ناشدنا وحللنا وانتقدنا واقترحنا، ولكن دون جدوى، فالوضع الأمني من سيء الى أسوأ خاصة بعد اكتمال الانسحاب الامريكي من الاراضي العراقية. واقتصرنا في توجيه جام غضبنا على السلطة السياسية التي اختارت المنطقة الخضراء ملاذا آمنا لها واكتفت بالتنديد والشجب وكأنّ الاعتداءات تحصل في دولة مجاورة. ولكننا نهمل أحد أهم أركان المواجهة مع الارهاب ألا وهو الامكانيات الفنية والعقيدة العسكرية التي يتبناها القادة الأمنيون في هذه المواجهة الشرسة.
يقتصر رد الفعل الأمني على تشديد السيطرات والمزيد من الاعتقالات دون اي اثر ايجابي ملموس. وهذا الضغط الهائل على حركة الناس يضرب بآثاره على مجمل النشاط الاقتصادي والانساني، وكأنّ القائمين على ملف الأمن ليس بيدهم من حل عملي سوى تعطيل الحياة، وهو ما يسعى تنظيم القاعدة لتحقيقه من اجل تأزيم الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية للغالبية الساحقة من الشعب.
ان وجود السيطرات امر حيوي ومهم لتثبيت الأمن ولنا ان نتخيل كيف ستكون الحالة الأمنية دون انتشار شرطتنا وجنودنا وضباطنا الشجعان اللذين يبسطون الأمن في الشوارع ويتقاسمون الموت اليومي مع ابناء الشعب على يد الارهاب اللعين. الا ان وجود السيطرات لا يمكن ان يقضي على الارهاب.
يكاد لا يمر يوم دون ان نسمع عن القاء القبض على زعيم من زعماء تنظيم القاعدة بين قيادي أو والٍ أو وزير، وكذلك الحال مع اكداس العتاد والاحزمة الناسفة. ولست ادري كيف يريد قادة الأمن ان نصدق بهم.
حين اعلن الامريكيون عن مقتل ابو عمر البغدادي من خلال عملية مشتركة مع القوات العراقية في التاسع عشر من نيسان 2010، خرج علينا المتحدث باسم عمليات بغداد قاسم عطا ونفى هذا النبأ بشدة واعتبره اشاعة يراد بها "التضليل على المنجز الأمني الذي تحقق خلال السنوات الماضية"، وأكـّدَ ان ابا عمر البغدادي معتقل لدى القوات الأمنية منذ [29-04-2009] وعرضت اعترافاته امام جميع وسائل الاعلام"، مشيرا الى أن "الاعترافات التي ادلى بها البغدادي قادت الى اعتقال العديد من عناصر تنظيم القاعدة خلال الايام الماضية". إلا ان تحليلات الحامض النووي التي اجريت على الجثة اثبتت انها تعود للبغدادي، كما اكد رئيس الوزراء مقتله في مؤتمر صحفي مشيراً الى ان جهود استخبارية قادت الى معرفة مكان البغدادي ومن ثم القيام بالعملية. انني هنا لا احاول تبرئة احد، ولكنني اتساءل عن مصير الرجل الذي اعترف انه ابو عمر البغدادي وبقي بحوزة القوات الامنية لعام كامل تقريبا ومصير من اعترف عليهم.
وحين حصل انفجار خارج مجلس النواب في الثامن والعشرين من تشرين الثاني العام الماضي تمكن القادة الامنيون ان يحرفوا ذهن وتفكير القادة السياسيون وادخلوهم في جدال من منهم كان مستهدفا، حيث انبرى اللواء قاسم عطا المتحدث باسم عمليات بغداد بالتاكيد على ان المستهدف كان رئيس الوزراء نوري المالكي. وردّ آخرون انما المستهدف هو رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي. وبقي السجال دائرا بين الطرفين لأكثر من شهر بعد الحادث. ولا يخفى البعد الطائفي في تحديد هوية "القائد الضحية". ومن المثير للسخرية اننا لم نلحظ نفس الاندفاع لدى أولئك الثرثارون لتحديد هوية الجـُناة واعتقالهم. وهذا ضحك على الذقون وهروب من المسؤولية. كل هذا لم يمنع القيادة العسكرية من ترفيع قاسم عطا ومنحه رتبة فريق وتوليته مسؤولية اعلى تتناسب ورتبته الجديدة. وكشفت لجنة الأمن والدفاع النيابية ان العراق فيه مائتي ضابط برتبة فريق.
ونسمع يوميا ومنذ سنوات عن اعتقال عشرات المشتبه بهم وزجهم في السجون التي اكتظت بهم، وبعد فترة اعتقال طويلة ومريرة تثبت براءة اغلبهم، ليخضع بعدها بعض هؤلاء الأبـرياء لابتزاز دنيء حيث يأبى سجانوهم الافراج عنهم دون ان يدفعوا مبالغ ضخمة جدا. وهذا فساد متوقع اذا صحَّ ما نسمعه ان المناصب الأمنية والعسكرية يتم بيعها وشراءها داخل تلكما المؤسستان، فما الذي نرتجيه من قائد عسكري اشترى منصبه بالمال، وآخر يبيع المناصب بالمال. اي أمانة وعفة تـرتجيان من مثل هؤلاء اللذين ادمنوا تعاطي الرشوة وبيع الولاء مقابل ثمن دنيوي بخس. لقد اعلن نوري المالكي عن تورط اربعة ضباط امنيين في تفجيرات 22-12-2011، وطبعا لم تعلن التفاصيل الى يومنا هذا.
رُوِيَ أنّ الفضيل بن عياض (725 – 803 م) كان شاطرا [= خبيثا فاجرا] وقاطع طريق قبل ان يتوب ويصبح احد اعلام التصوف في القرن الثاني الهجري. وكان سبب توبته أنه عشق جارية فبينما هو يرتقى الجدران إليها سمع تاليا يتلو " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله..." [سورة الحديد: 16] قال: يارب قد آن. وتاب من يومها. ومن اقواله الرائعة: "لو أن لى دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان قيل له: يا أبا علي فسر لنا هذا، قال: "إذا جعلتها في نفسى لم تعدني، وإذا جعلتها في السلطان صلح فصلح بصلاحه العباد والبلاد". وحين سأله الخليفة العباسي هارون الرشيد النصيحة قال له: "يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل، وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك".
ان دماء الابرياء ومصائر توابعهم ذمة في رقابكم، والوضع ابدا ليس تحت السيطرة كما ترددون.
ahabobi@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق