السبت، 5 أبريل 2014

إيران والسعودية: «ليلى والذئب»


احمد هاشم الحبوبي
بعد ان عجز العرب عن ايجاد عنوان يجمعهم بعيدا عن المذاهب، بات أي حراك اجتماعي أو سياسي في المنطقة يُفسَّرُ فقط وفقا لأثره المذهبي، وتُهْمَلُ كل الابعاد والدوافع الأخرى، بناء على ذلك تسيّدت السعودية وإيران الميدان، الاولى كظهير للسُنّة، والثانية  للشيعة.

تعرب إيران، على الدوام، وعلى لسان أرفع مسؤوليها، عن رغبتها بإقامة افضل العلاقات مع المملكة العربية السعودية، سعيا لتعزيز السلام والأمن على ضفتي الخليج العربي ومناطق ذات الاهتمام المشترك في الوطن العربي والعالم الإسلامي. وترى إيران التقاء مسؤولي البلدين، على أي مستوى، سيزيل القطيعة ويعيد الثقة المفقودة. فيما تتجاهل الإدارة السعودية تلك الدعوات على أساس ان اللقاء بحد ذاته ليس بذي قيمة إذا لم يسبقه حُسْن نيـِّة حقيقي ينعكس على ميدان المواجهة الممتد من افغانستان حتى الرباط.

تؤمن السعودية ان إيران تسعى حثيثا نحو ضرب طوق عربي شيعي يحاصرها من كل الجهات، فمن الشمال العراق وسوريا و«حزب الله» في لبنان، والحوثيين من الجنوب، والبحرين في الشرق. وتخشى السعودية ان يمتد تأثير هذا «الطوق الشيعي» إلى المنطقة الشرقية من المملكة التي تضم (15%) من مواطنيها الشيعة وتحتوي على الجزء الأكبر من ثروتها النفطية، مما يشكل تهديدا مباشرا لأمنها القومي والوطني.

كما تعتبر السعودية سوريا امتدادا طبيعيا ومكملا للجزيرة العربية، ولا تقبل بالتنازل عنها لإيران التي قضمت بالفعل العراق، البوابة الشرقية التي كانت سد صد منيع بوجه الأطماع الإيرانية.

في المقابل، ترى إيران أنها قوة اقليمية رئيسية لها حضور جغرافي وتاريخي يمتد لآلاف السنين. وأنها مستهدفة من السعودية منذ اليوم الاول لإعلان الجمهورية، ودعمت العراق بكل ما اوتيت من امكانات طوال الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980 ـ 1988)، وأن السعودية تعمل بأقصى ما تستطيع لعزلها إسلاميا وعربياً، وترى إيران في منعها من الوصول إلى سواحل البحر المتوسط دليلا قاطعا على صدق هواجسها.

نحن أمام حكاية «ليلى والذئب» بروايتين، مرة بلسان «ليلى»، وأخرى بلسان «الذئب»، كل راو يسطر مبرراته ويبث شكواه. ولكن ما اجمع عليه كل من «ليلى والذئب» هو ان «جدّة ليلى» كانت هي الضحية، وليس أحد منهما.

من هي «ليلى» ومن هو «الذئب» في حالة السعودية وإيران، هذا أمر متروك تحديده لجمهور كل طرف، أما «جَدّةُ ليلى»، فهي ترمز بالتأكيد للشعب العربي في العراق وسوريا ولبنان، بشيعته وسُنّتِه ومسيحييه.

لم تتقاتل السعودية وإيران مباشرة أو على أرضيْ البلديْن، بل على أرض الآخرين (هذا إذا استثنينا حرب العراق وإيران)، وتجودان بشلال دافق من الأسلحة والأموال، والمتطوعين الجهاديين إذا تطلب الأمر، كما في الحالة السعودية. تسببت الحرب الأهلية الدائرة في العراق وسوريا بمقتل وجرح ما يقارب المليون من المدنيين الأبرياء. وتخللها انتقال سكاني قائم على أساس مذهبي وديني وعرقي بين الوحدات الجغرافية بما يمهد لحدوث عمليات انفصال ومن ثم تشكيل كيانات مذهبية وعرقية لا يوجد ما يشير إلى أنها ستكون على وئام فيما بينها بعد الذي جرى، إضافة لما قد يحدثه التقسيم من استئثار طرف ما بالثروات الطبيعية أو بالموقع الجغرافي.

ان من السذاجة بمكان ان يُعزى الوضع المزري الذي يعيشه أكثر من بلد في المنطقة إلى الكباش السعودي ـ الإيراني، فإغفال العامل الدولي، وبالذات «ست الكل»؛ الولايات المتحدة، يشي بقصر نظر سياسي لا يغتفر. ودليل ذلك، ان الإرادة الدولية حين ارتأت إحداث انفراج في لبنان، استجاب البلدان فورا  وسهّلا تشكيل حكومة جديدة في لبنان.

ما أسفر عن الهدنة السعودية ـ الإيرانية في لبنان، يسمح لنا بالتمنّي على إدارتيْ البلدين ان تجلسا وجها لوجه لتحددا أي من الملفات الدامية الأخرى يمكن تسويتها عبر التفاوض وليس عبر الاقتتال بالوكالة.

ينقل الكاتب «قابيل كوميريدي»، وهو كاتب هندي مختص بشؤون الشرق الأوسط، عن دبلوماسيين قضوا سنوات في دمشق ان الرئيس بشار الأسد يتمتع بـ«بشعبية جارفة لدى الأقليات كما أنّ إخلاص الجيش له يبدو تقريبا مطلقا. واليوم يبدو الأسد (الكلام ما زال لقابيل) أقوى مما كان عليه قبل 15 شهرا فآلة حزب البعث (العربي الاشتراكي السوري) مازالت الهيكل الوحيد الذي يعمل في البلاد، كما أن الحياة اليومية في دمشق، معقل الأسد، تستمر في الغالب كما كانت من قبل. كما أنه لم تكن هناك انشقاقات جديرة بالاهتمام والجزء الأغلب من الجيش العربي السوري، رغم فقدانه لأكثر من 30 ألف عسكري، مازال مخلصا له، وخلال الشهرين الماضين استعاد أراض من المعارضة خارج دمشق» [1].

ولا يرى كوميريدي في مفاوضات جنيف أفقا واعِدا لحل «الأزمة السورية». ويقترح على الولايات المتحدة جمع الغريمين، السعودي، الداعم الرئيس للمعارضة التي حولت  سوريا إلى ملجأ للجهاديين الأجانب الذي تجمعهم نفس عقيدة منفذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، والإيراني، فالحوار بين الرياض وطهران «سيكون أكثر فعالية لوقف دائرة العنف من التفاوض بين الأسد ومنافسيه الذين ينشطون في الخارج».

ويرى كوميريدي انه طالما ان الولايات المتحدة ليست بصدد استخدام القوة لإزاحة الرئيس الأسد، ولا تسيطر على المعارضة السورية، فالأحرى بها ان تركز على إنهاء العنف. «وبدلا من الدفع صوب رحيل الأسد، فسينبغي عليها أن تعمل على الحصول على اتفاق براغماتي يقسم السلطة على أساس المصالحة لا تغيير النظام. كما أنه عليها الضغط على حليفيها في المملكة العربية السعودية وقطر لوقف دعمهما للإسلاميين المتشددين. وإذا لم يتم ذلك، فإنّ ألسنة اللهب التي تكوي سوريا ستنتقل هبوبها قريبا إلى الغرب».

أما الكاتب الصحفي الأميركي توماس فريدمان، فقد حكم منذ سنة تقريبا بفشل الرهان على الحل العسكري في سوريا، يقول مبررا: «لقد بدأ التمرد في سوريا منذ 15 آذار 2011. ومازال الاسد ممسكا بالسلطة على الرغم من الحديث المستمر عن قرب سقوطه منذ بداية الأزمة. ان المساعدات العسكرية الروسية والإيرانية ساعدت الأسد على الصمود. ولكن هناك عامل أساسي آخر وهو المساندة الشعبية التي مازال يحظى بها، فأبناء الاقلية العلوية التي تحكم منذ سنة 1970، والتي تشكل (12%) من الشعب السوري (البالغ 22 مليونا)، يؤمنون أنهم أما ان يبقوا في الحكم أو يموتوا على ايدي المسلمين السُنّة (74%)، وكذلك مسيحيي سوريا، الذين يشكلون (10%)، والتجار السُنّة، يراهنون على الأسد أيضا، فلا احد من هؤلاء يصدق ان المتمردين قادرون أو يريدون فعلاً ان يؤسسوا مجتمعا ديمقراطيا علمانيا متعددا. لماذا نحن نرى ان هؤلاء مخطئون؟ من يستطيع طمأنة علويي سوريا ومسيحييها أنهم سوف يكون لهم مكان في سوريا بعد الأسد، اذا كان المتمردون عاجزين عن التفاهم فيما بينهم اصلا؟».

كما دعا فريدمان إلى اقتباس الحل الذي اعتمد لإنهاء الحرب الاهلية اللبنانية وتطبيقه في سوريا لتطمين الأقليات العلوية والمسيحية (والدرزية): «لقد استمرت الحرب الأهلية اللبنانية مشتعلة لمدة 14 سنة. ولم ينطفئ اوارها إلا باتفاق الطائف عام 1989، الذي جاء على مبدأ «لا غالب ولا مغلوب». وسمح الاتفاق للأقلية المسيحية في لبنان الذين يشكلون (35%) من السكان، ان يمثلوا تمثيلا زائدا، ومنحوا (50%) من مقاعد البرلمان». ويرى فريدمان انه لتحقيق ذلك؛ فلابد من «احتواء الصراع عبر تقوية تركيا والأردن ولبنان وإسرائيل، والانتظار لحين ان تستنفذ الأطراف المتصارعة قوتها، ليتم، بعد ذلك، فرض وقف اطلاق النار وإقرار تقاسم السلطة».

ولا يرى فريدمان ضيرا في ان تأخذ التحولات العربية  وقتها، فـ« علينا أن نتذكر كم من الوقت أمضته أمريكا فى بناء نظامها السياسى الليبرالى، وألا ننسى الأحداث التى صنعت ما نحن عليه اليوم. فقبل أربع سنوات تقريبا، انتخبنا رجلا أسود اسمه باراك، كان جده مسلما، ليقودنا للخروج من أسوأ أزمة اقتصادية خلال قرن. ونحن نبحث الآن اختيار واحد من طائفة المورمون بدلا منه، وكل ذلك يبدو طبيعيا تماما. ولكن هذا الوضع الطبيعى تحقق خلال أكثر من 200 سنة، وعبر حرب أهلية»، في  حين ان «العرب ما زالوا في عقدهم الاول» [3].

كل الاقتراحات والدراسات تشي بإرادة امريكية لتحويل سوريا إلى لبنان ثالث، بعد ان تحول العراق إلى لبنان ثان. و«هذه اللبنانات» إن هي إلا كيانات قلقة وهشة وتابعة وناقصة السيادة تلعب بها الرياح الإقليمية والدولية كيفما ووقتما تشاء. ولكن «اللبننة» هي الحل السريع الوحيد المتاح لتقليل الدماء والدمار في روح الهلال الخصيب. إلا إذا تغيرت مبادئ الجغرافيا والتاريخ ليعاد انتاج دول جديدة تشتمل على نسيج اجتماعي مستقر، كما حصل في البلقان حين تم تفريق الجماعات الاثنية والدينية التي لا تطيق بعضها البعض. إلا ان المقارنة غير صحيحة بالمطلق، كما لا يصح تشبيه ربيع اوروبا الشرقية بالربيع العربي الحالي.

يقول مايكل ماندلبوم، خبير السياسة الخارجية فى مدرسة جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، ان «هناك مظهرين للاختلاف بين أوروبا الشرقية والشرق الأوسط. فقد كان لدى العديد من بلدان أوروبا الشرقية ماض ليبرالى قريب تلجأ إليه، بعد إزالة الشيوعية السوفييتية التى فرضت عليها بصورة مصطنعة. كما كان لدى أوروبا الشرقية نموذج مجاور ضاغط وجاذب لديمقراطية السوق الحرة: الاتحاد الأوروبى. ولا تملك معظم الدول العربية الإسلامية أيا منهما، لذلك، عندما انكشف غطاء الاستبداد الحديدى، لم تلجأ إلى الليبرالية، وإنما إلى الحكم الإسلامى، أو الطائفى، أو القبلى أو العسكرى» [3].

المَراجِع:
[1]              موقع CNN بالعربية، قابيل كوميريدي: «انسوا إطاحة الأسد.. لهذه الأسباب لن يسقط»، 25 كانون الثاني 2014.
[2]              صحيفة النيويورك تايمز، توماس فريدمان: «احذر هنالك منعطفات!»، 15 آذار 2013.
رابط المقال بالانكليزية:
http://www.nytimes.com/2013/03/27/opinion/friedman-cautions-curves-ahead.html?_r=2&
[3]              صحيفة الشروق التونسية، توماس فريدمان: « احذر..منطقة وحوش!»، 6 آذار 2012.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...