أزمة طاقة في محطات
توليد الطاقة الكهربائية في العراق
احمد هاشم الحبوبي |
إذا ما أردتُ الخوض في أزمة الطاقة
الكهربائية بعيْنِ السياسي فسألعنُ كل الحكومات التي تعاقبت على العراق من فجر
التاريخ حتى انتهائه حين يُنفّخُ بالبوق. وسأشتُمُ بالتحديد حسين الشهرستاني وأشكك
بشهادته وقدرته العقلية وبآدميته. وسأعرِّج على تكذيب ادعائه بأنّه سُجِنَ لرفضه
التعاون في تطوير برنامج العراق النووي أيام النظام السابق، فرغم كل المآخذ عليه
[= النظام السابق] فهو لم يكن بالسذاجة ليوكل تطوير برنامجه المذكور لشخص فاشل مثل
الشهرستاني. والأيام أثبتت ذلك، فقد كذب الشهرستاني حين تعهد بتحقيق الاكتفاء
الذاتي في انتاج الطاقة الكهربائية بحلول نهاية عام 2013 [1]، وكذب حين تعهد
بالوصول بالطاقة التصديرية للنفط إلى اثني عشر مليوناً وخمسمئة ألف برميل يومياً.
وقد أكّدَ وزير النفط جبار اللعيبي لا واقعية هذا التعهد وبيّن بأن هذا الوعد بقي
حبراً على ورق ولم يجد له مكاناً على أرض الواقع. وأضاف اللعيبي أن جل ما تسعى
إليه الوزارة هو الوصول بالانتاج إلى سبعة مليون وخمسمئة ألف برميل يومياً بحلول عامي
2023 – 2024 [2]. إنّ الشهرستاني فشل في كل الميادين التي عمل بها، حاله حال كل
رفاقه وزملائه من حزب الدعوة. وهذا ابتلاء من السماء ما بعده ابتلاء. أما لماذا هو
دون غيره، فلأنه تولى ملف الكهرباء في سنوات الوفرة المالية، وكان ممكناً تحقيق
الاكتفاء الذاتي لو استخدمت سياقات رصينة.
كتبَ حاكم إمارة دبي ونائب رئيس دولة
الإمارات العربية المتحدة الناجح محمد بن راشد على "تويتر": «علمتني
الحياة أن الخوض الكثير في السياسة في عالمنا العربي هو مضيعة للوقت.. ومفسدة
للأخلاق.. ومهلكة للموارد.. من يريد خلق إنجاز لشعبه فالوطن هو الميدان.. والتاريخ
هو الشاهد.. إما إنجازات عظيمة تتحدث عن نفسها، أو خطب فارغة لا قيمة لكلماتها ولا
صفحاتها» [3]. وأضاف قائلاً إنّ «وظيفة السياسي الحقيقية هي تسهيل حياة الاقتصادي
والأكاديمي ورجل الاعمال والاعلامي وغيرهم. وظيفة السياسي تسهيل حياة الشعوب، وحل
الأزمات بدلا من افتعالها.. وبناء المنجزات بدلا من هدمها» [4]. لذلك، وسيراً على
هدي الشيخ محمد بن راشد اعتذر عن المقدمة السياسية التي دسستها وأتعهد ببحث
الموضوع من وجهة نظر فنّية.
شاءت الصدف أن ألتقي بأناس مختصين
يعملون في قطاع انتاج وتوزيع الطاقة الكهربائية. والحديث مع المختصين يسهم في
تشخيص المشكلة وتقديم الحلول. وبصراحة هالني ما سمعت. ففي لقاء مع ممثل شركة تنفيذ
رصينة أخبرني بأنّ وزارة الكهرباء تبدد 40% من قدرة توليد الكهرباء بسبب نقص
الوقود وعدم ملاءمته. قال محدّثي أن محركات توليد جنرال الكتريك [GENERAL ELECTRIC] الأمريكية تعمل بكل أنواع
الوقود، ولكن بكفاءة [EFFICIENCY]
مختلفة، فباستخدام الغاز تعمل بأعلى كفاءة وتنتج 75 ميغاواط، ثم تنخفض إلى 60
ميغاواط إذا شُغِّلت بزيت الغاز [= الديزل أو الكاز أويل]، وتنخفض إلى 50 أو 40
(ميغاواط) إذا شغلت بالنفط الأسود [= الكرود أويل]. وأفادَ محدّثي بأن شركته قامت
بنصب وتشغيل ثلاث محركات انتجت قدرة كلية مقدارها 225 ميغاواط خلال الستة أشهر
الأولى بعد أنْ أمّنت وزارة الكهرباء الغاز الكافي للتشغيل. ولكن، مباشرة بعد
استلام الوزارة للمحطة أقدمت على استبدال الغاز بالديزل، ولا ضير في ذلك فالفارق ليس
كبيرا في الكفاءة، لكن وبعد فترة وجيزة استبدل وقود الديزل بالنفط الأسود، الأمر
الذي تسبب بانخفاض كفاءة التوليد من 225 ميغاواط إلى 150 أو أقل. كما تولدت مشكلة
أخرى وهي اتساخ مرشحات [فلاتر] الوقود بوتيرة أسرع من المعتاد (لما يحتويه النفط
الأسود من شوائب مقارنة بالغاز ثم الديزل)، الأمر الذي يستوجب إيقاف وحدة التوليد
ليس أقل من يومين لتنظيف الفلاتر، مع ما يسفر عن ذلك من خروج الوحدة من الانتاج.
وحين استفسرتُ من محدّثي عن إمكانية
تجهيز الوحدة بمجموعة فلاتر احتياطية تكون جاهزة للتبديل لتقليل زمن توقف الوحدة
التوليدية عن العمل، أجابني باستحالة ذلك لأن منظومة الفلاتر كبيرة وأن الاستبدال
بحد ذاته عملية معقدة وتستهلك زمنا ليس بالقصير.
وأضاف محدِّثي أن تأمين الوقود، حتى
بأردأ أنواعه، لا يتم بانسيابية مقبولة بل تشوبه انقطاعات، الأمر الذي يتسبب بتوقف
وحدة توليد أو أكثر عن العمل. كما أن الوزارة، بعد أن استلمت المحطة من الشركة
المنفذة، عادت إلى روتينها القاتل المتمثل بـ«كتابنا وكتابكم» فصارت المحطة تتعطل
وتخرج عن الانتاج لأتفه الأسباب. وبذلك أضحى الضرر مضاعفاً؛ وقود رديء - انخفاض
الانتاجية – اتساخ الفلاتر – عدم انسيابية تجهيز الوقود – مزيد من التردّي في
الانتاجية. لذلك، يؤكد محدثي، أنه لا يجانب الحقيقة حين يقول إن وزارة الكهرباء
مسؤولة عن ضياع ما نسبته 40% من طاقة التوليد المتوفرة حالياً والتي لا تكفي أصلاً
لسد حاجات الاستهلاك الحالية.
وأخبرني صديق يعمل في شركة عالمية
رصينة لها نشاط بارز في قطاع كهرباء العراق، أنّ شبكتيْ نقل الطاقة والتوزيع
تعانيان من مشاكل عميقة وخطيرة لا تقلل جسامة عن مشكلة التوليد. وهذا يستوجب وجود
أحد يسمع في الوزارة لحلِّها، وأنا الآن أتحدث عن لسانه، فحتى لو تحسنت طاقة
التوليد، فإنّ الشبكتيْن المذكورتين سوف لن تتمكنا من نقل الطاقة بصورة كفوءة. كما
أنّ طول مسافة النقل (بين محطة التوليد والجهة المستفيدة) يتسبب في فاقد كبير يصل
إلى 17% لكل مئة وخمسين كيلومتراً، فإذا تم نقل مئة ميغاواط من البصرة إلى بغداد،
فإنّ الطاقة الواصلة ستكون بمقدار 40 ميغاواط. وحل هذه الخسارة الكبيرة يكون في
تجنب نقل الطاقة المولدة إلى مسافات بعيدة أو بتنفيذ محطات رفع تقلل الفاقد
المذكور.
وأضاف محدّثي أن شركات سيمنز وجنرال
ألكتريك وأي بي بي أعدت دراسة تفصيلية على حسابها تضمنت الخطوات اللازمة لحل أزمة
الكهرباء في العراق، لكن لا أحد في الوزارة اكترث لتلك الدراسة. وحين استفسرتُ منه
لماذا لا تعهد وزارة الكهرباء لهذه الشركات تنفيذ مشاريع «تسليم مفتاح» أسوة بما
كان معمول به في العراق ودول العالم الأخرى، سابقاً وحالياً، بدلاً من الحلول
الترقيعية والشركات الوسيطة المشبوهة الضعيفة الأداء، أجابني بأنّ هذا «لا يصرّف
للقائمين على الأمر لأننا لا ندفع من تحت الطاولة، والكبار يريدون، لأنّ المناصب
باتت تُشْترى»، لذلك يتم اللجوء للوسطاء الذين يؤمِّنون «المقسوم» حتى ولو على
حساب الجودة والزمن.
اقترحت المملكة العربية السعودية على
العراق تجهيزه بثلاثة آلف ميغاواط سنوياً عبر إنشاء محطة كهرباء على الأراضي
السعودية. قد ترى الحكومة هذا الاقتراح كطوق نجاة للخلاص من ضغط الشارع. لكنّ
الموافقة على هذا المقترح ستفتح الباب لاقتراح شبيه من تركيا، ولا مجال لردّ هذا
"الاقتراح" طالما أن تركيا تملك وسيلة ضغط حاكمة ألا وهي حصة العراق
المائية. عندها سيصبح تأمين الطاقة الكهربائية خاضعاً لإرادة دولة أو دول أخرى،
إضافة لما سيفقده البلد من بضع عشرات آلاف فرص العمل التي نحن أحوج ما نكون لها.
ليس أمام وزارة الكهرباء والحكومة
القادمة سوى التعاقد مباشرة مع الشركات الكبرى المذكورة لتنفيذ مشاريع «تسليم
مفتاح» دون وسيط محلي (أو أجنبي) لأنه ليس سوى حلقة مُعرْقِلة فائضة، الغرض
الأساسي منه تمرير دفع الرشاوي والإتاوات. وإذا تعذرت الحكومة أو الوزارة بنقص
السيولة فبإمكانها طرح إنشاء محطات توليد كبرى بأسلوب الاستثمار على الشركات المذكورة
أو مستثمرين مضمونين من دولهم.
أخيراً أود أن أختم مقالي باقتباسٍ
آخر من الشيخ محمد بن راشد يقول فيه: «لدينا فائض من السياسيين في العالم العربي
ولدينا نقص في الإداريين. أزمتنا أزمة إدارة وليست موارد.. انظر للصين واليابان لا
يملكان موارد طبيعية أين وصلوا.. وانظر لدول تملك النفط والغاز والماء والبشر، ولا
تملك مصيرها التنموي.. ولا تملك حتى توفير خدمات أساسية كالطرق والكهرباء
لشعوبها»[5].
[1] رابط تصريح للشهرستاني يبشر فيه
بانتهاء أزمة الكهرباء في نهاية عام 2013
https://www.youtube.com/watch?v=CMZANTW5dMA
[2] رابط تصريح وزير النفط جبار
اللعيبي
http://baghdadtoday.news/news/54063/%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7-%D9%8A%D8%B9%D9%84%D9%86-%D8%AA%D8%AD%D9%81%D8%B8%D9%87-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AC%D9%88
[3] محمد بن راشدhttps://twitter.com/HHShkMohd/status/1025757500690202625
[4] محمد بن راشد https://twitter.com/HHShkMohd/status/1025758524859662336
[5] محمد بن راشد https://twitter.com/HHShkMohd/status/1025758031773151232
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق