الثلاثاء، 3 أبريل 2012

الجمهورية الوراثية تُبْعَثُ من جديد في العراق


احمد هاشم الحبوبي
   بدأَ مصطلحُ "الجمهورية الوراثية" يطرق اسماعنا مع بداية تسويق الرئيس السوري بشار الأسد وريثا لأبيه بعد ان بدأت مظاهر الوهن تظهر على الأخير. حينها وُجِّهَت انتقادات قاسية للرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك استنكارا لمباركته عملية التوريث تلك عبر استقباله لبشار في قصر الاليزيه رغم ان الاخير لم يكن يحمل اية صفة رسمية.

   ولم يتوقف التوريث عند بشار، فبمجرد ان حازت المحاولة السورية قبول الدول الكبرى وطبعا الاقليمية، انطلق معظم الرؤساء العرب في تهيئة ابنائهم لخلافتهم، ابتداءا من صدام حسين ومرورا بعلي عبد الله صالح ومعمر القذافي وانتهاءا بحسني مبارك. وكانت هذه التوريثات ستتم كما خُطـِّطَ لها لولا سقوط صدام حسين المدوّي على يد الاميركان وتهاوي الباقين بإرادة الشعب العربي في تلك البلدان. ويوحي مجرى الاحداث انّ الحالة السورية هي اول وآخر المحاولات، فمنها كانت البداية، وفيها تقررت نهاية تلك المهزلة من خلال دستورها الجديد الذي منع رئيس سوريا القادم من تولي سدة الرئاسة اكثر من فترتين انتخابيتين. وبغض النظر عما ستؤول اليه الاحداث في سوريا، فانّ هذه الفترة لن تتغير ابدا.

   يحدث في العراق الآن اعادة انتاج للجمهورية الوراثية، وبالذات في الجزء الكردي من الوطن ليزحف تأثير هذا التوريث الى بغداد. ويتم ذلك باتجاهين؛ الاول ان شاغل المنصب يبقى فيه اطول فترة ممكنة، واذا استوجب استبداله فيكون من نفس الحزب الكردي، فجلال طالباني اختير كرئيس للجمهورية منذ الفترة الانتقالية الى يومنا هذا. وكذلك الحال مع وزير الخارجية هوشيار زيباري ورئيس اركان الجيش بابكر زيباري اللذان ما زالا في نفس عنوانهما الوظيفيين منذ عهد الحاكم المدني الامريكي بول بريمر في العام 2003. وحين تعرض الرئيس طالباني لوعكة صحية قبل بضعة سنوات؛ بدأ الكرد بتسويق بدائل اكراد كان ابرزهم برهم صالح الذي هو من نفس حزب جلال. ان ما حاول الكرد ايصاله للاكثرية العربية الساحقة الممزقة طائفيا، ان منصب رئاسة الجمهورية بات حقا مكتسبا لهم غير قابل للتفاوض وانهم ليسوا بوارد التنازل عنه ابدا.

   اما مسعود بارزاني، رئيس اقليم كردستان، فيبدو انه سيبقى رئيسا للاقليم حتى الرمق الاخير، استلهاما لروح الجمهورية الوراثية التي كانت سائدة في الشرق الاوسط والوطن العربي، وسيكون بديله اما ولده مسرور او ابن اخيه وزوج ابنته نجيرفان. والعذر هو نفس العذر الذي سمعناه ممن سبقوا مسعودا في هذا الدرب؛ "دفاعا عن القضية المركزية". ولكن وفقا لفهم العائلة الحاكمة فالقضية المركزية مستحيلة التحقق بدون الأب او الإبن او ابن الأخ ممن تسري فيهم دماء "القائد الضرورة".

   وحين جاءت انتخابات سنة 2010 بحصيلة مدوية للقائمة العراقية بواحد وتسعين نائبا، نادى بعض رموز القائمة العراقية بحق العرب في تبوأ منصب الرئاسة ووزارة الخارجية اللذان صارا منصبين حصريين للكرد. ولولا اخفاق التحالف الوطني والقائمة العراقية في التوافق السريع والودي على شخص رئيس الوزراء، لتحـَقَّقَ ذلك للعراقيين ولانقلبت المعادلة التي يريد الكرد فرضها على العملية السياسية الى الابد، ولَفُسِحَ المجال لتبادل المناصب بين مكونات الشعب بشكل متحضِّر ونأينا بأنفسنا عن استنساخ التجربة اللبنانية التي اثبتت الايام فشلها.
   على عكس ما يحصل في كردستان العراق التي يتناوب شخصان فقط على رئاسة حكومتها هما نجيرفان بارزاني وبرهم صالح، تتزايد الدعوات في بغداد منذ مدة لضرورة عدم تولي رئيس الوزراء نوري المالكي رئاسة الحكومة لمرة ثالثة على الرغم من عدم وجود ما يمنع ذلك دستوريا او قانونيا، بل وهناك دعوات لتشريع قانون يمنع حدوث ذلك مستقبلا لتجنب مخاطر استمرار تولي شخص بعينه رأسَ السلطة لفترة طويلة. ومثل هكذا مخاوف حصلت في بريطانيا حين فاز حزب العمال تحت زعامة توني بلير برئاسة الحكومة للمرة الثالثة على التوالي، حيث تعالت المطالبات، وبالذات من داخل حزب العمال لتنحّي بلير عن سدة رئاسة الحكومة. فإذا كانت دولة كبريطانيا التي تتنفس الديمقراطية حتى مع الهواء، لديها هكذا محاذير، فمن باب اولى ان تكون مخاوفنا نحن مضاعفة. وهو مفهوم نريد له ان يستمر ويترسخ لنضمن التداول السلمي للسلطة. ولكن اصرار الكرد على احتكار مواقع حكومية بعينها سيضع كل التجربة العراقية في مهب الريح.

   ان الحالة الكردية لا تفرض ان يكون شاغل المنصب كرديا فحسب، بل انهم يحددونه بالإسم ايضا دون ان يتركوا اي خيار للطرف الاخر، مما سيجعل العملية السياسية عاجزة عن انتاج اجيال جديدة كفوءة قادرة على ادارة الدولة. وهذا بالضبط ما عانينا منه تحت حكم العسكر وحكم صدام حسين. اما لماذا تقبل الاغلبية العربية الساحقة بذلك، فالجواب هو العامل الطائفي.

ahabobi@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...