معاناةٌ مِن وإلى
مطار بغداد الدولي
احمد هاشم الحبوبي |
لا يمتلك العراقي ترف الاختيار،
فمجرد توفّر خدمة ما، حتى ولو كانت بأدنى مستوى، يعدّ ترفاً ما بعده ترف. ومطار
بغداد الذي يعتمد عليه مواطنو بغداد والمحافظات المجاورة أحد هذه الأمثلة، حيث
يتكبد المسافر عناء كبيراً من جرّاء اجراءات التفتيش المُكَرّرة والمُتعِبة للوصول
إلى المطار.
اعتادت بعض المؤسسات الحكومية
المُتخمة بالموظفين والعاملين والمعدات على استئجار شركات خاصة لتقوم بتنفيذ
المهام الموكلة إليها؛ كأمانة بغداد وبلديات أخرى (بلدية البصرة مثلاً) وشركات
الإنشاءات الحكومية وغيرها كثير. أسوة بذلك تعاقدت المؤسسة الحكومية المسؤولة عن
المطار مع شركة [G4S]
التي تتخذ من بريطانيا مقراً لها، لتتولى تأمين مطار بغداد. وهي أكبر شركة أمنية
في العالم، حيث تعمل في أكثر من تسعين بلداً [في الشرق الأوسط تنشط في العراق ومصر
وإسرائيل]، ويفوق عدد العاملين فيها الستمئة ألف (في كافة أنحاء العالم). وهي شركة
ناجحة ورصينة ساهم إيكال أمن المطار لها في تطمين شركات الطيران الأجنبية على فتح
خطوط مع بغداد. وأتاح لطائرات الخطوط الجوية العراقية الهبوط في مطارات الدول
الأخرى. ففي ظل الظروف الأمنية الصعبة التي يعاني منها العراق منذ الغزو الأمريكي
– البريطاني، يصعب الوثوق بجهة يسهل اختراقها.
ولكي يكون القارئ في الصورة، أُدرج
أدناه تفاصيل التفتيش ابتداء من ساحة «عباس بن فرناس» حتى باب الطائرة، حسب
تسلسلها:
1) فحص
الأشعة الأوّل [= السونار، كما تسميه العامّة]: يتم مسح سيارة نقل المسافرين
بِمَنْ فيها، دون النزول منها، بمركبة خاصة مركونة على جانب الطريق في بداية
الرحلة إلى المطار (مباشرة بعد ساحة «عباس بن فرناس»).
2) المرحلة
الكلبية الأولى: يتم إنزال المسافرين من السيارة لتأتي كلاب كشف المتفجرات وتقوم
بالتأكد من خلو السيارة وأمتعة المسافرين منها. بعد ذلك يصعد المسافرون ليتوجهوا
نحو المحطة الثانية.
3) التدقيق
الأول للجواز وفحص الأشعة الثاني: تدقيق جواز السفر مع تذكرة السفر. كما يقوم
المسافرون بإنزال أمتعتهم ونقلها إلى قاعة التفتيش ليتم تفتيشهم تفتيشاً دقيقاً هم
وأمتعتهم بواسطة جهاز الأشعة [مسح الحقائب، خلع الأحزمة والساعة وتفريغ الجيوب من
كلِّ شيء، مع فتح الحاسوب (إن وجد)، تفتيش المسافر بجهاز الأشعّة]. ثم يعود
المسافرون بأمتعتهم إلى السيارة لينطلق بهم السائق نحو المحطة القادمة.
4) التدقيق
الثاني للجواز والتذكرة: يتم هذا الإجراء دون الترجّل من السيارة، قبل الوصول
لبناية المطار بقليل.
5) المرحلة
الكلبية الثانية: وهذه تتم قبل الدخول لبناية المطار، حيث يترجّل المسافرون مع
أمتعتهم ويصفّونها في صف منفرد لتأتي الكلاب وتتأكد من خلوّها من أية مادة متفجرة.
6) التدقيق
الثالث للجواز والتذكرة وفحص الأشعة الثالث: يتم ذلك مباشرة عند باب الدخول إلى
المطار. ويتم تفتيش المسافرين وأمتعتهم تفتيشاً دقيقاً بواسطة جهاز الأشعة [مسح
الحقائب، خلع الأحزمة والساعة وتفريغ الجيوب من كلِّ شيء، مع فتح الحاسوب (إن
وجد)، تفتيش المسافر بجهاز الأشعّة]. ثم يدخل المسافر في صالة المطار.
7) التدقيق
الرابع للجواز والتذكرة وفحص الأشعة الرابع: وهذا يتم في مدخل الممر الموصِّل
لصالة تسليم الأمتعة لشركة الطيران. يتبع ذلك تفتيش المسافرين وأمتعتهم تفتيشاً
دقيقاً بواسطة جهاز الأشعة [مسح الحقائب، خلع الأحزمة والساعة وتفريغ الجيوب من
كلِّ شيء مع فتح الحاسوب (إن وجد)، تفتيش المسافر بجهاز الأشعّة]. مع ملاحظة أن
المسافة بين هذا السونار والذي قبله لا تتعدّى الأربعين متراً. ليتم بعد ذلك تسليم
الأمتعة واستلام بطاقة الدخول للطائرة. ولا يبقى مع المسافر إلاّ حقيبته اليدوية
الصغيرة (إن وجدت).
8) تدقيق
الخامس للجواز من قبل ضابط الجوازات والتأكد من عدم وجود منع على المسافر. وهذه
المحطة لي معها قصة أزلية، فلم أسافر مرّة إلاّ ويقوم ضابط الجوازات باستدعاء موظف
آخر (أعتقد انه ضابط في جهة أمنية) ليقوم بعدة ضربات عصبية على مفاتيح الحاسوب، ثم
يرمقني بنظرة فاحصة ومُندِّدة ويترك المكان. هذا الرجل أسمِّيه أنا «أبو القاط».
وقد اعتدت المزاح مع ضابط الجوازات بأن أقترح عليه استدعاء «أبو القاط» مع تسليمي
للجواز. ليجيبني الضابط مبتسماً بعد قليل: "فعلاً، الشغلة ما ترهم بدون «أبو
القاط»".
9) فحص
الأشعة الخامس: في مدخل صالة الترانزيت، حيث يجري مسح الحقيبة الصغيرة بجهاز
الأشعّة.
10) التدقيق
السادس للجواز وبطاقة الطائرة وفحص الأشعة السادس: عند مدخل قاعة الترانزيت
الصغيرة المؤدية إلى الطائرة. يتبع ذلك تفتيش المسافرين وأمتعتهم تفتيشاً دقيقاً
جداً بواسطة جهاز الأشعة واليد [مسح الحقائب، خلع النظارات والحزام والساعة
والحذاء وتفريغ الجيوب من كلِّ شيء معدني مع فتح الحاسوب (إن وجد)، تفتيش المسافر
بجهاز الأشعّة، مصادرة ولاّعة السجائر، تفتيش يدوي دقيق لجسم الراكب]. ولي مع
مصادرة الولاّعة قصتان؛ الأولى عن راكبٍ كان يحمل معه ولاعة باهظة الثمن رفضَ
موظفو التفتيش أن يصطحبها معه في الطائرة ورفض هو بدوره التنازل عنها، ولم يتم حل
الأمر إلا بتدخل كابتن الطائرة الذي اقترح على موظفي الأمن أن يحتفظ بالولاّعة
عنده ويسلّمها للراكب عند الوصول، فوافق الراكب وموظفو [G4S] على هذا الحل الوسط. وبمجرد دخول الراكب إلى الطائرة أعاد له
الكابتن الولاعة. أمّا القصة الثانية فهي محاورة مع كابتن طيار يعمل في الخطوط
الجوية العراقية، حيث أكّدَ لي أن إجراء مصادرة الولاعة ضروري ومحل ترحيب طاقم
الطائرة لأنّ المسافر العراقي لا يتورع عن اشعال سيجارة في دورة مياه الطائرة.
وبيّن الكابتن بأنّ القوانين العراقية لا تحاسب المسافر الذي يرتكب هذه المخالفة.
إن تدبير مصادرة ولاعة المسافر ليس شائعاً، فقد سافرتُ عبر عشرات المطارات دون أن
ألحظَ في أحدها مصادرة ولاعة مسافِر.
11) التدقيق
السابع للجواز وبطاقة دخول الطائرة عند ممر الذهاب إلى الطائرة [= الخرطوم
الموصِّل إلى الطائرة]. هنا يتم طلب مستمسك إضافي مع الجواز (ربما يخصّ المسافرين
إلى دولٍ بعينها).
بعد ذلك يمكن للمسافر التوجه إلى
الطائرة. وبهذا؛ لكي يصل المسافر إلى الطائرة يجب أن يمر بإحدى عشرة محطة؛ مرحلتان
كلبيتان وست مراحل فحص بالأشعة له وللأمتعة وسبع مرات تدقيق جواز سفر. لو عممت
شركة [G4S] هذا الاسلوب المُرْهِق
الذي تتبعه في مطار بغداد في مواقعها الأخرى لما كان لها أن تنتشر هذا الانتشار
الممتد على أربع جهات الأرض، بل لأصبحت في عداد الشركات المفلسة. إنّ الإجابة
الجاهزة بأنّ للأمنِ ثمنه ليست مقنعة.
الذي يمكن استنتاجه من تواتر التفتيش
الدقيق هو انعدام الثقة بين شركة [G4S]
والجهات الحكومية العاملة بالمطار (الشرطة والمخابرات وإدارة المطار وغيرها من
الدوائر التي لا أعرفها). فليس من المعقول تدقيق المسافر وأمتعته بأربعة مسوحات
بالأشعة داخل بناية المطار وحدها وبمسافة لا تتعدى الثلاثين متراً بين الواحدة
والأخرى. ومَنْ يدري، ربما يتم ذلك بناء على طلب الجهة الحكومية المُتعاقدة مع
شركة [G4S]، وهذا التبرير الأكثر
قبولاً، لأن دوائرنا الحكومية تشتمل على قدر لا يُضاهى من الغباء وسوء التخطيط
وإهمال راحة الزبون [= المسافر في حالتنا هذه]. إنّ إضافة محطة تفتيش ليس اجراء
مجانياً، بل يكلِّف مبلغاً ضخماً بسبب كلفة الأجهزة وأجور موظفي التفتيش وأرباح
الشركة. ولا بدّ من الإقرار بأن مطار بغداد هو المؤسسة الوحيدة التي سلمت من
الخروقات الأمنية.
أما الأمر الثاني فهو تكاليف الوصول
إلى المطار، فهناك خياران؛ الأول استئجار سيارة من «تكسي المطار» وهذه تكلّف خمسة
وسبعين ألف دينار، خلافاً للتسعيرة الرسمية البالغة خمسة وخمسين ألف دينار، حيث
يذهب الفرق إلى جيب السائق. وهذا الأمر صار عُرْفاً. ولا يملك المسافر ترف رفض دفع
هذه الأتاوة لأنه سيضطر للجوء للخيار الثاني وهو استئجار تكسي إلى ساحة «عباس بن
فرناس» ودفع ثلاثة آلاف دينار كأجرة دخول إلى الساحة ونقل الحقائب إلى سيارة تابعة
لشركة «تكسي المطار» ومن ثم دفع عشرة آلاف دينار للشخص الواحد. أي أن «تكسي
المطار» هو الرابح الأكبر في كل الأحوال. ولا أحد يعرف بالضبط مَنْ مِنَ الأحزاب أو
الميليشيات يرتزق منه، لإنّ أغلب المشاريع المضمونة الربح وساحات وقوف السيارات
وأماكن السمسرة والبغاء والقمار موزعة بين تلك القوى أو أن متعهدي هذه الأماكن
يدفعون لأحدى تلك الجهات النافذة. وهذه حقائق يسهل التحقق منها بكل بساطة. دون أن
ننسى الأتاوات التي يتقاضاها موظفو أمانة بغداد ودوائر البلدية والأجهزة الأمنية.
ولا أريد التوسع في هذا الموضوع قدر تعلق الأمر بساحة «عباس بن فرناس».
أما بالنسبة للانتقال من المطار الى
المدينة، فالأمر أسهل بكثير، فإما تكسي مباشر إلى المدينة بخمسة وخمسين ألف دينار
أو على مرحلتين عبر ساحة «عباس بن فرناس».
لا شيء يُرتجى من مؤسساتنا الحكومية
العتيدة، فالاستقامة وإتقان العمل ورضا المواطن غير مدرجة في سلّم أولوياتها.
فالمواطن (وهنا أنا أتهكم) الذي يقبل العيش بدون كهرباء وماء صالح للشرب وأمن
لخمسة عشر عاماً ويدفع الأتاوات يميناً وشمالاً، حرّيٌ به القبول بعذابات المطار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق