الأحد، 13 مايو 2012

فساد الموظفين الصغار



الرشوة صارت بابا من ابواب الرزق، الغالبية الساحقة ترشي والغالبية الساحقة ترتشي


   سَوَّدنا أعداد لا تحصى من الصفحات عن المسؤولين الكبار، إلا أننا لا نتابع بنفس الاهتمام فساد الموظفين الصغار، فهؤلاء لا يتبوءون مناصب عليا ولا يعيشون في المنطقة الخضراء، بل يعيشون بين ظهرانينا كأهل وأقرباء وجيران وأصدقاء، يقومون بتلك الأعمال الوضيعة التي توارثوها جيلاً فجيلا منذ أيام الدولة العثمانية وصولا لموظفينا الجدد الذين بدأ بعضهم مشواره الوظيفي بدفع الرشوة من أجل الحصول على الوظيفة، وبعض هذا البَعْض عاقد العزم على استرداد ما دفعه أضعافا مضاعفة عبر ابتزاز المواطنين.


   خلالَ يوم واحد بتاريخ 16/3/2011، قرأتُ في صحف ومواقع الكترونية مختلفة أربع حالات فساد من العيار الثقيل أبطالـُها موظفون حكوميون، فقد نَشَرَت جريدة "الشرق الأوسط" السعودية تحقيقا صحفيا أعده السيد حمزة مصطفى تناول فيه قضية تزوير الشهادات الدراسية، وبالذات شهادة الإعدادية. وبَيـَّنَ كاتب التحقيق ان مَنْ يتولى هذه العملية سمسار يُنَسِّقُ بين طالب الشهادة "وموظفات وموظفين في بعض دوائر التربية ممن يكونون مسؤولين عن القيود الرئيسية، حيث يتم الاستيلاء على درجات طالب ناجح في سنة معينة وبطريقة إلكترونية ويضاف الاسم الجديد ومن ثم تمر العملية عن طريق مدير مركز التصحيح الامتحاني الذي يصل أجره مقابل هذه العملية إلى 300 دولار، ومن ثم مصحح الدفتر الامتحاني الذي يبلغ أجره 1500 دولار لكل شهادة، حيث إنه مطلوب منه تسليم درجة وليس دفترا امتحانيا وتكون حصة السمسار من هذه العملية 600 دولار عن كل شهادة". واغلب الزبائن هم مواطنون يرومون الحصول على وظيفة في إحدى دوائر الدولة. ومن ضمن الزبائن أعضاء في البرلمان ومحافظين ورؤساء مجالس محافظات ومديرين عامين كما بيّنَ النائب طلال الزوبعي.

   امّا الموقع الالكتروني لوكالة "أنباء النخيل"، فقد نقل تحقيقا صحفيا مترجما عن صحيفة "الغارديان" البريطانية يتحدث عن تجارة الأطفال في العراق. وكشف التقرير ان 150 طفلا عراقيا يباعون سنويا في السوق السوداء لأغراض التبني أو لاستغلالهم جنسيا أو للمتاجرة بأعضائهم. وتقوم العصابات المختصة باستخدام وسطاء يتخفون كموظفين في مؤسسات غير حكومية يتولون إقناع الأُسَر ببيع أطفالهم ولتسهيل نقل الأطفال إلى الزبائن. ونقلت "الغارديان" عن تاجر أطفال عراقي ان أسعار الأطفال في العراق ارخص من بلدان أخرى ونقلهم أسهل بسبب استعداد الموظفين الحكوميين لإصدار الشهادات والوثائق الثبوتية الضرورية.

   وفي موقع وكالة "أنباء المستقبل"، قرأتُ خَبـَرا عن إلقاء القبض على ضابط برتبة عقيد في مديرية شرطة النجف مُتَلَبِّساً بتعاطي الرشوة نظير قيامه بغلق مجلس تحقيقي تم تشكيله بحق شخص قام هو بنفسه بإبلاغ هيئة النزاهة عن العقيد الفاسد والوسيط الذي يعمل مفوضا في نفس المديرية. وفي محافظة صلاح الدين، الـْقِيَ القبض على احد أفراد حماية مدير السفر والجنسية مُتَلَبّساً بتعاطي الرشوة.
نحن أمام جرائم خطيرة تهدد البنية التحتية للمجتمع، انها أشبه بتلاعب خبيث في الجينات سيؤدي إلى عواقب كارثية يصعب تدارك تداعياتها. وليس بعيدا عن هؤلاء يقف المهندس المرتشي الذي يتغاضى عن أعمال مخالفة للمواصفات، أو الضابط المرتشي الذي يُطْلِق سراح مجرم أو يساوم موقوف على حريته رغم ثبوت براءته.

   ان أطراف الفساد هم عادة الموظف والمواطن، ويدخل الوسيط [= السمسار أو المعقّب] الذي ينظم العلاقة بينهما أحيانا إذا كانت العملية كبيرة. فالموظف يريد استغلال موقعه الوظيفي لأغراض الكسب غير المشروع، والمواطن يدفع امّا لتوفير الوقت والجهد، أو لتجاوز السياقات الأصولية، أو طمعا بالحصول على خدمة لا يستحقها، أو انه يدفع مضطرا لأن هناك موظفا لا يقوم بواجبه الاّ مقابل إتاوة. وتحول دفع الرشوة إلى سُنّة بعدَ ان بات من المستحيل انجاز أية معاملة في دوائر بعينها بدون رشوة. وابتكرت بعض الدوائر طرقا جديدة في التكسب على حساب المواطن عبر بيع استمارات مجانية أو جباية مبالغ كرسوم دون تحرير وصولات نظامية بها.

   أقـَرَّت السلطات زيادات كبيرة على رواتب الموظفين، وهو أمر جعل الوظيفة الحكومية قِبْلَةَ أكثر من تسعين بالمائة من العراقيين. وكنت أظن ان ذلك سيؤدي حتما إلى الحد من الرشوة على اعتبار ان الرواتب العالية ستؤمن للموظف متطلبات العيش بكرامة دون ان يضطر لتعاطي الرشوة. ولكن للأسف لم تجري الأمور كما هو متوقع. تجادلتُ مع موظف مرتشٍ وسألته لماذا يفعل ذلك رغم الراتب الكبير الذي يتقاضاه، فأجابني بتعالٍ؛ على الرشوة ان تتناسب طرديا مع الراتب.

   لا تستطيع الحكومة ان تصلح أي شيء دون تعاون صادق وجـِدّي من قبل المواطن، المعني الأول بالموضوع. وانني احيي كل من يقوم بالتبليغ عن المرتشين وفضحهم. كيف تستطيع الحكومة إصلاح العلاقة المشوهة بين الموظف والمواطن المتضرر إذا كان الأخير يدفع بكل امتنان ودون أي تردد، ويسكت عن الموظف الفاسد بداعي عدم رغبته في قطع "أرزاق" الآخرين.

هناك تعليق واحد:

  1. يقول رئيس «حزب الشعب الجمهوري» التركي كمال كيليتشدار اوغلو إن الفساد يتطلب وجود «ثلاثة أطراف متواطئة هي: سياسة قذرة وموظف قذر بخدمتها ورجل أعمال قذر. ومن دونهم معا لا يمكن القيام بالفساد».

    ردحذف

صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...