احمد هاشم الحبوبي |
من ضمن تداعيات مظاهرات
المنطقة السُنيّة في العراق اعيد وضع الفدرالية على الطاولة. وبات يطرق اسماعنا دعوات لقبول وتفهم فدرالية سنية
تتمتع باستقلالية وفقا للدستور. الموضوع الوحيد قيد البحث هو التوقيت ليس إلا. يرى
الاستاذ باقر الزبيدي، رئيس كتلة المواطن التي تضم ثمانية عشر نائبا في مجلس
النواب، أنه من حق المحافظات السنية أن تحصل على الفدرالية إذا أراد سكانها ذلك.
ولكنه يرى أن تطبيق الفدرالية حاليا غير ممكن بسبب الظروف الإقليمية المتفجرة.
[لقاء في قناة العراقية 15/02/2013].
لقد كتبت ثلاثة مقالات
اواخر عام 2010، بحثت فيها الفدرالية ومدى صلاحيتها لعلاج بعض المشاكل البنيوية
التي نعاني منها. وطالما أن احوالنا لم تتغير كثيرا عما كانت عليه قبل سنتين؛ فإنني
اعيد نشرها.
«الرؤية
الاميركية للفدرالية في العراق»
04 ـ 12 ـ
2010
تستند الولايات المتحدة في بناء
استراتيجياتها على مجموعة رصينة من معاهد الدراسات والمُنَظـّرين اللذين يرسمون
الأطر العامة لسياسة الدولة الخارجية بالذات، ويتركون للسلطة التنفيذية، التي لا يقل
كوادرها شأناً وخبرة، الاستفادة أو الاستنارة بتلك الرؤى والدراسات. وكانت
الفدرالية حاضرة بقوة منذ البداية في الدراسات التي تناولت مستقبل العراق.
وهنا، أود ان اذكـّرَ القارئ الكريم بمقالة
لجورج شولتز، وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية للفترة الممتدة بين عامي
[1982 – 1989]، حيث كَتَبَ مقالة رأي في صحيفة «الواشنطن بوست» في السادس من أيلول عام 2002،
أي قبل احتلال العراق بأربعة أشهر، ذكر فيها انه «يمكن لعراق جديد أن ينبثق، عقب انتهاء النظام
العراقي الحالي، كدولة مستقلة ذات سيادة متمتعة بوحدة أراضيها التمامية [= التامة]
وذات شكل فدرالي يحترم الجاليات الكردية والسنية والشيعية. ويمكن تطبيق خطوات
انتقالية منفذة على مراحل، تشمل الاستفتاءات والانتخابات، تشارك فيها كافة الأحزاب
السياسية والفئات والمجموعات الموجودة في المنفى وفي الداخل والتي ظلت تعارض نظام
حسين [= صدام حسين] على مر السنين». وأضاف شولتز«إن تاريخ العراق، وإنجازات شعبه، وحضارته
القديمة العريقة الراقية، وموارده الطبيعية الكبيرة، كلها تشير إلى إمكانية تحول
إيجابي بعد رفع نير حسين [= صدام حسين]. وفي أثناء هذه العملية، يمكن أن ينبثق
نموذج قد تنظر إليه الدول العربية الأخرى وتحتذيه لتغيير نفسها والمنطقة بكاملها.
إن التحدي العراقي يتيح فرصة لنقطة تحول تاريخية يمكنها أن تقودنا في اتجاه مستقبل
أكثر هدوءاً وحرية وازدهاراً. ان هذه لحظة حاسمة في الشؤون الدولية».
وشدد شولتز على نفس المبدأ في مقالة بعنوان (العراق
مخاض التحول نحو الديمقراطية ومخاطره) كتبها بالاشتراك مع هنري كيسنجر وزير خارجية
الولايات المتحدة للفترة 1973-1977، ونُشِرَتْ في صحيفة الشرق الأوسط السعودية
بتاريخ 22/01/2005، أي قبل الشروع بكتابة الدستور العراقي . حيث أكدا كلاهما على
ان «العراق مجتمع تمزقه قرون طويلة من النزاعات الدينية والعرقية، وخبرة محدودة،
أو لا خبرة على الإطلاق في المؤسسات النيابية»، لذلك فانه «في المجتمعات المتعددة
الأعراق يجب ان تجري حماية حقوق الأقلية عبر ضمانات هيكلية ودستورية. ان
الفيدرالية تخفف أفق الاستبداد المحتمل للأغلبية العددية، وتحدد الاستقلال الذاتي على
أساس طائفة محددة من القضايا». لذا فقد أكد الكاتبان على «ترك مجال للاستقلال
الذاتي الإقليمي في إطار الدولة العراقية» من خلال تضمين ذلك في الدستور الذي كان
العراقيون بصدد كتابته بمساعدة أميركية ودولية. وأوضحَ الكاتبان انه «يجب إفهام أي
جماعة تدفع مطالبها إلى ما هو أبعد من هذه الحدود بعواقب انهيار وانقسام الدولة
العراقية إلى عناصرها المكونة، وبينها جنوب يهيمن عليه الإيرانيون، ومركز سني
إسلامي صدامي، وغزو للمنطقة الكردية من قبل الجيران».
وفي السادس والعشرين من أيلول عام 2007، وافق
مجلس الشيوخ الأميركي على مشروع قرار غير ملزم يقضي بإنشاء ثلاث فدراليات [شيعية،
سنية، كردية] في العراق بناءا على مقترح من جو بايدن، عضو مجلس الشيوخ حينها ونائب
الرئيس الأميركي حاليا بالاشتراك مع «ليزلي جيلب» الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية.
إلا أنّ المشروع رُفِضَ بشدة من قبل غالبية الفعاليات السياسية العراقية ومن قبل
الإدارة الأميركية أيضا حيث كنا حينها نكابد مآسي «شبه الحرب الأهلية» التي بلغت
ذروتها خلال عامي 2006-2007.
وأثبتت
الأيام انّ الوزيرين كيسنجر وشولتز كانا مُحِقـّيْن حين أكدا ان السنيين والأكراد سيبقيان
أقليتين معارضتين، لأنّ «الديمقراطية الغربية نشأت في مجتمعات متجانسة، ووجدت
الأقليات حكم الأغلبية مقبولا، لأن لديهم آفاقا في ان يصبحوا أغلبية، وتواجه
الأغلبية تقييدا في ممارسة سلطتها بسبب حالتها المؤقتة، وبسبب الضمانات القضائية
للأقلية. ومثل هذه المعادلة لا تفعل فعلها عندما يكون وضع الأغلبية قائما بشكل
دائم على أساس الانتماء الديني، ومثقلا بالاختلافات الإثنية وعقود من الدكتاتورية
الوحشية»، [نفس المصدر السابق]. حيث رفضت الأحزاب الدينية الشيعية بشكل قاطع فكرة
منح إياد علاوي الشيعي العلماني فرصة تشكيل الحكومة، رغم انها كانت مهمة أشبه
بالمستحيلة بوجود 159 نائبا شيعيا يرفضون التعاون معه، هذا إذا حَيـّدْنا الأكراد
اللذين ما كانوا اقل تحفظا تجاه إياد علاوي والقائمة العراقية.
العراق
سيكون أفضل حالا بالتأكيد حين تتحول محافظاته إلى أقاليم تربط بينها حكومة مركزية
ذات مهمات محددة تتعلق بإدارة الثروات الطبيعية وتوزيع وارداتها بشكل عادل بين
أبناء الشعب والإشراف على الأمن الوطني والسياسة الخارجية. ان ثروات العراق
الطبيعية، التي هي مصدر الدخل الوحيد للعراق، مُوزَعة على أنحائه الأربعة، شماله
وجنوبه وشرقه وغربه، ولو بشكل غير متساوٍ، وهذا يعني ان الجميع سيساهم في تعزيز
إيرادات البلد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق