في كل لقاء صحفي مع رئيس الوزراء نوري المالكي وحين يسأل المحاور نوري المالكي عن سبب ضعف الخدمات وعجز الحكومة عن تحقيق اي اختراق في اي من ملفات الاعمار في العراق، يركز المالكي على محورين؛ الاول هو ما تحقق في عهده من تحسن أمني واعادة وصل اطراف البلاد التي قطعتها ظروف الحرب الاهلية، اما المحور الثاني فهو شكوى المالكي من عدم تعاون الشركاء ورفض مجلس النواب لمقترحه الأزلي في اقرار مشاريع الدفع الآجل.
وهذا امر بات يصيب المستمع بالملل واليأس معاً، فالمالكي ما برح يُذَكـِّرُ الشعب بالتحسن الأمني الذي لا يختلف عليه اثنان، ولكن الذي لا يختلف عليه اثنان ايضا هو ان هذا التحسن لم يصل لمرحلة الاستقرار التام، بل ان الوضع الأمني مازال هشا ومن الممكن ان يتبدد في اية لحظة، فالمبادرة مازالت بيد الارهاب وليس بيد قوات الأمن، والارهابيون قادرون على تنفيذ تفجيرات ارهابية متزامنة تشمل كل انحاء العراق احيانا. اضافة لقدرتهم على تصويب صواريخهم على اي مكان في بغداد، فكل الاجراءات الامنية التي اتخذت اثناء قمة بغداد لم تمنع من سقوط بضعة صواريخ على العاصمة.
اما ملف الاعمار، فإدارته فاشلة بامتياز، إذ تكفي مشاهد الخراب التي خَلـَّفَها القصف الامريكي سنة 2003 والتي مازالت تطالعنا في كل انحاء بغداد، فالاسواق المركزية مدمرة وكذلك بناية المطعم التركي التي عُلـِّقَ على جدارها المقابل لجسر الجمهورية صورة كبيرة جدا للاستاذ المالكي اثناء الحملة الدعائية للانتخابات النيابية الأخيرة، ومن سخرية القدر ان الصورة ثبتت بجوار فوهة كبيرة خلفها صاروخ امريكي اخترق جدار البناية.
بناية المطعم التركي التي تقع في قلب بغداد، مازالت آثار القصف الامريكي على جداره ماثلة للعيان كما يظهر في الصورة. تم نصب سقالات الترميم منذ مدة، ولكن ليس هناك اي عمل ماثل للعيان. |
لا ادري الى متى سيبقى رئيس الوزراء يشكو عدم تعاون شركائه، ثم اذا كان الرجل الاول في البلاد دائم الشكوى، فلمن يشكو الناس حالهم. لم تكن السنوات الست الماضية فترة وئام وود بين الكتل السياسية الحاكمة، وعادة ما كانت الاجواء متأزمة ومتشنجة، ولكننا لم نشهد موقفا حازما لرئيس الوزراء بالضد من احد وزرائه الفاشلين او المتلكئين ـ على كثرتهم ـ فهو لم يصر على اقالة او محاسبة اي منهم، فيما عدا حالة وزير الكهرباء السابق رعد شلال الذي تـُرِكَ ليستقيل كي يتمتع بامتيازاته وللتغطية على المجموعة الفاشلة والفاسدة التي تدير ملف الكهرباء منذ سنوات.
لا يستطيع الاستاذ المالكي ان يتذرع بأن حكومة الشراكة تقيد قدرته على المحاسبة، فقد اختار ان يفتح ملفات اشد خطورة بكثير؛ كتحريك الملف القضائي لطارق الهاشمي، وتجميد صالح المطلك وحـَرَّم عليه دخول المنطقة الخضراء، وقلب الطاولة بوجه مسعود بارزاني وفتح معه ملف تمدد الاقليم خارج حدوده وتهريب النفط والمنافذ الحدودية في آن واحد.
انا لا اريد ان اخلط الاوراق، فأنا لا اقصد توجيه اللوم للمالكي على ما فعله مع مسعود بارزاني الذي يريد ان يمتهن كرامة العراق، فهذا امر لا يقل خطورة عن اي من ملفات العراق الستراتيجية الاخرى، وأريد ان أسلمَّ بأن ملف الهاشمي فهو شأن قضائي لا يَدَ للمالكي فيه، اما ملف صالح المطلك هو ابرز الامثلة التي تؤكد قدرة المالكي على تنحية من يشاء من اعضاء وزارته بغض النظر عن حجم الكتلة التي تقف وراؤه. وليس بعيدا عن هذا امتناعه عن تعيين وزير دفاع لا يقتنع به، وأكرر ان هذا ضمن صلاحياته ايضا.
لو كان المالكي يخشى التصعيد او ضعيفا، لأختار تقسيط الأزمات، لكنه فتح النار على جبهة تضم اكثر من مائة واربعين نائبا دون ان يهتز له طرف. وهذا يعني ان شخصا قادرا على ادارة أزمات بهذه الضخامة والخطورة والتنوع لهو قادر على محاسبة وتنحية الفاشلين في وزارته بنفس الحدة وأكثر خاصة وإنّ الشعب كله سيقف معه في اجراء كهذا.
لا يفصلنا عن صيف 2013 الا سنة واحدة، وليس هناك ما يوحي ان الحكومة قادرة على البر بوعدها بتوفير الطاقة الكهربائية في البلد، بل ستبدأ مشاكل لها اول وليس لها آخر ابتداءا من ضعف شبكات النقل والتوزيع، الى عجز وزارة النفط عن توفير الوقود الكافي للمحطات الجديدة، الى سوء تنفيذ بعض المحطات المنجزة كما حصل مع محطة هيونداي التي اشتكى وزير الكهرباء من كثرة اعطالها. اذا كانت شركة هيونداي قد عميت عيونها في العراق ولم تنفذ المحطة بالشكل المطلوب، فَلـَنا ان نتخيل الحال الذي ستكون عليه بقية المحطات. ما لا تفهمه الحكومة ان الكهرباء ضرورية جدا لدوران عجلة الصناعة والانتاج في البلد كأهميتها لتوفير التبريد اثناء صيف العراق اللاهب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق