الخميس، 10 مايو 2012

اليوم الذي يلي سقوط نظام كوريا الشمالية - لا تغيير منخفض التكاليف





الصحفي الامريكي بيل كيلر- نيويورك تايمز





مقال للصحفي الامريكي بيل كيللر منشور في جريدة النيويورك تايمز بتاريخ 29-04-2012




"الشيء الوحيد الذي نعرفه جميعنا عن كوريا الشمالية هو أننا نعرف القليل، بخلاف أنها بائسة، شمولية، نووية وغير منضبطة. إنها مملكة الناسك، والجانب المظلم من القمر.


لكن بفضل آلاف اللاجئين الذين وصلوا إلى الحرية عبر أنفاق طويلة من سكة الحديد إلى الصين، بدأنا نعرف أكثر اليوم عن واقعها المظلم، وأن نفهم بطريقة أفضل كيف تتمكن الحكومة من الاحتفاظ بسلطتها الرهيبة، وأين مكامن الخلل في هذه السلطة. ويدور بين الذين يتابعون هذا البلد عن كثب نقاش حديث حول ما إذا كانت هذه الدولة الرهيبة قد شارفت على أيامها النهائية، وما علينا فعله حيال ذلك.


خلال الأسابيع الماضية، ركّزت وسائل الإعلام على الطاغية البالغ من العمر 29 عاماً كيم جونغ أون وهو يتابع مسار عائلته المعروف تاريخياً بالتهديد والوعيد. وجذب كيم اهتمامنا بعد أن أدى عن شرفة مرتفعة رقصة مهووس وهو يلوح ببندقية.


لكن القصة الأكثر إثارة للاهتمام كانت حول ما يجري تحت الأرض.


لقد فرغت للتو من قراءة كتاب "الهروب من المعسكر 14" للكاتب (المراسل السابق لصحيفة واشنطن بوست في شرق آسيا) بلاين هاردن، وهي قصة مؤلمة حول رحلة شاب من أحد معسكرات العمل الشاق الذي يضم حوالى 200 ألف "غير موثوق بهم سياسياً" وهي فئة تتضمن ليس فقط أولئك الذين يواجهون السلطة بل أقرباؤهم حتى الدرجة الثالثة وهم يرسلون إلى هذه المعسكرات لتجويعهم وتعذيبهم وإجبارهم بالعمل حتى يلقون حتفهم في النهاية. المعسكرات السياسية ليست سوى جزء من شبكة أوسع من مراكز الاعتقال المصممة لقمع أي إشارة عن الرغبة في الحرية. وتختلف قصة هاردن حول شين دونغ هيوك عن أفضل الروايات التي سبقتها "أحواض بيونغ يانغ" للكاتب كانغ شول هوان، و"لا شيء يحسد عليه" للكاتبة بربارة ديميك- لأن شين كان بجميع المعاني منتجاً من المعسكر 14. لقد ولد في المعسكر من علاقة اختارها قادة المعسكر بين زوج من السجناء، ونشأ لا يعلم عن هذا العالم الذي يتجاوز الأسوار المكهربة للمعسكر.


وإلى جانب كونها قصة مؤلمة مفاجئة، إلا أن كتاب هاردن يحتوي على كمية هائلة من المعلومات حول هذه الدولة المارقة. إنها تفسر كيف تمكن هذا النظام من الاستمرار لفترة أطول بكثير من الأنظمة الوحشية المماثلة له: أطول من هتلر، ستالين، ماو تسي تونغ وبول بوت. أدواته هي العزلة المفروضة، الخوف المنهك، الجوع المذل والاعتماد الكلي على الدولة. بعد أن أصبح مراهقاً، شاهد شين أستاذاً وهو يعاقب طفلة في السادسة من عمرها بالضرب حتى الموت لأنها أخفت خمس حبات من الذرة؛ لكن الأسوأ أنه خان والدته وشقيقه وشاهد عملية إعدامهما من دون أن يرف له جفن.


ومع ذلك، تمكن شين الذي لا يمكن اعتباره أستاذاً في فن الهروب، من الفرار من رقابة الدولة وأثناء مغامرته للوصول إلى الحرية التقى بآخرين ليس بمعنى الكلمة حرفياً إنما من منطق الممارسة- يتحدون النظام مثله. والذي يلفتك هو أن تعرف كيف أن قيود التوتاليتارية ينخرها الفساد، المقايضة والتسويق بما فيها تجاره متنامية عبر الحدود مع الصين. لا يزال نظاماً قمعياً، تعسفياً ووحشياً، لكنه غالباً وأكثر مما تتخيلون، يحتاج إلى التفوق على الخوف.


وما يعزز رواية هاردن هي الدراسات المنتظمة. عندما نشر دافيد هوك من لجنة حقوق الإنسان في كوريا الشمالية بحثه الأول عن معسكرات الاعتقال في النسخة الأولى من كتابه "معسكر الاعتقال المخفي" في العام 2003، كان هناك حوالى 3 آلاف كوري شمالي قد تمكنوا من اللجوء إلى كوريا الجنوبية، بمن فيهم عدد كبير من السجناء السياسيين السابقين. وعندما عاد إلى النسخة الثانية التي نشرت منذ فترة قريبة، وصل عدد اللاجئين الكوريين الشماليين إلى الجنوب إلى حوالى 23 ألفاً بمن فيهم المئات ممن عانوا من الاعتقال. والتقرير المنقّح يحتوي على تأريخ دقيق للرعب مدعّم بصور بواسطة "غوغل أرث" تظهر بوضوح معسكرات الاعتقال والعبودية كما العقارات التي يعرضها موقع "زيلو" العقاري على الإنترنت.


ومع ذلك، قال لي هوك إن "عدد الذين يريدون الإصلاح والانفتاح، وعدد الناس خارج نظام الدولة، إلى ارتفاع متزايد".


قبل 15 عاماً، عندما كان العديد من الأكاديميين الكوريين الشماليين يتوقعون أن مع نهاية حالة الإنعاش التي كان يوفرها الاتحاد السوفياتي السابق- لن يتمكن نظام بيونغ يانغ من الاستمرار، نشر ماركوس نولاند من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي مقالاً مضاداً في مجلة "فورين أفيرز" يشرح فيه كيف أن "كوريا الشمالية ستستمر". لقد كان محقاً في حينه، لذا يستحق الاستماع إليه عندما يقول في هذه الأيام إنه يشك بأن النظام ضعيف أكثر من أي يوم مضى. ويوافق نولاد معظم مراقبي الوضع الكوري الشمالي عن كثب، والسبب الواضح للشك في استقرار النظام هو زعيمه الجديد الذي يبدو أقل أهلية من والده وجده في إدارة سياسة الدولة البوليسية. لقد انتهت محاولته الأولى في إثبات رجولته من خلال إطلاق صاروخ بعيد المدى بفشل ذريع.


والأهم من ذلك، يرث كيم جونغ أون نظاماً، ينخر شرعيته كما كان دائماً، الفساد من أسفل إلى أعلى. ولدى مراقبي كوريا الشمالية تعبير يصفون فيه ما يبدو أنه يحدث، تجاره غير قانونية تقوّض الرقابة المركزية. يقولون "السوق يأكل الدولة".


وإلى جانب الغذاء، الألبسة والأدوات، وفرت التجارة عبر الحدود للكوريين الشماليين معلومات حول العالم الخارجي. لا يوجد في كوريا الشمالية إنترنت، لكن أجهزة الراديو المهربة، التلفزيونات، أجهزة دي في دي والأجهزة الخليوية أصبحت أكثر توافراً وتفوّقت على الترويج الحكومي للعبة المونوبولي.


وقال نولاند "لم تتم مناقشة الربيع العربي في كوريا الشمالية، لكن في الأسواق، يتحدث الناس كثيراً عن مصر".


لا تتوقعوا انتفاضة شعبية من هذا النوع في كوريا الشمالية. لا توجد أعداد منظمة من الشباب الذين يملكون حسابات "تويتر" ولا "أخوان مسلمين". وكما قال لي أحد المراقبين لكوريا "الناس الذين يعيشون على 800 سعرة حرارية في اليوم لا يملكون الحيوية المطلوبة لمواجهة النظام". وأكثر السيناريوات ترجيحاً هو نوع من الانهيار نتيجة قتال داخلي، انقلاب عسكري أو صراع عسكري مع واحدة من دول الجوار.


وإذا كان النظام حقاً يترنح، فقد نكون ركزنا على الأسئلة الخاطئة حول كوريا الشمالية.


ويسأل فريق المدافعين عن التواصل مع كوريا الشمالية: كيف يمكننا إغراءهم بالعودة إلى الطاولة (المفاوضات) لكي نقنعهم بنزع سلاحهم النووي؟ أنا من مؤيدي الحل الديبلوماسي، وسوف أسر جداً في حال التوصل إلى سلام جدي. لكن القادة الكوريين الشماليين أثبتوا لغاية اليوم أن لا نية لديهم للتخلّص من برنامج أسلحتهم، ولا يمكن الوثوق بهم للوفاء بمقايضة.


ويسأل فريق المطالبين بتغيير النظام: أين يمكننا الضغط لتسريع انهيار النظام؟ يمكننا تشديد العقوبات التي تستهدف نخبة وتكبير حجم المعلومات الصادقة التي نبثها على الشعب. ولنتوقف عن النعومة التي نعتمدها في الحديث عن معسكرات الاعتقال. لكن لا يمكن خنق نظام كيم من دون مساعدة من الصين، ولدى الأخيرة مخاوف شرعية بأن تصل شظايا انفجار كوريا الشمالية إلى حدودها.


والسؤال الكبير الذي يجب أن نطرحه: ماذا يحدث في اليوم التالي؟ إذا كانت أيام النظام معدودة، فالنهاية ستكون أسوأ مما شاهدناه في الربيع العربي. لماذا لا نجلس مع الصينيين والكوريين الجنوبيين واليابانيين والروس لوضع خطة تجنب بيع المواد النووية إلى المافيا الروسية أو المثلث الصيني؛ لكي نمنع بعض الجنرالات المرعوبين من حرق (العاصمة الكورية الجنوبية) سيول (بعد دقائق قليلة من انطلاق القذاف المدفعية)؛ لثني الصين أو روسيا عن إرسال قواتهم للاستفادة من الوضع؛ لمنع آمري سجون على طراز نورمبرغ (سجون النازيين بعد الحرب العالمية الثانية) من جرف الأدلة وطمرها في مقابر جماعية؛ ثم كيف يمكننا إعادة توحيد كوريا من دون إفلاس الجنوب؟ هذه هي الأسئلة التي علينا وجيران كوريا الشمالية أن نطرحها، معاً وبسرعة.


لأنه عند زوال كوريا الشمالية، من المرجح أن يستمر اليوم التالي 20 عاماً".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...