ولكن يحصل احيانا ان يشطح أحد الأذرع ويُقـْدِم على عمل متهوّر لم تحسب
تداعياته، كما حصل في اعتداء السفارة الإيرانية في بيروت (في 19 تشرين الثاني
2013)، حين بلغت الرياض أقصى درجات غليان الأعصاب وهي ترى إيران والولايات المتحدة
على اعتاب توقيع اتفاق تاريخي بينهما (تم توقيعه في 24 تشرين الثاني 2013) يمهد
لإنهاء أزمة البرنامج النووي الإيراني. وكانت الولايات المتحدة، قبل ذلك، تراجعت
في اللحظة الاخيرة عن ضرب الجيش العربي السوري.
لم يصدر من إيران أي اتهام رسمي للإدارة السعودية فيما يخص التفجير المذكور،
بل اتهمت اسرائيل وأدواتها بتنفيذه. لكن وسائل إعلام رسمية ايرانية رأت ان للسعودية
دورا مُهما ما، فهي ان لم تكن وجّهت، فهي موّلت أو حرّضت على اقل تقدير. ففي
الحادي والعشرين من تشرين الثاني 2013، أي بعد يومين من تفجير السفارة في بيروت،
نشر الموقع الالكتروني لقناة العالم الإيرانية التي تبث بالعربية، مقالا بقلم شاكر
كسرائي جاء فيه أن «هذا الهجوم الانتحاري
يأتي بعد حوالي ثلاثة أشهر من الهجوم على منطقة الرويس في الضاحية الجنوبية من
بيروت والذي اوقع خسائر كبيرة بين المدنيين في هذه المنطقة».
وأكد كسرائي ان التفجيريْن «ممولهما واحد، ولكن التفجير الثاني الذي اوقع
خسائر كبيرة بين صفوف المدنيين من اصحاب الشقق المجاورة للسفارة، يظهر ان منفذيْه
مدعومان من جهة غير لبنانية تقدم الاموال
بسخاء للقتلة والمجرمين ليس فقط في لبنان بل في سوريا والعراق واليمن وأفغانستان
وباكستان وبلدان اخرى شرق اوسطية».
وأضاف كسرائي أنّ «الجهة التي تبنت العملية الانتحارية، اعلنت عن نفسها
بأنها كتائب عبد الله عزام وهي كما ذكرت وكالات الانباء تابعة لتنظيم القاعدة،
ولكن المدقق في البيان يرى بان هذا الاسم
ما هو إلا واجهة لجهة ودولة معروفة في المنطقة بدعم الارهابيين في جميع انحاء
العالم، وهي التي اقدمت منذ ثمانينات القرن الماضي على انفاق مليارات الدولارات
على تنظيم القاعدة. وهي التي اسست هذا التنظيم ومولته عن طريق أسامة بن لادن
السعودي وهي الآن تتبرأ منه».
وفي 23 كانون الأول 2013، شنّت صحيفة «كيهان» الحكومية الإيرانية هجوما
عنيفا على السلطات السعودية وكبار الرموز الدينية فيها.
واتهمت الصحيفة «تحالف مكاتب الجاهلية والإلحاد والشرك والفرقة والنفاق
والشقاق والحقد والعداء الدفين للإسلام المحمدي الأصيل، بمؤسساتها الدينية
الوهابية - السلفية التكفيرية» بالسعي إلى «إعادة الأمة نحو الجاهلية التي كان
يصبو اليها جدهم وليد صاحبة (الراية الحمراء) الطليق معاوية، وابنه الزاني المجرم
يزيد وجاءت فتاواهم متطابقة ومتناغمة مع تصريح مكاتب الكفر والإلحاد لضرب الشيعة
والتشيع في العالم» على حد تعبيرها.
ووصفت الصحيفة شيخ الإسلام ابن تيمية، ومفتي السعودية السابق، عبدالعزيز ابن
باز، والمفتي الحالي، عبدالعزيز آل الشيخ بأنهم «كبار وعاظ سلاطين الوهابية
والسلفية التكفيرية المنحرفة وعبدة البترودولار السعودي». واتهمهم بالإفتاء بـ«حلية
سفك دم وهتك عرض وناموس الانسان المسلم الشيعي».
وواصلت الصحيفة هجومها بالقول: «لا زال أحفاد أبناء الطلقاء في بلادنا
العربية يسيرون على نهج أسلافهم متمسكين بالفكر التكفيري القبلي الجاهلي المنحرف لتمزيق
جسد ووحدة الأمة الإسلامية. لكن يجهلون كل الجهل من أن هذا الارهاب التكفيري الذي
أرسوا صرحه وأسسوا له ويدعموه ويساندوه سيعود الى مضاجعهم في السعودية وأخواتها
وسينقلب السحر على الساحر وسيزعزع عروشهم وسلطتهم وسطوتهم».
لا يمكننا ان نصدق ان الصحافة الإيرانية الحرّة قد عبرت عن رأيها و«فشّت
غليلها» بعيدا عن إرادة حكومة بلدها، فهكذا طرح غير مقبول في إيران ولا في
السعودية، ولكنها فَشّة بفَشّة، عسى ان يكتفي الطرفان بـ«الفعل وردّ الفعل».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق