الخميس، 21 أغسطس 2014

كردستان العراق: أولوية المذهب أم القومية


كردستان العراق: أولوية المذهب أم القومية

احمد هاشم الحبوبي
منذ اللحظة الأولى لإعلان الدولة العراقية في القرن الماضي، لم يقبل اكراد العراق يوما واحدا انهم مواطنون عراقيون. واتبعوا التمرّد بالتمرّد وتحالفوا مع كل مَنْ كانت بغداد في حرب معه، سواء كانت بغداد على حقّ او باطل. وهم دائبون في سعيهم هذا حتى الساعة.
هذه ليست اتهامات او افتراءات لا أصل لها، بل هي وقائع دامغة بارزة للعيان، ففي ذروة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، حين كان العربُ عرَبا، اصطفت حركة التمرد الكردي مع إسرائيل. وكذلك فعلوا اثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980 ـ 1988)، حيث تحالفوا مع إيران ضد بغداد. واستمرّ الامر مع الولايات المتحدة بعد حرب تحرير الكويت (عام 1991).
ان التمرد الكردي ليس «منظمة عميلة من صنيعة الاستعمار والرجعية»، بل هو حركة تحرر قومية من رحم الشعب الكردي الذي لم يؤمن يوما ان العراق وطنه وبغداد عاصمته. نحن امام استراتيجية كردية تعمل بلا كلل على اضعاف بغداد قدر المستطاع، بغض النظر عمّن يحكمها، سُنّي ام شيعي، ملك ام رئيس، منتخب ام دكتاتور. الغاية النهائية هي اضعاف بغداد وانهاكها قدر المستطاع سعيا لاستخلاص أكبر قدر من المكاسب وتحقيق الهدف الكردي بالانفصال عن العراق. حتى لو كان ثمن ذلك تمزيق العراق وتقطيعه اربا، شعبا وارضا. وقد اثبتت هذه الستراتيجية جدواها كما هو ماثل للعيان.
مع سقوط نظام حزب البعث العراقي (في 2003)، تم تعريف أبناء العراق على انهم شيعة عرب وسُنّة عرب واكرادا، هكذا؛ كأنهم من دين آخر وليسوا مسلمين سُنّة. لقد قبل الطرفان الشيعي والسّني بالحياد الكردي الكاذب، سعيا من الشيعة في تقزيم الوجود السُنّي في العراق، وحرصا من السُنّة على شقّ التحالف الشيعي ـ الكردي القائم منذ أيام معارضة نظام البعث العراقي السابق، إضافة الى ان الاكراد هم أولا وآخرا سُنّة ولا بدّ ان ينتصروا لمذهبهم يوما ما.
ومن سخرية القدر؛ ان كل ما كان يقتطعه الشيعة مما يراه السُنّة حق لهم كان مآله للأكراد، أي لا يحتفظ به الشيعة لأنفسهم بل تؤول اغلبها للأكراد الذين استحوذوا على مناصب حكومية وحقائب وزارية تفوق استحقاقهم بكثير. لقد نوّه الرئيس جلال طالباني بذلك ردا على اتهام الحكومة الاتحادية بعدم تحقيق التوازن بين المكونات العراقية، حيث قال ان الاكراد مسلمون سُنّة، ولو جمعنا مناصبهم مع مناصب العرب السُنّة لوجدنا اننا حصلنا ما هو اكثر من استحقاقنا كسُنّة.  
مع تفاقم الاشتباك الشيعي ـ السُنّي، استمر الاكراد في سياسة جني الأرباح الهائلة التي اسفرت عن دور كبير جدا في بغداد واستقلال تام في الإقليم الى حد أضحت فيه الحكومة المركزية فاقدة لأية سلطة هناك.
وبعد ان استنفذ إقليم كردستان هذه الفرصة التاريخية التي لا تقدر بثمن، ومع تفاقم الازمة السورية واتحاد كل دول حلف الناتو ودول الخليج العربي ضد سوريا ونظامها العلماني، اصطفّ مسعود بارزاني دون تردد معهم ضد سوريا، بالضد مـِن إرادة حكومة بغداد التي أعلنت حيادها. ومَنْ شابه أباه ما ظلم، فقد سبقه لمثل هذا أبوه واعمامه واخواله ورفاقه وكل قادة الحركة الكردية على مرّ الزمن.
ان مسعود بارزاني الذي لم ولن يرضى بما هو دون الدولة الكردية المستقلة الكاملة السيادة على ما يراه هو من حدود، يعلم جيدا ان الحكومة الشيعية في بغداد اوهن من بيت العنكبوت، وأنها ليست ندا للإقليم ولا قادرة على الوقوف بوجه مشروع الاستقلال الكردي. وهو يعلم جيدا ان رضا العالم من رضا الولايات المتحدة، لهذا فهو يبذل الغالي والرخيص للظفر ببركاتها. اما العامل الآخر المتداخل مع الولايات المتحدة ولا يقل عنها أهمية، فهو تركيا، حيث اتبع معها سياسة الإغراء المالي، ففتح لها كل ارض الإقليم للاستثمار. وصارت شريكا في استخراج النفط وتصديره، إضافة للدور الذي لعبه اكراد العراق في تهدئة تمرد اكراد تركيا.
كما يرى مسعود ان الجار النهائي لإقليم كردستان هم العرب السُنّة (سواء تفتت العراق او اصبح اقاليما)، وهؤلاء مفتاحهم موجود في المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، ليس في بغداد الشيعية، خاصة وأن ملف المناطق المختلف عليها تقع بأكملها في محافظات العراق السُنّية.
الظهور الأخير لمسعود بارزاني الذي سبق «غزوة الموصل» كان في باريس في 23 أيار 2014، مع احمد الجربا، رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ورجل المملكة العربية في سوريا، حيث اكد مسعود أن الأكراد لن يبقوا شركاء في حكومة يرأسها نوري المالكي، وهدد باجراء «استفتاء شعبي في كردستان باتجاه اعلان صيغة أخرى لعلاقتنا مع بغداد».
بدا مسعود وهو يدلي بتصريحه المذكور وبحضور الجربا وكأنه ناطق رسمي يتلو مرسوما بالنيابة عن «أعداء سوريا»  يقضي بمعاقبة الرئيس المالكي جراء "دعمه" لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. والحقيقة ان شيعة العراق جميعا يتمنون انتصار الجيش العربي السوري على القوى الظلامية الشريرة، وليس المالكي وحده.
ان هذا لا يعني ان نسير مع نظرية المؤامرة التي تعكّز عليها الرئيس المالكي لتبرير الهزيمة النكراء التي تمثل حصيلة السياسة الداخلية والخارجية الفاشلتين والستراتيجية العقيمة والانفراد بالملف الأمني وتهميش الحلفاء قبل الخصوم.
ان أسلوب اشراك الدول الإقليمية والدول الكبرى بتحمل مسؤولية ما جنته اياديهم القذرة وكواليسهم العفنة المضمخة بالفتنة والغدر والخِسّة، يمثل خطوة بالاتجاه الصحيح بالنسبة للعراق، فمن يدافع عن تنظيم الدولة الإسلامية، دع هذا التنظيم الدموي يصبح جاره. وليتحمل بعض عواقب الانقلاب الذي دُبـِّرَ بليل وتسبب بانهيار الجيش العراقي والشرطة المحلية والاتحادية.
وكذلك حال الذين سكتوا عن الأراضي التي اقتطعها مسعود من المحافظات السُنّية، اولئك "النايمين بالخونة" [= الطفيليين] الذين ينكّلون ببغداد الشيعية ويتحالفون مع من هم ادهى من الشيطان ضدّها.
يقف إقليم كردستان على عتبة عهد جديد، شخّصها مسعود بنفسه حين قال ان لا حدود تربط الإقليم ببغداد (الشيعية)، وستكشف الأيام كيف سيكون الحال مع الجار الجديد والجاريْن الأزليين ايران وتركيا، فعلى عكس الظاهر تماما، فإنّ الفصائل الكردية الكبيرة ليست موحدة كما يبدو للعيان، فهي أيضا مقسّمة الهوى بين ايران وتركيا.
المهم والأكيد هو ما يؤكد عليه مسعود بارزاني مِنْ ان ما بعد «غزوة الموصل» لا يشبه ما قبلها وأن الإقليم ماض نحو الانفصال. لقد قلتها قبل سنوات وها انا اكررها اليوم: علينا نحن العرب ان ننفصل عن الاكراد إنْ هم تلكأوا في ذلك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...