الثلاثاء، 22 مايو 2012

وعود النواب ... هواء في شبك - الرواتب والامتيازات



مقال منشور بتاريخ 07-02-2011. أعيدُ نشره بالتوازي مع قرار جديد لمجلس النواب العراقي بتخصيص أراض سكنية لنواب الشعب في أغلى وأجمل مناطق بغداد. لقد اقر مجلس النواب القرار المذكور غير عابيء بمعاناة العوائل التي باتت تتكدس في غرف صغيرة لا توفر أية خصوصية او رفاهية لافراد الأسرة.

فكرت أن أُشَبـِّهَ النواب والمسؤولين اللذين لا حَـدَّ لجشعهم بالخنازير، إلاّ أنني ترددت وتراجعت عن ذلك، فللخنزير فوائد عديدة، بينما الجماعة بدون أية فائدة. لهذا قررت ان اسمهيم بالصراصير، واخترت ُحيدر الملا شيخا للصراصير طالما انه اول المطالبين بالامتيازات.

اترككم مع المقال القديم الجديد.


ألـْزَمَ أعضاءُ مجلس النواب العراقي نفسهم بمعالجة ملف رواتب بما تضمه من ذوي الدرجات الخاصة ونواب ووزراء ورؤساء [= الطبقة الحاكمة] لتقليل الفارق بينهم وبين بقية موظفي الدولة. وشَغِلَ هذا الملف موقعا مهما في برامج النواب الانتخابية.

وما عَلـِقَ في ذاكرتنا من مراوغات مجلس النواب السابق فيما يخص هذا الملف يَدْفـَعُنا إلى ان نُشَكّكَ بمصداقيةِ تَعُهُّد المجلس الحالي بإجراء إصلاحات جدية في هذا الملف. حيث اقرّ مجلس النواب السابق زيادة على رواتب أو مخصصات النواب، وبعدها بفترة وجيزة أجرى نفس المجلس تخفيضا على رواتب النواب لا يرقى أبدا إلى الزيادة التي سبقته. وطبعا تمت الإشارة والتنويه بالتخفيض، دون ان يحصل ذلك حين أقرت الزيادة.

واستمعنا، خاشعين، لتنديداتٍ من نواب بالرواتب العالية التي يتقاضونها عبر وسائل الإعلام، الاّ اننا لم نسمع ان أحدا منهم طالب بتخفيض الرواتب تحت قبة البرلمان، بل ان النواب طالبوا بمساواتهم بالوزراء فيما يخص توزيع قطع الأرض السكنية التي اقرها مجلس الوزراء لأعضائه ولموظفي الخمس نجوم الآخرين. وحجة مجلس النواب كانت قانونية؛ لأنهم سنّوا قانونا يساوي رئيس المجلس ونائبيه وعضو البرلمان برئيس الوزراء ونوابه والوزراء على التوالي في الامتيازات. وبعد قيل وقال، استلم الجميع أراضيهم في أحلى بقعة في بغداد وقرب ضفاف نهر دجلة الخالد. وهذا ليس أمر مقتصر على طبقتنا الحاكمة الحالية، فمنذ أيام هارون الرشيد كان ولاتنا يحرصون على الإقامة على ضفاف النهر. ولكنهم جميعا ذهبوا ولم يَبْق سوى النهر والأرض التي تعود ملكيتها المرة تلو الأخرى إلى الشعب.

تشكو وزارة التربية من عدم وجود أراضٍ كافية لبناء مدارس جديدة عليها. وتؤكد الوزارة ان مناقلة ملكية الأراضي بين الوزارات أمر شبه مستحيل بسبب تمسك كل وزارة بما لديها من أراض. وفي خضم هذه الأزمة يُنَسِّبُ مجلس الوزراء بتخصيص قطع ارض سكنية لموظفي الدرجة الأولى في الحكومة. وبدلا من استثمار ما متوفر من ارض لدى أمانة بغداد لحل الاختناق الحاصل في مدارس بغداد، تـُقَرِّرُ الطبقة الحاكمة تـَوزيعَ هذا الفائض على كبار المسئولين ويتركون التلاميذ والطلاب يكابدون الأمَرَّيْن في مدارسهم.

كان من الممكن ان تقايض الجهات المسئولة تلك الأراضي مقابل أراض أخرى تابعة لوزارات أخرى، أو ان تعرضها للبيع بأسعار السوق وتشتري بأثمانها أراض لتبنى عليها مدارس جديدة في المناطق المكتظة. انّ أبناء الطبقة الحاكمة باتوا من أثرياء البلد، وكان من السهل عليهم ان يشتروا تلك الأراضي نقدا أو بالتقسيط، خاصة وان رواتبهم ممتازة وتقاعدهم فوق الممتاز بغض النظر عن المدة التي يقضونها في الخدمة.

ليس من المعقول ولا من المقبول ان أحظى أنا حين كنت تلميذا في سبعينيات القرن الماضي بصف نظيف وواسع وبرحلة كبيرة كانت تكفيني أنا وزميلي الذي يشاركني نفس الرحلة، في حين ان أبناءنا في المرحلة المتوسطة يتكدسون الآن في صف متسخ وضيق، وكل ثلاثة فتيان يتقاسمون رحلة واحدة. وضيق المساحة المتاحة يعيقهم عن الكتابة على نفس الرحلة، فيضطر احدهم إلى الجلوس على الأرض لإفساح المجال لزميليه الآخرين. والحال ليست أفضل في المدارس الابتدائية والإعدادية.

ويعلم القارئ الكريم جيدا، ان ثمن ارض مساحتها أكثر من أربعمائة متر مربع في منطقة جيدة في بغداد، لا يقل أبدا عن النصف مليار دينار. امّا ثمن بيت في المنطقة الخضراء فهو أكثر بأضعاف مضاعفة من ثمن الأرض. ان الرواتب المرتفعة (والتقاعد المرتفع) والامتيازات الضخمة التي يقتطعها أبناء الطبقة الحاكمة لأنفسهم، وفقا للقانون، تسببت في تراكم ثروات هائلة لديهم، الأمر الذي حولهم إلى طبقة أثرياء ومتنفذين في آن واحد. وظهر ذلك جَلِيّاً أثناء حملاتهم الانتخابية، فإذا تغاضينا عن اتهامات التمويل الخارجي، فقد سَمعْتُ (عبر وسائل الإعلام) احدهم يقول ان حملته الانتخابية لم تكلفه سوى مائة وخمسين مليون دينار. وصرح آخر بأن حملته الانتخابية لم تكلفه "سوى مبلغ زهيد" لم يتجاوز المائتين وخمسين ألف دولار أي اقل بقليل من ثلاثمائة مليون دينارا. وهذان السيدان لم يجانبا الحقيقة، فقد تكلفت حملات أشخاص آخرين أضعاف تلك الأرقام، ولكنها، بالنسبة لغالبية أبناء الشعب، تُعْتـَبَرُ أرقاما فلكية تفوق حتى ما يراودهم في أحلامهم.

والملفت للنظر، هو إجماع كافة أبناء الطبقة الحاكمة على إبقاء رواتبهم وامتيازاتهم طي الكتمان رغم محاولات بعض الإعلاميين في كشف تفاصيلها. الاّ ان النتيجة كانت دائما الصد والامتناع عن إعطاء كل التفاصيل. وحتى اللذين أمسوا خارج الحكومة أو المجلس، مازالوا يمتنعون عن الإدلاء عن تفاصيل رواتبهم ومخصصاتهم. ويعود ذلك لأنهم يتقاضون رواتب تقاعدية ضخمة تقلّ قليلا عن رواتبهم التي كانوا يتقاضونها أثناء الخدمة. ويسري الأمر على الامتيازات الأخرى. ومن الإنصاف ان أشير إلى ان بعض النواب والمسئولين قد كسروا حاجز الصمت وأفصحوا ببعض المعلومات عن رواتبهم. ولكننا إلى يومنا هذا، نفتقر أرقاما وبيانات رسمية تكشف تفاصيل الرواتب والمخصصات والامتيازات.

وآخر من كسر حاجز الصمت حول هذا الأمر هو رئيس الوزراء السيد نوري المالكي الذي كشف عن راتبه، وفوق هذا، فانه اتخذ قرارا شخصيا بتخفيض راتبه إلى النصف. وأوضح المالكي انه لا يعرف بالضبط كم تبلغ رواتب الرئاسات الأخرى. ولكنه أكد المعلومة المهمة التي نعرفها وهي ان الراتب التقاعدي للمسئول يمثل خمسا وسبعين بالمائة من راتبه الذي يتقاضاه أثناء الخدمة بغض النظر عن المدة.

لقد رحب عددٌ من النواب بما أقدم عليه المالكي من إجراء رائع وشجاع، ولكنهم، لم يقدموا على أي إجراء مشابه، متذرعين بأنهم بانتظار صدور قانون ينظم رواتبهم، متناسين انهم هم من ينبغي ان يصدروا هكذا قانون.

منذ البداية، لم اتفق مع الدعوات المتصاعدة لتخفيض رواتب أبناء الطبقة الحاكمة، لأني اعتقد انها ستحصنهم ضد أطماع استغلال السلطة وإغراءات الرشوة والفساد. ورغم انها [الرواتب العالية] لم تؤتي أُكـُلَها وأخْفَقَتْ في تحصين البعض، الاّ انها أفلحت في توفير مناعة دائمة لدى البعض الآخر، عززها معدنهم الأصيل والقيم التي يؤمنون بها. الاّ ان المشكلة الكبرى تكمن في غياب القوانين التي تنظم تلك الرواتب وتحدد سقوفها إلى يومنا هذا، مما أتاح لهم ان يقروا لنفسهم ما يشاءون من زيادات وامتيازات دون ان يخشوا أية رقابة من أية جهة طالما بقيت تلك القوانين غائبة. ان هذا الغياب حَوَّلَ الجهات التي يفترض ان تكون رقيبة على هكذا تصرفات مشينة وان تحرس أموال الدولة، حَوَّلـَها إلى شريك في الجريمة. ولكن، قانونا، ليس هناك أية جريمة، طالما ان القانون غائب وشريعة الغاب هي السائدة.

تحرص الحيوانات المفترسة على قتل فريستها قبل ان تلتهمها، الاّ كلاب الصيد الأفريقية، فهي لا تكترث لذلك، حيث انها تتكالب على فريستها وتبدأ بتقطيع أوصالها وهي على قيد الحياة تنزف وتتألم. امّا الكلاب فتواصل التلذذ بوليمتها الوحشية. ولـَكُمْ أيها القراء الكرام ان تحددوا مَن الفريسة وَمَنْ هم الكلاب. ولكم ان تقرروا من سَيُبْعَثُ من جديد وَمَنْ سَيَفـْنى ويَزول. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...