السيد حسن نصر الله: يبدو أن هناك في مكان ما ـ ليس من العالم ـ بل من الإقليم، يريد أن يأخذ البلد إلى التفجير. يقلقني أن أقول هذا، يؤسفني أن أقول للبنانيين هذا، لذلك يجب الحذر. |
يبلغ عدد سكان لبنان حوالي أربعة ملايين نسمة (وفقا لتقديرات الامم المتحدة لعام 2008). وهو بلد متنوع بشعبه، حيث يتوزع الشعب اللبناني على 18 طائفة معترف بها. وهو البلد الوحيد في الوطن العربي الذي يتولى رئاسته مسيحيون بحكم عرف دستوري.
يتداخل لبنان وسوريا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وتاريخيا. قسمت الأزمة
السورية اللبنانيين إلى فريقين لا ثالث لهما؛ فريق يؤيد النظام السوري، «8 آذار»، ويشمل
الشيعة عموما ونسبة كبيرة من المسيحيين، ابرزهم التيار الوطني الحر بزعامة العماد
ميشال عون، وتيار المردة برئاسة سليمان فرنجية. أما الفريق الثاني، «14 آذار»، فمع
المعارضة السورية وضد النظام، ويشمل السُنّة، وباقي المسيحيين من مناصري القوات
اللبنانية برئاسة سمير جعجع، وحزب الكتائب برئاسة أمين الجميل.
ورغم هذا الانقسام الحاد؛ تبنت حكومة لبنان مبدأ «النأي بالنفس». كما اتفق
اللبنانيون في «إعلان بعبدا» على «تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات
الإقليميّة والدوليّة وتجنيبه الانعكاسات السلبيّة للتوتّرات والأزمات الإقليميّة،
وذلك حرصاً على مصلحته العليا ووحدته الوطنيّة وسلمه الأهلي». و«الحرص تالياً على
ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانيّة السوريّة وعدم السماح بإقامة منطقة عازلة
في لبنان وباستعمال لبنان مقرّاً أو ممراً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلحين،
ويبقى الحقّ في التضامن الإنساني والتعبير السياسي والإعلامي مكفول تحت سقف
الدستور والقانون».
أما على ارض الواقع؛ فلا نأي بالنفس ولا حياد، فقد انغمس اللبنانيون تماما
في «الأزمة السورية»، فتحولت طرابلس وبعض المدن الحدودية اللبنانية إلى معسكرات
خلفية لقوات المعارضة السورية المسلحة، منها ترسل المؤن والعتاد، وفيها يعالج جرحى
مقاتلي المعارضة. ومنها قوافل المتطوعين اللبنانيين تترى للجهاد مع الفصائل
المسلحة ضد «الجيش العربي السوري».
وبات لبنان أحد منافذ تهريب السلاح والمقاتلين لقوى المعارضة المسلحة، ففي 27 نيسان 2012، تمكن الجيش اللبناني من ضبط
سفينة تدعى «لطف الله - 2»، تحمل العلم السيراليوني، ضمن المياه الاقليمية، قبالة
مرفأ «سلعاتا» في منطقة الشمال، ومحملة بثلاثة حاويات تتضمن أسلحة نوعية، تشمل
قذائف «آر بي جي»، وصواريخ مضادة للدروع، ومضادة للطائرات، وكمية ضخمة من
المتفجرات والأسلحة الرشاشة، كانت في طريقها لقوات المعارضة السورية.
على الطرف الآخر، جاهرَ «حزب الله» بوقوفه إلى جانب الرئيس بشار الأسد منذ
اندلاع الأزمة، مؤكدا احترامه لحق الشعب السوري في التغيير وإلغاء حكم الحزب
الواحد، لكن دون المساس بحكم الرئيس الأسد. واكتفى الحزب بالمساندة المعنوية في
البداية.
ومع تنامي حجم ونشاط الفصائل الوهابية التكفيرية وانتشارها على طول الحدود
اللبنانية ـ السورية، بما يمثله من تهديد للبنانيين المقيمين في القرى الحدودية،
إضافة إلى النزعة التخريبية التي تتملك تلك التنظيمات ازاء المقدسات، من اضرحة
ومقامات، ومع ازدياد الضغط على «الجيش العربي السوري» في المنطقة المذكورة، أعلن
«حزب الله» عن قراره بالتدخل العسكري المباشر لنصرة الحليف الستراتيجي الذي له
برقبة الحزب دَيـْن حان وقت سداده، إضافة لقناعة راسخة لدى الحزب أن شيعة لبنان
سيكونون الهدف التالي للتكفيريين.
اقدم مقاتلون من «لواء الاسلام» التابع لـ«جبهة تحرير سوريا الإسلامية» على
نبش قبر الصحابي حجر بن عدي الكندي (الذي اعدم بأمر من معاوية بن أبي سفيان قبل
ألف وأربعمائة عام) ونقلوا رفاته إلى جهة مجهولة، لكونه «مركزا للشرك بالله،
ولكونه أحد مزارات الشيعة في البلد».
وتردد ان النبش كان قد حصل قبل الإعلان عنه (في 2 ايار 2013) بمدة طويلة،
لكن الخبر سرِّبَ بعد يومين فقط من إعلان السيد حسن نصر الله ان «حزب الله» يريد
ان يحمي المزارات الدينية (الشيعية) في سوريا من عبث العابثين. وهذا التسريب
حمـّال أوجه؛ فهو من جهة يؤكد مخاوف السيد حسن من ان التكفيريين انما يهدفون لفتنة
سُنـِّية ـ شيعية لا تبقي ولا تذر،ومن جهة أخرى يمكن قراءة التسريب على أنه رسالة
تحدي من التكفيريين لـ«حزب الله».
رغم تأكيد «حزب الله» على تواضع عدد مقاتليه اللذين يحاربون في سوريا، إلا
أن دورهم كان فعالا وحاسما غيّر مجرى المعارك الدائرة في منطقة القصير وفي كل
سوريا، فانقلب تقهقر وانكسار «الجيش العربي السوري» إلى انتصارات متتالية اسفرت عن
استعادته للعديد من المدن والقرى التي فقدها في السابق.
رفضت فصائل «14 آذار» اللبنانية تدخل «حزب الله» في سوريا واعتبرته إيذانا
بإقحام كل لبنان في اتون «الأزمة السورية»، ويردّ الحزب بأنه ليس الفصيل اللبناني
الوحيد الذي يحارب في سوريا، وهو إنما يفعل ذلك لدرء وتقليل الأذى الذي يريده
التكفيريون بلبنان. وبناء على تلكما الرؤيتين المتباينتين، فسّرَ كلّ طرف
الاعتداءات الارهابية التي استهدفت لبنان والتي توزعت كالتالي:
1)
بئر العبد ـ الضاحية الجنوبية (09 تموز
2013)، مركبة مفخخة مركونة على جانب الطريق. لم تتبنـّه جهة ما.
2)
الرويس ـ الضاحية الجنوبية (16 آب
2013)، مركبة مفخخة مركونة على جانب الطريق. لم تتبنـّه جهة ما.
3)
طرابلس (23 آب 2013)، مركبتان مفخختان
مركونتان على جانب الطريق. لم تتبنـّه جهة ما.
4)
مبنى السفارة الإيرانية ـ الضاحية
الجنوبية (19 تشرين الثاني 2013)، هجوم انتحاري مزدوج، تبناه تنظيم «كتائب عبد
الله عزام».
5)
اغتيال وزير المالية السابق محمد شطح ـ
وسط بيروت (27 كانون الأول 2013)، مركبة مفخخة مركونة على جانب الطريق.
6)
حارة حريك ـ الضاحية الجنوبية (2 كانون
الثاني 2014)، هجوم انتحاري بمركبة مفخخة، تبناه تنظيم «الدولة الإسلامية في
العراق والشام» (داعش).
7)
بلدة الهرمل ـ البقاع (16 كانون الثاني
2014)، هجوم انتحاري بمركبة مفخخة، تبناه تنظيم «جبهة النصرة» في لبنان.
8)
حارة حريك ـ الضاحية الجنوبية (21
كانون الثاني)، هجوم انتحاري بمركبة مفخخة، تبناه تنظيم «جبهة النصرة» في لبنان.
9)
عشرات الصواريخ (غراد وكاتيوشا)
القادمة من المناطق السورية الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة التي استهدفت مناطق
متفرقة من لبنان، وبالذات على المدن والقرى التي تضم اغلبية شيعية. سقطت بعض تلك
الصواريخ على مدن سُنـِّية اتّهـِمَ «حزب الله» بإطلاقها.
استـُهْدِفَ مبنى السفارة الإيرانية ببيروت بتفجير انتحاري مزدوج في 19
تشرين الثاني 2013. وقد اسفر الاعتداء عن مقتل ثلاثة وعشرين شخصا وجرح قرابة مائة
وخمسين اخرين. ولولا ان العملية لم تسر حسب المخطط، لكان الضحايا أكثر بكثير، فقد
استطاع جهاز أمن السفارة، بقيادة عنصر مخضرم من حزب الله، أن يتدخل بعد الانفجار
الأول مما اضطر الانتحاري الثاني لتفجير سيارته خارج السفارة. ومع ذلك، إلى جانب
قائد جهاز الأمن المذكور وأربعة آخرين من حراس السفارة، فقد قـُتِل الملحق الثقافي
الإيراني.
اتَّهَمَت إيرانُ اسرائيلَ و«أدواتها» بتنفيذ الاعتداء. كما جددت عزمها على
الاستمرار في دعم الحكومة السورية في حربها ضد الإرهاب التكفيري، في اشارة إلى ان
المعترضين على الدعم الإيراني لسوريا هم من يقفون وراء هذا التفجير.
وأدانت السعودية الاعتداء وواست أُسَر الضحايا. وهذا يعدُّ انجازا، فهي لم
تكلف نفسها ادانة تفجيرات الضاحية الجنوبية، على العكس من انفجاريْ طرابلس اللذيْن
نددت الحكومة السعودية بفاعليها فور وقوعهما.
تبنّى فصيل تكفيري مرتبط بـ«تنظيم القاعدة» يدعى «كتائب عبد الله عزام»
الاعتداء على لسان مرشده الديني، سراج الدين زريقات الذي أعلن ان «غزوة السفارة
الإيرانية في بيروت، هي عملية استشهادية مُزدوجة لبطليْن من أبطال أهْل السُنّة في
لبنان». وأكد ان العمليات ستستمر «في لبنان حتى يتحقّق مطلبان؛ الأول: سحب عناصر
حزب إيران [= حزب الله] من سوريا، والثاني: فكاك أسْرانا من سجون الظُّلم في لبنان».
وقد اثبتت تحريات اجهزة الأمن اللبنانية ان منفذي «غزوة السفارة الإيرانية» هما
لبناني وفلسطيني (من مخيم عين الحلوة) من صيدا.
ولـ«كتائب عبد الله عزام» صلات قوية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في
لبنان بالإضافة إلى صِلات مع الخليج، فأميره هو السعودي ماجد الماجد الذي انضم إلى
جماعة «فتح الإسلام» المرتبطة بتنظيم القاعدة في معركة (مخيم) نهر البارد، التي خاضتها
الجماعة ضد الجيش اللبناني في العام 2007. وبعد سقوط المخيم، تمكن الماجد من الهرب
والانتقال إلى مخيم عين الحلوة الفلسطيني، شرق صيدا. وبسبب تورط الماجد في هذه المعركة
وانتمائه إلى جماعة فتح الإسلام، أصدر القضاء اللبناني في العام 2009 حكمًا غيابيًا
بسجنه مدى الحياة. وبايعته كتائب عبد الله عزام الجهادية الاسلامية أميرًا عليها
في حزيران 2012، ثم انتقل إلى سوريا في أواخر آذار 2013، ليبايع أمير جبهة النصرة
أبو محمد الجولاني، ويصبح من كبار القياديين في تنظيم «القاعدة».
وقد اعتقل الماجد على يد مخابرات الجيش اللبناني في بيروت بعد ان عاد لغرض
العلاج (في 26 كانون الاول 2013)، إلا انه توفيّ في 4 كانون 2014 قبل الاستفادة من
كنز المعلومات الذي كان بحوزته والذي كان جديرا بحل الكثير من الاحاجي. أكدت «كتائب
عبد الله عزام» أن «مشروع زعيمها الراحل ماجد الماجد (الذي أشرف شخصياً على هجوم
السفارة الإيرانية في بيروت) سيستمر في ضرب إيران وحزبها (حزب الله)».
إنّ «حزب الله» هو المعني الاول بكل تفجيرات لبنان، من الضاحية الجنوبية
مرورا بطرابلس فالهرمل، ففي الضاحية والهرمل، اسْتـُهْدِفَ جمهوره وقاعدته
الشعبية، والسفارة الإيرانية التي تتولى كوادره حمايتها. كما أريد بتفجيريْ طرابلس
ان يبدوا وكأنهما رد انتقامي على تفجيري الضاحية ليؤذنا باندلاع حرب مذهبية في
لبنان يسعى الحزب لتجنبها بكل ما يملك من حكمة وصبر. أما التفجيرات اللاحقة فلا
تحتاج إلى مفسّراتي كي يحللها ويُمَحّصها.
السيد حسن نصر الله: السعودية لا تملك جرأة الذهاب الى حرب،لكنها تخوض بالمال حروبا بالواسطة |
لم يتهم «حزب الله» دولة ما بالوقوف وراء تفجيريْ الضاحية، فقط اتـّهِمَت الجماعة التكفيرية بالوقوف وراءها. إلا ان الخطاب الإعلامي والرسمي للحزب، الذي يعرف متى يتكلم ومتى يصمت، تبدل تماما بعد «غزوة السفارة الإيرانية» التي اعتُبِرَتْ «رسالة مباشرة من السعودية لإيران»، وسُمّيَت الاشياء بمسمياتها دونما أية مواربة، وعلى لسان امينه العام السيد حسن نصر الله شخصيا، في 03 كانون الاول 2013، حيث قال ان: السعودية تعاطت مع إيران كعدو منذ 1979، وتفجير السفارة (الإيرانية في بيروت) له علاقة بهذا العداء، والذين نفذوا الاعتداء هم جماعة تحمل فكر تنظيم «القاعدة» تدار من قبل سعوديين لهم صلة بالمخابرات السعودية. فـ«القاعدة» أسستها المخابرات الأميركية والمخابرات السعودية والمخابرات الباكستانية، بعد ذلك «شي فلت من أيديهم وشي بقي تحت السيطرة».
وكشف السيد حسن انّ «عددا كبيرا من التفجيرات التي تحصل في العراق تقف خلفها
المخابرات السعودية، تمويلاً من المخابرات السعودية، تحضيرها وموادها وتحريكها
والتحريض عليها وإدارتها من قبل المخابرات السعودية، لأنه يوجد هدف إسقاط الحكومة
العراقية بأي ثمن، حتى لو أدى إلى ألف شهيد في كل شهر في العراق (وهو حاصل فعلا)،
حتى لو أدى إلى حرب طائفية في العراق، حتى لو أدى إلى تحطيم أشلاء العراق، هذا
قرار سعودي».
السيد حسن نصر الله: انا اعتقد ان عددا كبيرا من التفجيرات في العراق تحصل تحت إدارة المخابرات السعودية. |
لقد عرض السيد حسن بوضوح تام حال «الهلال الشيعي»، كما سمّى الجهة التي تقف
وراء اعمال القتل، وهي السعودية، بصراحة لم يسبقه إليها سوى سوريا. وآذنت ببدء
خطاب رسميّ وإعلاميّ جديديْن مع السعودية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق