟ والأسوأ، أي ظلامية تملك هذا
السواد المتخلف، وتملك معه دولة وأموالاً أكثر اسوداداً لتنفيذ كل ما سبق؟».
[صحيفة الاخبار اللبنانية، العدد 2184 في 24 كانون الاول 2014].
وبعد انتحاري «حارة حريك» الاول، الذي تبناه تنظيم «الدولة الإسلامية في
العراق والشام» (داعش)، كتب الصحفي محمد نزّال مقالا بعنوان «وحوش الصحراء
يضربون في الضاحية» وصف مشاعر الحشود البشرية التي تجمعت في موقع الانفجار. ولندَع
نزّال يصف لنا المشهد الذي يتطابق في بيروت ودمشق وبغداد «بعض الناس كانوا يصرخون
بوضوح: «الموت لآل سعود». بندر (سلطان رئيس المخابرات السعودية) عندهم هو محرّك
تلك المجموعات الشيطانية. في ذاك الشارع الذي لطالما ضجّ، على مدى عقود، بعبارة
الموت لإسرائيل، يجد أهله اليوم أنهم باتوا مستهدفين من بعض العرب. هكذا، في
نظرهم، يرد عرب الصحراء وآل سعود الجميل للضاحية التي كسرت شوكة إسرائيل ومنها خرج
أول انتصار عربي واضح على «عدو الأمة». العدو؟ من العدو، أو الأعداء، الآن؟ لقد
خلطت الأوراق. أهل الضاحية يسألون اليوم: «ماذا فعلنا للعالم حتى نستحق هذه
المكافأة؟». من أين يأتي كل هذا الحقد؟ ولماذا؟ في الضاحية ستسمع من يقول: ابحث عن
مملكة القهر الوهابي ـ السعودي».
«بعض الغاضبين، وبأصوات عالية، طالبوا حزب الله بوضع حد لـ«تلك الوحوش». بدا
واضحاً أن المزاج الشعبي، بعد التفجير، ازداد اقتناعاً بضرورة مواجهة التكفيريين
في سوريا ولبنان. ربما كان يظن القاتل أنه بضرب الناس الأبرياء سيجعلهم يخرجون من
حزب الله، أو يطلبون منه الخروج من سوريا. ولكن ما يحصل، بعد كل انفجار، هو العكس
تماماً. من لم يكن من الناس يعرف الوجه الحقيقي لهؤلاء، قبلاً، بات اليوم يعرف
إجرامهم جيداً، وبات ممتنّاً لكل دور يقوم به حزب الله ضدهم».
«من كان يقف على الحياد، من بين هؤلاء الناس، أو أقله من غير المتحمسين،
تجده يصبح أكثر رغبة في مواجهة الذين يقطعون الرؤوس ويأكلون القلوب. يُحكى كثيراً،
في الآونة الأخيرة، عن أفواج من الشباب الذين يطرقون باب حزب الله للتطوع لديه في
قتال هؤلاء. لن يكون صعباً على أحد أن يستشف هذه الحالة من داخل بيئة الضاحية
(الجنوبية)».
وفي دعوة للانتقام عبر استهداف السعودية مباشرة، ينقل محمد نزّال همسة لأحد
الحضور بأن «لا شيء سيوقف هذا المسلسل إن لم تُدوّ الانفجارات في قصور آل سعود»،
في دعوة للثأر لدماء المدنيين الابرياء التي تسيل بمال سعودي وفتوى سعودية وإرادة
آل سعودية. [انتهى الاقتباس من مقال الصحفي محمد نزّال في صحيفة الاخبار
اللبنانية، العدد 2189 في 03 كانون الثاني 2014].
ويرى الصحفي اللبناني إبراهيم الامين أن «العقل المجنون الذي يتحكم بمن يقود
القرار في الرياض أعاد الاعتبار الى نظرية «التحالف مع الشيطان في وجه العدو الأول
اليوم، وهو إيران وحلفاؤها». هذا العقل المجنون مهتم، فعلاً، بأن يسيطر على كل ما
يمتّ بصلة لهذا التنظيم، لا للتخلص منه، بل لاستخدامه في معارك آل سعود مع البشرية
جمعاء. كل دعم وصل سرّاً أو علناً أو مواربة لهذا التنظيم خلال الأعوام العشرة
الماضية، كان يتم تحت نظر آل سعود، سواء في العراق أو سوريا أو لبنان أو باكستان.
وكل إجراء ظهر الى العلن ضد التنظيم في السعودية، إنما كان لردع أعضاء في هذا
التنظيم عن القيام بأي عمل ضد العائلة الحاكمة في الجزيرة العربية. وأساساً، جرى
تحييد هذه العائلة وحكومتها عن لائحة الأعداء لهذا التنظيم». [صحيفة الاخبار
اللبنانية 06 كانون الثاني 2014].
ارتفعت درجة التوتر في المنطقة إلى اقصاها، إلى حد ان الوفاق العربي، الرسمي
والشعبي، سيغيبان لفترة طويلة، حتى لو زالت الاسباب، فلن تعود الأمور إلى ما كانت
عليه إلاّ بشقِّ الأنفس. لقد فقد مواطنو الدولة الواحدة، والمدينة الواحدة والحي
الواحد احيانا، ثقتهم ببعضهم. فكيف بمواطني دولتين.
إنّ تركيز الإعلام اللبناني على فضح الدور السعودي في تحريض وتمويل النشاط
التكفيريي الإرهابي في لبنان، إنما يحصّن الجبهة اللبنانية الداخلية (القلقة اصلا)
من المزيد من التوتر المذهبي «الشيعي - السُنّي»، كما يدافع عن حق كل المدنيين في
حياة آمنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق