الثلاثاء، 8 مايو 2012

الدور العربي في العراق


مقال منشور بتاريخ 04-12-2009




بعد كل نائبة تـنزل علينا، يطرق أسماعنا الثلاثي الأزلي؛ حزب البعث وتنظيم القاعدة ودول الجوار. وفي العادة يكون المقصود بدول الجوار إيران والعرب. ومن السهل على المتابع ان يفهم من هو المقصود من دول الجوار تبعا للجهة التي تبث شكواها. وارى انّ مِنَ المهم جدا ان نتناول بالبحث الدور العربي في العراق الحالي، خصوصا وان الاصوات عادت تتعالى بالشكوى من تعاظم التاثير العربي في الانتخابات النيابية القادمة عبر تمويل مشروع إعادة البعثيين للسلطة في العراق ودعم ترشيحهم في الانتخابات التشريعية.


   ولوجود بعض أوجه الشبه المهمة، في البدايات، بين عراق اليوم وعراق ما بعد الرابع عشر من تموز عام 1958 في عهد عبد الكريم قاسم. " فقد كان الضباط (العراقيون) الأحرار ومن آزرهم من أفراد القوات المسلحة مجموعة غير متجانسة ومتباينة جدا ولكن يوحدهم هدف واحد هو إسقاط النظام القديم، وافتقد رجال السلطة الجديدة الخبرة ووحدة العقيدة وبالنتيجة فان قضايا أساسية مثل من يقود وما هو شكل النظام الحكومي والسياسي الذي يجب تطبيقه بقيت دون حلول"، الأمر الذي أدى إلى بروز الخلافات بين عبد الكريم قاسم  الوطني العراقي وعبد السلام عارف القومي الوحدوي في الأيام الأولى التي تلت الانقلاب، "وأصبح الصراع على السلطة مركزا بشدة حول الحصول على دعم القوى الشعبية الكبيرة". وكان الحزب الشيوعي العراقي والمتعاطفون معه "اكبر قوة سياسية في العراق بعد الثورة مباشرة، وكانوا قادرين على توجيه مشاعر الجماهير الحاشدة في شوارع بغداد"، وكان الشيوعيون العراقيون [والسوريون  ايضا] غير متحمسين بِالمَرّة للجمهورية العربية المتحدة، وهو بالضبط ما لم يكن قاسم مؤمنا به ايضا، فاختار ان يتحالف معهم رغم انه كان" اصلاحيا اكثر منه ثوريا".
   فوقف جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة بكل قواه بالضد من قاسم واعتبره ألعوبة بيد الشيوعيين. وتمكن عبد الناصر من إسقاط نظام حكم قاسم، من خلال دعمه لحَمَلـَة لواء الوحدة العربية اللذين راقوا لجمال لأنهم قدموا أنفسهم كبؤرة رئيسية في مجابهة الشيوعيين، فظفروا بالدعم العربي  اللازم لمشروعهم الانقلابي على قاسم بل وضمنوا استمرار هذا الدعم ودوامه، "حيث كانت القومية العربية والوحدة مجرد شعارات تكتيكية وان الوحدة لم تكن أكثر من عصا يمكن بواسطتها جلد الشيوعيين وهي لم تكن هدف سياسي أو خيار أصليان، فقد كانت هي الرمز وليس الجوهر في المجابهة بين الشيوعيين ومعارضيهم".
ورغم ان قوميي السلطة العراقيين لم يخطوا أية خطوة وحدوية جدية طوال الأربعين عاما التي تبوؤوا فيها السلطة في العراق منذ عام 1963 إلى عام 2003، إلا أنهم حظوا برضا المنظومة العربية إلى حد بعيد لأنهم أدوا الواجب المناط بهم وهو تنحية الحزب الشيوعي عن الواجهة، وهذا الامر لم يكن مطلبا ناصريا فقط بل كان مطلبا عربيا وايرانيا ودوليا.


وبعد الثورة الإيرانية، قدم النظام السابق نفسه حارسا لبوابة الوطن العربي الشرقية من الخطر الإيراني (الذي كان حقيقيا)، وخاض العراقيون والإيرانيون حرب ضروس وطويلة حظي العراق خلالها بدعم عربي (ودولي) لا محدود. وقد انتهت بتحجيم الرغبة الإيرانية في إقلاق النسيج الاجتماعي للدول العربية. أما بعد ما بعد العام 2003، فقد اختار العراق الجديد، الانفتاح على ايران التي يعتبرها غالبية العرب القوة الاقليمية الاكثر خطرا على نظمهم السياسية والاجتماعية. ولا أغالي حين اقول انهم [العرب] يعتبرونها [إيران] اشد خطرا عليهم من اسرائيل.
ان العرب قلقين جدا من الجو الايجابي الذي يسود العلاقات العراقية ـ الايرانية، فبعد ان كان العراق، على مدى قرون عديدة، سدا منيعا يحميهم من الجارة اللدودة ايران، يراقب العرب بقلق الانفتاح العراقي على إيران واعتبروه  بداية لحصول الايرانيين على حدود برية معهم.


   وأما القلة القليلة من العرب اللذين لا يخشون التهديد الايراني، فقد ارعبهم الجو الديمقراطي الجديد في العراق (رغم ما فيه من انفلات وسلبيات)، فبعد ان اعتاد الحكام العرب ان يعاملوا كظل الله في الأرض، الأمر الذي جعلهم معصومين من الخطأ والزلل والنقد، فانهم يراقبون ـ بقلق ـ كيف ان النقد لا يوفر احدا من المسئولين العراقيين من قمة السلطة الى أدناها. وهذا أمر تركه العرب منذ الدولة الاموية. لا اقصد من هذا ان اقول ان كل ما يجري في بغداد هو امر ايجابي، بل ان هذا هو ما يجري فعلا، وهو ما لم ولن يرض به العرب إطلاقا.


رغم ان العرب، كعادتهم، مختلفين على كل شئ، الا انهم متحدين ومتفقين تماما في موقفهم السلبي من التجربة العراقية الجديدة، فحين اختلف السوريون والسعوديون على كل شيء منذ العام 2006، لكنهم كانوا ومازالوا متفقين تماما حول الموقف من العراق. 
نحن بحاجة ماسة لصياغة رسالة عراقية تطمئن العرب فيما يخص ايران، ولكن، لست ادري كيف سنطمئنهم من عدم انتقال عدوى الديمقراطية. اننا ندفع الان ثمن فوضى الديمقراطية، وادعو ان تنتقل إليهم [العرب] بشكل سلمي وهادئ.
ملاحظة: كل ما بين هلالين مزدوجيْن، مُقْتَبَسٌ من كتاب (من الثورة إلى الدكتاتورية ـ العراق منذ 1958)، لمؤلفيْه؛ ماريون سلوغلت وبيتر سلوغلت، ترجمة: مالك النبراسي ـ منشورات الجمل 2003.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...