منذ ان احتدمت الأزمة النفطية بين العـرب والكرد، استخدم مسعود البرزاني ملفات فرعية اقل اهمية ليشن هجومه الانتقامي على بغداد، ابرزها ملف نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي وايقاف ضخ نفط الاقليم والهجوم الشخصي على نوري المالكي واتهامه بالفشل والدكتاتورية والانقلاب على الدستور.
ان الأزمة الحالية هي ليست خلاف بين "المركز والإقليم"، ولا بين "بغداد واربيل" ولا بين "الكرد ودولة القانون"، بل هي حلقة في مسلسل الأزمات الطويل بين العـرب والكرد الممتد على مدى تاريخ العراق الحديث والمعاصر. وقد وضع الخلاف الحالي مستقبل هذه الشراكة القلقة التي باتت تؤرق العـرب قبل الكرد على طاولة النقاش.
تكاد لا تمر ازمة دون ان يلوح مسعود برزاني او مسؤول كردي رفيع بالانفصال، ويؤكد ان هذا اليوم آت لا محالة. وعادة ما يقتصر الرد العـربي على ابتلاع التهديد والانصياع للمطلب الكردي حفاظا على "الوحدة الوطنية" التي نفتقدها منذ تسعة عقود. لكن تلميح البرزاني الأخير باعلان الدولة الكردية او تحديد موعد لذلك اثناء خطابه الذي كان سيلقيه في الحادي والعشرين من آذار الماضي، لم يمر مرور الكرام، فقد خرج العـرب عن صمتهم واختاروا ان يتواجهوا مع الحقيقة وأن يمضوا في التحدي مع الكرد حتى النهاية، فقد تحدى النائب ياسين مجيد رئيس الاقليم قائلا "إننا ننتظر البشرى التي سيقدمها رئيس إقليم كردستان إلى الكرد خلال احتفالية اعياد نوروز في آذار المنصرم، هل إعلان الدولة هل هو الانفصال هل هو تقرير المصير".
اما النائب فؤاد الدوركي فقد بين إن "تهديد رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني بإعلان الدولة الكردية أمر تنقصه الجدية"، معتبراً أن "الكرد يعلمون أكثر من سواهم أن انفصالهم عن العراق ليس في صالحهم". ودعا الدوركي القادة الكرد إلى إعلان الدولة الكردية "إذا كانوا يعتقدون أنها ستوفر لهم وضعاً أفضل من أوضاعهم الحالية"، معتبراً أنهم "يدركون جيداً مدى الصعاب التي يواجهونها في حال أقدموا على مثل هذه الخطوة".
واوضح النائب جواد الحسناوي “ان الأزمة بين حكومتي المركز واقليم كردستان لا تحل، وأن حوار الاقليم مع المركز ليس حوار اقليم تحت مظلة الحكومة، وانما هو حوار حكومة مع حكومة، وان تصريحات بارزاني تنم عن هدف لاعلان دولة كردية مستقبلا”. اما النائب صالح الحسناوي فقد دعا لبحث الجوانب العملية المرافقة لاعلان الاستقلال، وبيـّنَ ان "حدود الدولة التي يريد القادة الكرد إعلانها ليست واضحة لحد الآن، لذلك لا بد من الاتفاق على حدودها تجنباً لأي نزاعات وصراعات مستقبلية". ودعا النائب عزت الشابندر الى "فراق بإحسان" طالما ان الكرد غير مقتنعين باستمرار العيش المشترك، مؤكدا ان الدستور بقدر ما يبيح للكرد بالانفصال، فإنه يبيح ذلك للعرب ايضا. وهذا اول تلميح شبه رسمي يؤكد ان حق الانفصال والفصل مكفول للطرفين وليس للكرد فحسب.
واعتبرت الكتلة البيضاء بدورها أن الكرد يهدفون إلى "حصاد أعلى نسبة من الثروات وتحقيق مصالحهم قبل إعلان دولتهم المستقلة، كما أنهم سيصرون على ذلك حتى لو أعطيناهم كل ما في خزينة الدولة".
ازاء هذا النفـَس الجديد الذي واجه العـربُ به تهديدات البرزاني، خرجت دعوات كردية جادة لوضع حد لتصريحات مسعود البرزاني، حيث طالب عضو برلمان إقليم كردستان عن قائمة التغيير عبد الله ملا نوري إلى "وضع حد لتصريحات المسؤولين الكرد، بما في ذلك رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، إذا ما كانت حربهم الإعلامية مع رئيس الوزراء نوري المالكي وغيره من المسؤولين في بغداد، في إطار مواضيع خاصة"، مشدداً على ضرورة "عدم السماح لأي شخص أو جهة المزايدة بشأن القضايا المصيرية للشعب الكردي لمصالحه الخاصة، لأن من شأن ذلك توسيع الجبهة المضادة للمصالح الكردية". وضمن سعيها للتهدئة، طالبَت كتلة التحالف الكردستاني ادارةً الاقليم باستئناف ضخ النفط كبادرة حسن نية في مسعى منها لتخفيف التحامل الشعبي العـربي على السياسة العدائية للاقليم.
اما الشارع العراقي، فقد أيقن هو ايضا ان الشراكة العراقية - الكردية محكومة بالفشل، فهي من سيء الى أسوأ منذ العهد الملكي الى يومنا رغم اختلاف الحُكـّام ونظُـُم الحُكم وعقيدته. وبدأ اليأسُ يَدبُّ بين العرب وباتوا اقرب الى التسليم بلا جدوى استمرار بقاء العرب والكرد سوية في وطن واحد. وبدأنا نسمع مثقفين يطالبون بعدم انتظار الكرد حتى يعلنوا استقلالهم، بل يجب المباشرة بفصلهم عن العراق، وآخرين يدعون الى تهديدهم بالفصل ان استمروا في سياستهم العدائية تجاه العرب. لقد وصل الاستعداد العربي لتقبل الانفصال الكردي الى حد أنّ الشعور بالاحباط كان مشتركا لدى العرب والكرد حين خلا خطاب مسعود البرزاني المذكور من اعلان الاستقلال او تحديد موعد له.
ان مسعودا يتلاعب بالحلم الكردي وباستقرار العراق في آن واحد، فقد حول الحلم الكردي الى هراوة او سوط يجلد بها العراق الذي اتعبته تسعون سنة من الاضطرابات والمحن وسوء الادارة، كانت القضية الكردية احدى اهم عوامل عدم استقرار العراق واضطرابه.
علينا ان نتوقف عن التعامل مع الاقليم كما تتعامل الأم مع وليدها الذي يملأ الدنيا صراخا وعويلا كلما اراد أو لم يرد شيئا. وبعد تسعين سنة من الصراخ الكردي، آن لنا ان نقر باستحالة الشراكة العربية ـ الكردية، وهو امر يبدو ان وليدنا الكردي مازال عاجزا عن فهمه.
ahabobi@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق