المقدمة
شنّ رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي حملة ضد ازدواج الرواتب توّجها بإصدار قرار (نشر في الثالث والعشرين من حزيران 2020) نصَّ على خفض الراتب التعويضي وحجب حق ازدواج الراتب حصر الفئة المشمولة وحصر المشمولين به بالمقيمين فعلياً في العراق، عملاً بالمادة (10) من قانون التقاعد الموحد لسنة 2019 [1]. وهذا اجراء جيد. لكن هذه المادة ما زالت تسمح للسجناء السياسيين وذوي الشهداء وضحايا الإرهاب الجمع بين راتبين أو أكثر. وربما يتم تدارك هذا الخلل لاحقاً، فـ«العافية (تستعادُ) بالتدريج»، كما يقول المثل العراقي. لكن الأزمة الاقتصادية لا تتحمل هذا التدرج، لأن تفاقمها سيحدث آثاراً سياسية واجتماعية يصعب السيطرة عليها.
وفقاً لقانون 35 لعام 2013، فإن مصطلح «لاجئي رفحاء» يشمل «مجاهدي الانتفاضة الشعبانية عام 1991 الذين اضطرتهم ظروف البطش والملاحقة مغادرة جمهورية العراق إلى المملكة العربية السعودية وعوائلهم ممن غادروا معهم والذين ولدوا داخل مخيمات الاحتجاز وفقا للسجلات والبيانات الرسمية الموثقة دولياً وضحايا حلبجة الذين لجأوا إلى الجمهورية الاسلامية الايرانية بسبب قصفهم من قبل النظام البائد بالأسلحة الكيمياوية» [2]. أي أن العنوان يشمل العرب والأكراد الذين لجأوا إلى البلديْن المذكورين بحثاً عن الحماية. لذلك، لا بدّ أن يشمل قرار مجلس الوزراء الجميع. كي لا يشعر الرفحائيون بالغبن والاستهداف.
وعن الجدوى الاقتصادية للقرار المذكور؛ فإذا افترضنا أن نسبة «لاجئي رفحاء» من العرب والكرد خمسين بالمئة من المشمولين بقانون (35) لسنة 2013، فهذا يعني أن القرار أزاح أكثر من خمسين مليار دينار شهرياً عن كاهل الميزانية عبر تقليل مبلغ الراتب ومنع أكثر من خمسين ألف ازدواج (واقع أو ممكن).
لكن الازدواج المتبقي ما زال كبيراً؛ فهناك خمسين ألف آخرين (من المشمولين بقانون مؤسسة السجناء السياسيين) يجوز لهم الجمع بين أكثر من راتب. ومئات الآلاف من ذوي الشهداء وضحايا الإرهاب. وإذا ما شملت هذه الفئات فسيتم توفير مئات مليارات الدنانير شهرياً. الأمر الذي يمنح الدولة إمكانية إعادة توجيه هذا الوفر نحو الصحة والتعليم أو لتقليل الاستدانة الخارجية.
وجوب شمول المحكومين غيابياً بقرار مجلس الوزراء
وعلى عادة كل القوانين والقرارات العراقية، فالارتجال ساد قرار مجلس الوزراء المذكور فأهمل شمول المحكومين غيابياً بالقرار.
إلغاء الامتيازات المجحفة التي تكبد الميزانية مليارات الدولارات، لا تجميدها فقط
وبقدر أهمية إلغاء تعدد الرواتب، ينبغي إلغاء المادتين 8 و9 (من قانون 35) اللتين أقر بموجبهما جملة امتيازات تكبد الميزانية مليارات الدولارات وترسخ مبدأ اللاعدالة واللامساواة السائدين في بلاد الرافدين.
إنّ أبواب الصرف هذه لا تقل فداحة عن باب الرواتب، ففي الخامس والعشرين من أيلول سنة 2018، أي قبل سنة وتسعة أشهر، بيّنَ علي ناجي عبد الرضا معاون مدير قسم الرقابة والتدقيق في مؤسسة السجناء السياسيين بأن المؤسسة (255788) امتيازا (من سنة 2008 ولغاية 2018) [3]. وقد توزعت الامتيازات كما يلي:
1) المنحة التعويضية البالغة (40) ألف دينار عن كل يوم سجن شملت أكثر من (41) ألف مستفيد وهي مستمرة وبوتيرة متصاعدة. أي أن المشمول الذي قضى عاماً كاملاً في السجن أو المعتقل أو مخيم اللجوء حصل على منحة تعويضية قدرها أربعة عشر مليوناً وستمائة ألف دينار.
2) عدد المستفيدين من منحة البناء البالغة (30) مليون ديناراً بلغ (26162) مستفيدا.
3) عدد المستفيدين من رسم بدل الأرض (2541) مستفيداً
4) عدد المستفيدين من منحة السفر بلغ (26938) مستفيداً.
5) عدد الحجاج الذين شملوا بمنحة الحج منذ سنة 2008 ولغاية سنة 2014 بلغ (3203) حاجاً.
6) عدد المستفيدين من الأجور الدراسية بلغوا (2682) مستفيداً.
7) أجور العلاج فقد شملت (754) مستفيدا.
8) مساعدات مالية يمنحها معالي رئيس المؤسسة للحالات الطارئة والإنسانية بالنسبة للمرضى المشمولين بقانون المؤسسة.
علماً بأن ذوي الشهداء يتمتعون بنفس الامتيازات. وبصراحة؛ يصعب فهم سبب منح للسجناء السياسيين وذوي الشهداء هكذا امتيازات طالما أنهم منحوا رواتب تعويضية عالية جداً مقارنة بمداخيل إخوانهم العراقيين.
ولتبيان فداحة الامتيازات، سأستعرض تشريعات الدراسات الجامعية والتعيين في الدوائر الحكومية اللذين تضمنهما قانونا مؤسسة السجناء السياسيين ومؤسسة الشهداء.
الدراسات الجامعية الأولية والعليا:
المشمولون بقانون مؤسسة السجناء السياسيين [«المادة 9 – البند أولاً» من قانون 35 لسنة 2013]: تتحمل المؤسسة تكاليف الدراسة داخل وخارج العراق. ويكون القبول استثناء من كل الشروط [2].
المشمولون بقانون مؤسسة الشهداء [«المادة 17 – البند سابعاً إلى البند حادي عشر» من قانون مؤسسة الشهداء رقم (2) لسنة 2016]: يتم تخصص نسبة لا تقل عن (10%) عشرة من المئة من المقاعد الدراسية استثناءً من الشروط والتعليمات المحددة للقبول في الدراسات الأولية والعليا لذوي الشهداء. كما تتحمل الدولة تكاليف الدراسة داخل وخارج العراق. ويكون القبول استثناء من كل الشروط [4].
التعيين في الدوائر الحكومية
المشمولون بقانون مؤسسة السجناء السياسيين [«المادة 9 – البند ثانياً» من قانون 35 لسنة 2013]: «تعطى الاولوية للمشمولين بأحكام هذا القانون في تولي الوظائف العامة وتحدد نسبة لا تقل عن (5 %) في جميع دوائر الدولة» [2].
المشمولون بقانون مؤسسة الشهداء [«المادة 17 – البند خامساً» من قانون مؤسسة الشهداء رقم (2) لسنة 2016]: «تلزم جميع الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة بتخصيص نسبة لا تقل عن (15%) خمسة عشر من المئة من الدرجات الوظيفية لشرائح ذوي الشهداء المشمولين بأحكام هذا القانون من الحد الاعلى لسن التعيين وتتولى وزارة المالية تنفيذ ذلك عند اعداد الملاك الوظيفي في كل سنة مع إلزام الوزارات بتقديم كشف سنوي بذلك الى لجنة الشهداء والضحايا والسجناء السياسيين في مجلس النواب» [4].
وهذا يعني أن أقل من 1 % من المواطنين يستحوذون على 20 % من فرص العمل التي تعرضها الدولة في سوق العمل.
وهذا مؤشر على التمادي وعدم الاكتراث اللذين ابداهما المشرِّع تجاه حقوق الغالبية الساحقة من أبناء الشعب الذين ما أجرموا وما كانوا سبباً في الضيم الذي لحق بضحايا النظام السابق. لقد ذكرت في مقال سابق أن القاعدة السائدة في العراق أن «من يملك السلطة يملك كل شيء» [5]. وصدق أبو العلاء المعري حين قال:
مَنْ ساءه سبب أو هاله عجب --- فلي ثمانون عاماً لا أرى عجبـا
الدهر كالدهر والأيام واحــدة --- والناس كالناس والدنيا لِمَن غلبا
إن المُشرِّع يتعامل مع البلد على أنه سفينة غارقة ينبغي الاستيلاء على ما أمكن من حمولتها. ويمكن ملاحظة ذلك في تصرفات مسؤولي الصنف الأول من موظفي الدولة، فالغالبية الساحقة منهم يبيعون الأراضي التي يستلمونها كهبات بحكم مناصبهم. كما يودعون أموالهم في مصارف خارج العراق.
آن الأوان لشيعة السلطة ان يتصرفوا بعقلية رجال دولة، لا بعقلية قراصنة. إنّ العراق باقٍ طالما بقي الرافدان. ولا مكان للقراصنة فيه.
المصادر:
[1] الموقع الألكتروني للحكومة العراقية. "مجلس الوزراء يقرر إيقاف ازدواج رواتب محتجزي رفحاء". 23 حزيران 2020.
[2] لمزيد من التفاصيل، أنصح بقراءة تقرير لكاتب هذه السطور بعنوان "مواد مهمة من قانون مؤسسة السجناء السياسيين (قانون رقم (4) لسنة 2006 المعدل بقانون رقم (35) لسنة 2013)" على الرابط التالي:
[3] الموقع الالكتروني لمؤسسة السجناء السياسيين. "(255) ألف امتياز شملت السجناء والمعتقلين ومحتجزي رفحاء". ثائر عبد الخالق. 25 أيلول 2018.
[4] الموقع الألكتروني لقاعدة التشريعات العراقية. قانون مؤسسة الشهداء العراقية. 25 كانون الثاني 2016.
[5] أحمد هاشم الحبوبي. "المخفي من قانون السجناء السياسيين «قانون رواتب رفحاء»". موقع الحوار المتمدن. تاريخ النشر 22 حزيران 2020.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق