في كل مقابلة صحفية يكرر عادل عبد المهدي نفس التبريرات التي يسوقها لتبرير صمته عن سرقة إدارة إقليم كردستان لواردات النفط المصدر المستخرج من محافظات الإقليم ونينوى وكركوك، والذي يصدّر بواسطة الصهاريج والخط الستراتيجي عبر الأراضي التركية.
يستثمر عادل عبد المهدي عدم اطلاع المواطن العادي على تفاصيل "قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2019". ولا أجافي الحقيقة إذا وصمتُ إعلاميينا بالجهل بالقانون المذكور. فحين يتناول الاعلاميون ملف واردات نفط الإقليم، يستنسخ عبد المهدي نفسه ويعيد نفس الأجوبة على مسامع محاوريه الذين لا يجيدون سوى هز الرؤوس تعبيراً عن الرضا والقبول. فيذهب الحق ويغلق المحضر.
يواري عادل عبد المهدي محاباته لإدارة الإقليم عبر الادعاء بأن الحكومة المركزية لا تدفع للإقليم سوى رواتب موظفي الإقليم باعتبار أن مواطني الإقليم عراقيون ومن واجب الحكومة المركزية تأمين العيش الكريم لهم أسوة بأقرانهم في المحافظات الأخرى. ويتم اقتطاع مبلغ المئتين وخمسين ألف برميل من حصة الإقليم في باقي فقرات الميزانية [1].
اتصل بي صديق عزيز يسكن احدى محافظات الإقليم ليخبرني بإعجابه وتقديره لمقال سابق [3] كتبته عن تواطؤ عادل عبد المهدي مع العائلات الحاكمة في الإقليم التي تستولي على واردات نفط الإقليم وتودعها في حسابات خاصة بعيداً عن ميزانية الإقليم أو الميزانية المركزية. وأكد بأن الغالبية الساحقة من مواطني الإقليم من غير المتحزبين يرفضون تواطؤ عادل عبد المهدي وتغطيته على سرقات العوائل الحاكمة، «فبدل أن يقتطع عادل عبد المهدي الأموال من أبناء الجنوب المحرومين من الكهرباء والماء الصالح للشرب ويسلمها لإدارة الإقليم تحت ذريعة دفع رواتبنا، عليه أن يلزم تلك الإدارة بتأمين رواتبنا من واردات الإقليم التي تذهب الى حسابات العوائل السرية في سويسرا وإسرائيل وأمريكا».
يضيف محدثي الذي يعمل موظفاً، بأن موظفي الإقليم بالكاد استلموا راتب شهر نيسان لحد يومنا هذا (14 آب 2019). أي أنهم لم يستلموا رواتب أيار وحزيران وتموز بعد. وأنه ليس هناك يوم ثابت لتسليم الرواتب. ويستغرب مواطنو الإقليم عدم متابعة الحكومة المركزية لعملية تسليم الرواتب.
حين أوقف رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي صرف رواتب موظفي الإقليم، امتنعت إدارة الإقليم عن دفع رواتب الموظفين من واردات النفط. وبقي الموظفون يعانون الأمرّين، الأمر الذي دفع الحكومة المركزية إلى إعادة صرف الرواتب من الميزانية المركزية. فواردات نفط الإقليم ليست لمواطنيه.
يقول عبد المهدي في معرض دفاعه عن استيلاء الإقليم على واردات النفط قائلاً «ستقولون إنّ الإقليم يصدر أكثر من 250 ألف برميل يومياً، هذه إشكالية تحتاج إلى حل، فهذه إشكالية لم تتطرق لها الموازنة. وهذه تحتاج إلى حوار وبحث مع الإقليم لتسليم واردات كل الكمية المصدرة كما تعتقد الحكومة الاتحادية. لكن للإقليم وجهة نظر يحاور بها ويستند فيها إلى الدستور وإلى السنوات الماضية. وهذا الخلل مردّه عدم إقرار قانوني النفط والغاز وتوزيع الموارد المالية. وبقي كل طرف يفسر الدستور على طريقته دون أن نصل إلى نتيجة» [1].
إن الأمر ليس كما يقول رئيس الوزراء، فقانون الموازنة حدد بمنتهى الوضوح مآل واردات نفط الإقليم. وكما يلي:
1) تبين الفقرة (1 – أولاً – ب) من القانون أن إقليم كردستان ملزم بتصدير ما لا يقل عن 250 ألف برميل يومياً، على أن تلتزم محافظات اقليم كردستان بتسليم الايرادات المتحققة فعلاً لحساب الخزينة العامة للدولة عند حصول زيادة في الكميات المصدرة المذكورة [2].
2) ألزمت الفقرة (10 – ثانياً – د) محافظات إقليم كردستان تسليم أية إيرادات إضافية تتحقق عند حصول زيادة في الكميات المصدرة عن المئتين وخمسين ألف برميل يومياً، لحساب الخزينة العامة للدولة [2]. (لمزيد من التوضيح، أرفقتُ النصوص المتعلقة من قانون الموازنة الاتحادية في نهاية هذا المقال).
مِنْ غير المعقول القبول بفرضية جهل رئيس الوزراء بقانون الموازنة العامة. ومن غير المعقول تصديق فكرة أن لا أحد من مستشاريه أو الوزراء والمدراء العامين المعنيين لم ينبهه إلى خطل طرحه. إنّ قراءة متأنية لتصريح رئيس الوزراء تكشف للقارئ أن الأخير يلعب دور محامي الشيطان، أولاً عبر انكاره وجود مادة قانونية تلزم الإقليم بتسليم كافة الواردات البترولية للميزانية المركزية، بغض النظر عن إقرار قانون النفط من عدمه. وثانياً عبر تبريره بلطجة حكومة الإقليم «لأن لها وجهة نظر دستورية» تسمح لها بعدم تسليم المبالغ المذكورة للميزانية المركزية.
لم يغفل قانون الموازنة أي حق من حقوق الإقليم المالية. كما لم يغفل التذكير بواجباته. حيث أوجب القانون تسوية "المستحقات بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية للسنوات 2004 ولغاية 2018 بعد تدقيقها من قبل ديوان الرقابة المالية الاتحادي" (المادة 10 – أولاً) [2].
كما أوضحتُ في مقال سابق، لا تكاد تتعالى الأصوات المنددة باستبداد إدارة الإقليم وتقاعس عادل عبد المهدي، حتى تخفت من جديد بإرادة حكومية وإعلامية وإقليمية ودولية. رغم ذلك، يحصل أن يخرق نائب هنا أو اعلامي هناك التعتيم المضروب على هذا الظلم الذي يكلف ميزانية الدولة حوالي (40000000) أربعين مليون دولار يومياً. لقد شاهدتُ تصريحاً للنائب علي العبودي يقول فيه إنّ «الوزارات السيادية لا ينبغي أن يغيب دورها في الإقليم. وكذلك مجلس النواب؛ يجب ألا يغيب دوره الرقابي في الإقليم. وزارة النفط لا تعرف كمية النفط التي يصدرها الإقليم، سواء مروراً بالعدادات أو بواسطة الصهاريج التي لا أحد يعرف أعدادها إلا الله والراسخون في العلم. نحن لا نعرف شيئاً عن الإيرادات المالية المتحققة من المنافذ الحدودية. إن دورنا (كنواب عن الشعب) مشلول. ليس فقط في كردستان، بل حتى في المحافظات الجنوبية التي فيها الكثير من الاستهتار. نحن نكتفي بالتفرج على هذا المشهد المؤلم. إذا لم نبتعد وننسلخ من سطوة (قادة) الكتل ونرعى مصالح البلد، فنحن نتقمص دور الخائن دون دراية منا» [4].
إنّ عادل عبد المهدي ليس سوى حلقة في سلسلة السماسرة المتواطئين من رؤساء الوزارات السابقين والوزراء ورؤساء الكتل والعوائل المهيمنة على القرار السياسي في العراق.
المصادر:
[1] المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء. رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي في حوار مع وسائل الاعلام العراقية والاجنبية 9 / 8 / 2019. (9 آب 2019).
[2] الوقائع العراقية – الجريدة الرسمية لجمهورية العراق. قانون رقم (1) الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2019. (العدد 4529 في 11 شباط 2019).
[3] الحوار المتمدن. احمد هاشم الحبوبي. نفط الإقليم والحكومة المركزية المتخاذلة. (5 آب 2019).
[4] موقع فيسبوك. إعلام النائب علي العبودي. (13 آب 2019).
ملحق: نص الفقرة ب من المادة (1) والمادة (10) من قانون الموازنة الاتحادية لعام 2019 ذات العلاقة بالمقال:
المادة 1 - أولاً - ب من قانون الموازنة الاتحادية لعام 2019: «احتساب الإيرادات المخمنة من تصدير النفط الخام على أساس معدل سعر 56 دولار (ستة وخمسين دولار) للبرميل الواحد ومعدل تصدير قدره (3880000) برميل يومياً (ثلاثة ملايين وثمانمئة وثمانون ألف برميل يومياً بضمنها (250000) برميل يومياً (مائتان وخمسون ألف برميل يومياً) عن كميات النفط الخام المنتج في اقليم كردستان على أساس سعر صرف (1182) دينار لكل دولار وتقيد جميع الإيرادات المتحققة فعلاً إيراداً نهائياً لحساب الخزينة العامة للدولة» [3].
المادة - 10-
أولاً: تتم تسوية المستحقات بين اقليم كردستان والحكومة الاتحادية للسنوات 2004 ولغاية 2018 بعد تدقيقها من قبل ديوان الرقابة المالية الاتحادي وذلك باحتساب حصة إقليم كُردستان في ضوء المصاريف الفعلية للسنوات السابقة التي تظهرها الحسابات الختامية المصادق عليها من ديوان الرقابة المالية الاتحادي.
ثانيـاً:
أ- تلتزم حكومة اقليم كردستان بتصدير "ما لا يقل" عن (250000) برميل (مائتين وخمسين ألف برميل نفط) خام يومياً من النفط الخام المنتج من حقولها لتسويقها عن طريق شركة (سومو) وعلى ان تسلم الإيرادات النفطية الى الخزينة العامة للدولة حصراً.
ب- تخصص نسبة من تخصيصات القوات الاتحادية للجيش العراقي إلى رواتب قوات البيشمركة للقوات المذكورة بوصفها جزء من المنظومة الأمنية العراقية.
ج- تلتزم الحكومة الاتحادية بدفع مستحقات اقليم كردستان بما فيها تعويضات موظفي الاقليم ويستقطع مبلغ الضرر من حصة الاقليم في حالة عدم تسليمه للحصة المقررة من النفط في البند (أ).
د- تلتزم الحكومة الاتحادية ومحافظات اقليم كردستان عند حصول زيادة في الكميات المصدرة المذكورة في المادة (1 - أولاً - ب) من قانون الموازنة بتسليم الايرادات المتحققة فعلاً لحساب الخزينة العامة للدولة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق