السيد احمد هادي الحبوبي |
التاريخ وأنت تتصفح أحداثه وحوادثه وتستخلص منها العِبَر، تجد فيه أيضا من الطُرف ما يجبرك على الوقوف عندها، منها قصة اﻷمين والمأمون، فقد أوصى هارون الرشيد من بعده الى أبنه اﻷمين ومن بعده الى أخيه المأمون وأخذ البيعة لهما في حياته. وما ان أستلم اﻷمين الخلافة بعد أبيه هارون حتى بادر الى عزل أخيه المأمون من وﻻية العهد، وأنصرف الى لهوه ولذائذه وكان مُغْرَما بالأسماك الملونة فبنى له في قصره أحواضا كبيرة ومتداخلة وملأها من هذه الأسماك ذات الألوان الزاهية وكان يقضي بعض أوقاته أمام هذه اﻷحواض يتسلى بحركة هذه اﻷسماك بين اﻷحواض.
وتحرّكَ المأمون وكوّنَ جيشا، وكان في (فارس)،
وسار به الى العراق حتى وصل بغداد فهرع قائد جيش اﻷمين يخبر موﻻه وهو في قصره
بدخول المأمون وجيشه الى بغداد فأشاح اﻷمين بوجهه وأشار بيده أن أذهب.
فوصل المأمون وجيشه الى قصر أخيه اﻷمين
وطوقه، فدخل قائد (جيوش) اﻷمين ليخبره بذلك فوجده جالسا على الحوض وهو كئيب ومتكدر
وصاح بوجه قائده أتركني فأني أفتش عن سميكاتي الضائعة. ويبدو أن بعضا منها قد
أختفى في أحواضه مما أساءه وكدر مزاجه أكثر مما أساءه وكدره أجتياح المأمون عاصمة
ملكه وأنتزاع الخلافة منه وألحق روحه وأضاعها مع سميكاته الضائعة.
ولا أدري ماذا سيكتب التاريخ عن (سميكاتنا) ونحن
غارقون الى الذّقون وسط سفاسف اﻷمور. وقد تركنا العراق الى مصيره المجهول منذ
اﻷحتلال اﻷمريكي وهو ينحدر الى الهاوية بعد أن تسلمته عناصر فاشلة وفق عملية
سياسية باطلة أوصلته الى الحالة المزرية التي نعيشها اليوم؛ عراق يتمزق ويتشظـّى
ويُحْتـَّلُ ويُنْتَهَك وشعب يعاني ويتشرد ويتمزق ويُهَجَّر ويُقَسَّم نحلا وطوائف،
وطغمة من الحاكمين همهم اﻷول واﻷخير الحكم والاستيلاء على السلطة ومغانمها وهيلامنها
تمسكا بدستور معيب وانتخابات غير نزيهة واستحقاقات غير مشروعة وجهاز إداري ومالي
ليس فوق مستوى الشبهات، غير مدركين أن العراق بعد دخول تنظيم «داعش» في العاشر من حزيران وأحتلال أجزاء واسعة منه لم
يعد وطنا واحدا موحدا.
هذه الطغمة الحاكمة ما زالت
تتصارع وفق «نهج بيزنطي» حَوْلَ «الكتلة الأكبر» التي لها الحق أن تسمي رئيسا للوزراء
منها. هذا كلّ الذي يعنيها من أمر العراق الذي يمر بأخطر مرحلة من حياته وكيانه
ومصيره. حتى دون اﻷلتفات الى أن أيا من اﻷسماء المطروحة والمتداولة المرشحة ﻷن
تتبوأ هذا المنصب ستكون قادرة أو مؤهلة ﻷن تنهض بتلكم اﻷعباء الجسام التي ساهمت هي
بطريق مباشر أو غير مباشر في حصولها جراء اشتراكها ومساهمتها بحكم العراق طوال تلك
الفترة من الاحتلال حتى الآن.
الحلّ هو أن تتدخل اﻷمم المتحدة
وتبادر الى عقد مؤتمر وطني عراقي حقيقي ينبثق عنه حكومة (انقاذ وطني) تتشكل من
عناصر وطنية مشهود لها بالنزاهة وصدق الوطنية لتعمل على:
1) مصالحة وطنية حقيقية ورفع الحيف والظلم عن شرائح واسعة من الشعب تحت هذا
اﻷسم أو ذاك وأطلاق سراح المعتقلين ظلما.
2) إعادة تشكيل كل مؤسسات ومرافق الدولة العراقية على أسس وطنية بعيدا عن
المحاصصة بما في ذلك الجيش والقوات المسلحة والشرطة.
3) إلغاء القوانين الجائرة التي تُمَزّق نسيج الشعب كقانون 4 إرهاب.
4) وضع دستور جديد يوطد ويوثق الوحدة الوطنية ويقوي نسيج المجتمع العراقي
ويساوي بين العراقيين في الحقوق والواجبات ويستفتى عليه الشعب.
5) إجراء إنتخابات نيابية وفق قانون إنتخابي جديد ﻻ يُسْتَغَلُّ فيه الدين
الحنيف وﻻ المرجعيات الدينية ويضع مصلحة الوطن فوق مصلحة الطوائف واﻷعراق
والجماعات ويكون النائب ممثلا للشعب كله ﻻ لطائفة أو فئة أو قومية .
6) تشكيل حكومة جديدة (بعد الانتخابات) تأخذ على عاتقها، في ظل دستور جديد،
بناء عراق جديد؛ عراق المواطن عراق كل العراقيين وبناء الدولة الوطنية.
وبخلاف
ذلك ستضيع سُمَيْكاتنا كما ضاعت سميكات اﻷمين..
والله من وراء القصد.
احمد هادي الحبوبي
9 آب 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق