الثلاثاء، 21 يوليو 2020

صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة

حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [1] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب» [2]. أتمنى أن ينال مقالي هذا رضا الجميع لأنه يشمل كل رموز الخراب.
يشترك قادة العراق بصورة مذهلة في الأداء والحصيلة. فها هو نوري المالكي (رئيس وزراء العراق 2006 – 2014) يستنسخ خيبة سلفه صدام حسين (رئيس جمهورية العراق 1979 – 2003) فينهي عهده والعراق محتلٌ خرِبٌ ومهانٌ. للوهلة الأولى تبدو المقارنة بين الرئيسيْن غير واقعية أو منصفة؛ فمن غير الممكن مقارنة «ديكتاتور» بآخر «اختير ديمقراطياً»، لكن أداءهما وحصيلتيْ حكمهما متطابقان إلى حد عجيب؛ في الأداء عبر تفريطهما بفرص النهوض بالبلد واحدة تلو الأخرى، وفي الحصيلة حيث انتهت مسيرة الأول بالعراق بلداً مُحْتَلاً مدمراً بفعل الغزو الأمريكي – البريطاني. وانتهت حقبة الثاني بغازٍ آخر (تنظيم «داعش») أشدُّ هولاً وفتكاً مِن سابقه. ولأسباب مختلفة يتطابق الرئيسان في حجم الدماء التي أُريقتْ والأرواح التي أُزْهِقَتْ في عهديْهما [3].
أما مسعود برزاني، فهو نسخة من صدام حسين. في ذروة اكتساح تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» لأرض العراق، استولى مسعود برزاني (رئيس حكومة إقليم كردستان آنذاك) على كل الوحدات الإدارية «المتنازع عليها» مدعياً عائديتها للإقليم الكردي [4]. وأعلن «عودة الفرع الى الأصل» وأنه لا انسحاب من ارض الأجداد، في محاكاة لاحتلال الكويت الذي جرى بنفس الذرائع (خطيئة صدام الأولى). واستمراراً في المحاكاة، لم يقم مسعود أي اعتبار لـ«الكونسورتيوم» الذي رتب كل أحداث حزيران 2014، الأمر الذي سيجبره لاحقاً على التخلي عن كل الأراضي والانكفاء في حدود ما قبل التاسع عشر من آذار 2003.
كل الأراضي التي استولى عليها مسعود برزاني تقع ضمن حدود المحافظات التي احتلّها «داعش» وتحتوي على آبار وكوامن بترولية هائلة. ولم يكتف مسعود بذلك، فقد قامت مليشيا البيشمرگة الكردية بالسيطرة على آبار نفط كركوك وطرد كل العاملين العرب فيها بحجة نيتهم تخريب الآبار بإيعاز من «الحكومة المركزية». هكذا يبرر مسعود أقصاء أبناء كركوك العرب من وظائفهم ومناصبهم وحرمانهم من مصادر رزقهم ورميهم على قارعة الطريق.
ولا بد من الإشارة إلى أن الذراع العسكري الضارب الذي نفذ عملية الاستيلاء هذه هو فصائل البيشمرگة الممولة والمسلحة من «الحكومة المركزية».
إن الصمت الإقليمي عن «الضم الجائر» سوّغ لمسعود برزاني إصراره على إجراء استفتاء الاستقلال عن العراق في أيلول 2017 وصولاً إلى اعلان الإقليم دولة مستقلة، رغم المناشدات والتحذيرات الإقليمية والدولية التي حذرته من خطوته هذه. إلا أن مسعود تجاهل كل تلك التحذيرات وأصر على اجراء الاستفتاء. مرة أخرى يقتدي مسعود بصدام الذي رفض الانسحاب من دولة الكويت الشقيقة رغم المناشدات والتحذيرات الدولية (خطيئة صدام الثانية).
وقع المحظور، وعُوقِبَ مسعود أيما عقوبة، فقد قُلِعَت أنيابه وانتزعت أشواكه، وخسر الغالبية الساحقة من الوحدات الإدارية التي سطا عليها جوراً وعدواناً. كما استعادت الحكومة المركزية كركوك، «قدس كردستان»، كما كان يسميها جلال طالباني. والطريف أن بيشمرگة الاتحاد الوطني هي التي سلمت كركوك. لقد جرى كل ذلك بإشراف وتنسيق إيراني – تركي بنزعة تأديبية رادعة. وانتهى الأمر بمسعود ان أعلن استقالته من رئاسة الإقليم وإلغاء المنصب لحين انتخاب رئيس جديد وسلم إدارة الإقليم لنجيرفان ابن أخيه وزوج ابنته، ليتم، بعد أقل من سنتين، انتخاب نجيرفان رئيساً للإقليم ومسرور ابن مسعود رئيسا للوزراء. كما استحوذ برزانيون آخرون على كل المناصب الأمنية الحاكمة، فالأمن هو سلاح حكم العوائل [5]. رغم استقالته من منصبه، بقي مسعود يدير شؤون الإقليم عملاً بالمثل العراقي: «حين يكون الشرطي في إجازة، فإنه يجلس في المقهى المقابل لمحل عمله».
على العكس من نوري المالكي الذي اكتفى باستنساخ جينات الفشل من صدام، فإن مسعود برزاني ورث جينات الفشل والنجاح. فالإقليم آمن ويشهد نمواً معماريا واستثماريا مع أقل قدر من الفساد الإداري. وبصراحة فإن تعداد الأمور الإيجابية ليس من اختصاص هذا المقال.
لقد كان الإعلام الشغل الشاغل لصدام حسين طوال فترة حكمه، حيث أغدق كثيراً على هذا القطاع، محلياً وعربياً، على مدى فترة حكمه. وقد كان الإعلام العربي خير سند وظهير لشخص الرئيس وتوجهات النظام الحاكم آنذاك. وقد تخلت أغلب وسائل الإعلام العربية عنه بعد احتلاله للكويت. إلا أنه استعادها أو على الأقل كسب حيادها خلال بضع سنوات.
أسوة بصدام يولي مسعود الإعلام اهتماماً كبيراً. ولكنه ركز اهتمامه على الإعلام المحلي، فأنشأ صروحاً إعلامية مهمة تولت توظيف العديد من الإعلاميين العراقيين البارزين. كما جعل من ارض الإقليم ملاذاً آمناً للصحفيين والإعلاميين الذين يعانون من الوضع الأمني الهش أو المهددين بالتصفية الجسدية على يد العصابات المسلحة المنفلتة أو الملاحقة القانونية الباطلة على يد أجهزة الدولة ونظامها القضائي المنحاز الذي يحابي المسؤولين ومراكز القوى.
استخدم مسعود أصحاب الأقلام القابلة للشراء في مهاجمة خصومه في بغداد. ويمكن ملاحظة ذلك في الحملات الإعلامية التي تشنها صحيفة المدى. فهي تتماهى مع توجهات رئاسة الإقليم. أما أصحاب الاقلام العصية على الشراء، فقد اكتفى مسعود بحيادهم. أود أن أؤكد بأنني لا اقصد التعريض بالصحفيين والإعلاميين العاملين في وسائل الإعلام «الممولة كرديا» أو الذين يعملون من أرض الإقليم. فنحن أبناء الشرق الأوسط ونعلم جيداً أن حرية التعبير والديمقراطية مقرونتان بإرادة الحاكم. لذلك لا يمكن للإعلامي أن يحارب على كل الجبهات. لذلك، فإن الصمت عن أمر ما لا يعني الرضا به.
تمتد سطوة مسعود الإعلامية إلى بغداد، فالصمت الإعلامي إزاء تغوّل الإقليم يشمل وسائل الإعلام العاملة من بغداد وغيرها من المدن لأنّ الغالبية الساحقة من وسائل إعلامنا مملوكة للعوائل وأحزاب تأتمر بأمر مالكها.
إني لا اقصد تنزيه «الحكومة المركزية» أو إظهارها بمظهر الضحية. فهي تستحق الانتقاد إلى حد اللعن. لكني استغرب كثيراً كيف أن ملفات كبرى كمثل الوحدات الإدارية و«نفط الاقليم» و«المنافذ الحدودية» «العلاقات الاقتصادية والسياسية مع إسرائيل» لا تستفز صحفياً قلبه على وطنه، لا على جيبه. وأؤكد مرة أخرى تفهمي واحترامي لظروف الإعلاميين الذين يقيمون في الإقليم لأسباب أمنية أو عملية.
يمكن لمسعود أن يفاخر بين أقرانه بأنه اكثرهم شبهاً بصدام حسين. ولكن عليه أن يحذر تطابق المآل.

المصادر والملاحظات

[1] أبو علي الشيباني: منجم عراقي محتال يتندر العراقيون بأكاذيبه وركاكة لغته الفصحى. أكثر من روّج له الإعلامي العراقي فيصل الياسري صاحب قناة الديار.
[2] أبو ثقب: دجال ومشعوذ عراقي ادعى لنفسه قدرات خارقة في شفاء المرضى. فضح الناس اكاذيبه وصار محل تندر العراقيين.
[3] أحمد هاشم الحبوبي (7 نيسان 2018). "صدام حسين ونوري المالكي، تطابق الحصيلة". الموقع الألكتروني «احمد هاشم الحبوبي – أرض السواد»
 [4] أحمد هاشم الحبوبي (13 تموز 2014). "إقليم كردستان يلتهم أراضي العرب السُنّة". الموقع الألكتروني للحوار المتمدن

[5] أحمد هاشم الحبوبي (5 آب 2019). "نفط الإقليم والحكومة المركزية المتخاذلة". موقع الحوار المتمدن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...