الثلاثاء، 3 أبريل 2012

بغداد واربيل، فتش عن النفط


احتدم الخلاف بين الحكومة المركزية في بغداد وبين الحكومة المركزية المستقلة في اربيل، نعم نحن امام حكومتين، واحدة مستقلة تماما في اربيل، والاخرى يراد لها ان تكون اسيرة ارادة الاقليم الذي لا همّ لحكومته سوى تحقيق اكبر المنافع حتى لو كان ذلك على حساب بقية انحاء العراق الاخرى.

ابتدأت الازمة الاخيرة بعد ان وقفت حكومة بغداد بالضد من تعاقد اربيل مع شركة اكسون موبيل الامريكية للتنقيب عن النفط في اراضٍ تابعة رسميا لمحافظتي نينوى وكركوك، وأشدد على رسميا، فهذه المقاطعات هي عمليا تحت السيطرة الكردية الكاملة منذ العام 2003 دون ان يكون هناك دور لحكومتها المحلية او لبغداد سلطة عليها.

لقد اختارت بغداد ان تضع النقاط على الحروف فيما يخص الملف النفطي الذي يمثل عصب حياة العراقيين. وبما ان الاقليم يدير ملف العقود النفطية باستقلال وتعالٍ تامين، بدأت الحكومة بالضغط على شركة اكسون موبيل من خلال تهديدها بابعادها عن التنافس على الفرص الاستثمارية النفطية، الى ان اعلنت الشركة في السابع عشر من آذار عن تجميدها لعقدها مع الاقليم. ومن المؤمل ان لا يكون هذا التجميد مؤقتا من اجل إجازة دخول الشركة في جولة الاستثمارات النفطية التي ستجري في الشهر القادم، لتعود وتستأنف عقدها المُجَمـَّد من جديد.

اما الاجراء الثاني الذي أثار حفيظة اربيل فهو اعلان وزير النفط عبد الله لعيبي ان وزارته تدرس عروضا من شركات نفط عالمية، من بينها "بي بي" و"شلوموبيرغر"  لتطوير حقل نفط كركوك في شمال العراق. وتزامن ذلك مع اعلان شركة "هـريتيج" النفطية البريطانية عن بدئها بالحفر في شرق حقل ميران الاستكشافي الذي يقع غرب محافظة السليمانية بالقرب من محافظة كركوك. وأكدت الشركة أن أعمال حفر أخرى ستبدأ قريباً في أجزاء أخرى من الحقل الذي تبلغ مساحته اكثر من الف كيلومتر مربع.

ويرى نواب التحالف الكردستاني انّ اعلان وزير النفط لا يعدو عن "رسالة سياسية ذات مضمون سيء". واتهم النائب الثاني لرئيس مجلس النواب عارف طيفور بريطانيا بخلق الفتن والمشاكل في كركوك، مشددا على أن التعاقد في المناطق المتنازع عليها يعارض تنفيذ المادة 140 من الدستور. وطالب طيفور بإيقاف العقود لحين تنفيذ المادة 140 بشكل كامل، وعودة الحقوق للسكان الأصليين، مذكرا وزارة النفط بـ"وجود مناطق كثيرة في العراق مهيأة للتنقيب والبحث عن مصادر البترول والغازات والمعادن الطبيعية". وكان الاجدى به ان ينبه سلطة الاقليم ايضاً حين وقعت عقد للتنقيب عن النفط في اراضي محافظتي كركوك ونينوى. وعلى النائب طيفور ان يوضح لنا كيف أنّ شركات النفط البريطانية العاملة في كردستان مرحبٌ بها، في حين ان مثيلاتها العاملة في كركوك تبث الفتن والمشاكل. ان هذا الطرح المتناقض يؤشر ازدواجا فاضحا في المعايير.

اما عضو لجنة النفط والطاقة النائب عن التحالف الكردستاني فرهاد الأتروشي، فيرى أنّ هذه الخطوة تهدف الى الضغط على اقليم كردستان، لأن لحقول كركوك النفطية امتدادات مع حقول محافظة أربيل"، وأضاف أن "قضية الاعتراض على العقود النفطية في كركوك تتعلق بقضية كركوك والمناطق المتنازع عليها، والتي مع الأسف الشديد لم تنل الجدية المطلوبة، حيث تم التهاون مع المادة 140 من الدستور العراقي"، مبينا أن "هناك رسالة سياسية من وراء هذا العمل تقول بأن هذه المنطقة لن تعود الى اقليم كردستان، لتنتهي المادة 140 من الدستور عمليا". وعودة لاسلوب فرض الاملاءات، تساءَلَ عضو اللجنة النيابية "لماذا يتم التعاقد في هذه الظروف الحساسة، ولماذا تترك أراض وحقول أخرى ويتم التركيز على حقول كركوك؟". (المصدر: جريدة العالم الغراء، 06-03-2012)

هذان الحدثان النفطيان أديا الى تأزم العلاقة بين التحالف الوطني والتحالف الكردستاني، فخرج مسعود البرزاني يكيل اللعنات على الحكومة المركزية متهما اياها بالعجز والفشل. ولم يكتف بذلك حيث أُعْلـَنَـت سلطة الاقليم في الثاني من نيسان الحالي عن ايقافها تصدير النفط المستخرج من اراضي الاقليم حتى اشعار آخر، مشيرة الى أنه "من الآن فصاعداً، سيتم تحويل إنتاج النفط الخام إلى السوق المحلية لغرض معالجته وتكريره لتوليد [= تأمين] مصدر بديل للدفعات النقدية للشركات المنتجة". وهناك تقارير عالمية موثقة تؤكد ان سلطة الاقليم تبيع النفط في السوق السوداء بأسعار مخفضة. اما من هو المشتري فهما اثنين لا ثالث لهما؛ ايران بالدرجة الاساس وتركيا،  فحين يتعلق الامر بالمصالح والانتفاع المادي، تُرْكـَنُ المبادئ على الرف.

ان شركاءنا في الوطن يستكثرون علينا ان نشاركهم عائدات نفطهم، الا انهم لا يستحيفون بيعه بثمن بخس لإيران التي تعيد بيعه بسعره يقل قليلا عن سعره العالمي الى افغانستان وغيرها.

تؤكد سلطة الاقليم بأن واردات النفط المُصَدَّر من الاقليم تعود بالنهاية الى خزينة الدولة المركزية، لهذا تستهجن رفض بغداد لتعاقداتها مع الشركات الاجنبية. الا ان وزارة النفط تقول ان عقود كردستان تشوبها المحاباة للشركات التي يتم التعاقد معها. اذا كانت واردات النفط تؤول بالنهاية للخزينة المركزية، فلماذا تستكثر سلطة الاقليم على بغداد المشاركة في ابرام العقود، يبدو انه هوس السلطة والاستحواذ لا غير.

ان النزعة الاستقلالية الكردية المتعاظمة باتت مصحوبة بنفس عدائي جدا تجاه العرب، فادارة الاقليم تسعى حثيثا من اجل افضل العلاقات مع الجارين التركي والايراني، الا انها [الادارة] ليست مكترثة ابداً بالجار العربي الذي لا يقل اهمية ابدا عن الجارين الآخَرَيـْن كما تقول حقائق الجغرافيا.

ahabobi@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صدام حسين ومسعود برزاني .. من خلّف ما مات

المقدمة حين يدور حديث أو مقال يدور عن «أبو علي الشيباني» [ 1 ] عادة ما يبادر أحدهم بالاعتراض مستنكرا: ليش [= لماذا] لا تتحدث عن «أبو ثقب...