احمد هاشم الحبوبي |
من ضمن تداعيات مظاهرات
المنطقة السُنيّة في العراق اعيد وضع الفدرالية على الطاولة. وبات يطرق اسماعنا دعوات لقبول
وتفهم فدرالية سنية تتمتع باستقلالية وفقا للدستور. الموضوع الوحيد قيد البحث هو التوقيت
ليس إلا. يرى الاستاذ باقر الزبيدي، رئيس كتلة المواطن التي تضم ثمانية عشر نائبا
في مجلس النواب، أنه من حق المحافظات السنية أن تحصل على الفدرالية إذا أراد سكانها
ذلك. ولكنه يرى أن تطبيق الفدرالية حاليا غير ممكن بسبب الظروف الإقليمية المتفجرة.
[لقاء تلفزيوني في قناة العراقية 15/02/2013].
لقد كتبت ثلاثة مقالات
اواخر عام 2010، بحثت فيها الفدرالية ومدى صلاحيتها لعلاج بعض المشاكل البنيوية
التي نعاني منها. وطالما أن احوالنا لم تتغير كثيرا عما كانت عليه قبل سنتين؛ فإنني
اعيد نشرها.
«نحو تحويل المحافظات إلى أقاليم»
06 ـ 12 ـ
2010
كنّا أربعة نتجاذب أطراف الحديث في حزيران
الماضي، اثنان من سامراء وواحد من مدينة العمارة وأنا من بغداد. واشتكى الأخوان
السامرائيان من تردي الخدمات في مدينتهما وافتقارها لمشاريع البناء والاعمار
الحقيقية واقتصارها على أعمال بسيطة تفوح منها رائحة الفساد والرشوة. فأجابهما ابن
العمارة قائلا: «ان الفساد الذي عندكم هو نفسه عندنا، ولكننا، بنينا أكثر من ستين
مدرسة وجسرين كبيرين كانت المدينة بأشد الحاجة لهما. وأنا اليوم سأسافر إلى دمشق
ومنها إلى الصين لأشتري معملا حديثا لإنتاج المواد الإنشائية، لأن معملي لم يعد
يغطي حاجة زبائني، رغم انني لست الوحيد في السوق، فالعلـّة فيكم انتم أيضا وليس في
الفساد وحده». ولم يرد عليه احد، فقد كان على حق، لأن من يدير أي مدينة في العراق
اليوم هم أبناؤها حصرا.
بدأنا نشهد نُضْجاً في رؤى بعض
مجالس المحافظات يفوق ذلك الذي لدى الوزارات والمؤسسات في بغداد، فلحل أزمة
الكهرباء التي تكابر الحكومة المركزية ان ترفع الراية البيضاء وتعلن عن عجزها عن
حلها، نلحظ إجراءات رائعة اتخذتها محافظات البصرة وكربلاء وكركوك، حين قرروا تخصيص
مبالغ مالية ضخمة من إيراداتهم لشراء محطات توليد كهربائية عملاقة لتغطية
الاستهلاك في محافظاتهم. هذه الفكرة البسيطة توصل إليها أبناء المحافظات بعد ان
عجز خبراء بغداد القابعين في وزارتي الكهرباء والتخطيط وغيرهما من الدوائر
المعنية بالأمر من إيجاد أي حل لها. أولئك الخبراء والمسئولين اللذين يحتكرون
القرار ويصادرون آراء الآخرين دون ان يقدموا أي بديل عملي ملموس.
رغم ما شاب أداء مجالس
المحافظات من ارتباك وفساد، إلا انها المرة الأولى التي تحكم فيها المحافظة
العراقية نفسها بنفسها عبر انتخابات حرة ونزيهة، بعد ان كان يأتيها المحافظ
مُنَزَّلاً بمرسوم جمهوري أصدره حاكم دكتاتور. وهذه التجربة الوليدة تحتاج للرعاية
والتنمية والصبر بدل ان نبدأ بجلدها بسياط النقد. ان أداء مجالس المحافظات بات
يضاهي أداء الحكومة المركزية. وبات تحول محافظات العراق إلى أقاليم، مسالة وقت ليس
إلاّ. وسيؤدي ذلك إلى إحداث ثورة حقيقية في تنمية العراق وإدارته. وسيحوّل الحكومة
المركزية إلى حكومة تصريف أعمال إذا لم تتمكن من محاكاة أداء الأقاليم، لأن
الأخيرة ما باتت بحاجة إلى الأب القائد الذي يسدد لها خطاها ويهديها إلى طريق
الصواب، ان صندوق الانتخابات هو الأب القائد الوحيد المقبولة وصايته. امّا من يحتج
بالفساد المستشري في بعض مفاصل مجالس المحافظات، فانّ الفساد المستشري في وزارات
الحكومة المركزية ومؤسساتها اشد وقعا وأكثر خطورة.
وسيُحَجِّم ظهور الأقاليم من حمى
الهجرة السكانية والسياسية إلى بغداد. وربما سيؤدي ذلك إلى العكس، حيث سنشهد هجرة
بغدادية نحو المحافظات وسيتذكر الكثيرون محافظاتهم الأم وسيحثون الخطى لوصل ما
انقطع وللتوطن فيها من جديد. ان الخلافات المتنامية بين الكتل السياسية اخطر بكثير
على البلاد من تحول المحافظات إلى أقاليم. وربما ستكون الأقاليم هي المدخل لبناء
فهم جديد للمواطنة، بعد ان عجزنا عن بناء مفهوم مقبول لها خلال المائة سنة
الماضية.
أود ان أبيّنَ ان بقاء
المحافظات التي ستتحول إلى أقاليم، منفصلة عن بعضها لبعض، أمر مشكوك فيه. وسيكون
العامل الجغرافي والمصلحة الاقتصادية وتعزيز الموقع أهم العوامل التي ستدفعها
للالتحام مع بعضها البعض في فدراليات متجانسة.
ولا ينبغي ان يكون خيار التحول
إلى أقاليم أو فدراليات بمثابة عقوبة للحكومة المركزية، فهي لا تختلف كثيرا عن
سابقاتها التي عجزت أيضا عن تبدو كحكومة للجميع. على مر العهود، كان هناك شعور
بالحيف يشكو منه مكونٍ من مكونات الشعب العراقي، وستكون جرعة الاستقلالية الإضافية
هذه علاجا شافيا لهذا الخلل المزمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق