مقال منشور بتاريخ 2012-04-19
يختلف حال فرج الحيدري في هذا الاستجواب عن ذلك الذي سبقه في تشرين الأول عام 2009 الذي أجْرِيَ قبل فترة وجيزة من الانتخابات النيابية، وكان الخلاف على أشده بين كتلتي الائتلاف الوطني ودولة القانون.
حينها، دخل الحيدري جلسة الاستجواب مُتسَلـِّحاً بدعم كل من كتلتي التحالف الكردستاني ودولة القانون اللتين رفض القـِياديّان فيها عباس البياتي وحيدر العبادي استجواب الحيدري لما قد يليه من إجراءات سحب الثقة والإقالة، ما قد يتسبب في تعطيل الانتخابات ويُضْعِف ثقة المواطن بالمفوضية. وتبعا لذلك فانّ الاستجواب كان صورياً ليس إلاّ.
ولكن الحال مختلف تماماً في الاستجواب الحالي، فحلفاء الأمس، "دولة القانون" أكبر الكتل وأقواها، هم من تبَنـّوا الاستجواب هذه المرة، ويبدو انهم عاقدو العزم على إعادة تشكيل المفوضية وفقا لمفاهيم وسياقات جديدة، أهمها انّ الحيدري لن يكون على رأسها. خاصة وان "دولة القانون" لم ينسوا بعد تداعيات نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة. إضافة لذلك، فالنائبة حنان الفتلاوي تقول إنها تملك أدلة دامغة تدين المفوضية في قضايا فساد. امّا النائب سامي العسكري فقد ذهب ابعد من ذلك وصرح بأن المفوضية مطعون فيها وستتم مساءلتها في البرلمان، معتبرا أن أي انتخابات مقبلة ستكون مشروطة وتحتاج إلى إصدار قانون الأحزاب وهيئة مستقلة للانتخابات.
بعد استقالة رئيسة الدائرة في مفوضية الانتخابات حمدية الحسيني، أيقن الحيدري ان الاستجواب الحالي يختلف عن سابقه. لذا فقد هرع نحو "التحالف الكردستاني" طلبا للعون طالما انـّه مرشحهم أصلا، وهو عضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني أيضا. وكان التحالف الكردستاني عند حسن ظنه، فقد التقى به النائب خالد شواني وطالب بأن يجري الاستجواب وفقا للقانون وبناء على أدلة يمكن الاستناد عليها. وأول الآثار الجانبية للدخول الكردي على الخط هو تأجيل الاستجواب من السادس والعشرين من نيسان إلى الثاني من أيار لتلطيف الأجواء عبر تخفيف حدة التصريحات المتبادلة بعد ان عبر الحيدري عن ارتيابه من التوقيت الذي اختارته حمدية الحسيني لإعلان استقالتها من المفوضية، ولإعطاء الاتصالات والضغوطات الجانبية وقتا أطول لتؤتي أكـُلها.
امّا حنان الفتلاوي، فقد اتهمت المفوضية [= الحيدري] بالتهرب من الاستجواب عبر "الضغط على الكتل السياسية من أجل تأجيل الاستجواب خوفا من الوثائق التي ستقدم ضدها". وأضافت الفتلاوي ان "المفوضية تسعى إلى الحصول على دعم جهات عدة ومنها الأمم المتحدة لصالحها". [المصدر: السومرية نيوز 19/04/2011].
لا أريد ان أدخل في سجال نزاهة المفوضية، فهذا ليس من اختصاصي، ولكن ما يعنيني هو التذكير بالمدة الطويلة التي استغرقتها المفوضية لإنجاز أعمال العد والتدقيق للانتخابات النيابية. حيث انتظرنا عشرين يوما حتى ظهرت النتائج بشكل نهائي.
وبرغم كل إمكانياتها الهائلة وكادرها الضخم ودعم الأمم المتحدة الكبير لها، إلاّ ان المفوضية لم تظهر أي احترام للزمن في كل مراحل عملها. انّ إخفاق المفوضية في إنجاز واجباتها بمدة زمنية معقولة، وقرارها بإعلان نتائج الفرز اليومية، حَـوَّلَ نتائج الفرز إلى "أسْهُمٍ في بورصة" أدخلت الكتل المتنافسة في صراع عميق لم تتعاف منه إلى يومنا هذا، وما زلنا نشهد آثاره السلبية.
في التاسع عشر من أيلول سنة 2010 أُجْرِيَتْ في السويد الانتخابات النيابية ومجالس المحافظات والمجالس البلدية في آن واحد. وبعد ان أُغْلِقـَتْ صناديق الاقتراع في الساعة الثامنة مساء، بدأ التلفزيون بعد ربع ساعة ببث النتائج التراكمية لعمليات العد والفرز. وعند الساعة الثانية عشرة إلاّ خمس دقائق قبل منتصف الليل، أقرت المعارضة بفوز الائتلاف الحاكم وهنأت زعيمةُ المعارضة رئيسَ الوزراء بالفوز. أي ان السويديين أنجزوا العد والفرز بأربع ساعات لثلاث عمليات انتخابية.
كنت أرجو من الحيدري ان ينقل لنا حصيلة خبراته التي استقاها من معاصرته للانتخابات النيابية والبلدية في السويد التي يقيم فيها منذ سنوات طويلة، وبالتأكيد شارك في العديد منها طالما انـّه مقيم هناك، لا ان يعود بنا إلى عصر ما قبل الكومبيوتر.
الأجواء السياسية السائدة لا تبشر بأي إصلاح حقيقي. ولكن هناك دائما أمل، والاّ لما استمرت الحياة، فقد مرت ثمانية أعوام طويلة قبل ان نشهد نهاية للحرب مع إيران، ومرت أعوام أطول قبل ان نشهد نهاية النظام السابق. وها قد مضت ثمانية أعوام أشد قسوة، ويحدونا الأمل اننا سنشهد عما قريب إصلاحات حقيقية تضع مؤسساتنا الوطنية على الطريق الصحيح. وقد وضع مجلس النواب نفسه على المحك مرة أخرى، ونحن نتطلع لما سيجري في جلسة الاستجواب، يحدونا الأمل بأن يقدم نوابنا مصلحة الوطن على مصلحة الكتل، وان لا تعيقهم الضغوطات عن اتخاذ القرار المناسب.
إن ملف الإصلاح كبير وواسع، ولكننا يجب أنْ نبدأ به على أية حال. وأهم ما نحتاجه هو مسؤولون يحترمون الزمن ويقيمون له ألف حساب، ليحلوا بدل أولئك الكسالى الذين لا يقيمون للوقت حسابا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق