السبت، 7 أبريل 2018

«جهاد النكاح» .. القصة من البداية


«جهاد النكاح» .. القصة من البداية
احمد هاشم الحبوبي
حين تستعرُ نيران الحرب، وبالذات الحرب الأهلية، تزدهرُ تجارة الجنس والسلاح تلقائياً. وهذا ليس امتياز عربي أو شرق أوسطي، فالحال من بعضه في كل جهات الارض، وعلى مر العصور والأزمان. ولم تخلو أي حرب اهلية في افريقيا وآسيا وأوروبا من فضائع ارتكبت بحقِّ النساء. وعلى نفس الهدي سار تنظيم «داعش».
البدايةُ كانت مِنْ تونِس، حيثُ امتدت المساهمة التونسية في حرب سوريا لتشمل النساء التونسيات أيضا. فكُنَّ مِنْ أوائل المُبادرات للتطوع في صفوف «جبهة النصرة» [وبعد ذلك «داعش»] للترفيه عن مقاتلي التنظيم مستنداتٍ على فتوى مجهولة المصدر يسندها البعض لرجل الدين التكفيري السلفي السعودي «محمد العريفي» في كانون الأول 2012، دعا فيها المسلمات لمؤازرة المجاهدين عبر «جهاد النكاح»، أي التطوع لإشباع الحاجات الجنسية للمقاتلين الاسلاميين.
وتنص هذه الفتوى على إجازة أن يقوم المتمردون ضد النظام السوري من غير المتزوجين أو من المتزوجين الذين لا يمكنهم ملاقاة زوجاتهم بإبرام عقود نكاح شرعية مع بنات أو مطلقات لمدد قصيرة لا تتجاوز الساعة أحيانا يتم بعدها الطلاق وذلك لإعطاء الفرصة الى مقاتل اخر.
ورفض وزير الشؤون الدينية التونسي، نور الدين الخادمي الفتوى وقال انها لا تُلزِم الشعب التونسي ولا مؤسسات الدولة. وأكد الخادمي ان «هذه مصطلحات جديدة، ما معنى جهاد النكاح؟ الفتاوى لا بد ان تستند الى مرجعيتها العلمية والمنهجية والموضوعية، وأي شخص يفتي في الداخل او الخارج فتواه تلزمه ولا تلزم غيره من الشعب التونسي او من مؤسسات الدولة».
وأكد مفتي تونس (السابق)، الشيخ عثمان بطيخ، في مؤتمر صحافي ان «جهاد النكاح» هو فساد أخلاقي وتربوي وبغاء، وأن ستَّ عشرة فتاة تونسية تم التغرير بهن وإرسالهن الى سوريا لاستغلالهن جنسيا تحت مسمى «جهاد النكاح» من قبل مقاتلين إسلاميين يحاربون قوات الرئيس بشار الاسد. وندد بطيخ باستدراج التونسيين للقتال في سوريا تحت مسمى الجهاد، وأكد أن «سوريا ليست أرض جهاد لان شعبها مسلم والمسلم لا يجاهد ضد المسلم».
لقد دفع الشيخ عثمان بطيخ منصبه ثمنا لتصريحاته هذه التي لم ترق للحكومة التونسية التي تقودها حركة النهضة الإسلامية، والرئيس المؤقت منصف المرزوقي الذي قرر إقالته من منصبه بسبب تلك التصريحات.
وفي 28 آب 2013 اعلن مصطفى بن عمر، المدير العام لجهاز الأمن العمومي في تونس، عن تفكيك خلية لـ«جهاد النكاح» في جبل الشعانبي (وسط غرب) الذي يتحصن فيه مسلحون مرتبطون بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي.
وقال بن عمر في مؤتمر صحافي أن جماعة أنصار الشريعة التي صنفتها تونس "تنظيما ارهابيا" قامت بـ«انتداب العنصر النسائي بالتركيز خاصة على القاصرات المنقبات على غرار الخلية التي تم تفكيكها في التاسع من آب والتي تتزعمها فتاة من مواليد 1996».
وأضاف ان هذه الفتاة التي اعتقلتها الشرطة أقرت عند التحقيق معها بأنها «تتعمد استقطاب الفتيات لمرافقتها إلى جبل الشعانبي لمناصرة عناصر التنظيم (المسلح) في إطار ما يعرف بجهاد النكاح».
ثم أعلن وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو، في 19 ايلول 2013، أن فتيات تونسيات سافرن إلى سوريا تحت مسمى «جهاد النكاح»، عُدْنَ إلى تونس حوامل من أجانب يقاتلون الجيش النظامي السوري بدون تحديد عددهن. وقال الوزير خلال جلسة مساءلة أمام البرلمان التونسي ان أولئك النسوة التونسيات «يتداول عليهن (جنسيا) عشرون وثلاثون ومائة (مقاتل) من «جبهة النصرة». ويرجعن إلينا يحملن ثمرة الاتصالات الجنسية باسم جهاد النكاح، ونحن ساكتون ومكتوفو الأيدي».
وأضاف أن وزارة الداخلية منعت منذ آذار 2013، ستة آلاف تونسي من السفر إلى سوريا واعتقلت 86 شخصا كونوا شبكات لإرسال الشبان التونسيين إلى سوريا بهدف «الجهاد». وتابع «فوجئنا بمنظمات حقوقية (تونسية) تحتج على منع (وزارة الداخلية) تسفير مقاتلين إلى سوريا». وقال «شبابنا يوضع في الصفوف الأمامية (في الحرب في سوريا) ويعلـِّمونهم السرقة ومداهمة القرى» السورية.
بعد ذلك بدأت صحيفة الشروق التونسية، التي دأبت على التصدي لهذا الملف،على نشر العديد من التحقيقات الصحفية حول الفتيات التونسيات العائدات من سوريا بعد أن مارسن «جهاد النكاح» هناك. كما كشفت وسائل تجنيدهن وفضحت طريق تسفيرهن إلى سوريا عبر ليبيا ليحصلن هناك على جوازات سفر يسافرن بها إلى تركيا. وأفاد مصدر أمني للصحيفة أن مِن ضمن المتورطات عدد من طالبات الجامعات التونسية. ورغم مستواهن العلمي فانه تم التغرير بهن للسفر نحو سوريا والمشاركة في فضيحة ما سموه «الجهاد الجنسي» ولحسن الحظ فإنهن لم يعدن حوامل من رحلتهن لأن اثنين منهن اجهضن هناك منذ بداية الحمل في حين ان الباقيات لم يحملن منذ البداية واتخذن الاجراءات الوقائية».
وكشفت صحيفة «الشروق» في تحقيق منشور على موقعها الالكتروني في 22 ايلول 2013، ان التجنيد يتم في «المساجد والجامعات وفي المتاجر المختصة في بيع اللباس الديني وفي الحمام» مقابل مبالغ نقدية ووعود بتوفير فرص عمل لذويهن. حيث حصلت كل واحدة منهن على الفي دينار تونسي [= 1200 دولار امريكي]، مع وعد بمنحهن عشرة آلاف دينار عند عودتهن. ثم نقلن بالسيارة إلى ليبيا، ليحصلن هناك على جوازات سفر اصولية، وسافرن بعدها إلى تركيا، ومن ثم إلى سوريا، ليبدأن هناك جهادهن.
ونفت إحدى المشاركات ما تردد حول ان كل فتاة شاركت في «جهاد النكاح» مارست الجنس مع العشرات من المقاتلين قائلة «لم تتجاوز هذه العلاقات أكثر من شخصين وفي أقصى الحالات ثلاثة اشخاص».
وكانت «الشروق» قد التقت قبل التحقيق المذكور بفتاة تونسية تدعى «لمياء» التي غادرت تونس باتجاه مدينة بنغازي الليبية ومنها الى تركيا قبل ان تحط بها الرحال في حلب السورية. وذلك بعد ان «اقتنعت ان المرأة يمكن لها المشاركة في الجهاد والقضاء على أعداء الاسلام بالترويح على الرجال بعد كل غارة وغارة ليصبح جسدها ملكا لهم».
وتقول الكاتبة منى البوعزيزي التي التقت لمياء؛ أنها (لمياء) «فوجئت بعدد النساء والفتيات المقيمات داخل مستشفى قديم تحول الى مخيم للمجاهدين. حيث استقبلها هناك أمير قال عن نفسه انه تونسي ويدعى أبو أيوب التونسي. لكن القائد الحقيقي للمخيم هو شخص يمني وهو الذي استمتع أولا بالوافدة الجديدة لمياء».
وقالت لمياء أنها مارست الجنس مع باكستانيين وأفغان وليبيين وتونسيين وعراقيين وسعوديين وصوماليين ليتحول جسدها الى جسد متعدد الجنسيات، والجنين الذي في احشائها الى مجهول الهوية والنسب. وأنها التقت بنساء وفتيات تونسيات من القصرين والكاف وحي التحرير والمروج وبنزرت وقفصة وصفاقس. وقالت ان احداهن توفيت نتيجة تعرضها للتعذيب بمجرد محاولتها الهروب.
وحين عادت لمياء الى تونس، خضعت الى التحاليل الطبية ليتبيّن انها مصابة بمرض «الأيدز». كما أظهرت الفحوصات الطبية كذلك أنها حامل في الشهر الخامس والجنين مصاب بنفس المرض.
وقال المفتي السابق عثمان بطيخ لصحيفة «الشروق» (النشرة الالكترونية للصحيفة في 22 ايلول 2013) انه يجب على العائلات التونسية ان تحذر انتشار هذه الظاهرة الخطيرة وتنتبه اكثر إلى اولادها وتقوم بمراقبة تصرفاتهم حماية لهم من غسيل الادمغة الذي يتعرض له شبابنا من قبل اصحاب الفكر المتشدد قائلا في هذا السياق «ما يزعجني في هذا الموضوع ان ضحايا جهاد النكاح هن مجرد فتيات صغار السن لا حول ولا قوة لهن».
وفي السادس تشرين الاول 2013، اعلن مسؤول رفيع المستوى في وزارة الداخلية التونسية، ان عدد التونسيات اللواتي مارسن «جهاد النكاح» في سوريا مع إسلاميين يقاتلون القوات السورية، «محدود» ولا يتعدى 15 تونسية.
وقال المسؤول: «هنّ 15 تونسية على اقصى تقدير، سافرن الى سوريا بقناعة تقديم خدمات اجتماعية للمقاتلين (تمريض الجرحى والطبخ وغسل ثياب المقاتلين...). وهناك تم استغلال بعضهن جنسيا تحت مسمى جهاد النكاح». وأضاف ان «أربعا منهن عدن الى تونس، وإحداهن حامل». وتابع ان الحامل اعترفت بأنها سافرت الى سوريا لتقديم «خدمات اجتماعية للمقاتلين، واعترفت بأنها مارست الجنس معهم».
لقد رفدتنا لمياء، من غير قصد، بمعلومات اضافية عن جنسيات المقاتلين في صفوف المعارضة المسلحة، فهي أضافت الصومالي والأفغاني، الجنسيتان اللتان تتحدث عنهما الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى.
ونقل عن التونسيات العائدات من سوريا ان هناك «مسلمات من دول الشيشان وألمانيا وفرنسا ومصر والعراق والمغرب العربي مارسن جهاد النكاح مع المقاتلين». وقال ان تونس كانت لها «جرأة الاعلان عن هذه الحالات» مقارنة بدول أخرى اعتبر انها تتكتم على الموضوع.
وقد اكدت تقارير صحفية وقوع نساء سوريات ضحية لهذه الفتوى، حيث تم استغلالهن جنسيا للترويح عن المجاهدين. وقد تحدثت احداهن عن تجربتها لصحيفة «كاونتر بانش»، في 17 تموز 2013، قائلة أن زوجها أخبرها «أن المشايخ الذين يعيشون في البلدة قد دعوا جميع من في المنطقة إلى الجهاد، ولكنه أنبأها أن للجهاد أوجهاً عدة، قد يكون جهاداً بالسلاح والقتال، أو بالمال، وعند الحاجة جهاداً أسماه جهاداً بالنكاح، وشرحه لها بأنه ينبغي على الفرد أن يتزوج من جميع الأرامل اللواتي فقدن أزواجهن خلال المعارك.
في المقابل، نفى مسؤولون فى الجيش السورى الحر و«جبهة النصرة» أي وجود لـ«مجاهدات النكاح» فى المناطق التى يسيطرون عليها، كما نفوا تصريحات وزير الداخلية التونسى حول توجه عدد من التونسيات إلى سوريا للمشاركة فى ما يسمى «جهاد النكاح» مع مقاتلى المعارضة، وأن القضية مختلقة يراد منها تشويه سمعة المجاهدين.
وقال العقيد قاسم سعد الدين، عضو القيادة العسكرية العليا للجيش الحر، والقائد العام لجبهة تحرير سوريا، إن ما يتم الترويج له من موضوع «جهاد النكاح» لتونسيات فى سوريا لا يتعدى أن يكون «فبركات إعلامية أو لبس»، وأن ذلك يعد عند الجيش الحر «زنا كامل الأركان وليس جهاداً».
بهذه الشهادات الشخصية الموثّقة والتصريحات الرسمية التونسية، ابتداء بمفتي تونس (السابق) ووزير الداخلية والصحافة وانتهاءً بمنظمات المجتمع المدني التونسية، وبالأرقام، بات من الصعب القبول بأن القضية مختلقة. وقد أثبتت الأيام صحة هذه الوقائع وتوسعها وتمددها.
هذه خطوة أولى في تحرّي وتحقيق «جهاد النكاح»، وستتبعها خطوات أخرى تتحرى تجارة الجنس التي رافقت الحرب العالمية الوهابية على سوريا والعراق.
بهذه الشهادات الشخصية الموثّقة والتصريحات الرسمية التونسية، ابتداء بمفتي تونس (السابق) ووزير الداخلية والصحافة وانتهاءً بمنظمات المجتمع المدني التونسية، وبالأرقام، بات من الصعب القبول بأن القضية مختلقة. وقد أثبتت الأيام صحة هذه الوقائع وتوسعها وتمددها.
هذه خطوة أولى في تحرّي وتحقيق «جهاد النكاح»، وستتبعها خطوات أخرى تتحرى تجارة الجنس التي رافقت الحرب العالمية الوهابية على سوريا والعراق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...