الثلاثاء، 23 يونيو 2020

مواد مهمة من قانون مؤسسة السجناء السياسيين (رقم (4) لسنة 2006 المعدل بقانون رقم (35) لسنة 2013)

مواد مهمة من قانون مؤسسة السجناء السياسيين (قانون رقم (4) لسنة 2006 المعدل بقانون رقم (35) لسنة 2013)

منح قانون مؤسسة السجناء السياسيين رقم (4) لسنة 2006 المعدل بقانون رقم (35) لسنة 2013، المستفيدين امتيازاتٍ فيها الكثير من الإسراف والتجني على ميزانية البلد وقبلها على المواطن العادي.
أدناه الفقرات المهمة من القانون التي أنصح بقراءتها جيدا للتعرف على تعسف وعجرفة وكيف أن القانون كتب بعقلية انتقامية.
ملاحظة: تم تصحيح بعض الأخطاء الكتابية والاملائية. فالجهة التي تتولى تحرير القوانين لها عداوة متأصلة مع الهمزة وأصول الكتابة باستخدام برنامج (Word).

«المادة 4» من قانون 35 لسنة 2013

أولا ـ تسري احكام هذا القانون على السجين والمعتقل السياسي ومحتجزي رفحاء من العراقيين وأزواجهم وأولادهم من الأجانب ممن سجن أو اعتقل أو احتجز في ظل نظام البعث البائد وفقاً لما يأتي:
1.   للمدة من (8/2/1963) ولغاية (18/11/1963) وحتى إطلاق سراحه على أن لا يكون لديه قيد جنائي.
2.   للمدة من (17/7/1968) ولغاية (8/4/2003).
ثانيا ـ يقصد بالمصطلحات التالية لأغراض هذا القانون المعاني المبينة ازاؤها:
د - السجين السياسي: من حبس أو سجن داخل العراق أو خارجه وفق حكم صادر عن محكمة بسبب معارضته للنظام البائد في الرأي أو المعتقـد أو الانتماء السياسي أو مساعـدة معارضيه. ويعد الاطفال والقاصرون الذين ولدوا في السجن أو احتجزوا مع أو بسبب ذويهم المسجونين بحكم السجين السياسي.
هـ ـ المعتقل السياسي: من اعتقل أو احتجـز أو اوقف داخل العراق أو خارجه أو وضع تحت الاقامة الجبرية دون صدور حكم من محكمة مختصة للاشتباه به أو لاتهامه من قبل النظام البائد لاحد الاسباب المنصوص عليها في الفقرة (د) من هذا البند ويسري ذات الحكم على القاصرين والاطفال المعتقلين مع ذويهم أو اقاربهم.
وـ محتجزو رفحاء: هم مجاهدو الانتفاضة الشعبانية عام 1991 الذين اضطرتهم ظروف البطش والملاحقة مغادرة جمهورية العراق إلى المملكة العربية السعودية وعوائلهم ممن غادروا معهم والذين ولدوا داخل مخيمات الاحتجاز وفقا للسجلات والبيانات الرسمية الموثقة دولياً وضحايا حلبجة الذين لجأوا إلى الجمهورية الاسلامية الايرانية بسبب قصفهم من قبل النظام البائد بالأسلحة الكيمياوية.
زـ ذوو السجين أو المعتقل أو محتجزو رفحاء: الزوج والاقارب من الدرجة الاولى والورثة وفقاً للقسام الشرعي.

«المادة 7» من قانون 35 لسنة 2013

يعوض السجين والمعتقل السياسي عن تقييد حريته وعما فاته من كسب وفقاً لما يأتي:
اولا ـ للسجين السياسي المشمول بأحكام هذا القانون راتب شهري لا يقل عن (3) ثلاثة أمثال الحد الادنى للراتب التقاعدي المنصوص عليه في قانون التقاعد الموحد رقم (27) لسنة 2006 وتعديلاته أو أي قانون يحل محله.
ثانيا ـ يزاد الحد الادنى للراتب الشهري للسجين السياسي المنصوص عليه في البند (اولاً) من هذه المادة والمعتقل السياسي المنصوص عليه في البندين (ثالثا) و(سابعا) من هذه المادة مبلغاً قدره (60000) ستون ألف دينار شهرياً عن كل سنة سجن فعلية اضافية قضاها في السجن أو الاعتقال وبمعدل (5000) خمسة الاف دينار عن كل شهر ويعد نصف الشهر بحكم الشهر.
ثالثاً ـ يصرف للمعتقل السياسي المشمول بأحكام هذا القانون الذي تزيد مدة اعتقاله من سنة فأكثر الامتيازات والحقوق الممنوحة للسجين السياسي في هذا القانون.
رابعا ـ يصرف للمعتقل السياسي المشمول بأحكام هذا القانون الذي تكون مدة اعتقاله من (6) أشهر إلى (11) أحد عشر شهرا والمعتقلين الناجين من المقابر الجماعية راتب تقاعدي يعادل ضعف راتب الحد الأدنى المنصوص عليه في قانون التقاعد الموحد رقم (27) لسنة 2006 وتعديلاته أو أي قانون يحل محله.
خامساً ـ يصرف للمعتقل السياسي المشمول بأحكام هذا القانون الذي لا تقل مدة اعتقاله عن (شهر) ولا تزيد على (5) خمسة أشهر راتب تقاعدي يعادل راتب الحد الأدنى المنصوص عليه في قانون التقاعد الموحد رقم (27) لسنة 2006 وتعديلاته أو أي قانون يحل محله.
سادساً ـ يصرف للمعتقل السياسي المشمول بأحكام هذا القانون الذي تقل مدة اعتقاله عن (شهر) منحة مالية مقدارها (5000000) خمسة ملايين دينار ولمرة واحدة فقط.
سابعاً ـ يصرف للمعتقلة السياسية المشمولة بأحكام هذا القانون والتي بلغت مدة اعتقالها ثلاثين يوماً فأكثر حقوق وامتيازات السجين السياسي المنصوص عليه بأحكام هذا القانون.
ثامنا ـ يصرف للمعتقلة السياسية المشمولة بأحكام هذا القانون التي تقل مدة اعتقالها عن (ثلاثين يوما) راتب تقاعدي يعادل راتب الحد الأدنى المنصوص عليه في قانون التقاعد الموحد رقم (27) لسنة 2006 وتعديلاته أو أي قانون يحل محله.
تاسعا ـ يصرف لمحتجزي رفحاء الحقوق والامتيازات التي يتمتع بها المعتقل السياسي المنصوص عليه بأحكام هذا القانون من تاريخ نفاذ قانون مؤسسة السجناء السياسيين رقم (4) لسنة 2006.
عاشرا ـ أ ـ للمشمولين في البنود (أولا وثالثا وسابعا) من هذه المادة الجمع بين راتبه المنصوص عليه في هذا القانون وأي راتب آخر وظيفي أو تقاعدي أو حصة تقاعدية يتقاضاها من الدولة لمدة (25) خمس وعشرين سنة من تاريخ نفاذ قانون رقم (4) لسنة 2006.
ب ـ للمشمولين بأحكام هذا القانون من غير المذكورين في الفقرة (أ) من هذا البند الجمع بين راتبه المنصوص عليه في هذا القانون وأي راتب آخر وظيفي أو تقاعدي أو حصة تقاعدية يتقاضاها من الدولة ولمدة (10) عشر سنوات من تاريخ نفاذ قانون رقم (4) لسنة 2006.
أحد عشر ـ تستحق زوجات المشمولين بأحكام هذا القانون المتوفين وأولادهن منه نفس حقوق الزوجة الاولى وأولادها مع مراعاة احكام البند (ثانياً) من هذه المادة.
اثنا عشرـ يصرف للمحكومين غيابياً عن القضايا السياسية والذين لديهم قرارات قضائية راتب تقاعدي مساوي للحد الادنى للراتب التقاعدي المنصوص عليه وفق احكام قانون التقاعد الموحد رقم (27) لسنة 2006 وتعديلاته أو أي قانون يحل محله، مع قطعة ارض سكنية.

«المادة 8» من قانون 35 لسنة 2013

يلغى نص المادة (18) من القانون ويحل محله ما يأتي:
اولاـ يمنح المشمولون بأحكام هذا القانون أو ورثتهم قطعة ارض سكنية
استثناء من قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (120) لسنة 1982 ومن مسقط الراس أو منحهم بدلاً نقديا عنها أو وحدة سكنية.
ثانياًـ للمشمولين بالبند اولا من هذه المادة الاختيار بين تملك قطعة ارض سكنية مع منحة بناء والقرض العقاري أو الحصول على وحدة سكنية أو البدل النقدي المساوي لها في ضوء التعليمات التي تصدرها المؤسسة.

«المادة 9» من قانون 35 لسنة 2013

يلغى نص المادة (19) و (20) من القانون ويحل محله ما يأتي:
اولاً ـ أ ـ يخصص للمشمولين بأحكام هذا القانـون مقعـد دراسي لكل اختصاص للقبول في الدراسات العليا داخل العراق ومقعد دراسي لكل اختصاص خارجه في البعثات والزمالات الدراسية بالتنسيق مع الجهات ذوات العلاقة ويتنافسون فيما بينهم.
ب ـ تتحمل المؤسسة أجور الدراسات المسائية والاهلية للمشمولين بأحكام هذا القانون.
جـ ـ للمؤسسة وضع برامج للدراسات الجامعية الاولية والعليا خارج العراق وفقاً لضوابط يصدرها رئيس المؤسسة.
د ـ يعفى المشمولون بأحكام هذا القانون من شرط العمر والمعدل والخدمة للقبول في المعاهد الحكومية والدراسات الاولية والعليا داخل وخارج العراق.
هـ ـ يستثنى المشمولون بأحكام هذا القانون من ضوابط وتعليمات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من شروط القبول في الدراسات الاولية والعليا بالنسبة لخريجي المعاهد الفنية والتعليم المهني ولهم حق الاختيار في دراسة أي اختصاص لمرة واحدة فقط.
وـ احتساب اية شهادة دراسية يحصل عليها المشمولون بأحكام هذا القانون بعد التعيين استثناء من القوانين النافذة.
ثانياً ـ تعطى الاولوية للمشمولين بأحكام هذا القانون في تولي الوظائف العامة وتحدد نسبة لا تقل عن (5 ٪) في جميع دوائر الدولة ويتم التنسيق بين المؤسسة والجهات المعنية ووزارة المالية للقيام بذلك.
ثالثاً ـ تتحمل المؤسسة نفقات العلاج للمشمولين بأحكام هذا القانون وذويهم داخل العراق وخارجه وفقا لضوابط تصدرها المؤسسة.
رابعاً- يمنح السجين السياسي والمعتقل السياسي المنصوص عليهما في البندين (ثالثا ًوسابعاً) من المادة (7) من هذا القانون اجور سفر مقطوعة تحددها المؤسسة بالطائرات من والى العراق ولمرة واحدة في السنة وله اصطحاب أحد افراد عائلته.
خامساً ـ يمنح المعتقل السياسي من غير المذكورين في البند (رابعا) من هذه المادة اجور سفر مقطوعة تحددها المؤسسة بالطائرات من والى العراق ولمرة واحدة.
سادساً ـ تتحمل المؤسسة ايفاء القروض المستلمة من قبل المشمولين بأحكام هذا القانون من المصارف (صندوق الاسكان- العقاري – الزراعي) من تاريخ نفاذ قانون رقم (4) لسنة 2006 ولمرة واحدة فقط.
سابعاً ـ يستمر صرف التعويضات المنصوص عليها بكتاب مكتب دولة رئيس الوزراء المرقم 76/3897 في 4 /4 / 2013 للمشمولين بأحكام هذا القانون.
ثامناً ـ تشكل لجنة لتقييم الاضرار التي اصابت المشمولين بأحكام هذا القانون مهمتها تقدير وتقديم التعويضات المادية والمعنوية المجزية.
تاسعاً ـ يؤسس متحف للمشمولين بأحكام هذا القانون تجمع فيه الوثائق والمقتنيات وكل ماله علاقة بفترة السجن والاعتقال والاحتجاز وما من شأنه تخليد وتمجيد تضحياتهم وعلى الجهات الرسمية وغير الرسمية التي بحوزتها كل ماله علاقة بذلك تسليمها للمؤسسة.
عاشرا ـ يعد يوم (25) رجب من كل عام هجري وهو اليوم الذي استشهد فيه الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) يوماً للسجين السياسي العراقي.
أحد عشر ـ يستحدث وسام يسمى (وسام الحرية) يمنح للمشمولين بأحكام هذا القانون وتحدد درجته وامتيازاته وشكله وقياساته وكيفية منحه بنظام.
اثنا عشر ـ تلزم المؤسسة باستلام طلبات المشمولين بأحكام هذا القانون دون التقيد بفترة زمنية محددة.


أسبوع مقتل قاسم سليماني

أسبوع مقتل قاسم سليماني
تشكّلَ الحشد الشعبي بناء لفتوى الجهاد الكفائي التي أعلنها المرجع الديني علي السيستاني، للدفاع عن بغداد والمراقد الدينية المقدسة من السقوط بيد تنظيم «داعش» الذي كان بحاجة لبضعة أيام ليستعيد زخم هجومه، مستغلاً الانهيار التام التي أصاب كافة القوات الحكومية.  اشتركت كافة أطياف الشعب العراقي في تشكيل الحشد الشعبي من سُنّة (تحت عنوان الحشد العشائري) وشيعة ويزيديين ومسيحيين وشبك.
تتعدد الولاءات المرجعية للشيعة المنضوين ضمن قوات الحشد الشعبي. فهم يتوزعون على الولاءات التالية:
1-   «حشد المرجعية الذي يمتثل قادته ومتطوعوه لمرجعية النجف ويقلدونها» [1].
2-   «سرايا السلام وهي الجناح المسلح للتيار الصدري المرتبط بقائده مقتدى الصدر» [1].
3-   «فصائل الحشد (الولائي) التي يقلد قادتُها المرشد الإيراني علي خامنئي ويمتثلون له» [1] فصارت تدعى بالفصائل «الولائية» تبعاً لذلك، أو «فصائل المقاومة» لمقاومتها المسلحة للاحتلال الأمريكي ولانضوائهم في «محور المقاومة» بقيادة إيران. وقادة هذه الفصائل هم الذين يقودون الحشد، سواء عبر شغل مواقع القيادة المتقدمة أو بالنفوذ. كما استحوذت الفصائل الولائية على «الحصة الأكبر في إدارة وقيادة مديريات واقسام هيئة الحشد الشعبي» بحسب الباحث هشام الهاشمي [2]. ولا بد من التنويه بأن أغلب فصائل الحشد غير الشيعية تتمتع بعلاقات ممتازة مع الفصائل الولائية، والأخيرة هي التي دعتهم للمشاركة وساهمت في تكوينهم وتدريبهم وتجهيزهم.
وألحقَت الفصائل الولائية انتصارها العسكري على «داعش» باختراق سياسي عبر حصول «تحالف الفتح» برئاسة هادي العامري، زعيم منظمة بدر، على سبعة وأربعين مقعداً في مجلس النواب. وبذلك، دعم الحشد الولائي قوته العسكرية المتصاعدة بكتلة سياسية قوية وفعالة تعزز وجوده الشعبي والحكومي.
الغرض من هذه المقدمة هو التمييز بين الحشد الشعبي والحشد الولائي، رغم أن الثاني قسم من الأول. ويمكنني أن اجزم بأن السيستاني لم يرد انشاء منظومة عسكرية رديفة لمنظومة الأمن الرسمية، بل متطوعين وطنيين شجعان يدحرون الغزاة التكفيريين ويحررون الأرض ثم يعودون إلى حياتهم الطبيعية (أو يندمجوا في المؤسسات العسكرية الرسمية) بعد انتهاء هذه المهمة الوطنية العظيمة. لكنّ قادة فصائل «الحشد الولائي» ومشغليهم لم يفكروا بذلك ولو للحظة. وقاوموا كل محاولات ضمهم تحت جناح أجهزة الدولة الأمنية. وأعلنوها جهاراً نهاراً بأنهم يأتمرون بأمر المرشد خامنئي وأن قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني هو قائدهم وزعيمهم. «وفيلق القدس، فرع من فروع قوات الأمن الإيرانية المسؤولة عن العمليات العسكرية في الخارج. ولسنواتٍ، كان سليماني العقل المدبر لتوسيع النفوذ الإيراني، سواء في لبنان أو العراق أو سوريا أو أي مكان آخر، عبر التخطيط لشن هجمات أو تعزيز حلفاء طهران في تلك البلاد» [3].
وبعد خروج الولايات المتحدة من معاهدة الاتفاق النووي مع إيران، واحتدام المواجهة بينهما بفعل الضغط الاقتصادي الهائل الذي تسلطه الأولى على الثانية لإخراجها عن طورها وجرها إلى مواجهة معروفة النتائج، لجأت الثانية للمشاكسة والمناكفة بتلغيم بضع ناقلات نفط في الخليج العربي واستهداف مواقع حيوية في المملكة العربية السعودية الحليف الأقرب للولايات المتحدة في المنطقة. ولم ترد الولايات المتحدة، عسكرياً، على أي من تلك المشاكسات.

الولايات المتحدة تتجنب مواجهة دموية مع إيران

في العشرين من حزيران عام 2019، أقدمت إيران على اسقاط طائرة تجسس أمريكية مسيرة بدون طيّار بذريعة انتهاكها مجالها الجوي. نفت الولايات المتحدة انتهاك المجال الجوي الإيراني وأعدّت لضربة جوية انتقامية على ثلاثة أهداف إيرانية. وأُخبر الرئيس ترامب من قبل معاونيه بأن الضربة ستتسبب بخسائر في الأرواح تقدر بنحو 150 شخصاً في الجانب الإيراني. بناء على ذلك أصدر ترامب أمراً بإلغاء الضربة لأنّ «إسقاط طائرة استطلاع غير مأهولة لا يستوجب هذه الخسارة الغير متناسبة في الأرواح».
ينبغي الوقوف عند هذا الحادث لأنه تضمنَ رسالة واضحة وصريحة ودقيقة من ترامب: "لم تقتلوا أحداً منّا. لذا لن نقتل أحداً منكم رغم عدوانكم الغير مبرر وما كبدتمونا إياه من خسائر مادية". ترامب أراد حصر الاشتباك. لكن الإيرانيين فَسّروا ذلك على أنه ضعف. وهذا قصر نظر ستراتيجي لا يغتفر سيدفعون ثمنه غالياً.

الفصائل الولائية تقصف قواعد عسكرية أمريكية ومحيط السفارة الامريكية في بغداد

استمر الإيرانيون في مشاكسة الولايات المتحدة. هذه المرة على الأرض العراقية. حيث قصفت الفصائل الولائية قواعد عسكرية تتواجد فيها قوات أمريكية. وتسببت الهجمات العشرة الأولى بجرح ومقتل عدد من العسكريين العراقيين، وتسببت بأضرار مادية. ثم توسع الاستهداف حتى طالَ محيطَ السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء في بغداد. وينبغي الإشارة ألى أن هذه الهجمات لم تتسبب بمقتل أحد من الجانب الأمريكي.
وفي السابع والعشرين من كانون الأول 2019، استُهْدِفت قاعدة عسكرية عراقية تتواجد فيها قوات أمريكية بثلاثين صاروخاً، أصاب بعضها مستودع ذخيرة، ما تسبّب بمزيد من الانفجارات، بينما عُثر على أربعة صواريخ أخرى في أنابيبها داخل شاحنة في النقطة التي تم منها إطلاق الصواريخ. وقد وُصِفَ القصف بالدقيق. أسفر الهجوم عن مقتل متعاقد مدني أمريكي واصابة العديد من العسكريين الأمريكيين وعناصر الخدمة العراقيين. لقد خرق الإيرانيون الاتفاق غير المكتوب. وصار ترامب في حِلٍّ من التزامه في حصر النزاع.
ونقلت صحيفة القدس العربي عن مصدر أمريكي «أن خطر الفصائل الموالية لإيران في العراق على الجنود الأمريكيين بات أكبر من التهديد الذي يشكّله تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، والذي نشرت واشنطن على إثره آلاف الجنود في البلاد لمساعدة بغداد على مواجهة التنظيم المتطرف بعدما سيطر على مناطق واسعة في 2014» [4].
في التاسع والعشرين من كانون الأول 2019، ردت الولايات المتحدة بضربة جوية على خمسة مواقع عسكرية عراقية يديرها فصيل «حزب الله - العراق»، ثلاثة منها في العراق واثنين في سوريا، أسفرت عن مقتل ثلاثين واصابة أكثر من خمسين منتسباً عراقياً وتدمير المواقع المستهدفة تدميراً تاماً.
الرسالة الأمريكية كانت واضحة: "الدم بالدم. ولا تجربونا"

بيان السيستاني حول غارة القائم

أصدر مكتب المرجع السيد علي السيستاني بيانا اشتمل على عدة تنديدات، فهو بقدر ما أدان «الاعتداء (الأمريكي) الآثم الذي استهدف جمعاً من المقاتلين المنضوين في القوات العراقية الرسمية»، فهو أدان أيضاً «الممارسات غير القانونية تقوم بها بعض الأطراف». و«بعض الأطراف» هي الفصائل العراقية المسلحة الحمقاء التي تغامر باستقرار العراق لمصلحة الأجنبي. لقد شدد السيستاني على لا قانونية الاعتداءات الأحد عشرة التي ارتكبت ضد القواعد الامريكية الموجودة بموافقة حكومية رسمية.
كما ندد السيستاني بعجز السلطات الرسمية العراقية عن اتخاذ الإجراءات الكفيلة لمنع تلك الممارسات غير القانونية داعياً إياها للقيام بواجباتها الطبيعية كحكومة، رغم تيقنه من موتها السريري. وأدان السيستاني إيران لاتخاذها من العراق ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية وتدخلها في شؤونه الداخلية.
لو كنتُ مكان السيستاني لخاطبتُ أمريكا: "هذا ما جنيناه من استراتيجيتكم؛ بلد ضعيف مفكك فاقد السيادة. هلمّوا لنؤسس سلطة عراقية جامعة تعيد للبلد كرامته المهدورة منذ آب 1990 واستقلاله المفقود منذ نيسان 2003". وبهذا فإن بيان السيستاني ليس موجه للاستهلاك المحلي، فأمريكا وإيران وكل اللاعبين الإقليميين مشمولون بالبيان أيضا.
ولوحظ خلو بيان السيستاني من أية مطالبة، ولا حتى تلميحاً، بخروج القوات الامريكية من العراق، لمعرفته الاكيدة بالعواقب الوخيمة لذلك، فخروج القوات عام 2011 كاد يتسبب بسقوط كامل الدولة العراقية بيد التنظيم العالمي «داعش». ورغم التضحيات الجسيمة التي قدمها العراقيون، وعلى رأسهم المتطوعون الذي استجابوا لفتوى السيستاني بالجهاد الكفائي، فما كان ممكنا تحرير البلد من العدوان التكفيري الوهابي العالمي لولا الدعم الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

المظاهرة أمام السفارة

 في اليوم الأخير من عام 2019، وبعد انتهاء مراسم تشييع ضحايا الغارة الامريكية، اقتحم المشيعون المنطقة الخضراء وتجمهروا أمام السفارة الامريكية. وفي تكرار ممل لنهج إيران في استهداف السفارات، تطور التظاهر إلى إحراق وتدمير لأبنية ملحقة بالسفارة الامريكية. أما القوات الامريكية الحامية للسفارة فبقيت ايديها على الزناد لردع المهاجمين إذا ما تجاوزوا الحد المسموح به وحاولوا اقتحام السفارة.
للسلطات الإيرانية سجل طويل في اقتحام واحراق واحتلال السفارات واحتجاز الدبلوماسيين منذ سنة 1979 حين احتلوا السفارة الامريكية في طهران. ثم توالت بعدها الاعتداءات لتمتد لمقار سفارات السعودية والكويت والاتحاد السوفيتي وباكستان والدنمارك والمملكة المتحدة [5]. لذلك، ليس غريباً أن تنتقل العدوى لنسختهم العراقية.
يرفض مناصرو الخط الولائي التنديد المحلي والدولي بالتخريب الذي أحدثوه في البنايات الخارجية الملحقة بالسفارة الامريكية في المنطقة الخضراء، متعكزين على الامتناع المحلي والدولي عن التنديد بحرق القنصليات الإيرانية في البصرة والنجف وكربلاء. وهي مقاربة غبية لا تستحق حتى تفنيدها.
كتب متظاهرو الفصائل الولائية على جدران السفارة الامريكية «سليماني قائدي». ورددوا شعار «أمريكا برّا برّا إيران تبقى حُرّة» رداً على الشعار الذي يردده متظاهرو ساحة التحرير «إيران برّا برّا بغداد تبقى حُرّة». كما صرح قيس الخزعلي من أمام السفارة الأمريكية: «هذا المكان هو مكان التآمر على ​العراق​، وهو ايضاً مكان لدعم الجوكر والمخربين»، في محاولة لتخوين الحراك الشعبي الجاري في العراق ووصمه بالعمالة.

رداً على اعتداء السفارة، الولايات المتحدة تغتال قاسم سليماني

نصح ليندسي غراهام، السيناتور الجمهوري الأمريكي البارز والحليف المقرب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، السلطات الإيرانية بـ«اختيار معاركها بحكمة» لأن ترامب، خلافا لسلفه باراك أوباما، «سيجعل إيران تتحمل المسؤولية عن تهديداتها الموجهة ضد الأمريكيين وسيضربها في النقاط الأكثر إيلاما» [6].
أما ترامب فغرّدَ على "تويتر" قائلاً: «إيران ستتحمل المسؤولية الكاملة عن أي خسائر في الأرواح أو الممتلكات في أي منشأة تابعة لنا. سيدفعون ثمنا باهظا. هذا تهديد وليس تحذير» [7].
أجّلَ وزير الخارجية جورج بومبيو زيارة مقررة مسبقاً إلى أوكرانيا لـ«متابعة الوضع في العراق». وهذا تدبير لا يقدم عليه الزعماء إلا في حالة وجود خطر داهم يستدعي الحضور والاستنفار. أثناء ذلك، نشر بومبيو صورة مركبة ظهر فيها فالح الفياض مستشار الأمن الوطني ورئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ورئيس تنظيم حزب الله - العراق، هادي العامري رئيس «منظمة بدر» والنائب في مجلس النواب وقيس الخزعلي رئيس منظمة عصائب أهل الحق. وكتبَ معلقاً على الصورة: «جرى تنظيم الهجوم من قبل الإرهابيين أبو مهدي المهندس وقيس الخزعلي، وساعدهم رجلا إيران هادي العامري وفالح الفياض. كلهم جرى تصويرهم خارج سفارتنا».
في الثاني من كانون الثاني أعلن مارك إسبر وزير الدفاع الأمريكي عن اكتمال تعزيز القوات العسكرية في العراق والمنطقة. وأن أمريكا ستنفذ ضربات استباقية إذا استشعرت خطراً على مواطنيها.
بعد ذلك بساعات معدودة، في فجر الثالث من كانون الثاني 2020، أُعْلِنَ عن اغتيال قاسم سليماني، أيقونة النفوذ الإيراني والشخص الأقرب إلى قلب المرشد خامنئي، وأبو مهدي المهندس (جمال جعفر محمد علي) نائب رئيس الحشد الشعبي ورجل إيران رقم واحد في العراق، على الطريق من مطار بغداد إلى العاصمة العراقية. صحيح أن إيران تدير شؤونها بأسلوب مؤسساتي، إلاّ أنهم سيستغرقون زمناً طويلاً لتعويض شخصية محورية تقود وتدير النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط كقاسم سليماني، فالزعامات لا تصنع بمرسوم.
بعد الاغتيال بساعات، غرّدَ ليندسي غراهام قائلاً: «أنا أقدر عاليا، الإجراءات الجريئة التي اتخذها الرئيس دونالد ترامب ضد العدوان الإيراني. نقول للحكومة الإيرانية: إذا كنتم ترغبون بالمزيد فستنالون المزيد». وأضاف: «إذا تواصل العدوان الإيراني وكنت أعمل في مصفاة إيرانية للنفط، فسأفكر في تغيير عملي» [8]، في إشارة واضحة إلى أن أمريكا ستستهدف كافة منشآت النفط الإيرانية إذا ما أقدمت السلطات الإيرانية على الرد على الرد على عملية الاغتيال. إن عهد المواجهة عبر الوكلاء بين إيران والولايات المتحدة قد ولّى إلى غير رجعة. وآن أوان تحديد الحجوم.
أخطأ الإيرانيون كثيراً باستهداف السفارة الامريكية في بغداد. ومتى؟ في سنة الانتخابات. إذا كان الإيرانيون قد نسوا أن أحد أهم أسباب فشل هيلاري كلنتون في الانتخابات السابقة هو فشلها في تأمين السفارة الامريكية في ليبيا، فإنّ ترامب لم ينسَ. بل لم ينس الاثنين وخمسين دبلوماسي أمريكي الذي احتجزوا كرهائن في طهران لمدة 444 يوماً ابان احتلال السفارة الامريكية هناك عام 1979. ففي الرابع من كانون الثاني 2020، غرّدَ ترامب محذراً: «كان (سليماني) يهاجم سفارتنا ويحضر للمزيد من الضربات في مناطق أخرى، إيران لم تكن سوى مشاكل على مدى سنوات عديدة، ليكن هذا تحذيرا أنه إن ضربت إيران أي أمريكي أو مصالح أمريكية فلدينا 52 هدفا (يمثلون الـ52 رهينة أمريكية الذين أخذتهم إيران قبل سنوات عديدة) بعضها (الأهداف) لها أهمية عالية لإيران وللثقافة الإيرانية، وهذه الأهداف وإيران بحد ذاتها ستضرب بسرعة فائقة وبقوة كبيرة، الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد أي تهديدات جديدة» [9].

السيستاني يدين الجميع مرة أخرى. ولم يبق سوى الابتهال إلى الله

ترحم السيد علي السيستاني على أرواح ضحايا القصف الأمريكي الذي وصفه بـ«الاعتداء الغاشم» والخرق السافر للسيادة العراقية وللمواثيق الدولية. وربط هذا الحادث بما سبقه من «الحوادث المؤسفة التي شهدتها بغداد خلال الايام الماضية (أي الاعتداء على السفارة الامريكية) والاعتداء الآثم الذي تعرضت له مواقع القوات العراقية في مدينة القائم وأدى الى استشهاد وجرح العشرات من ابنائنا المقاتلين» [10].
وجاء في البيان أن «هذه الوقائع وغيرها تنذر بأن البلد مقبل على اوضاع صعبة جداً، وإذ ندعو الاطراف المعنية إلى ضبط النفس والتصرف بحكمة نرفع أكفنا بالدعاء إلى الله العلي القدير بأن يدفع عن العراق وشعبه شر الاشرار وكيد الفجار». ثم اختتم بيانه بالشكوى إلى الله تعالى قائلاً: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ تَشَتُّتَ أَهْوَائِنَا، وَكَثْرَةَ عَدُوِّنَا وَقِلَّةَ عَدَدِنَا، فَفَرِّجْ عنا يَا رَبِّ بِفَتْحٍ مِنْكَ تُعَجِّلُهُ، وَنَصْرٍ مِنْكَ تُعِزُّهُ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ» [10].
وبشكوى السيد السيستاني اختم مقالي هذا.

المصادر:

[1] ليث ناطق. قصة "الحشد الشعبي".. الصعود المقدّس، وخيارات النهاية. السفير العربي. 26 آب 2019.

[2] هشام الهاشمي. الحشد الشعبي، التحديات والمعالجات. 30 نيسان 2018.

[3] الموقع الالكتروني لشبكة بي بي سي – عربي. قاسم سليماني: لماذا قتل في هذا التوقيت وما الذي سيحدث لاحقا؟. 3 كانون الثاني 2020.

[4] الموقع الالكتروني لصحيفة القدس العربي. 27 كانون الأول 2019.

[5] لمزيد من التفاصيل، يمكن الاطلاع على مقال بعنوان "إيران تحرق سمعتها" بقلم أحمد هاشم الحبوبي.

[6] الموقع الالكتروني لقناة روسيا اليوم. 1 كانون الثاني 2020.

[7] الموقع الالكتروني لقناة بي بي سي. 1 كانون الثاني 2020.

[8] الموقع الالكتروني لقناة دي دبليو. 3 كانون الثاني 2020.

[9] الموقع الالكتروني لشبكة سي أن أن – عربي. 5 كانون الثاني 2020.

[10] موقع "مكتب سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني". في 3 كانون الثاني 2020.

رسالة السيستاني في 29/11/2019، خارطة طريق وتحذير

رسالة السيستاني في 29/11/2019، خارطة طريق وتحذير

منذ التاسع من نيسان 2003، والعراقيون في ضياع واضطراب وهرج ومرج. الرزايا الجسام تتوالى علينا فحسب. أعدّ العدوان الأمريكي – البريطاني شياطينه مسبقاً ونصبهم حكاماً مطلقين علينا. شيطانُ الكتب الدينية ليس كشياطين الاحتلال؛ فالأول مخلوقٌ فردٌ بقدرات اغواء جبارة يفسد البشر من ضعاف النفوس. أما «شياطين الاحتلال» فغيلان ماكرة فتاكة يتزايد عددها ويشتد عودها يوماً فآخر. تلقَّفَتْنا ببراثنها وأنيابها وعمِلَت فينا تقطيعاً وصارت تأكل في لحمنا ونحن أحياء، فصرنا نشهد موتنا.
انطلت علينا حيل «شياطين الاحتلال». انطلى علينا تنكرها بهيئة المعارض الوطني الذي أفنى عمره في مقارعة النظام الدكتاتوري الذي كان جاثماً على أنفاسنا والذي أدخلنا في حروب ومواجهات جلبت لنا العار والدمار وانكسار النفوس والمستقبل المظلم.  ولا أجدني مغالياً إذا ما عزوتُ العدوان الامبريالي الأمريكي – البريطاني الغاشم لحماقة وعنجهية النظام السابق.
لقد استحوذت «شياطين الاحتلال» على المشهد السياسي والاجتماعي وفقدت الجماهير الأمل بحياة أفضل. وقطعت صلتها بعصابة الأحزاب الحاكمة. كذلك فعل المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، حيث قاطع «شياطين الاحتلال» بعد أن يئس من إمكانية اصلاحهم.
رغم سعي السيستاني في النأي بنفسه والمرجعية عن المشهد السياسي العراقي، إلا إنه بسبب توالي الاهوال وانسداد الآفاق وضغط الشارع الذي لا يثق إلاّ به، يجد نفسه ملزماً بالتدخل عبر اقتراح الحلول، وفرضها أحياناً. فلا أحد غيره قادر على لجم «شياطين الاحتلال» وإجبارهم على الاستجابة لمطالب الجماهير. وهذا ما فعله في جمعة التاسع والعشرين من تشرين الثاني 2019.
لقد رسم السيستاني خارطة طريق واضحة جداً لمجلس النواب، طالباً منه إقالة الحكومة الراهنة (حكومة عادل عبد المهدي) بناء على المستجدات التي يشهدها الشارع. تلقف عبد المهدي الرسالة وأعلن استقالته بنفس اليوم. وتحولت حكومته لتصريف الأعمال. وسيضاف اسم عادل عبد المهدي لقائمة طويلة تضم أسماء الحكام الفاشلين الذي توالوا على حكم العراق.
كما طلب السيستاني من النواب الإسراع في «اقرار حزمة التشريعات الانتخابية (مفوضية الانتخابات وقانون الانتخابات) بما يكون مرضياً للشعب تمهيداً لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تعبر نتائجها بصدق عن إرادة الشعب العراقي». إنّ السيستاني على بيِّنةٍ تامة بأن السلطة التشريعية ومخرجاتها لا تحظى برضى الشعب.
وقد أكد السيستاني أن هذا المسار «هو المدخل المناسب لتجاوز الأزمة الراهنة بطريقة سلمية وحضارية تحت سقف الدستور» ـ وحذّر مجلسَ النواب من التسويف والمماطلة لأن «ذلك سيكلّف البلاد ثمناً باهضاً وسيندم عليه الجميع».
أما كيف سيندم الجميع، شعباً وحكومة، فبعودة «عصر الدكتاتورية المقيتة». لأن «الأعداء وأدواتهم يخططون لتحقيق أهدافهم الخبيثة من نشر الفوضى والخراب والانجرار الى الاقتتال الداخلي ومن ثَمّ إعادة البلد الى عصر الدكتاتورية المقيتة». لذلك «لا بد من أن يتعاون الجميع لتفويت الفرصة عليهم في ذلك».
إنّ السيستاني يحذر الجميع من انقلاب عسكري وشيك سيأتي على هامش الديمقراطية المتاح حالياً. لهذا تدخّلَ السيستاني وطالب، بالقلم العريض، باستقالة الحكومة وبانتخابات تشريعية مبكرة.
ينبغي الوقوف طويلاً عند هذا التحذير، فللسيستاني معطياته وهو لا يتكلم جزافاً. لذلك تراه أعاد التحذير من المتربصين الذين «يسعون لاستغلال الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح لتحقيق اهداف معينة تنال من المصالح العليا للشعب العراقي ولا تنسجم مع قيمه الاصيلة» [خطبة السادس من كانون الأول 2019]. ولتفويت الفرصة على المتربصين طالب السيستاني باختيار رئيس وزراء جديد «ضمن المدة الدستورية ووفقاً لما يتطلع اليه المواطنون بعيداً عن أي تدخل خارجي، علماً أن المرجعية الدينية ليست طرفاً في أي حديث بهذا الشأن ولا دور لها فيه بأيّ شكل من الاشكال» [خطبة السادس من كانون الأول 2019].
وفي نهاية رسالته ذكّر السيستاني الشعب العراقي بأن «المرجعية ستبقى سنداً له عبر النصح والإرشاد إلى ما ترى أنه في مصلحة الشعب، ويبقى للشعب أن يختار ما يرتئي انه الأصلح لحاضره ومستقبله بلا وصاية لأحد عليه». إن السيستاني يؤكد للجماهير بأنه قريب منهم ويشعر بمعاناتهم ويطمئنهم بنفس الوقت بأنه لن يفرض وصايته عليهم. ولمزيد من الوضوح أكد السيستاني أن المرجعية «لجميع العراقيين بلا اختلاف بين انتماءاتهم وتوجهاتهم، وتعمل على تأمين مصالحهم العامة ما وسعها ذلك، ولا ينبغي أن يستخدم عنوانها من قبل أي من المجاميع المشاركة في التظاهرات المطالبة بالإصلاح لئلا تحسب على جمعٍ دون جمع» [خطبة السادس من كانون الأول 2019].
ليس هناك قوة سياسية أو اجتماعية أو دينية قادرة على اقناع الجماهير وتحشيدهم خلف راية واحدة سوى السيد علي السيستاني. هذا اعتقاد سائد لا ينكره حتى اشد الداعين للفصل بين السلطة الدينية والسياسة. فالمشهد خاوٍ يفتقر لزعيم يمكن الوثوق به. لقد اثبت واقع الحال استحالة الانتقال المباشر من الدولة الدكتاتورية المطلقة إلى الدولة الديمقراطية. وذلك بسبب افتقارنا للبنى التحتية اللازمة لذلك.
إن انتفاضة تشرين الأول 2019 ليست الأولى، فقد سبقتها عدة انتفاضات. انبرى السيد مقتدى الصدر لقيادتها وتبني مطالبها. وقد رحبت الجماهير بذلك لأنها تنشد قائداً لحراكها، يوصل مطالبها، يفاوض باسمها ويوفر لها غطاء يحميها من فتك السلطة وتجاهلها لمطالب الجماهير. إلا أن كل ما يفعله السيد مقتدى الصدر هو تعزيز مكانته السياسية عبر الاستحواذ على المزيد من المناصب الحكومية العليا للاستحواذ على المزيد من الموارد ليئد الانتفاضة بعد ذلك عبر تفجيرها ذاتياً من الداخل.  فتكون الحصيلة «صفر اصلاح»، فلا خدمة تحسنت ولا عدالة اجتماعية تحققت.
فات الجماهير المنتفضة أنّ للتيار الصدري «شياطينه». وهو مهتم بتكثيرهم وتعزيز مواقعهم، وما عاد ممكناً للشعارات البراقة أن تخفي الفساد والعفن المتفشيين في قياداته.
إن الخذلان الذي قوبل به الثائرون لم يتمكن من إطفاء جذوة الثورة والرفض. وفي كل مرة يعودون أقوى وأكثر إصرارا حتى تحقيق المطالب المشروعة في العيش الكريم.


حين يكذب عادل عبد المهدي


في كل مقابلة صحفية يكرر عادل عبد المهدي نفس التبريرات التي يسوقها لتبرير صمته عن سرقة إدارة إقليم كردستان لواردات النفط المصدر المستخرج من محافظات الإقليم ونينوى وكركوك، والذي يصدّر بواسطة الصهاريج والخط الستراتيجي عبر الأراضي التركية.
يستثمر عادل عبد المهدي عدم اطلاع المواطن العادي على تفاصيل "قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2019". ولا أجافي الحقيقة إذا وصمتُ إعلاميينا بالجهل بالقانون المذكور. فحين يتناول الاعلاميون ملف واردات نفط الإقليم، يستنسخ عبد المهدي نفسه ويعيد نفس الأجوبة على مسامع محاوريه الذين لا يجيدون سوى هز الرؤوس تعبيراً عن الرضا والقبول. فيذهب الحق ويغلق المحضر.
 يواري عادل عبد المهدي محاباته لإدارة الإقليم عبر الادعاء بأن الحكومة المركزية لا تدفع للإقليم سوى رواتب موظفي الإقليم باعتبار أن مواطني الإقليم عراقيون ومن واجب الحكومة المركزية تأمين العيش الكريم لهم أسوة بأقرانهم في المحافظات الأخرى. ويتم اقتطاع مبلغ المئتين وخمسين ألف برميل من حصة الإقليم في باقي فقرات الميزانية [1].
اتصل بي صديق عزيز يسكن احدى محافظات الإقليم ليخبرني بإعجابه وتقديره لمقال سابق [3] كتبته عن تواطؤ عادل عبد المهدي مع العائلات الحاكمة في الإقليم التي تستولي على واردات نفط الإقليم وتودعها في حسابات خاصة بعيداً عن ميزانية الإقليم أو الميزانية المركزية. وأكد بأن الغالبية الساحقة من مواطني الإقليم من غير المتحزبين يرفضون تواطؤ عادل عبد المهدي وتغطيته على سرقات العوائل الحاكمة، «فبدل أن يقتطع عادل عبد المهدي الأموال من أبناء الجنوب المحرومين من الكهرباء والماء الصالح للشرب ويسلمها لإدارة الإقليم تحت ذريعة دفع رواتبنا، عليه أن يلزم تلك الإدارة بتأمين رواتبنا من واردات الإقليم التي تذهب الى حسابات العوائل السرية في سويسرا وإسرائيل وأمريكا». 
يضيف محدثي الذي يعمل موظفاً، بأن موظفي الإقليم بالكاد استلموا راتب شهر نيسان لحد يومنا هذا (14 آب 2019). أي أنهم لم يستلموا رواتب أيار وحزيران وتموز بعد. وأنه ليس هناك يوم ثابت لتسليم الرواتب. ويستغرب مواطنو الإقليم عدم متابعة الحكومة المركزية لعملية تسليم الرواتب.
حين أوقف رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي صرف رواتب موظفي الإقليم، امتنعت إدارة الإقليم عن دفع رواتب الموظفين من واردات النفط. وبقي الموظفون يعانون الأمرّين، الأمر الذي دفع الحكومة المركزية إلى إعادة صرف الرواتب من الميزانية المركزية. فواردات نفط الإقليم ليست لمواطنيه.
يقول عبد المهدي في معرض دفاعه عن استيلاء الإقليم على واردات النفط قائلاً «ستقولون إنّ الإقليم يصدر أكثر من 250 ألف برميل يومياً، هذه إشكالية تحتاج إلى حل، فهذه إشكالية لم تتطرق لها الموازنة. وهذه تحتاج إلى حوار وبحث مع الإقليم لتسليم واردات كل الكمية المصدرة كما تعتقد الحكومة الاتحادية. لكن للإقليم وجهة نظر يحاور بها ويستند فيها إلى الدستور وإلى السنوات الماضية. وهذا الخلل مردّه عدم إقرار قانوني النفط والغاز وتوزيع الموارد المالية. وبقي كل طرف يفسر الدستور على طريقته دون أن نصل إلى نتيجة» [1].
إن الأمر ليس كما يقول رئيس الوزراء، فقانون الموازنة حدد بمنتهى الوضوح مآل واردات نفط الإقليم. وكما يلي: 
1)   تبين الفقرة (1 – أولاً – ب) من القانون أن إقليم كردستان ملزم بتصدير ما لا يقل عن 250 ألف برميل يومياً، على أن تلتزم محافظات اقليم كردستان بتسليم الايرادات المتحققة فعلاً لحساب الخزينة العامة للدولة عند حصول زيادة في الكميات المصدرة المذكورة [2].
2)   ألزمت الفقرة (10 – ثانياً – د) محافظات إقليم كردستان تسليم أية إيرادات إضافية تتحقق عند حصول زيادة في الكميات المصدرة عن المئتين وخمسين ألف برميل يومياً، لحساب الخزينة العامة للدولة [2]. (لمزيد من التوضيح، أرفقتُ النصوص المتعلقة من قانون الموازنة الاتحادية في نهاية هذا المقال).
مِنْ غير المعقول القبول بفرضية جهل رئيس الوزراء بقانون الموازنة العامة. ومن غير المعقول تصديق فكرة أن لا أحد من مستشاريه أو الوزراء والمدراء العامين المعنيين لم ينبهه إلى خطل طرحه. إنّ قراءة متأنية لتصريح رئيس الوزراء تكشف للقارئ أن الأخير يلعب دور محامي الشيطان، أولاً عبر انكاره وجود مادة قانونية تلزم الإقليم بتسليم كافة الواردات البترولية للميزانية المركزية، بغض النظر عن إقرار قانون النفط من عدمه. وثانياً عبر تبريره بلطجة حكومة الإقليم «لأن لها وجهة نظر دستورية» تسمح لها بعدم تسليم المبالغ المذكورة للميزانية المركزية.
لم يغفل قانون الموازنة أي حق من حقوق الإقليم المالية. كما لم يغفل التذكير بواجباته. حيث أوجب القانون تسوية "المستحقات بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية للسنوات 2004 ولغاية 2018 بعد تدقيقها من قبل ديوان الرقابة المالية الاتحادي" (المادة 10 – أولاً) [2].
كما أوضحتُ في مقال سابق، لا تكاد تتعالى الأصوات المنددة باستبداد إدارة الإقليم وتقاعس عادل عبد المهدي، حتى تخفت من جديد بإرادة حكومية وإعلامية وإقليمية ودولية. رغم ذلك، يحصل أن يخرق نائب هنا أو اعلامي هناك التعتيم المضروب على هذا الظلم الذي يكلف ميزانية الدولة حوالي (40000000) أربعين مليون دولار يومياً. لقد شاهدتُ تصريحاً للنائب علي العبودي يقول فيه إنّ «الوزارات السيادية لا ينبغي أن يغيب دورها في الإقليم. وكذلك مجلس النواب؛ يجب ألا يغيب دوره الرقابي في الإقليم. وزارة النفط لا تعرف كمية النفط التي يصدرها الإقليم، سواء مروراً بالعدادات أو بواسطة الصهاريج التي لا أحد يعرف أعدادها إلا الله والراسخون في العلم. نحن لا نعرف شيئاً عن الإيرادات المالية المتحققة من المنافذ الحدودية. إن دورنا (كنواب عن الشعب) مشلول. ليس فقط في كردستان، بل حتى في المحافظات الجنوبية التي فيها الكثير من الاستهتار. نحن نكتفي بالتفرج على هذا المشهد المؤلم. إذا لم نبتعد وننسلخ من سطوة (قادة) الكتل ونرعى مصالح البلد، فنحن نتقمص دور الخائن دون دراية منا» [4].
إنّ عادل عبد المهدي ليس سوى حلقة في سلسلة السماسرة المتواطئين من رؤساء الوزارات السابقين والوزراء ورؤساء الكتل والعوائل المهيمنة على القرار السياسي في العراق.

المصادر:

[1] المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء. رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي في حوار مع وسائل الاعلام العراقية والاجنبية 9 / 8 / 2019. (9 آب 2019).
[2] الوقائع العراقية – الجريدة الرسمية لجمهورية العراق. قانون رقم (1) الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2019. (العدد 4529 في 11 شباط 2019).
[3] الحوار المتمدن. احمد هاشم الحبوبي. نفط الإقليم والحكومة المركزية المتخاذلة. (5 آب 2019).
[4] موقع فيسبوك. إعلام النائب علي العبودي. (13 آب 2019).

ملحق: نص الفقرة ب من المادة (1) والمادة (10) من قانون الموازنة الاتحادية لعام 2019 ذات العلاقة بالمقال:
المادة 1 - أولاً - ب من قانون الموازنة الاتحادية لعام 2019: «احتساب الإيرادات المخمنة من تصدير النفط الخام على أساس معدل سعر 56 دولار (ستة وخمسين دولار) للبرميل الواحد ومعدل تصدير قدره (3880000) برميل يومياً (ثلاثة ملايين وثمانمئة وثمانون ألف برميل يومياً بضمنها (250000) برميل يومياً (مائتان وخمسون ألف برميل يومياً) عن كميات النفط الخام المنتج في اقليم كردستان على أساس سعر صرف (1182) دينار لكل دولار وتقيد جميع الإيرادات المتحققة فعلاً إيراداً نهائياً لحساب الخزينة العامة للدولة» [3].
المادة - 10-
 أولاً: تتم تسوية المستحقات بين اقليم كردستان والحكومة الاتحادية للسنوات 2004 ولغاية 2018 بعد تدقيقها من قبل ديوان الرقابة المالية الاتحادي وذلك باحتساب حصة إقليم كُردستان في ضوء المصاريف الفعلية للسنوات السابقة التي تظهرها الحسابات الختامية المصادق عليها من ديوان الرقابة المالية الاتحادي.
ثانيـاً:
أ- تلتزم حكومة اقليم كردستان بتصدير "ما لا يقل" عن (250000) برميل (مائتين وخمسين ألف برميل نفط) خام يومياً من النفط الخام المنتج من حقولها لتسويقها عن طريق شركة (سومو) وعلى ان تسلم الإيرادات النفطية الى الخزينة العامة للدولة حصراً.
ب- تخصص نسبة من تخصيصات القوات الاتحادية للجيش العراقي إلى رواتب قوات البيشمركة للقوات المذكورة بوصفها جزء من المنظومة الأمنية العراقية.
ج- تلتزم الحكومة الاتحادية بدفع مستحقات اقليم كردستان بما فيها تعويضات موظفي الاقليم ويستقطع مبلغ الضرر من حصة الاقليم في حالة عدم تسليمه للحصة المقررة من النفط في البند (أ).
د- تلتزم الحكومة الاتحادية ومحافظات اقليم كردستان عند حصول زيادة في الكميات المصدرة المذكورة في المادة (1 - أولاً - ب) من قانون الموازنة بتسليم الايرادات المتحققة فعلاً لحساب الخزينة العامة للدولة.


نفط الإقليم والحكومة المركزية المتخاذلة

نفط الإقليم والحكومة المركزية المتخاذلة
منذ نيسان 2003 وإلى يومنا هذا تفجرت الكثير من الصراعات بين إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد. ولا بد من الإقرار بأن النصر انعقد للإقليم في الغالبية العظمى من تلك الصراعات. ليس لأن الإقليم كان على حق، بل لحسن إدارته لتلك الصراعات، مستفيداً من عوامل عدة، أهمها:
1)   ضعف الحكومة المركزية وتفكك أطرافها.
2)   الصراع الشيعي العربي ـ السني العربي المحتدم. الأمر الذي دفع الطرفين المتخاصمين لكسب ود إدارة الإقليم بأي ثمن. وقد استثمرت إدارة الإقليم ذلك عبر الحصول على حصة من الميزانية أعلى من استحقاق الإقليم، ترافق مع ذلك الاستحواذ على واردات نفط الإقليم وجزء مهم من واردات نفط كركوك ونينوى. وقد مارس الإقليم سياسة "خذ وطالب".
3)   بروز الإقليم كملاذ آمن للعرب السُنّة، الأمر الذي اضطرهم لمزيد من التغاضي عن تجاوزات الإقليم على أراضيهم وثروتهم النفطية (في نينوى مثلاً).
4)   اتحاد كل القوى السياسية الكردية والتحدث بصوت واحد مع بغداد حين يتعلق الأمر بحقوق الإقليم وامتيازاته.
5)   استثمار العلاقات القوية التي تربط أحزاب الإقليم بالقوى الشيعية الحاكمة في بغداد.
6)   تأسيس وتمويل وسائل إعلامية مهمة (جرائد، قنوات فضائية، مواقع نشر الكترونية، صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي) يمكن من خلالها توجيه وإدارة الصراع اعلامياً بما يتوافق وإرادة إدارة الإقليم. إضافة لشراء ذمم صحفيين وناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي، كسباً لأصواتهم وأقلامهم، أو على الأقل صمتهم. كما اتّبعت إدارة الإقليم ستراتيجية "أسلم تسلم" مع وسائل الاعلام التابعة لجهات أخرى.
كان يمكن أن تستمر الأمور كذلك، وتواصل إدارة الإقليم استشرائها لولا خطيئتان كبيرتان ارتكبهما مسعود برزاني رئيس الإقليم السابق. أولى كبائره كانت في اشتراكه في مؤامرة "حزيران 2014"، التي حولّها تنظيم «داعش» إلى انتصار ساحق له كاد أن ينتهي باحتلال أربيل لولا دعم إيراني عاجل وفاعل لأربيل، إضافة لقلة موارد "داعش" البشرية. وبعد تأمين أراضي الإقليم من غزو «داعش»، كشر برزاني عن كامل انيابه واستولى على كافة "الأراضي المتنازع عليها" (عدا تلك الواقعة تحت سيطرة «داعش»). ومن الضروري الإشارة الى ان الغالبية الساحقة من سكان هذه الأراضي هم من العرب السنّة. ولم يألُ برزاني جهداً في امتهان حكومة بغداد والتمرد عليها، بل وحتى اذلالها.
ولكن، وكعادة كل زعماء العراق والشرق الأوسط، ارتكب مسعود خطيئته الكبرى الثانية، التي أطاحت به من عليائه، ألا وهي إصراره على إجراء استفتاء الاستقلال عن العراق في أيلول 2017، رغم المناشدات والتحذيرات والتهديدات الإقليمية والدولية من عواقب ذلك. لقد أعادنا برزاني أكثر من ربع قرنٍ إلى الوراء، مذكراً إيانا بعناد وقصر نظر وحماقة صدام حسين الذي أصر على مواصلة احتلال دولة الكويت الشقيقة رغم المناشدات والتحذيرات الدولية له.
وأسوة بسابقه صدام حسين بعد حماقة الكويت، عُوقِبَ مسعود أيما عقوبة، فقد قُلِعَت أنيابه وانتزعت أشواكه، وخسر الغالبية الساحقة من الأراضي المتنازع عليها التي سطا عليها جوراً وعدواناً. كما استعادت الحكومة المركزية كركوك، "قدس كردستان" كما كان يسميها جلال طالباني. والطريف أن قوات جلال نفسها هي التي سلمت كركوك دون قتال. لقد جرى كل ذلك بإشراف وتنسيق إيراني تركي أمريكي. ولا يخفى ان إيران كانت المدير التنفيذي. وانتهى الامر بمسعود ان أعلن استقالته من رئاسة الإقليم وإلغاء المنصب لحين انتخاب رئيس جديد وسلم إدارة الإقليم لنجيرفان ابن أخيه وزوج ابنته، ليتم، بعد أقل من سنتين، انتخاب نجيرفان رئيساً للإقليم ومسرور ابن مسعود رئيسا للوزراء. كما استحوذ برزانيون آخرون على كل المناصب الأمنية الحاكمة، فالأمن هو سلاح حكم العوائل.
إن استخدامي لمصطلح "إدارة الإقليم" ليس واقعياً، فالإقليم يدار حصراً من قبل عائلة برزاني (تحت عنوان الحزب الديمقراطي الكردستاني) في محافظتيْ أربيل ودهوك، بالتنسيق مع عائلة طالباني (تحت عنوان حزب الاتحاد الوطني الكردستاني) في محافظتيْ السليمانية وكركوك (قبل أن تعود كركوك إلى حضن الحكومة المركزية في 16 تشرين الأول 2017). إنني لا أسعى لشخصنة الصراع بين أربيل وبغداد، ولكن هذا هو ديدن العراق، فنحن نسمي عهودنا بأسماء رجالاتها، لذلك نقول: زمن نوري السعيد وعبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وأحمد حسن البكر وصدام حسين. وبعد الاحتلال الامريكي توزع دم الزعامة بين الطوائف، بهيئة أحزاب تتحكم بها عوائل كبرزاني وطالباني والحكيم والصدر أو اشخاص كمثل نوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبد المهدي.
استعادت حكومة الإقليم توازنها تدريجياً. ولم يتوقف الإقليم عن تصدير النفط حتى في خضم الأزمة. ولم تستثمر الحكومة المركزية انكفاء مسعود وانحسار نفوذه لتنظيم عملية التصدير وفقاً للدستور والقوانين النافذة. واكتفت حكومة العبادي بإعادة بسط سلطة الدولة على كركوك وبعض المدن التابعة لها. ولم يشأ العبادي الذهاب أبعد من ذلك ويبسط سلطة الدولة على المنافذ الحكومية وتصدير النفط. وبقيت سلطة الإقليم تتحكم بهذين المفصلين الهامين جداً.  ولا اعتقد ان العبادي تقاعس أو امتنع في هذين المجالين، بل خضع لإرادات إقليمية ودولية فاعلة لا يقوى على مناكفتها.
يبدو الأمر أن إيران وتركيا هما الدولتان التي قررتا حدود العقوبات المفروضة على الإقليم. من السهل على المراقب أن يستنتج أن عقيدة هاتين الدولتين (ومعهما الدول المعنية بشؤون العراق) تجاه برزاني تقوم على مبدأ:
"لك أن تفعل ما تشاء، صدّر النفط واستحوذ على ثمنه، تمرد على بغداد ونكّل بالحكومة المركزية، لك ان تستولي على أراضي العرب، بع النفط لمن تشاء، حتى لإسرائيل، واحتفظ بثمنه لنفسك وأسرتك وأودعه في أي مصرف تشاء، حتى في المصارف الإسرائيلية، لكن لا تقترب من «خطيئة الاستقلال» مرة أخرى، فهذه ثمنها مدوٍّ». استوعب برزاني الدرس وقبل العرض، على الأقل مرحلياً.
أود ان أسلط بعض الضوء على سياسة مسعود النفطية، لما لها من أهمية وتأثير مباشرين على كل الشعب العراقي لأن اقتصادنا ريعي أحادي المورد. يبلغ انتاج الإقليم حالياً ستمئة ألف برميل يومياً، بوارد يومي مقداره ستة وثلاثون مليون دولار يومياً وسنوي مقداره ثلاثة عشر مليار ومئة مليون دولار سنويا (بواقع 60 دولاراً للبرميل). لا يُسلِّم الإقليم سنتاً واحداً من هذه الواردات للحكومة المركزية. ورغم ذلك تستمر الأخيرة في تسديد حصة الإقليم من الموازنة، رغم ان قانون الموازنة اشترط على الإقليم تسليم واردات مئتين وخمسين ألف برميل من صادراته اليومية (ما يعادل خمسة عشر مليون دولار يومياً). وتحتج حكومة برزاني بأن الموضوع ما زال قيد التفاوض. والخاسر الوحيد من هذا الانتظار هو أبناء المحافظات الخمسة عشر الأخرى.
يقول الخبير النفطي حمزة الجواهري إن «إقليم كردستان يصدر من خمسمئة وخمسين ألف الى ستمئة ألف برميل يومياً من نفط الإقليم، زائداً ثلاثين إلى خمسة وثلاثين ألف برميل يومياً من آبار شرق كركوك، إضافة لثلاثين ألف أخرى من آبار نفط نينوى في القيارة وبطمة وصفية، زائداً مئة إلى مئتي صهريج يومياً من كرميان والنفط خانة، ليبلغ مجموع صادرات الإقليم من نفط "المناطق المتنازع عليها" أكثر من ثمانين ألف برميل يومياً. وبذلك فإن صادرات الإقليم تفوق الستمئة ألف برميل يومياً. كما يصدر الإقليم الغاز أيضاً. ولا يحصل العراق على دولار واحد من ذلك». [1].
ويبين الجواهري أن الكميات المصدرة هذه تستقطع من حصة العراق المتفق حولها مع منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك. وكلما يزيد الإقليم من صادراته يضطر العراق إلى تخفيض صادراته حتى لا يتجاوز حصته من الصادرات المحددة. يضطر العراق لذلك رغم عدم حصوله على أي مردود من جراء هذا التخفيض، ورغم ارتفاع الإنتاج والقدرات التصديرية في وسط وجنوب العراق [1].

تواطؤ وتخاذل عادل عبد المهدي

يدافع رئيس الوزراء عادل عبد المهدي عن مجاملته [= صمته وتغاضيه] عن تمادي حكومة بارزاني بالقول: «أنا ملتزم بقانون الموازنة العراقية الذي يلزم إدارة إقليم كردستان بتسليم 250 ألف برميل يوميا لشركة النفط الوطنية سومو. وإذا لم تسلم فيتم اقتطاعه [= اقتطاع ثمنها] من حصتها في الموازنة ونسلمها الباقي. أما رواتب موظفي الإقليم، فنحن ندفعها بالكامل لأن هذا يفرح سكان إقليم كردستان ويربط أبناء الوطن ببعضهم» [2]. هكذا، بكل سذاجة، يبرر ضياع ستة وثلاثين مليون دولار من الخزينة المركزية يومياً.
لا يوجد نص في قانون الموازنة الاتحادية لعام 2019 ما يدعم ادعاء عادل المهدي. حيث جاء في المادة (1 - أولاً - ب) أن الإقليم ملزم بتصدير 250 ألف برميل يومياً وأن يسلم ثمنها للخزينة المركزية [3]. وجاء في المادة (10 – ثانياً) إن إقليم كردستان ملزم بتصدير ما لا يقل عن 250 ألف برميل يومياً، على أن تلتزم محافظات اقليم كردستان بتسليم الايرادات المتحققة فعلاً لحساب الخزينة العامة للدولة عند حصول زيادة في الكميات المصدرة المذكورة [3]. ولمزيد من التوضيح، أرفقتُ النصوص المتعلقة من قانون الموازنة الاتحادية في نهاية هذا المقال.
لا يكترث عادل عبد المهدي لبيانات وزارة النفط في حكومته وبيانات عشرات المؤسسات الدولية الرصينة التي ترصد وتوثِّق الإنتاج النفطي في أرجاء المعمورة التي تؤكد كلها أن الإقليم يصدر من 500 ألف إلى 600 ألف برميل يومياً، ويصر على المئتين وخمسين ألف برميل التي لم يسلم الإقليم برميلاً واحداً منها يوماً. إن تبريرات عادل عبد المهدي تبعث على الغثيان. وأود التذكير بستراتيجية حكومة برزاني في استغلال علاقاته مع الجهات الحاكمة في بغداد لإمرار سياساته ومصالحه.

التغاضي الإعلامي

عادة ما يستنفر الصحفيون والإعلاميون من أصحاب البرامج الحوارية المُتابعة جماهيرياً والناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي وينبرون معاً للتصدي لفساد أو تجاوز أحد أجهزة الدولة أو مؤسساتها أو موظفيها. فيقومون بتحشيد الجماهير (إذا لم نقل تأليب الجماهير) وتطغى القضية المُثارة على كل ما عداها. وهذا تصرف مبارك ومحمود لأنه يحمي ثروة البلد والحقوق المدنية وديمقراطيتنا الوليدة المباركة.
لكن همة إعلاميينا تخفتُ وتتضاءل حين يكون الإقليم هي المتجاوز والمعتدي، حيث تتجنب الغالبية الساحقة منهم ابداء موقف يغضب إدارة إقليم كردستان. وإذا ما تجرأ أحدهم، فإنه يتصدى بأسلوب مهادن. وهذا أمر يصعب تبريره وقبوله.
إنّ الإعلامي الوحيد الذي تصدى لسرقات الإقليم بمهنية وصدق هو نبيل جاسم من خلال برنامجه الناجح "وجهة نظر" الذي يبث من على شاشة قناة دجلة الفضائية العراقية، فاستضاف الخبير النفطي حمزة الجواهري الذي قدم معلومات وبيانات إحصائية ومالية دقيقة جداً وموثقة كشفت عن حجم الخسارة المتحققة على الخزينة المركزية. أما الاعلاميون الباقون فبلعوا ألسنتهم أو قاربوا الموضوع بسطحية ومرّوا على عليه مرور المضطر.
وبمجرد أن تأخذ القضية مداها إعلامياً وجماهيرياً وتصبح موضوعاً ضاغطاً على الحكومة ومجلس النواب، يتم، بقدرة قادر، حرف الزخم الإعلامي والشعبي عبر اشغال الرأي العام بقضايا أخرى ليست بأهمية "سرقة واردات نفط الإقليم والمتنازع عليها"، كرواتب لاجئي «معسكر رفحاء» و«مهرجان كربلاء» وتوسعة بناية محمد باقر الصدر. وهذا أمر برع فيه الذراع الإعلامي لحكومة برزاني في استخدامه.
والطريف أن القانون الذي أُقرت بموجبه رواتب لاجئي مخيم رفحاء يشمل الأكراد الذين لجأوا إلى مخيمات لجوء في إيران. لكن لا أحد في الإعلام يأتي على ذكر ذلك، فالضجيج محصور في لاجئي رفحاء فحسب، والسبب معروف وواضح. لا بد من التنويه بأني لست مع تبديد أموال الدولة وتمييز شريحة على أخرى، حتى لو كان ذلك بقانون.  

صمت الحشد الشعبي

يؤكد الخبير النفطي حمزة الجواهري أن إسرائيل هي إحدى أهم وجهات تصدير نفط إقليم كردستان. وأن الإقليم يودع واردات مبيعاته النفطية في مصارف إسرائيلية [1]. وهذا أمر ليس بغريب، فالعلاقات الكردية الإسرائيلية راسخة وقديمة من ستينيات القرن المنصرم. الأمر الغريب هو صمت «محور المقاومة» الذي هو الآخر بلع لسانه، فلم نسمع منه تنديداً أو استنكاراً.
ربما لا يدري «محور المقاومة» (أو إنه لا يريد أن يدري) أن الطائرات الإسرائيلية قبل أن تُغِـير على سوريا تُعبأُ خزاناتها بوقود عراقي مستخرج من آبار في أربيل وكركوك ونينوى. إن هذه الطائرات تقتل جنود الجيش العربي السوري ومقاتلي حزب الله وفصائل المقاومة العراقية الناشطة في سوريا والمستشارين الإيرانيين. وتوسع نشاط طائرات إسرائيل لتقصف مقرات الحشد الشعبي في العراق أيضاً. لا يمكن الترحم على القاتل والمقتول، فنكتب تحت لافتة الشهيد: "الشهيد المقاوم الذي استشهد بقصف طائرة إسرائيلية تطير بوقودٍ مستوردٍ من بلد مقاوم". 
يخسر أبناء الوسط والجنوب 36 مليون دولار يومياً بسبب تهاون وتخاذل الحكومة المركزية ومجلس النواب والقوى السياسية الأخرى. ومن الضروري الإشارة إلى أن هذه الأموال لا تدرج في ميزانية الإقليم فيستفيد منها أبناء محافظات كردستان، بل تستولي عليها العائلتين الحاكمتين في كردستان وتستغلها لتعزيز نفوذها وجبروتها.
اتصل بي عدة أصدقاء ونصحوني بأن لا أشغل بالي بهذه القضية ولا بغيرها "فـكلّ شيء مخططٌ له ومتفقٌ عليه بين الرؤوس الكبار. وستذهب جهودك هباء أسوة بجهود سابقيك ولاحقيك". وأضاف صديق آخر أنه لا يرى ضيراً في أن "تسرق إدارة الإقليم النفط طالما أنها تصرف ثمنه على تطوير الإقليم ورفاهية مواطنيه". وعلّقَ آخر قائلاً: "ما تريد استرجاعه من العوائل الحاكمة في الإقليم ستسرقه العوائل الحاكمة في الوسط والجنوب". إن هذه الطروحات الانهزامية (هنا أنا أصف ولا انتقد) تبين موت القيم والمواطنة والأمل في أرواحنا وضمائرنا. لقد صرنا نرى الطبقة الحاكمة وكأنها قدر منزَّلٌ من الله تعالى ليس لنا ردّه.
إن الصمت ليس دائماً من ذهب.
المصادر:
 [1] قناة دجلة الفضائية. وجهة نظر - كردستان يد عبد المهدي التي تؤلمه.. ويمسكها الجميع. (16 تموز 2019). (من الدقيقة 13).

[2] نبيل جاسم. رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في مقابلة مشتركة - وجهة نظر مع نبيل جاسم. (23 تموز 2019). (من الدقيقة 50)

[3] الوقائع العراقية – الجريدة الرسمية لجمهورية العراق. قانون رقم (1) الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2019. (العدد 4529 في 11 شباط 2019).

ملحق: نص الفقرة ب من المادة (1) والمادة (10) من قانون الموازنة الاتحادية لعام 2019 ذات العلاقة بالمقال:
المادة 1 - أولاً - ب من قانون الموازنة الاتحادية لعام 2019: «احتساب الإيرادات المخمنة من تصدير النفط الخام على أساس معدل سعر 56 دولار (ستة وخمسين دولار) للبرميل الواحد ومعدل تصدير قدره (3880000) برميل يومياً (ثلاثة ملايين وثمانمئة وثمانون ألف برميل يومياً بضمنها (250000) برميل يومياً (مائتان وخمسون ألف برميل يومياً) عن كميات النفط الخام المنتج في اقليم كردستان على أساس سعر صرف (1182) دينار لكل دولار وتقيد جميع الإيرادات المتحققة فعلاً إيراداً نهائياً لحساب الخزينة العامة للدولة» [3].
المادة - 10-
 أولاً: تتم تسوية المستحقات بين اقليم كردستان والحكومة الاتحادية للسنوات 2004 ولغاية 2018 بعد تدقيقها من قبل ديوان الرقابة المالية الاتحادي وذلك باحتساب حصة إقليم كُردستان في ضوء المصاريف الفعلية للسنوات السابقة التي تظهرها الحسابات الختامية المصادق عليها من ديوان الرقابة المالية الاتحادي.
ثانيـاً:
أ- تلتزم حكومة اقليم كردستان بتصدير "ما لا يقل" عن (250000) برميل (مائتين وخمسين ألف برميل نفط) خام يومياً من النفط الخام المنتج من حقولها لتسويقها عن طريق شركة (سومو) وعلى ان تسلم الإيرادات النفطية الى الخزينة العامة للدولة حصراً.
ب- تخصص نسبة من تخصيصات القوات الاتحادية للجيش العراقي إلى رواتب قوات البيشمركة للقوات المذكورة بوصفها جزء من المنظومة الأمنية العراقية.
ج- تلتزم الحكومة الاتحادية بدفع مستحقات اقليم كردستان بما فيها تعويضات موظفي الاقليم ويستقطع مبلغ الضرر من حصة الاقليم في حالة عدم تسليمه للحصة المقررة من النفط في البند (أ).
د- تلتزم الحكومة الاتحادية ومحافظات اقليم كردستان عند حصول زيادة في الكميات المصدرة المذكورة في المادة (1 - أولاً - ب) من قانون الموازنة بتسليم الايرادات المتحققة فعلاً لحساب الخزينة العامة للدولة.




حين يكذب رئيس الوزراء

المقال الجديد

في كل مقابلة صحفية، يكرر عادل عبد المهدي نفس التبريرات التي يسوقها لتبرير صمته عن سرقة إدارة إقليم كردستان لواردات النفط المصدر المستخرج من محافظات الإقليم ونينوى وكركوك، والذي يصدّر بواسطة الخط الستراتيجي عبر الأراضي التركية.
يستثمر عادل عبد المهدي عدم اطلاع المواطن العادي على تفاصيل "قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2019". ولا أجافي الحقيقة إذا وصمتُ إعلاميينا بالجهل بالقانون المذكور. لذلك، حين يتناول الاعلاميون ملف واردات نفط الإقليم، فإن عادل عبد المهدي يستنسخ نفسه ويعيد نفس الأجوبة على مسامع محاوريه. ويغلق المحضر بعد أن "ذهب الحق".
 يواري عادل عبد المهدي محاباته لإدارة الإقليم عبر الادعاء بأن الحكومة المركزية لا تدفع للإقليم سوى رواتب موظفي الإقليم باعتبار أن مواطني الإقليم عراقيون ومن واجب الحكومة المركزية تأمين العيش الكريم لهم أسوة بأقرانهم في المحافظات الأخرى. ويتم اقتطاع مبلغ المئتين وخمسين ألف برميل من حصة الإقليم في باقي فقرات الميزانية [1].
ويضيف عبد المهدي قائلاً «ستقولون إنّ الإقليم يصدر أكثر من 250 ألف برميل يومياً، هذه إشكالية تحتاج إلى حل، فهذه إشكالية لم تتطرق لها الموازنة. وهذه تحتاج إلى حوار وبحث مع الإقليم لتسليم واردات كل الكمية المصدرة كما تعتقد الحكومة الاتحادية. لكن للإقليم وجهة نظر يحاور بها ويستند فيها إلى الدستور وإلى السنوات الماضية. وهذا الخلل مردّه عدم إقرار قانوني النفط والغاز وتوزيع الموارد المالية. وبقي كل طرف يفسر الدستور على طريقته دون أن نصل إلى نتيجة» [1].
إن الأمر ليس كما يقول رئيس الوزراء، فقانون الموازنة حدد بمنتهى الوضوح مآل واردات نفط الإقليم. وكما يلي: 
1)   تبين الفقرة (1 – أولاً – ب) من القانون أن إقليم كردستان ملزم بتصدير ما لا يقل عن 250 ألف برميل يومياً، على أن تلتزم محافظات اقليم كردستان بتسليم الايرادات المتحققة فعلاً لحساب الخزينة العامة للدولة عند حصول زيادة في الكميات المصدرة المذكورة [2].
2)   ألزمت الفقرة (10 – ثانياً – د) محافظات إقليم كردستان تسليم أية إيرادات إضافية تتحقق عند حصول زيادة في الكميات المصدرة عن المئتين وخمسين ألف برميل يومياً، لحساب الخزينة العامة للدولة [2]. (لمزيد من التوضيح، أرفقتُ النصوص المتعلقة من قانون الموازنة الاتحادية في نهاية هذا المقال).
مِنْ غير المعقول القبول بفرضية جهل رئيس الوزراء بقانون الموازنة العامة. ومن غير المعقول تصديق فكرة أن لا أحد من مستشاريه أو الوزراء والمدراء العامين المعنيين لم ينبهه إلى خطل طرحه. إنّ قراءة متأنية لتصريح رئيس الوزراء تكشف للقارئ أن الأخير يلعب دور محامي الشيطان، أولاً عبر انكاره وجود مادة قانونية تلزم الإقليم بتسليم كافة الواردات البترولية للميزانية المركزية، بغض النظر عن إقرار قانون النفط من عدمه. وثانياً عبر تبريره بلطجة حكومة الإقليم لأن لها وجهة نظر دستورية تسمح لها بعدم تسليم المبالغ المذكورة للميزانية المركزية.
لم يغفل قانون الموازنة أي حق من حقوق الإقليم المالية. كما لم يغفل التذكير بواجباته. حيث أوجب القانون تسوية "المستحقات بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية للسنوات 2004 ولغاية 2018 بعد تدقيقها من قبل ديوان الرقابة المالية الاتحادي" [2 (المادة 10 – أولاً)].

المصادر:


[1] المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء. رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي في حوار مع وسائل الاعلام العراقية والاجنبية 9 / 8 / 2019. (9 آب 2019).
[2] الوقائع العراقية – الجريدة الرسمية لجمهورية العراق. قانون رقم (1) الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2019. (العدد 4529 في 11 شباط 2019).
ملحق: نص الفقرة ب من المادة (1) والمادة (10) من قانون الموازنة الاتحادية لعام 2019 ذات العلاقة بالمقال:
المادة 1 - أولاً - ب من قانون الموازنة الاتحادية لعام 2019: «احتساب الإيرادات المخمنة من تصدير النفط الخام على أساس معدل سعر 56 دولار (ستة وخمسين دولار) للبرميل الواحد ومعدل تصدير قدره (3880000) برميل يومياً (ثلاثة ملايين وثمانمئة وثمانون ألف برميل يومياً بضمنها (250000) برميل يومياً (مائتان وخمسون ألف برميل يومياً) عن كميات النفط الخام المنتج في اقليم كردستان على أساس سعر صرف (1182) دينار لكل دولار وتقيد جميع الإيرادات المتحققة فعلاً إيراداً نهائياً لحساب الخزينة العامة للدولة» [3].
المادة - 10-
 أولاً: تتم تسوية المستحقات بين اقليم كردستان والحكومة الاتحادية للسنوات 2004 ولغاية 2018 بعد تدقيقها من قبل ديوان الرقابة المالية الاتحادي وذلك باحتساب حصة إقليم كُردستان في ضوء المصاريف الفعلية للسنوات السابقة التي تظهرها الحسابات الختامية المصادق عليها من ديوان الرقابة المالية الاتحادي.
ثانيـاً:
أ- تلتزم حكومة اقليم كردستان بتصدير "ما لا يقل" عن (250000) برميل (مائتين وخمسين ألف برميل نفط) خام يومياً من النفط الخام المنتج من حقولها لتسويقها عن طريق شركة (سومو) وعلى ان تسلم الإيرادات النفطية الى الخزينة العامة للدولة حصراً.
ب- تخصص نسبة من تخصيصات القوات الاتحادية للجيش العراقي إلى رواتب قوات البيشمركة للقوات المذكورة بوصفها جزء من المنظومة الأمنية العراقية.
ج- تلتزم الحكومة الاتحادية بدفع مستحقات اقليم كردستان بما فيها تعويضات موظفي الاقليم ويستقطع مبلغ الضرر من حصة الاقليم في حالة عدم تسليمه للحصة المقررة من النفط في البند (أ).
د- تلتزم الحكومة الاتحادية ومحافظات اقليم كردستان عند حصول زيادة في الكميات المصدرة المذكورة في المادة (1 - أولاً - ب) من قانون الموازنة بتسليم الايرادات المتحققة فعلاً لحساب الخزينة العامة للدولة.

صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...