احمد هاشم الحبوبي |
من ضمن تداعيات مظاهرات
المنطقة السُنيّة في العراق اعيد وضع الفدرالية على الطاولة. وبات يطرق اسماعنا دعوات لقبول وتفهم فدرالية سنية
تتمتع باستقلالية وفقا للدستور. الموضوع الوحيد قيد البحث هو التوقيت ليس إلا.
لقد كتبت ثلاثة مقالات
اواخر عام 2010، بحثت فيها الفدرالية ومدى صلاحيتها لعلاج بعض المشاكل البنيوية
التي نعاني منها. وطالما أن احوالنا لم تتغير كثيرا عما كانت عليه قبل سنتين؛ فإنني
اعيد نشرها.
«فدرالية»
01 ـ 12 ـ
2010
عادَ مصطلحُ الفيدراليةِ
يطرق أسماعنا بشكل متواتر في الآونة الأخيرة بعدَ ان توارى بعيدا عن مسرح الأحداث منذ
ان اخفق السيد وائل عبد اللطيف، في إقناع أهالي محافظة البصرة في التصويت لصالح تحويل
محافظتهم إلى إقليم للاستفادة من الصلاحيات الإضافية التي يمنحها التحول إلى إقليم
للتعجيل بتنمية المحافظة وتوفير الخدمات لها بعيدا عن سيطرة الحكومة المركزية التي
مازالت وزاراتها المترهلة والمثقلة بالفساد تُكَبِّلُ حركة إدارةَ المحافظاتِ الغير
منتظمة بإقليم.
أمام الأوضاع البائسة
التي تعيشها محافظات العراق كافة، نلاحظ ان محافظات اربيل ودهوك والسليمانية التي انتظمت
ضمن إقليم كردستان شمال العراق، تنعم بالأمن والرفاء والخدمات، وتحولت إلى قبلة للاستثمار
من قبل عديد من الشركات العالمية الرصينة. وهذا لم يتحقق في أي من مدن العراق الأخرى
على الرغم من ان العديد من محافظات الفرات الأوسط والجنوب تنعم باستقرار امني ممتاز،
كالنجف والمثنى وذي قار والعمارة والبصرة.
ومنذ بداية العام
الحالي، بدأت سلطات محافظة البصرة بالترويج لفكرة جعل البصرة إقليما، عبر تهيئة الرأي
العام البصري لتـَبَنّي هذا المقترح والتصويت لصالحه حين سيطرح للاستفتاء على أبناء
المحافظة، خاصة وانّ "هذا الرأي وصل إلى
المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهي بدورها فاتحت رئيس مجلس الوزراء،
الذي بدوره طلب من المفوضية إجراء الاستفتاء
في شهر نيسان المقبل" كما بيّن وائل عبد اللطيف، الأب الروحي والراعي الأول لفكرة تحويل البصرة إلى إقليم، بل لتحويل كل المحافظات
غير المنتظمة بإقليم إلى أقاليم.
ومنذ بضعة أيام،
بدأت وسائل الإعلام تُسَرِّبُ أخبارا عن ان محافظات الانبار وصلاح الدين ونينوى، كل
على حدة، تبحثُ خلفَ الكواليس فكرة التحول إلى فيدرالية للأسباب عينها التي دفعت البصرة
لذلك. وهذا أمر ملفت للانتباه، فقد كان أهالي تلك المحافظات ورموزها من اشد المعارضين
للفيدرالية، على اعتبار انها (الفيدرالية) ستكون مدخلا لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات؛
شيعية وسنية وكردية. ورغم ان الدعوات مازالت خجولة وفي بداياتها، إلا انها تـُظْهِرُ
تَبَدُلاً مهما في الموقف من الفيدرالية.
ومن المهم ان أشير ان من يؤيدون التحول إلى
النظام الفيدرالي في تلك المحافظات يحرصون على التأكيد بأن محافظاتهم ستتحول كل على
حدة وليست مجتمعة في إقليم واحد يغلب عليه المكون السنّي، حيث أعرب عضو مجلس محافظة
صلاح الدين، عبد الله جبارة، عن تأييده «قيام أقاليم للمحافظات شريطة أن لا تكون ذات
صبغة مذهبية أو عرقية وإنما تطبيقا لفكرة الإدارة الذاتية للمحافظات في إطار يدعم نظام
اللامركزية. وشدد على أن تشكيل أو تأسيس إقليم جديد على أساس طائفي أو عرقي يعتبر تقسيما
مرفوضا بالنسبة لمجلس محافظة صلاح الدين، لافتا إلى أن المجلس - وفي حال الفشل في الحصول
على حقوقه من الحكومة المركزية - قد يدعو إلى تشكيل إقليم مستقل دون الاتحاد مع أي
محافظة أخرى». ولكننا لا ندري كيف ستؤول الأمور لاحقاً.
ان ضعف أداء الحكومة
المركزية وتنامي أعداد الوزارات إلى حد يفوق التصور والمعقول، وتوزيع الوزارات على
أساس طائفي وعرقي، جعل تلك الوزارات تتعاطى مع شؤون المحافظات وفقا لنفس المبدأ، مما
أدى إلى تعقيد وسائل التواصل بين الحكومة المركزية وسلطات المحافظات.
أما الأمر الهام
الآخر فهو الفساد الإداري الذي ضرب أطنابه في كافة دوائر الدولة وعلى كافة المستويات
من خلال انتشار ظاهرة تعاطي الرشوة والتقاعس في تنفيذ الواجبات الوظيفية.
والطريف ان البعض
من الحريصين والنزيهين من موظفي الدولة صاروا يترددون ألف مرة قبل اتخاذ القرار بالموافقة
على قرار ما، تجنبا للوقوع تحت طائلة المساءلة القانونية أو الاتهام بالفساد، والنتيجة
هي دائما واحدة، التعطيل والتسويف والعجز عن معاجلة أي من الأزمات التي تحولت إلى أمراض
مزمنة يستحيل الشفاء منها. وفي ظل غياب أي أمل في تصحيح أي من تلك المعضلات التي أدت
إلى شيوع أجواء عدم الثقة بين إدارات المحافظات والحكومة المركزية؛ تبدو الفدرالية
وكأنها الإكسير الذي سينتشل المحافظات من واقعها المرير، واعتقد انه يستحق التجربة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق