الثلاثاء، 3 أبريل 2012

زمن حيدر الملا



اعتادت وسائل اعلامنا عند نشرها لتصريحات النواب والسياسيين، على اعتبارها تصريحات تمثل رأي كتلهـِم التي ينتمون اليها بغـَضِّ النظر عمّا إذا كان ما أدلى به النائب يمثل وجهة نظره الشخصية أو أن تصريحه يُعَـبِّرُ فعلا عن رأي القائمة التي ينتمي إليها. ولوسائل اعلامنا كل الحق في ان تقع في مثل هذا اللبس، فبعض نوابنا ممن له صفة رسمية كمتحدث بإسم كتله، يخلط احيانا بين وجهة نظره الشخصية وبين رأي كتلته دون ان ينوه عن ذلك بجلاء، او انه يعاني من سَلـَسِ التصريحات بحيث انه لا يترك أية شاردة او واردة دون ان يدمغها بتصريح رنان في اغلب الاحيان طالما انه يعتبر نفسه شخصا موسوعيا عالما في كل المجالات.

كل ما ذكرته اعلاه، اراه ينطبق على النائب حيدر الملا، المتحدث الرسمي باسم القائمة العراقية، اضافة الى انه ممن يرون الدنيا باللونين الأبيض والأسود فحسب، ولا قضية تهمه ولا رسالة له في دورته النيابية هذه سوى التهجم على رئيس الوزراء نوري المالكي و"دولة القانون"، وعلى ذلك تتمحور كل تصريحاته، وهو يطال آخرين ايضا طالما بقي "معطاءا" في تصريحاته.

الا ان عداء نائبنا الهمام مع المالكي اقدم من كل عداواته، بل واكثرها رسوخا ودواما، وهذا امر ليس لأحد ان يلومه عليه، فهو شأنه، لكن ما يلام عليه هو هبوطه بلغة التخاطب الى مستوى غير لائق، متناسيا انه حتى للخلاف هناك اداب واصول تحكمه، وهو امر لم يحرص السيد الملا عليه ابدا، فمرة يقول أن "على المالكي أن يدرك أنه لولا الإرادة الدولية التي غيرت النظام السابق لما انتقل من حارات السيدة زينب في دمشق إلى رئاسة الحكومة في بغداد" [ بتاريخ 30-04-2010، اي قبل ان يصبح متحدثا "للعراقية" ]، ثم يعود ويتهم المالكي بدعم الحكومة السورية حاليا لأنه "يخشى من خسارة حليف استراتيجي، في حال تغيير النظام في سوريا، إلا أنه لا يستطع التعبير عن خشيته بصراحة"، مشيرا إلى أن "النظام السوري وباتفاق مع إيران قد دعما للمالكي لتوليه الولاية الثانية".  [السومرية نيوز 21-08-2011].

 اما اكثر تصريحات الملا اثارة للاستهجان، فهو تعليقه على عدم تصويت مجلس النواب لصالح سحب الثقة من مفوضية الانتخابات، حيث افاد بأنّ "إرادة العراقية وزعيمها أياد علاوي انتصرت على إرادة المالكي وائتلاف دولة القانون عندما صوت البرلمان، اليوم، برفض سحب الثقة عن المفوضية العليا للانتخابات". [السومرية نيوز 28-07-2011]. وهذا امر يعزز ما ذهبت اليه من أن الملا لا همّ له في هذه الدنيا سوى مناكفة المالكي وشخصنة الامور، وهذا تبسيط للاحداث الى حد السفاهة.

وأود أن أُذَكـِّرَ بتصريح الملا الذي ردّ به على النائب باقر الزبيدي الذي انتقد اداء "العراقية" اثناء السجال على منصب رئاسة الوزراء، فقد رجـَّحَ الملا ان الزبيدي "يعاني أزمة داخلية دعته إلى مثل هذا التصريح". وأضاف أن "المتتبع لمسيرة الزبيدي الذي كان على هرم وزارات الإسكان والمالية والداخلية يدرك أن هناك صدمة يعاني منها لعدم استيزاره أية وزارة في الحكومة الحالية". [جريدة المشرق 18-10-2011]. ان هذا الرد وما سبقه من ردود يظهر لنا ان النائب حيدر الملا ما زال اسيراً لمفردات وعقلية دراسته الابتدائية، ولا توجد اية اشارة توحي بأنه بصدد مغادرة سلوكيات تلك الحقبة المبكرة من حياته التي لا تتناسب ابدا مع موقعه الحالي.

ولم تتدخل القائمة العراقية للـَجْمِ حيدر الملا إلا مرة واحدة حين شحذ لسانه وتوجه بالسباب والشتائم نحو الكويت، فحينها أعلن قادة "العراقية" براءتهم من تصريحه ذاك واكدوا انه لا يمثل وجهة نظرهم، وحسناً فعلوا. أما دون ذلك فلم نسمع لهم اية براءة من شطحات الملا الكثيرة. والجدير بالذكر أن نائب رئيس الوزراء السيد صالح المطلك، لا ينحو منحى الملا، بل هو يؤكد دائما انه طالما ارتضى المشاركة في الحكومة، فانه اخذ على نفسه عهدا بالعمل بأخلاق الشريك.

 اما الشطحة الاكبر التي شطحها الملا هو تصريحه بقبول القائمة العراقية بتطبيق المادة 140 من الدستور وانها "ستكون ستكون خارطة طريق صحيحة لحل أزمة كركوك والمناطق المتنازع عليها إذا ما طبقت بشكلها الصحيح". ووُجه هذا التصريح بأشَد عبارات الرفض والاستهجان من داخل "العراقية" بالذات. ولست ادري اي متحدث هذا الذي لا ترضى عن تصريحاته حتى كتلته. وانني ادعو قادة "العراقية" ان ينتبهوا لهذا الشأن الهام، فالمتحدث هو بمثابة الواجهة لكل القائمة، وعليهم ان يحرصوا اشد الحرص حين يختارون احدا ما لهكذا منصب. ومن المهم ان انوه بالمتحدثة النائبة ميسون الدملوجي التي تحرص على خطاب متوازن وناضج، والمتحدث السابق النائب الرائع شاكر كتاب الذي يزن كلامه بالذهب قبل أن يتفوه به، مما يترك في المستمع ابلـَغَ الأثر والاهتمام.

لا يمكنني ان اعزو تبوأ السيد حيدر الملا لمنصب المتحدث الرسمي للعراقية الا للمحاصصة، فمبتدئ مثله ما كان له ان يتبوأ هكذا مسؤولية كبيرة لولا "قسمة الغرماء" التي دفعت بالعديد من المبتدئين والعاجزين والجهلة للمواقع الامامية دون وجه حق. وهكذا أشخاص مهما قالوا وبرزوا، فهـُم لا محل لهم من الإعراب، لأنهم بلا مبادرات، وأفعالهم ليست أكثر من ردود أفعال لا قيمة لها طالما أنهم بعيدون عن أية مبادرة خلاقة. هؤلاء كالحليب المنزوع الدسم، بلا نكهة ولا طعم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...