ادناه مقال كتبته قبل اكثر من ثلاث سنوات على صفحات موقع حوارات.
ورغم انقضاء تلك السنوات، الا اننا ما زلنا نعاني من نفس المشاكل، اي ان الحكومة لم تفلح في غلق اي من تلك الملفات والازمات، بل انها في تزايد وتعاظم واستفحال. ان ملفـّي الخدمات والقضية الكردية هما الملفان الاكبران اللذان لم تتوفق الحكومة في ايجاد ولو مدخل لحلهما.
واليوم، حيث تحتدم الازمة من جديد بين العرب والكرد، وهكذا يجب ان تكون التسمية لما يحصل. وعلينا ان لا نختصرها بعنوان فرعي هو خلاف الاقليم والمركز، بدأت تتعالى الاصوات لفصل الاقليم عن المركز، وليس العكس. وهذا امر دعوت اليه في مقالي ادناه منذ اكثر من ثلاث سنوات. اعيد نشر المقال كما هو.
العلاقة المتأزمة بين بغداد واربيل... اخر الدواء الكي
احمد هاشم الحبوبي
2008-11-11
________________________________________
يمتاز العراق بانه اكثر بلدان العالم انتاجا للمشاكل المتفاقمة والمتفجرة والمتتالية. حيث ان الاحداث الجسام تتابع كتتابع الليل والنهار. فلو عملنا جردا بسيطا لما مر على عراقنا خلال النصف الثاني من هذه السنة سنكتشف جسامة الاحداث وخطورتها، والعجيب اننا نتجاوزها ونغادرها الى ازمة جديدة اشد هولا وخطورة وجسامة تكون قد ظهرت وغطت على سابقاتها، ولو مؤقتا. والان دعونا ندرج اهم تلك الازمات ونُسَمّي اطرافها.
أولاً : ازمة قانون المحافظات الاول الذي اقره مجلس النواب بالاغلبية ورفضته القائمة الكردية لعدم رضاها عن الفقرة المتعلقة بكركوك، فنقضها مجلس الرئاسة تبعا لذلك. بعد ان وصلت الامور بالقائمة الكردية الى التهديد بالانفصال والحرب وضم كركوك الى الاقليم فورا.
ثانياً : ضرب وباء الكوليرا اطنابه في العاصمة بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية بسبب تلوث مياه الشرب الواصلة الى المنازل، ولعدم وصول تلك المياه لمناطق اخرى اصلا. وقد ظهرت احصائيات ودراسات تحذر بان ملاييناً من الشعب العراقي لايحصلون على نعمة مياه شرب معقمة. وملاييناً اخرى لا تصلهم مياها اصلا. كل هذا يجري ولا احد يوجه أي اتهام او شكوى ضد الجهات البلدية المسؤولة في المدن او يشكو الوزير والوزارة.
ثالثاً : ازمة هيمنة ميليشيات الاحزاب الكردية على مدينة الموصل وعلى اقضية محافظة ديالى ( خانقين وغيرها) وامتداد نفوذها الى خارج منطقة الحكم الذاتي بشكل مخالف للدستور. ولازال الامر محل شد وجذب ولم ينته الى الان.
رابعا : تم سن قانون جديد ينظم انتخابات مجالس المحافظات، ولكن تم الغاء المادة 50 منه، الخاصة بحقوق الاقليات، بسبب رفض القائمة الكردية لبعض ما جاء فيها.
خامساً : نقل جزء من ملفات قوات الصحوات من الادارة الامريكية الى الادارة العراقية، وكان قد سبق ذلك حديث عن احتمال انهيار امني بسبب خطط متوقعة للحكومة لتصفية قوات الصحوات واعادتهم الى سوق البطالة وحرمانهم من مداخيلهم. ولكن الامور سارت على مايرام، وقوات الصحوة تعمل على اكمل وجه في تجانس تام مع الجيش والشرطة وهي بصدد الاندماج بهما.
سادسا : أُثيرَ موضوع المادة 50 من جديد نتيجة لاصرار الاقليات على تمثيلها في مجالس المحافظات. ولكنه اصطدم بصخرة الاصرار الكردي على فرض رؤيتهم في الموضوع، وكما يلي:
الشبك
يقول العراقيون الشبك ،الساكنون في اطراف مدينة الموصل، بأنّ لهم خصوصيتهم وانهم ليسوا كردا. في حين ان الاحزاب الكردية تصر على انهم اكراد وليس من حقهم ان يدّعوا الخصوصية، واذا ارادوا تمثيلا فليس امامهم سوى ان يتمثلوا ضمن اقرانهم الاخرين.
اليزيديون
يقول اليزيديون، الساكنون في شمال العراق ايضا، بانهم يريدون تمثيلا خاصا بهم مستقلا عن الاكراد، كونهم مكونا ذو طابع ديني خاص بهم فقط. وترفض الاحزاب الكردية هذا الطرح وتصر ان احقيتهم في التمثيل تنحصر ضمن القومية الكردية. فنشبت ازمة بين الطرفين اتهم خلالها شيخ اليزيديين قوات الامن الكردية بسجن كل افراد حمايته لسلبه القدرة على الانتقال من مكان الى اخر.
سابعا : تسليح الجيش العراق وقفت ادارة الاقليم موقفا سلبيا جدا من عزم بغداد شراء طائرات امريكية حديثة لتسليح الجيش باسلحة حديثة إسوة بجيوش الدول الاخرى التي على وجه الارض، وطلبوا ان يقدم العراق ضمانات بعدم استخدامها ضد المدنيين، متناسين بان رئيس اركان الجيش كردي وان هناك الكثير من الضباط الاكراد من ذوي الرتب العالية في مختلف دوائر الوزارة والوحدات العسكرية المنتشرة. ولكن الرئيس طالباني صرح قبل بضعة اسابيع بان من واجب الحكومة ان تسلح الجيش بافضل واحدث الاسلحة. وكأنّ مهمة الرئيس طالباني الرئيسية هي ترقيع شطحات الشيخ مسعود ورفاقه في ادارة الاقليم.
ثامنا : عجز وزارة الكهرباء عن تطوير ادائها متعللة باسباب ترددها منذ عام 2003 ، كنقص الوقود، والعمليات الارهابية، وعدم وجود شركات راغبة في سوق العراق.
ان مراجعة بسيطة للنقاط اعلاه تبين لنا انّ لدينا ازمتان هما الازمة الكردية والخدمات، وذلك بعد أن قلــّت العمليات الارهابية التي تضرب في البلاد وكُسِرَت شوكة الارهابيين، وانزاح شبح الحرب الاهلية الذي كان جاثما على انفاسنا ومستقبلنا. أي اننا استبدلنا كابوس الحرب الاهلية بكابوس العلاقة المتفجرة بالاقليم. وهنا تبرز معضلة احصائية... كيف لاقليم يتكون من ثلاث محافظات ( من اصل ثماني عشرة محافظة ) يشكل سكانها ما نسبته (13 - 17) بالمئة من عدد سكان العراق، كيف له ان يتسبب بأكثر من نصف مشاكل البلاد، لتنشغل السلطتان التنفيذية والتشريعية بها عن الامور المهمة والحساسة والستراتيجية الاخرى التي تهم (83 - 87) بالمئة من شعب العراق ، بل ان الكثير من الهموم يشترك بالأنين والمعاناة منها كل الشعب بعربه وكرده وتركمانه، كأزمة الكهرباء، وتردي الخدمات الصحية، وانتشار الاوبئة والامراض، وضعف الخدمات البلدية ونقص مياه الشرب وتلوثها، وازمة الابنية المدرسية، وانهيار قطاعي الزراعة والصناعة.
انّ ذلك امر يبعث على الريبة والشك، ويكشف ضعفا كبيرا في الادارة والقيادة والتخطيط. ودعونا نتساءل هل انّ المشاكل مع حزبي الرئيس طالباني والشيخ برزاني، هي فعلا بالضخامة والجسامة التي تظهر بها، ام يراد لها ان تبدو كذلك، للتغطية والتمويه على ضعف اداء الحكومة وعجزها عن التعاطي مع ما ذ ُكِرَ اعلاه؟.
واذا كانت المشاكل هي فعلا ً كذلك؛ فلماذا لا نهددهم نحن بالفصل بدلاً من ان يهددونا هم بالانفصال. لماذا لا نقول لهم ان لم تفعلوا كذا وكذا فاننا سنفصلكم عن العراق، ولن تكونوا معنا تحت خيمة العراق.
ان الشيخ مسعود والكثير من رفاقه يرددون بكرة واصيلا، بمناسبة وبدون مناسبة، عزمهم واصرارهم على الاستقلال، وانهم بانتظار التوقيت المناسب، وبعد قضم ما يمكن قضمه من الاراضي والامتيازات.
لماذا نترك بيدهم المبادرة ولانبادر نحن بتهديدهم : نحن من لا نريدكم وليس انتم فقط لا تريدوننا. ان مجرد عودة المسؤولين العاملين في بغداد الى الاقليم ( الدولة لاحقا ) سيشعل مشاكلا هناك لها أوّل وليس لها آخر.
علينا ان نغير من طريقة تفكيرنا اتجاه القضية الكردية والاحزاب الكردية، تماما كما يفعل الامريكان الان معنا، فهم يقولون لنا: اذا لم تفعلوا كذا وكذا فاننا تاركوكم وراحلون. أي انهم يتوعدوننا ويهددوننا بالرحيل. وسبحان مغير الاحوال.
ahabobi@yahoo.com
الناشر جريدة حوارات الالكترونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق